‫رسالة عامة بابوية‬ ‫كُ ْن مُسَبَّحا‬ ‫’‪LAUDATO SI‬‬ ‫حول العناية بالبيت المشترك‬ ‫‪« .1‬كُ ْن مُسََّبحا‪ ،‬يا سيِّدي» ( ’‪LAUDATO SI’, mi‬‬ ‫األسيزي أن‬ ‫‪ :)Signore‬هكذا اعتاد ّ‬ ‫القديس فرنسيس ّ‬ ‫النشيد الجميل‪ ،‬بأن‬ ‫يرّنم‪ .‬كان يذ ّكرنا‪ ،‬من خالل هذا ّ‬ ‫بيتنا المشترك هو أيضا كأخت لنا‪ ،‬نتشارك معها‬ ‫الوجود‪ ،‬وكأم جميلة تحتضننا بين ذراعيها‪ُ " .‬ك ْن‬ ‫‪1‬‬ ‫أمنا األرض‪ ،‬التي تَ ِ‬ ‫حملُنا‬ ‫ُم َسَّبحا‪ ،‬يا سيِّدي‪ ،‬ألختنا و ِّ‬ ‫ِ‬ ‫مع ز ٍ‬ ‫ملونة وأعشاب"‪.1‬‬ ‫تج ا‬ ‫هور َّ‬ ‫ثمار ِّ‬ ‫حكمنا وتُن ُ‬ ‫متنوعة َ‬ ‫وتَ ُ‬ ‫‪ .2‬أختنا هذه تحتّج على األذى الذي نلحقه بها‪ ،‬بسبب‬ ‫االستعمال غير المسؤول وانتهاك الخيرات التي وضعها‬ ‫اهلل فيها‪ .‬لقد نشأنا معتقدين أنها ُمْل ِكِّيةٌ لنا وبأننا‬ ‫ومباح لنا ننهبها‪ .‬إن العنف القاطن‬ ‫المسيطرون عليها‬ ‫ٌ‬ ‫في القلب اإلنساني المجروح بالخطيئة َيظهر أيضا من‬ ‫خالل أعراض المرض التي نالحظها في التربة وفي‬ ‫الحية‪ .‬لهذا‪ِ ،‬‬ ‫فم ْن بين‬ ‫المياه وفي الهواء وفي الكائنات ّ‬ ‫ًّ‬ ‫تعرضا لإلهمال ولسوء المعاملة‪ ،‬توجد‬ ‫األكثر‬ ‫الفقراء‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫آالم‬ ‫خربة‪ ،‬التي "تَئِ ُّن ِمن‬ ‫الم َّ‬ ‫أرضنا المظلومة و ُ‬ ‫المخاض" (روم ‪ .)22 ،8‬ننسى أننا نحن أيضا تراب‬ ‫َ‬ ‫مكون من عناصر‬ ‫(را‪ .‬تك ‪ .)7 ،2‬جسدنا ذاته ّ‬ ‫األرض‪ ،‬وهواؤها هو الذي نتنسمه وماؤها هو الذي‬ ‫ويجددنا‪.‬‬ ‫ينعشنا‬ ‫ّ‬ ‫‪1‬‬ ‫األسيزي‪ ،‬نشيد‬ ‫فرنسيس‬ ‫ّ‬ ‫)‪.263 ،Francescane (FF‬‬ ‫المخلوقات‪،‬‬ ‫‪2‬‬ ‫مصادر فرنسيسكانية ‪Fonti‬‬ ‫ال شيء في هذا العالم يجعلنا غير مبالين‬ ‫‪ .3‬منذ أكثر من خمسين سنة‪ ،‬وبينما كان العالم‬ ‫يتأرجح على شفير أزمة نووية‪ ،‬كتب القديس البابا يوحنا‬ ‫الثالث والعشرون رسالة عامة‪ ،‬لم يشأ من خاللها رفض‬ ‫وجه‬ ‫للسالم‪ .‬وقد ّ‬ ‫الحرب وحسب‪ ،‬بل وأراد تقديم مقترح ّ‬ ‫رسالته السالم في األرض (‪ )Pacem in terris‬إلى‬ ‫ك ّل العالم الكاثوليكي‪ ،‬ولكنه أضاف والى جميع‬ ‫الصالحة‪ .‬أما اآلن‪ ،‬وأمام‬ ‫األشخاص ذوي اإلرادة‬ ‫ّ‬ ‫أتوجه إلى ك ّل‬ ‫فإني أريد أن‬ ‫تدهور البيئة‬ ‫العالمي‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الرسولي فرح‬ ‫شخص يسكن هذا الكوكب‪ .‬في إرشادي‬ ‫ّ‬ ‫توجهت إلى‬ ‫اإلنجيل (‪)Evangelii gaudium‬‬ ‫ّ‬ ‫إرسالي ال تزال‬ ‫أعضاء الكنيسة‪ ،‬لتحريك عملية إصالح‬ ‫ّ‬ ‫قيد التنفيذ‪ .‬في هذه الرسالة العامة‪ ،‬أقترح بشكل خاص‬ ‫الدخول في حوار مع الجميع حول بيتنا المشترك‪.‬‬ ‫‪ .4‬بعد ثماني سنوات على صدور السالم في األرض‪،‬‬ ‫في ‪ ،1971‬أشار الطوباوي البابا بولس السادس إلى‬ ‫ِ‬ ‫مقدما إياها كأزمة هي "نتيجة‬ ‫المشكلة اإليكولوجية‪ّ ،‬‬ ‫مأساوية" لممارسات الكائن البشري غير الخاضعة‬ ‫عرض‬ ‫للرقابة‪" :‬إنه‪ ،‬من خالل استغالل مفرط للطبيعة‪ُ ،‬ي ّ‬ ‫نفسه ألن يكون ِ‬ ‫بدوره ضحيةَ‬ ‫األرض للتدمير ُ‬ ‫َ‬ ‫عرض َ‬ ‫وي ّ‬ ‫‪3‬‬ ‫تحدث أيضا أمام منظّمة األغذية‬ ‫هذا التدهور"‪.2‬‬ ‫ّ‬ ‫بيئية‬ ‫والزراعة (‪ )FAO‬عن‬ ‫إمكانية‪" ،‬حدوث كارثة ّ‬ ‫ّ‬ ‫كرد فعل على ثقل وطأة الحضارة‬ ‫حقيقية‪،...‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الملحة والحاجة‬ ‫"الضرورة‬ ‫الصناعية"‪ ،‬الفتا االنتباه إلى‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫اإلنسانية"‪ ،‬ألن "االنجازات‬ ‫ي في سلوك‬ ‫إلى‬ ‫ّ‬ ‫تغيير جذر ّ‬ ‫العلميِّة األكثر روعة‪ ،‬والمنجزات التقنية األكثر إدهاشا‪،‬‬ ‫االقتصادي األكثر إبهارا‪ ،‬إن لم تَ ُكن ُمقرونة‬ ‫والنمو‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫أصيل‪ ،‬فإنها‪ ،‬في نهاية‬ ‫أخالقي‬ ‫اجتماعي و‬ ‫بتقدٍم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫المطاف‪ ،‬ستنقلب على اإلنسان"‪.3‬‬ ‫القديس يوحنا بولس الثاني بهذا الموضوع‬ ‫‪ .5‬قد َّ‬ ‫اهتم ّ‬ ‫اهتماما متزايدا‪ .‬وقد الحظ في رسالته العامة األولى أن‬ ‫"ليس للبيئة الطبيع ّية في نظر اإلنسان‪ ،‬على ما يبدو‪،‬‬ ‫من نعنى إالّ أن يستغلّها ألغراضه اآلنية ويستخدمها‬ ‫لالستهالك المباشر"‪ ،4‬ومن ثم دعا إلى توبة بيئية‬ ‫‪2‬‬ ‫الرسالة الرسولية الذكرى الثمانون ‪ 14( Octogesima adveniens‬مايو‪/‬أيار‬ ‫‪3‬‬ ‫خطاب أمام منظمة التغذية العالمية (‪ )FAO‬في الذكرى الـ ‪16( 25‬‬ ‫‪ :21 ،)1971‬أعمال الكرسي الرسولي ‪.417 – 416 ،)1971( 63‬‬ ‫نوفمبر‪/‬تشرين الثاني ‪ :4 ،)1970‬أعمال الكرسي الرسولي ‪،)1970( 62‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪.833‬‬ ‫الرسالة العامة‪ ،‬فادي اإلنسان ‪ 4( Redemptor hominis‬مارس‪/‬آذار‬ ‫‪ :15 ،)1979‬أعمال الكرسي الرسولي ‪.287 ،)1979( 71‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪5‬‬ ‫لفت االنتباهَ على أننا‬ ‫عامة ‪ .‬لكنه في الوقت عينه َ‬ ‫األدبية لصيانة البيئة‬ ‫"التقيد بال ّشروط‬ ‫نلتزم قليال جدا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫البشرّية صيانة صحيحة"‪ .6‬إن تدمير البيئة البشرّية هو‬ ‫أمر بغاية الخطورة‪ ،‬ليس ألن اهلل لم ِ‬ ‫العالم إلى‬ ‫يوكل‬ ‫َ‬ ‫الكائن البشري وحسب‪ ،‬بل ألن الحياة اإلنسانية بذاتِها‬ ‫ِ‬ ‫المتعددة‪.‬‬ ‫أشكال التََرّدي‬ ‫عطيةٌ يجب حمايتِها من‬ ‫هي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُّ‬ ‫يتطلب‬ ‫إن ك ّل طموح يرمي إلى رعاية وتطوير العالم‬ ‫تغيير عميقا في "أنماط الحياة وأساليب اإلنتاج‬ ‫ا‬ ‫واالستهالك‪ ،‬والبنيات السلطوية القائمة التي تسوس‬ ‫المجتمعات المعاصرة"‪ .7‬لدى التنمية البشرية األصيلة‬ ‫طابع أخالقي‪ ،‬يفترض االحترام الكامل للشخص‬ ‫اإلنساني‪ ،‬بل ويجب عليه االنتباه أيضا إلى العالم‬ ‫الطبيعي "والنظر في طبيعة كل كائن وفي عالقاته‬ ‫منسق هو الكوزموس [الكون]"‪.8‬‬ ‫المتبادلة‪ ،‬ضمن نظام ّ‬ ‫‪5‬‬ ‫را‪ .‬المقابلة العامة (‪ 17‬يناير‪/‬كانون الثاني ‪ :)2001‬تعاليم ‪Insegnamenti‬‬ ‫‪6‬‬ ‫الرسالة العامة‪ ،‬السنة المئة ‪ 1( Centesimus annus‬مايو‪/‬أيار ‪،)1991‬‬ ‫‪7‬‬ ‫نفس المرجع‪.863 :58 ،‬‬ ‫‪.179 ،)2001( 1/24‬‬ ‫‪ :38‬أعمال الكرسي الرسولي ‪.841 ،)1991( 83‬‬ ‫‪ 8‬يوحنا بولس الثاني‪ ،‬الرسالة العامة االهتمام بالشأن االجتماعي ‪Sollicitudo rei‬‬ ‫‪ 30( socialis‬ديسمبر‪/‬كانون األول ‪ .34 ،)1987‬أعمال الكرسي الرسولي ‪80‬‬ ‫(‪.559 ،)1988‬‬ ‫‪5‬‬ ‫لهذا‪ ،‬يجب على قدرة الكائن البشري على تغيير الواقع‬ ‫أن تنمو على أساس الهبة األولى واألصلية لألشياء كما‬ ‫خرجت من يدي اهلل‪.9‬‬ ‫‪َ .6‬ج َّد َد َسلَ ِفي بِنِدكتُس السادس عشر الدعوةَ "إلى‬ ‫ِ‬ ‫لهيكلي ِة الختالالت االقتصاد‬ ‫القضاء على‬ ‫األسباب ا ّ‬ ‫التقدم التي تبدو غير قادرة‬ ‫العالمي والى إصالح نماذج ّ‬ ‫على تأمين احترام البيئة"‪َّ .10‬‬ ‫وذكر أنه ال يمكن تحليل‬ ‫العالم فقط عن طريق عزل أحد جوانبه‪ ،‬ألن «كتاب‬ ‫يتجز» وهو يتضمن البيئة والحياة‬ ‫الطبيعة هو واحد وال ّأ‬ ‫والجنس والعائلة والعالقات االجتماعية‪ ،‬وجوانب أخرى‪.‬‬ ‫ثم‪" ،‬فإن تدهور الطبيعة هو أمر مرتبط ارتباطا‬ ‫ومن َّ‬ ‫وثيقا بالثقافة التي تَصيغ التعايش اإلنساني"‪ .11‬لقد‬ ‫اقترح علينا البابا بِنِدكتُس االعتراف بأن البيئة الطبيعية‬ ‫ثخ َنةٌ بجراح أحدثها سلوكنا غير المسؤول‪ .‬كما أن‬ ‫ُم َ‬ ‫البيئة االجتماعية أيضا لديها جراحها‪ .‬لكنها كلّها في‬ ‫‪9‬‬ ‫را‪ .‬نفس الكاتب‪ ،‬الرسالة العامة السنة المئة ‪1( Centesimus annus‬‬ ‫‪10‬‬ ‫خطاب أمام السلك الدبلوماسي المعتمد لدى الكرسي الرسولي (‪ 8‬يناير‪/‬كانون‬ ‫‪11‬‬ ‫الرسالة العامة المحبة في الحقيقة ‪ 29( Caritas in veritate‬يونيو‪/‬حزيران‬ ‫مايو‪/‬أيار ‪ :37 ،)1991‬أعمال الكرسي الرسولي ‪.840 ،)1991( 83‬‬ ‫الثاني ‪ :)2007‬أعمال الكرسي الرسولي ‪.73 ،)2007( 99‬‬ ‫‪ :51 ،)2009‬أعمال الكرسي الرسولي ‪.687 ،)2009( 101‬‬ ‫‪6‬‬ ‫الشر‪ ،‬أي عن االعتقاد بأنه ال‬ ‫الواقع ناجمةٌ عن ذات ّ‬ ‫تقود حياتَنا‪ ،‬وبالتالي فما من حدوٍد‬ ‫توجد حقائق ثابتة ُ‬ ‫ِ‬ ‫مجرد‬ ‫للحرية اإلنسانية‪ .‬إننا ننسى أن "اإلنسان ليس ّ‬ ‫ّ‬ ‫نفسه‪ .‬إنه‬ ‫حرية تخلق ذاتها بذاتها‪ .‬فاإلنسان ال َي ْخلُق َ‬ ‫ّ‬ ‫روح وارادة‪ ،‬ولكنه أيضا طبيعة"‪ .12‬وقد دعانا‪ ،‬بقل ٍ‬ ‫ق‬ ‫أبويٍّ‪ ،‬إلى االعتراف بأن الخليقة تتعرض للخطر "في‬ ‫مرة يكون لنا فيها السلطة النهائية‪ ،‬وحين نعتبر أن‬ ‫ك ّل ّ‬ ‫كل األشياء في مجملها هي وبكل بساطة ملكنا‪،‬‬ ‫ونستهلكها ألنفسنا وحسب‪ .‬إن تبديد الخليقة يبدأ عندما‬ ‫ال نعترف بوجود أية سلطة أعلى َّ‬ ‫منا‪ ،‬بل وال نرى سوى‬ ‫أنفسنا"‪.13‬‬ ‫متّحدون في هم واحد‬ ‫‪ .7‬تجمع مساهمات الباباو ِ‬ ‫ِ‬ ‫الكثير من‬ ‫ات هذه خواطر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الالهوتيين والمنظّمات االجتماعية‬ ‫الفالسفة و‬ ‫العلماء و‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫الكنيسة في قضايا كهذه‪ .‬لكن ال‬ ‫فكر‬ ‫الذين َ‬ ‫أغنوا َ‬ ‫‪12‬‬ ‫خطاب أمام البرلمان األلماني‪ ،‬برلين (‪ 22‬سبتمبر‪/‬أيلول ‪ :)2011‬أعمال‬ ‫‪13‬‬ ‫خطاب أمام كهنة أبرشية بولزانو‪-‬بريسّانوني ‪6( Bolzano-Bressanone‬‬ ‫الكرسي الرسولي ‪.664 ،)2011( 103‬‬ ‫أغسطس‪/‬آب ‪ :)2008‬أعمال الكرسي الرسولي ‪.634 ،)2008( 100‬‬ ‫‪7‬‬ ‫يمكننا تجاهل أن خارج الكنيسة الكاثوليكية أيضا‪ ،‬هناك‬ ‫مسيحية أخرى ‪ -‬وكذلك ديانات‬ ‫كنائس وجماعات‬ ‫ّ‬ ‫وفكر ثمينا حول هذه‬ ‫ا‬ ‫طورت اهتماما عميقا‬ ‫أخرى ‪ -‬قد ّ‬ ‫المواضيع التي تشغلنا جميعا‪ .‬ولالستشهاد بمثال واحد‬ ‫جدير بالمالحظة‪ ،‬أريد أن أسترجع بِ ْ ِ‬ ‫ص ٍار مساهمةَ‬ ‫اخت َ‬ ‫البطريرك المسكوني بارثولوميوس‪ ،‬والذي معه نتشارك‬ ‫رجاء الشركة الكنسية التامة‪.‬‬ ‫‪ .8‬قد أشار البطريرك بارثولوميوس بشكل خاص إلى‬ ‫ضرورة أن يتوب كل واحد عن طريقته الخاصة في‬ ‫اإلساءة للكوكب‪ ،‬ألن «بقدر ما ُيلحق كل واحد منا‬ ‫ار صغيرة بالبيئة»‪ ،‬بقدر ما نحن مدعوون‬ ‫أضر ا‬ ‫لالعتراف "بإسهامنا‪ ،‬الصغير أو الكبير‪ ،‬في تشويه‬ ‫ار‬ ‫البيئة وتدميرها"‪ .14‬في هذا السياق‪ ،‬قد حثنا تكر ا‬ ‫وبحزم وتحفيز على االعتراف بالخطايا ضد الخليقة‪:‬‬ ‫"فأن ِ‬ ‫تدمر الكائنات البشرية التنوع البيولوجي في خليقة‬ ‫اهلل؛ وأن تُلحق الكائنات البشرية الضرر بسالمة‬ ‫األرض‪ ،‬م ِ‬ ‫ساه َمة في التغيير المناخي‪ ،‬وفي تجريد‬ ‫ُ‬ ‫‪ 14‬رسالة ليوم الصالة من أجل حماية الخلق ‪Messaggio per la Giornata -‬‬ ‫‪ 1( di preghiera per la salvaguardia del creato‬سبتمبر‪/‬أيلول‬ ‫‪.)2012‬‬ ‫‪8‬‬ ‫األرض من غاباتها الطبيعية أو تدمير المناطق الرطبة‬ ‫‪i‬‬ ‫أو تلويث الكائنات البشرية مياه األرض وتربتها وهوائها‬ ‫وحياتها‪ ،‬بالمواد السامة‪ :‬فأن هذه كلها هي خطايا"‪.15‬‬ ‫"أي جريمة ضد الطبيعة هي جريمة ضد أنفسنا‬ ‫ألن ّ‬ ‫وهي خطيئة ضد اهلل"‪.16‬‬ ‫ت بارثولوميوس االنتباهَ إلى‬ ‫‪ .9‬في الوقت عينه‪ ،‬لَفَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الروحية للمشاكل البيئية‪ ،‬والتي‬ ‫األخالقية و‬ ‫الجذور‬ ‫تدعونا إلى البحث عن حلول ال توجد في التقنية‬ ‫وحسب‪ ،‬بل وأيضا في تغي ٍِّر للكائن البشري‪ ،‬وا ّال فإننا‬ ‫اض فقط‪ .‬لقد اقترح علينا العبور من‬ ‫نجابه األعر َ‬ ‫االستهالك إلى التضحية‪ ،‬ومن الجشع إلى السخاء‪،‬‬ ‫ومن الهدر إلى القدرة على المشاركة‪ ،‬في تزُّه ٍد "يعني‬ ‫فضل‪ .‬فاالنتقال‬ ‫تعلُّم العطاء وليس فقط مجرد التَ ّ‬ ‫التدريجي مما أريده أنا إلى ما يحتاجه عالم اهلل‪ ،‬هو‬ ‫أسلوب في عيش المحبة‪ .‬وهو تحرر من الخوف‪،‬‬ ‫‪15‬‬ ‫خطاب في سانتا بربرا‪ ،‬كاليفورنيا (‪ 8‬نوفمبر‪/‬نشرين الثاني ‪)1997‬؛ را‪ .‬جون‬ ‫كريسافجيس‪ ،‬على األرض كما في السماء‪ :‬نظرة إيكولوجية ومبادرات البطريرك‬ ‫المسكوني بارثولوميوس ‪-‬‬ ‫‪On Earth as in Heaven: Ecological‬‬ ‫‪،Vision and Initiatives of Ecumenical Patriarch Bartholomew‬‬ ‫‪16‬‬ ‫برونكس‪ ،‬نيويورك‪.2012 ،‬‬ ‫نفس المرجع‪.‬‬ ‫‪9‬‬ ‫والجشع‪ ،‬والتوا ُكل"‪ .17‬أننا مدعوون أيضا‪ ،‬نحن‬ ‫المسيحيين‪ ،‬إلى "قبول العالم َك ِسِّر َش ِرَك ٍة‪ ،‬كنوع من‬ ‫المشاركة مع اهلل ومع القريب على نطاق عالمي‪ .‬إنه‬ ‫اعتقادنا المتواضع بأن اإللهي واإلنساني يلتقيان حتى‬ ‫في أدق تفاصيل ثوب الخليقة المتناغم الذي َحا َكه اهلل‪،‬‬ ‫وصوال إلى أصغر نقطة غبار من كوكبنا"‪.18‬‬ ‫القديس فرنسيس األسّيزي‬ ‫‪ .10‬ال أريد متابعة هذه الرسالة العامة قبل التوقف عند‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫وكإلهام‪،‬‬ ‫كمرش ٍد‬ ‫اسمه‬ ‫ومحفز‪ .‬وقد‬ ‫ُ‬ ‫اتخذت َ‬ ‫مثال رائع ُ‬ ‫لحظة انتخابي أسقُفا لروما‪ .‬أعتقد أن القديس فرنسيس‬ ‫هو المثال النموذجي لالعتناء بما هو ضعيف وفي‬ ‫إيكولوجية شاملة‪ ،‬عاشهما بفرح وبأصالة‪ .‬إنه شفيع‬ ‫جميع الذين يدرسون ويعملون في مجال اإليكولوجية‪،‬‬ ‫وهو محبوب أيضا من الكثيرين من غير المسيحيين‪.‬‬ ‫‪17‬‬ ‫محاضرة في دير أوتشتاين ‪،Conferenza al Monastero di Utstein -‬‬ ‫نرويج (‪ 23‬يونيو‪/‬حزيران ‪.)2003‬‬ ‫‪ 18‬خطاب «المسؤوليّة العالمية واالستدامة البيئيّة‪ :‬مالحظات ختامية» ‪Global -‬‬ ‫‪Responsibility and Ecological Sustainability: Closing‬‬ ‫‪ ،Remarks‬قمة هيلقي‪ ،‬اسطنبول (‪ 20‬يونيو‪/‬حزيران ‪.)2012‬‬ ‫‪10‬‬ ‫لقد أظهر اهتماما خاصا بخليقة اهلل وبالمهملين أكثر‪،‬‬ ‫وباألكثر فقرا‪ .‬كان يحب وكان محبوبا بسبب فرحه‪،‬‬ ‫وتفانيه السخي‪ ،‬وعالمية قلبه‪ .‬كان متصوفا ومتجوال‬ ‫يعيش ببساطة وفي انسجام رائع مع اهلل‪ ،‬ومع اآلخرين‪،‬‬ ‫ومع الطبيعة‪ ،‬ومع ذاته‪ .‬فيه نشعر إلى إي حد يصعب‬ ‫الفصل بين االهتمام بالطبيعة‪ ،‬والعدالة تجاه الفقراء‪،‬‬ ‫وااللتزام في المجتمع‪ ،‬والسالم الداخلي‪.‬‬ ‫شهادتُه تُ ّبين لنا أيضا أن اإليكولوجية الشاملة‬ ‫‪ .11‬إن‬ ‫َ‬ ‫تَتَطلّب انفتاحا على ٍ‬ ‫تتجاوز لغةَ العلوم المجردة أو‬ ‫فئات‬ ‫ُ‬ ‫علم األحياء‪ ،‬وتربطنا بما هو اساس البشرية‪ .‬كما‬ ‫يحدث بالتمام عندما نقع في عشق شخص ما‪ ،‬ففي كل‬ ‫مرة كان ينظر القديس فرنسيس إلى الشمس أو القمر أو‬ ‫الحيوانات الصغيرة‪ ،‬كانت ردة فعله هي اإلنشاد‪ُ ،‬مشركا‬ ‫كل المخلوقات في هذا التسبيح‪ .‬لقد كان يتواصل مع‬ ‫كل الخليقة‪ ،‬فكان يعظ حتى الزهور ويدعوها "إلى أن‬ ‫سبح اهلل وتحبه‪ ،‬كما ولو كانت تتمتع بالفهم"‪ .19‬كانت‬ ‫تُ َ‬ ‫ردة فعله أكثر من مجرد تقدير ذهني أو حساب‬ ‫اقتصادي‪ ،‬ألن كل مخلوق بالنسبة إليه كان أخا‪ ،‬تربطه‬ ‫‪19‬‬ ‫توما التشيالني‪ ،‬حياة القديس فرنسيس‪ :81 ،XXIX ،‬مصادر فرنسيسكانية‬ ‫‪.460‬‬ ‫‪11‬‬ ‫به أواصر المودة‪ .‬لهذا كان يشعر أنه مدعو لالعتناء‬ ‫بجميع الموجودات‪ .‬وقد روى أحد تالميذه‪ ،‬القديس‬ ‫بونافينتورا‪ ،‬أنه "انطالقا من اعتبار أن لجميع األشياء‬ ‫أصل مشترك‪ ،‬كان يشعر بأنه مغمور برأفة أكبر‪ ،‬وكان‬ ‫يدعو المخلوقات‪ ،‬مهما كانت صغيرة‪ ،‬أخا وأختا"‪ .20‬ال‬ ‫يمكن ازدراء هذه القناعة وكأنها رومانسية غير‬ ‫عقالنية‪ ،‬ألنها تؤثر على الخيارات التي تحدد‬ ‫تصرفاتنا‪ .‬فإن اقتربنا من الطبيعة ومن البيئة بدون هذا‬ ‫االنفتاح على الذهول واالندهاش‪ ،‬وان لم نتكلم بعد لغة‬ ‫األخوة والجمال في عالقتنا مع العالم‪ ،‬فإن تصرفاتنا‬ ‫ّ‬ ‫ستكون تصرفات المتسلط والمستهلك أو المستغل‬ ‫حد لمصالحه‬ ‫للموارد الطبيعية‪ ،‬غير القادر على وضع ّ‬ ‫العاجلة‪ .‬والعكس صحيح‪ ،‬فإن شعرنا بأننا متّحدون‬ ‫اتحادا وثيقا بكل شيء موجود‪ ،‬فإن الرصانة واالكتراث‬ ‫سيتدفقان في داخلنا بطريقة عفوية‪ .‬إن فقر وتق ّشف‬ ‫ًّ‬ ‫أمر‬ ‫خارجيا بحتا وانما ا‬ ‫القديس فرنسيس لم يكونا زهدا‬ ‫أكثر جذرية‪ :‬إنه التخلي عن جعل الواقع مجرد غرض‬ ‫لالستخدام والتسلط‪.‬‬ ‫‪20‬‬ ‫األسطورة الكبرى ‪ :6 ،VIII ،Legenda Maior‬مصادر فرنسيسكانية ‪.1145‬‬ ‫‪12‬‬ ‫‪ .12‬من جهة أخرى‪ ،‬يقترح علينا القديس فرنسيس‪،‬‬ ‫عبر أمانته للكتاب المقدس‪ ،‬االعتراف بالطبيعة ككتاب‬ ‫رائع يكلمنا اهلل من خالله‪ ،‬وينقل إلينا بعضا من عظمته‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وجمالَها ُي َؤِّد ِ‬ ‫يان‬ ‫الم ْخلوقات َ‬ ‫ومن صالحه‪" .‬إ َّن َعظَ َمةَ َ‬ ‫بِ ِ‬ ‫الق ِ‬ ‫ياس إِلى التَأَمل في خالِ ِقها" (حك ‪" )5 ،13‬وال َي از ُل‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُلوهيتُه‪،‬‬ ‫درتُه األ ََزلَِّيةُ وأ َ‬ ‫ما ال َيظهَُر من صفاته‪ ،‬أَي قُ َ‬ ‫ِ‬ ‫ظاه ار لِ َلبصائِ ِر في َمخلوقاتِه" (روم ‪ .)20 ،1‬لهذا‬ ‫ِ‬ ‫بستان الخض اروات‬ ‫السبب كان يطلب ترك جزٍء في‬ ‫الخاص بالدير بدون زراعة كي تنمو فيه النباتات‬ ‫ب بها أن يرفع فكره إلى‬ ‫عج ُ‬ ‫لم ْن ُي َ‬ ‫البريِّة‪ ،‬بحيث يمكن َ‬ ‫اهلل‪ُ ،‬مبدع هذا الجمال كله‪ .21‬إن العالم هو أكثر من‬ ‫مجرد مشكلة تحتاج ٍ‬ ‫لحل‪ ،‬إنه ِسٌر ُم ِ‬ ‫فرٌح نتأمله في‬ ‫غبطة وتسبيح‪.‬‬ ‫ندائي‬ ‫‪ .13‬إن التحدي العاجل لحماية بيتنا المشترك يشمل‬ ‫الحرص على توحيد العائلة البشرية بأسرها في البحث‬ ‫َ‬ ‫‪21‬‬ ‫را‪ .‬توما التشيالني‪ ،‬حياة القديس فرنسيس‪ :165 ،CXXIV ،‬مصادر‬ ‫فرنسيسكانية ‪.750‬‬ ‫‪13‬‬ ‫عن تنمية مستدامة وشاملة‪ ،‬ألننا نعرف أن األمور‬ ‫يمكن تغيرها‪ .‬فالخالق ال يهملنا‪ ،‬وهو ال يتراجع أبدا‬ ‫للخلف في مشروع محبته‪ ،‬وال يندم على أنه خلقنا‪ .‬وما‬ ‫زال بإمكان البشرية أن تتعاون من أجل تعمير بيتنا‬ ‫المشترك‪ .‬وهنا أريد التعبير عن االمتنان‪ ،‬وتشجيع‬ ‫وشكر جميع الذين‪ ،‬في مختلف مجاالت النشاط‬ ‫البشري‪ ،‬يعملون على تأمين حماية البيت الذي نتشارك‬ ‫شكر خاصا أولئك الذين يناضلون ببأس‬ ‫ا‬ ‫به‪ .‬ويستحقون‬ ‫لمعالجة عواقب التدهور البيئي المأساوية في حياة‬ ‫فقر في العالم‪ .‬إن الشباب ُيطَالبنا‬ ‫األشخاص األكثر ا‬ ‫بتغيير‪ .‬وهم يتساءلون كيف يمكن االدعاء ببناء‬ ‫مستقبل أفضل بدون التفكير في األزمة البيئية وفي‬ ‫معاناة المستبعدين‪.‬‬ ‫أوجه دعوة عاجلة لتجديد الحوار حول األسلوب‬ ‫‪ّ .14‬‬ ‫الذي نتبعه في بناء مستقبل الكوكب‪ .‬إننا بحاجة إلى‬ ‫إجراء مقارنة تجمعنا كلنا‪ ،‬ألن التحدي البيئي الذي‬ ‫نواجهه‪ ،‬وجذوره البشرية‪ ،‬تعنينا وتمسنا جميعنا‪ .‬لقد‬ ‫قطعت الحركة اإليكولوجية العالمية شوطا طويال ًّ‬ ‫وغنيا‪،‬‬ ‫وأثمرت مجموعات عديدة من المواطنين الذين ساهموا‬ ‫في إحياء الوعي‪ .‬لكن لألسف‪ ،‬الكثير من الجهود‬ ‫‪14‬‬ ‫المبذولة للبحث عن حلول ملموسة لألزمة البيئية غالبا‬ ‫ما يصيبها االحباطُ ليس فقط بسبب رفض أصحاب‬ ‫السلطة‪ ،‬وانما أيضا بسبب عدم اكتراث اآلخرين‪.‬‬ ‫وتتأرجح المواقف التي تعيق ُسُبل الحلول‪ ،‬حتى بين‬ ‫المؤمنين‪ ،‬بين نفي المشكلة وعدم االكتراث لها أو‬ ‫االستسالم الرخو أو الثقة العمياء بالحلول التقنية‪ .‬إننا‬ ‫بحاجة مجددا إلى تضامن عالمي‪ .‬كما قال أساقفة‬ ‫جنوب أفريقيا‪" :‬إن مواهب ومشاركة الجميع هي‬ ‫ضرورية إلصالح األضرار الناجمة عن تعدي البشر‬ ‫على خليقة اهلل"‪ .22‬فباستطاعتنا جميعا التعاون كأدوات‬ ‫هلل من أجل العناية بالخليقة‪ٌّ ،‬‬ ‫كل عبر ثقافته وخبرته‬ ‫الخاصة‪ ،‬وعبر مبادراته وقدراته الخاصة‪.‬‬ ‫‪ .15‬أتمنى أن تساعدنا هذه الرسالة العامة‪ ،‬مضافة‬ ‫إلى التعليم االجتماعي للكنيسة‪ ،‬على االعتراف بعظمة‬ ‫سأمر‬ ‫وضرورة وجمال التحدي الذي يواجهنا‪ .‬بداية‪ُ ،‬‬ ‫مرور سريعا على مختلف جوانب األزمة اإليكولوجية‬ ‫ا‬ ‫الحالية‪ ،‬من أجل الحصول على أفضل نتائج األبحاث‬ ‫العلمية المتوفرة حتى اليوم‪ ،‬والسماح لها بأن تلمسنا في‬ ‫‪22‬‬ ‫مجلس أساقفة أفريقيا الجنوبية‪ ،‬بيان رعوي حول األزمات البيئية ‪Pastoral‬‬ ‫‪ 5( Statement on the Environmental Crisis‬سبتمبر‪/‬أيلول ‪.)1999‬‬ ‫‪15‬‬ ‫العمق ووضع أساس متين للمسار األخالقي والروحي‬ ‫الذي يستمر‪ .‬وانطالقا من هذا العرض‪ ،‬سأتناول مجددا‬ ‫بعض المسائل التي تنبع من التقليد اليهودي‪-‬المسيحي‪،‬‬ ‫بهدف إعطاء المزيد من التوافق اللتزامنا من أجل‬ ‫البيئة‪ .‬ثم‪ ،‬سأحاول الولوج إلى جذور الوضع الحالي‪،‬‬ ‫كي أجني منها‪ ،‬ليس فقط األعراض وانما األسباب‬ ‫العميقة‪ .‬سيكون باستطاعتنا هكذا أن نقترح إيكولوجية‬ ‫تحتوي‪ ،‬في أبعادها المختلفة‪ ،‬المكان المحدد الذي‬ ‫يحتله الكائن البشري في هذا العالم وعالقاته بالواقع‬ ‫الذي يحيط به‪ .‬على ضوء هذا التأمل‪ ،‬أود القيام‬ ‫بخطوة لألمام في طرح بعض الخطوط العريضة للحوار‬ ‫وللعمل التي تُ ِ‬ ‫شرك على حد السواء كل واحد منا‬ ‫والسياسة الدولية‪ .‬في النهاية‪ ،‬وألنني مقتنع بأن كل‬ ‫تغيير يحتاج إلى دوافع والى مسيرة تعليمية‪ ،‬سوف‬ ‫أقترح بعض خطوط للنضج اإلنساني ُمستلهَ َمة من كنز‬ ‫الخبرة الروحية المسيحية‪.‬‬ ‫‪ .16‬إن كل فصل‪ ،‬بالرغم من أن له موضوعه المحدد‬ ‫ومنهجيته الخاصة‪ ،‬سيتناول بدوره‪ ،‬من منظور جديد‪،‬‬ ‫مسائل مهمة‪ ،‬قد تم التعرض لها في الفصول السابقة‪.‬‬ ‫وهذا يتعلق خاصة ببعض المحاور التي تتخلَّل الرسالة‬ ‫‪16‬‬ ‫بكاملها‪ .‬على سبيل المثال‪ :‬العالقة الوثيقة بين الفقراء‬ ‫وهشاشة األرض؛ االقتناع بأن كل شيء في العالم هو‬ ‫مت اربط ارتباطا عميقا؛ نقد النموذج الجديد وأشكال‬ ‫السلطة الناجمة عن التكنولوجية؛ الدعوة للبحث عن‬ ‫طرق أخرى لفهم االقتصاد والتقدم؛ القيمة الخاصة لكل‬ ‫مخلوق؛ المعنى اإلنساني لإليكولوجية؛ ضرورة القيام‬ ‫بمناظرات صادقة ونزيهة؛ المسؤولية الخطيرة التي‬ ‫الهدر واقتراح‬ ‫تتحملها السياسة الدولية والمحلية؛ ثقافة ّ‬ ‫أسلوب حياة جديدة‪ .‬إنها موضوعات ال يتم أبدا االنتهاء‬ ‫من دراستها أو اإلعراض عنها‪ ،‬ولكنها‪ ،‬على العكس‪،‬‬ ‫تُ ّدرس وتُعمق باستمرار‪.‬‬ ‫‪17‬‬ ‫الفصل األول‬ ‫ما يحدث لبيتنا المشترك‬ ‫‪ .17‬إن التأمالت الالهوتيِّة والفلسفيِّة‪ ،‬حول وضع‬ ‫البشرية والعالم‪ ،‬يمكن أن تبدو كرسائل مكررة وخاوية‬ ‫نفسها مجددا انطالقا من مواجهة مع‬ ‫إن لم تطرح ّ‬ ‫السياق الحالي‪ ،‬بما فيه من مستجدات لتاريخ البشرية‪.‬‬ ‫التعرف على كيف أن اإليمان يولّد حوافز‬ ‫لهذا‪ ،‬وقبل‬ ‫ّ‬ ‫ومتطلّبات جديدة في وجه العالم الذي ننتمي إليه‪ ،‬فإني‬ ‫أقترح التوقف بإيجاز للنظر لما يحدث لبيتنا المشترك‪.‬‬ ‫‪ .18‬إن السرعة المتزايدة للتغييرات المرتبطة بالبشرية‬ ‫وبالكوكب‪ ،‬تتحد اليوم بتكثيف ايقاعات الحياة والعمل‬ ‫فيما ُيطلق عليه البعض‪ ،‬في اللغة اإلسبانية‬ ‫‪ii‬‬ ‫التغير هو‬ ‫(‪" ،)rapidación‬التراكم التسارعي" ‪ .‬مع أن ّ‬ ‫النظم المركبة‪ ،‬فإن السرعة التي‬ ‫جزء من ديناميات ُ‬ ‫تفرضها التدخالت البشرية اليوم تتناقض مع البطء‬ ‫الطبيعي للتطور البيولوجي‪ُ .‬يضاف إلى هذا مشكلة أن‬ ‫التغير المتسارع والدائم ال تصب بالضرورة‬ ‫أهداف هذا ّ‬ ‫لصالح الخير العام ولتنمية بشرية‪ ،‬مستدامة وشاملة‪.‬‬ ‫بح مقلقا عندما‬ ‫إن ّ‬ ‫التغيير هو أمر ُمستَ َحب‪ ،‬ولكنه يص ُ‬ ‫‪18‬‬ ‫ٍ‬ ‫تدهور للعالم وتقهقر لنوعية حياة السواد‬ ‫َيتَ َح َّو ُل إلى‬ ‫األعظم من البشرية‪.‬‬ ‫التقدم وفي‬ ‫‪ .19‬بعد فترة من الثقة غير المنطقية في ّ‬ ‫القدرات البشرية‪ ،‬فإن جزءا من المجتمع بصدد االقتراب‬ ‫ايد حول‬ ‫ويالحظُ‬ ‫ٌّ‬ ‫وعي متز ٌ‬ ‫من مستوى معرفة أكبر‪ُ .‬‬ ‫البيئة وحول العناية بالطبيعة‪ ،‬وينمو قلق صادق ومؤلم‬ ‫بسبب ما يحدث لكوكبنا‪ .‬لنقم بجولة ‪-‬ستكون بالتأكيد‬ ‫غير كاملة‪ -‬بين تلك المسائل التي تسبب لنا اليوم قلقا‬ ‫ليس بمقدورنا بعد التظاهر بإخفائه‪ .‬الهدف بالتأكيد‬ ‫ليس جمع المعلومات أو إشباع فضولنا‪ ،‬ولكن الوصول‬ ‫وعي مؤلم‪ ،‬وج أرٍة على تحويل ما يحدث للعالم إلى‬ ‫إلى ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫يقدمه كل‬ ‫ألم‬ ‫ٍّ‬ ‫شخصي‪ ،‬وبالتالي تحديد ما يمكن أن ّ‬ ‫فرد‪.‬‬ ‫‪ .I‬التلوث والتغييرات المناخية‬ ‫تلوث‪ ،‬نفايات وثقافة الهدر‬ ‫‪ .20‬يوجد أنواع من التلوث تصيب األشخاص يوميا‪.‬‬ ‫المناخية يتسبب في تأثيرات متعددة‬ ‫فالتعرض للملوثات‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫للغاية على الصحة‪ ،‬وال َّ‬ ‫سيما على األكثر فقرا‪ ،‬ويتسبب‬ ‫‪19‬‬ ‫في الماليين من حاالت الوفاة المبكرة‪ .‬فهم يمرضون‪،‬‬ ‫مثال‪ ،‬بسبب تنشقهم مستويات عالية من الدخان‬ ‫الصادر عن الوقود المستخدم في الطبخ أو التدفئة‪.‬‬ ‫ويضاف إلى هذا‪ ،‬التلوث الذي يؤذي الجميع الناتج عن‬ ‫ترسب مواد تساهم في‬ ‫وسائل النقل‪ ،‬ودخان المصانع‪ ،‬و ّ‬ ‫تحمض التربة والمياه‪ ،‬واألسمدة‪ ،‬والمبيدات الحشرية‪،‬‬ ‫ومبيدات‬ ‫الفطريات‪،‬‬ ‫ومبيدات‬ ‫األعشاب‬ ‫والمواد‬ ‫الم َس ِّم َمة بشكل عام‪ .‬إن التكنولوجيا‪،‬‬ ‫الكيميائية الزراعية ُ‬ ‫تدعي بأنها الحل الوحيد للمشاكل‪،‬‬ ‫المرتبطة بالمالية‪ّ ،‬‬ ‫وهي في الواقع عاجزة عن رؤية ِ‬ ‫"س ّر" العالقات‬ ‫المتعددة القائمة بين األشياء‪ ،‬ولهذا فهي بالتالي‪ ،‬في‬ ‫تجد ًّ‬ ‫حال لمشكلة ما يتسبب بدوره‬ ‫بعض األحيان‪ُ ،‬‬ ‫بمشاكل أخرى‪.‬‬ ‫‪ .21‬يجب أيضا الوضع في الحسبان التلوث الناتج عن‬ ‫النفايات‪ ،‬بما فيها تلك الخطيرة والموجودة في أوساط‬ ‫مختلفة‪ .‬إننا ننتج سنويًّا مئات الماليين من أطنان‬ ‫النفايات‪ ،‬الكثير منها غير قابل للتحلل‪ :‬نفايات منزلية‬ ‫وتجارية‪ ،‬وبقايا أنقاض الهدم‪ ،‬ونفايات طبية‪ ،‬ونفايات‬ ‫إلكترونية أو صناعية سامة للغاية ومشعة‪ .‬إن األرض‪،‬‬ ‫بيتنا المشترك‪ ،‬تبدو وكأنها تتحول‪ ،‬أكثر فأكثر‪ ،‬إلى‬ ‫‪20‬‬ ‫مستودع هائل للقمامة‪ .‬وفي أماكن كثيرة من الكوكب‪،‬‬ ‫المناظر الطبيعية من الماضي‪،‬‬ ‫يتذكر الشيو ُخ بحنين‪،‬‬ ‫َ‬ ‫والتي تبدو اليوم مغمورة بالنفايات‪ .‬فالنفايات الصناعية‪،‬‬ ‫كما هي المنتجات الكيماوية المستخدمة في المدن وفي‬ ‫ًّ‬ ‫أحيائيا‪ iii‬في ُبنية‬ ‫الحقول‪ ،‬بإمكانها أن تحدث تراكما‬ ‫سكان المناطق المتاخمة له‪ ،‬وهو ما يالحظ حتى‬ ‫وبالرغم من انخفاض نسبة المادة السامة الموجودة في‬ ‫المكان‪ .‬وفي كثير من األحيان تؤخذ التدابير الالزمة‬ ‫فقط عند ظهور تأثيرات ال يمكن معالجتها على صحة‬ ‫األشخاص‪.‬‬ ‫‪ .22‬إن هذه المشاكل هي ذات صلة وثيقة بثقافة‬ ‫الهدر‪ ،‬التي تصيب على حد السواء األشخاص‬ ‫المنبوذين كما األشياء التي تتحول سريعا إلى نفايات‪.‬‬ ‫لنالحظ‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬أن القسم األكبر من‬ ‫األوراق المصنوعة ُيهدر وال يتم إعادة تدويره‪ .‬كما‬ ‫يصعب علينا اإلقرار بأن عمل النظام البيئي الطبيعي‬ ‫تكون مواد غذائية تُطعم آكلي‬ ‫هو مثالي‪ :‬فالنباتات ّ‬ ‫األعشاب؛ وتلك بدورها تُغذي آكلي اللحوم‪ ،‬الذين‬ ‫ينتجون كميات هائلة من النفايات العضوية‪ ،‬والتي‬ ‫تتسبب في نمو جيل جديد من النباتات‪ .‬وعلى العكس‪،‬‬ ‫‪21‬‬ ‫فإن النظام الصناعي‪ ،‬في نهاية دورة االنتاج‬ ‫يطور القدرةَ على استيعاب واعادة‬ ‫واالستهالك‪ ،‬لم‬ ‫ِّ‬ ‫تبني‬ ‫استعمال النفايات والمخلفات‪ .‬ولم ينجح بعد في ّ‬ ‫نموذج إنتاج "تَ ْد ِ‬ ‫يؤ ِّمن مواردا للجميع ولألجيال‬ ‫وير ّ‬ ‫ي" َ‬ ‫القادمة‪ ،‬ونموذجا يقتضي وضع حدود قصوى الستخدام‬ ‫الموارد غير المتجددة‪ ،‬وتبني االعتدال في استهالكها‪،‬‬ ‫الفعالية القصوى في استخدامها‪ ،‬واعادة‬ ‫وتحقيق‬ ‫ّ‬ ‫استعمالها وتدويرها‪ .‬إن مواجهة هذه المسائل قد تكون‬ ‫هي طريقة للتصدي لثقافة الهدر التي ستنتهي‬ ‫باإلضرار بالكوكب بكامله‪ ،‬لكننا نالحظ أن التطورات‬ ‫بهذا االتجاه ما زالت غير كافية‪.‬‬ ‫المناخ ٍ‬ ‫كخير عام‬ ‫‪ .23‬المناخ هو خير عام‪ ،‬للجميع ومن أجل الجميع‪.‬‬ ‫إنه‪ ،‬على مستوى الكون‪ ،‬نظام معقّد ومتَّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫بالكثير‬ ‫ص ٌل‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫األساسية للحياة البشرية‪ .‬وهنالك إجماع‬ ‫الشروط‬ ‫من‬ ‫ار مقلقا‬ ‫علمي راسخ جدا يشير إلى أننا نواجه احتر ا‬ ‫اصطحب هذا االحترار‪ ،‬في العقود‬ ‫للنظام المناخي‪ .‬وقد‬ ‫َ‬ ‫األخيرة‪ ،‬ارتفاعٌ ثابت لمستوى مياه البحر‪ ،‬كما يصعب‬ ‫أيضا فصله عن تزايد الظواهر المناخية المتطرفة‪ ،‬برغم‬ ‫‪22‬‬ ‫حد ٍد لكل ظاهرة‬ ‫أنه ال يمكن تعيين سبب‬ ‫ٍّ‬ ‫علمي م ّ‬ ‫بعينها‪ .‬إن البشرية مدعوة ألن تصبح على َبيِّنة من‬ ‫ضرورة إجراء تغيرات في نمط الحياة واإلنتاج‬ ‫واالستهالك‪ ،‬لمحاربة هذا االحترار أو‪ ،‬على األقل‪،‬‬ ‫لمواجهة األسباب البشرية التي تنتجه أو تضاعفه‪.‬‬ ‫صحيح أن هناك أسبابا أخرى (مثل البركانية‪،iv‬‬ ‫والتغيرات في مدار األرض ومحورها‪ ،‬والدورة الشمسية)‪،‬‬ ‫ولكن العديد من الدراسات العلمية تشير إلى أن القسم‬ ‫الكونِي‪ ،‬في العقود األخيرة‪ ،‬يعود‬ ‫األكبر من االحترار ّ‬ ‫لزيادة غازات االحتباس الحراري (ثاني أكسيد الكربون‪،‬‬ ‫والميثان‪ ،‬وأكسيد النيتروز وغيرها من الغازات) التي‬ ‫تصدر في الغالب عن النشاط البشري‪ .‬إن تكثُّفها في‬ ‫الغالف الجوي هذا‪ ،‬يمنع ح اررة أشعة الشمس المنعكسة‬ ‫من األرض‪ ،‬من االنتشار في الفضاء‪ .‬وقد عزز هذا‬ ‫بشكل خاص نموذج التنمية القائم على االستخدام‬ ‫المكثف للوقود األحفوري‪ ،v‬الموجود في قلب نظام‬ ‫آثر عامل آخر في هذا الصدد أال‬ ‫الطاقة العالمي‪ .‬وقد َّ‬ ‫وهو ممارسة التغيير في استخدام األراضي بشكل‬ ‫متزايد‪ ،‬وبصورة أساسية إزالة الغابات ألغراض زراعية‪.‬‬ ‫‪23‬‬ ‫‪ .24‬إن االحترار‪ ،‬في المقابل‪ ،‬له بدوره تأثيره على‬ ‫دورة الكربون‪ .‬إنه يخلق حلقة مفرغة تزيد من خطورة‬ ‫الوضع‪ ،‬وستؤثر على توفّر الموارد األساسية كمياه‬ ‫الشرب والطاقة واإلنتاج الزراعي في المناطق الحارة‪،‬‬ ‫وتؤدي إلى إزالة جزء من التنوع البيولوجي على كوكب‬ ‫األرض‪ .‬ويهدد ذوبان الجليد القطبي وجليد السهول‬ ‫المرتفعة‪ ،‬بتسرب خطير ًّ‬ ‫جدا لغاز الميثان‪ ،‬وقد يساهم‬ ‫ٍ‬ ‫انبعاث متزايد لثاني‬ ‫المجمدة في‬ ‫تحلل المواد العضوية‬ ‫ّ‬ ‫أكسيد الكربون‪ .‬كما تزيد خسارةُ الغابات المطيرة بدورها‬ ‫ِ‬ ‫تخفيف التغيير‬ ‫تساهم في‬ ‫األمور سوءا‪ ،‬حيث أنها‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫المناخي‪ .‬ثم إن التلوث‪ ،‬الذي يولّ ُد ثاني أكسيد الكربون‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ويعرض‬ ‫للخطر السلسلةَ‬ ‫يز ُ‬ ‫المحيطات ّ‬ ‫يد من حموضة ُ‬ ‫الغذائية البحرية‪ .‬فإذا استمر التوجه الحالي‪ ،‬فإن‬ ‫يشهد تغييرات مناخية لم تَُر من‬ ‫عصرنا هذا سوف‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫وتدمير غير مسبوق للنظم اإليكولوجية‪ ،‬مع‬ ‫ا‬ ‫قبل‪،‬‬ ‫عواقب خطيرة لجميعنا‪ .‬فارتفاع مستوى البحر‪ ،‬على‬ ‫سبيل المثال‪ ،‬يمكنه أن ُينشئ أوضاعا في غاية‬ ‫الخطورة‪ ،‬إن أخذنا بعين االعتبار أن ربع سكان العالم‬ ‫يسكنون على ساحل البحر أو قريبا جدا منه‪ ،‬وأن‬ ‫أغلبية المدن العمالقة تقع في المناطق الساحلية‪.‬‬ ‫‪24‬‬ ‫‪ .25‬تمثل التغييرات المناخية مشكلة عالمية ذات أبعاد‬ ‫بيئية واجتماعية واقتصادية وتوزيعية وسياسية خطيرة‪،‬‬ ‫وهي تش ّكل إحدى أهم التحديات الحالية للبشرية‪ .‬وستقع‬ ‫أسوأ التأثيرات‪ ،‬ربما في العقود القريبة القادمة‪ ،‬على‬ ‫الدول النامية‪ .‬فالكثير من الفقراء يعيشون في مواقع‬ ‫تتأثر للغاية بالظواهر المتعلقة باالحترار‪ ،‬حيث تعتمد‬ ‫معيشتهم بشكل أساسي على المحميات الطبيعية‪ ،‬والتي‬ ‫ُيطلق عليها خدمات النظام اإليكولوجي‪ ،‬كالزراعة‬ ‫والصيد وموارد الغابات‪ .‬وهم ال يملكون مواردا‬ ‫اقتصادية أخرى تسمح لهم بالتأقلم مع التأثيرات‬ ‫المناخية أو مواجهة أوضاع مأساوية‪ ،‬كما يصعب‬ ‫عليهم الحصول على خدمات اجتماعية أو وقائية‪ .‬على‬ ‫ات المناخية هجرةَ حيوانات‬ ‫سبيل المثال‪ ،‬تسبب التغيير ُ‬ ‫يلحق‬ ‫ونباتات‪ ،‬ال تستطيع التأقلم دائما‪ ،‬وهذا بدوره‬ ‫ُ‬ ‫الضرر بالعوامل اإلنتاجية المستخدمة من قبل الفقراء‪،‬‬ ‫والذين يجدون أنفسهم أيضا مضطرين للهجرة‪ ،‬تتملكهم‬ ‫ريبة كبيرة بشأن مستقبلهم ومستقبل أبنائهم‪ .‬إن أعداد‬ ‫المهاجرين‪ ،‬الفارين من البؤس الذي يفاقمه التدهور‬ ‫البيئي‪ ،‬هي في ارتفاع مأساوي‪ ،‬وال ُيعترف بهم في‬ ‫االتفاقيات الدولية كالجئين‪ ،‬ويحملون عبء حياتهم‬ ‫‪25‬‬ ‫التي هجروها بدون أن تشملهم أية تشريعات وقائية‪.‬‬ ‫ولألسف هناك المباالة عامة أمام هذه المآسي التي ال‬ ‫تزال تقع في مناطق مختلفة من العالم‪ .‬إن عدم وجود‬ ‫ردود فعل على مآسي أخوتنا وأخواتنا هذه هو عالمة‬ ‫الحس الذي‬ ‫لفقدان حس المسؤولية تجاه أشقائنا‪ ،‬ذاك‬ ‫ّ‬ ‫عليه يقوم أي مجتمع مدني‪.‬‬ ‫بأهم الموارد‬ ‫‪ .26‬يبدو أن الكثير من الذين يتح ّكمون ّ‬ ‫والقدرات االقتصادية أو السياسية يضعون ُجل ترّكزهم‪،‬‬ ‫قبل كل شيء‪ ،‬على حجب المشاكل أو على إخفاء‬ ‫الحد من بعض التأثيرات‬ ‫أعراضها‪ ،‬محاولين فقط‬ ‫ّ‬ ‫السلبية للتغييرات المناخية‪ .‬لكن الكثير من األعراض‬ ‫تشير إلى أن هذه التأثيرات قد تتفاقم إذا استمرينا‬ ‫باألنماط الحالية لإلنتاج واالستهالك‪ .‬لذلك فقد أصبح‬ ‫الملِ ّح ومن الحتمي تنمية سياسات تَُقلِّل بشكل‬ ‫من ُ‬ ‫كبير‪ ،‬في السنين المقبلة‪ ،‬من انبعاث ثاني أكسيد‬ ‫الكربون وغازات أخرى جد ملوثة‪ ،‬على سبيل المثال‪:‬‬ ‫استبدال الوقود األحفوري بتنمية مصادر طاقة متجددة‪.‬‬ ‫إن نسبة اللجوء إلى الطاقات النظيفة والمتجددة في‬ ‫العالم هي محدودة جدا‪ .‬وال زالت هناك حاجة أيضا‬ ‫لتنمية تقنيات الخلية الثانوية‪ ،vi‬تنمية مناسبة‪ .‬مع ذلك‪،‬‬ ‫‪26‬‬ ‫فقد حقّقت بعض البلدان تطورات مهمة في هذا المجال‬ ‫وان كانت ال ت ازل قليلة التأثير‪ .‬هناك أيضا بعض‬ ‫االستثمارات في وسائل النقل واإلنتاج‪ ،‬التي تعتمد على‬ ‫كمية أدنى من المواد األولية‪ ،‬كما‬ ‫طاقة أقل وتتطلب ّ‬ ‫في أنماط البناء أو إعادة تأهيل المباني والتي تعتمد‬ ‫على تحسين فعالية الطاقة‪ .‬لكن جميع هذه الممارسات‬ ‫معممة‪.‬‬ ‫الجيدة ما زالت غير ّ‬ ‫‪ .II‬مسألة المياه‬ ‫‪ .27‬هناك مؤشرات أخرى للوضع الحالي تتعلق‬ ‫باستنفاذ الموارد الطبيعية‪ .‬نعرف جيدا استحالة استمرار‬ ‫مستوى استهالك البلدان المتطورة الحالي‪ ،‬والقطاعات‬ ‫األكثر ثراء في المجتمع‪ ،‬حيث بلغت عادة النفاق‬ ‫تم بالفعل تخطت الحدود‬ ‫والهدر مستويات مفزعة‪ .‬قد َّ‬ ‫القصوى الستغالل الكوكب‪ ،‬دون الوصول لحل لمشكلة‬ ‫الفقر‪.‬‬ ‫‪ .28‬إن مياه الشرب والمياه العذبة هي مسألة ذات‬ ‫أهمية قصوى‪ ،‬ألنه ال غنى عن الماء للحياة البشرية‬ ‫وللحفاظ على النظم اإليكولوجية البرية منها والمائية‪.‬‬ ‫فمصادر المياه العذبة تُ َم ِّو ُن قطاعات الصحة‪ ،‬والفالحة‬ ‫‪27‬‬ ‫والصناعة‪ .‬وقد بقيت إمكانية التزويد بالمياه ثابتة نسبيا‬ ‫لوقت طويل‪ ،‬أما اآلن ففي الكثير من األماكن يتخطى‬ ‫الطلب العرض الممكن‪ ،‬مع نتائج خطيرة على المدى‬ ‫القصير والبعيد‪ .‬فمدن كبيرة‪ ،‬تعتمد على خزانات مياه‬ ‫مهمة‪ ،‬تعاني من فترات شح في الموارد‪ ،‬التي ال يتم‬ ‫تدبيرها دائما بطريقة مناسبة وبنزاهة‪ ،‬ال سيما في‬ ‫األوقات الحرجة‪ .‬هناك افتقار للمياه العامة خاصة في‬ ‫إفريقيا‪ ،‬حيث ال تستطيعُ قطاعات كبيرة من السكان‪،‬‬ ‫الوصو َل إلى مياه شرب متاحة‪ ،‬أو تعاني من جفاف‬ ‫يجعل من الصعب إنتاج الطعام‪ .‬وفي بعض المناطق‬ ‫تتوافر المياه بوفرة‪ ،‬بينما تعاني مناطق أخرى من شح‬ ‫خطير‪.‬‬ ‫‪ .29‬إن مشكلة نوعية المياه المتوفرة للفقراء هي مشكلة‬ ‫بالغة الخطورة وهي تتسبب بموت الكثيرين كل يوم‪.‬‬ ‫فبين الفقراء ما أكثر حاالت المرض المتعلقة بالمياه‪،‬‬ ‫حية دقيقة وعن مواد‬ ‫بما فيها تلك الناتجة عن كائنات ّ‬ ‫كيميائية‪ .‬الزحار (الديزنطاريا) والكوليرا‪ ،‬الناتجة عن‬ ‫المراحيض وخزانات المياه غير المناسبة‪ ،‬كل هذا يشكل‬ ‫عامال هاما في معاناة وموت األطفال‪ .‬المياه الجوفية‪،‬‬ ‫في العديد من األماكن‪ ،‬هي مهددة بالتلوث الناتج عن‬ ‫‪28‬‬ ‫بعض األنشطة االستخراجية‪ ،‬الزراعية منها والصناعية‪،‬‬ ‫وباألكثر في البلدان التي تغيب فيها التشريعات‬ ‫والمراقبة الكافية‪ .‬وهنا ال نفكر فقط بنفايات المصانع‪.‬‬ ‫فما زالت المنظفات والمواد الكيميائية التي يستخدمها‬ ‫السكان في أماكن كثيرة من العالم تصب في األنهر‬ ‫والبحيرات والبحار‪.‬‬ ‫‪ .30‬بينما تتردى باستمرار نوعية المياه المتوفرة‪ ،‬يزداد‬ ‫الميل في بعض األماكن إلى خصخصة هذا المورد‬ ‫النادر‪ ،‬وتحويله إلى بضاعة تتحكم بها قوانين السوق‪.‬‬ ‫في الواقع‪ ،‬إن الحصول على مياه الشرب السليمة هو‬ ‫حق جوهري وعالمي وأساس من حقوق اإلنسان‪ ،‬ألنه‬ ‫يحدد بقاء االشخاص‪ ،‬ولهذا فهو شرط لممارسة حقوق‬ ‫األشخاص األخرى‪ .‬إن هذا العالم عليه َدّين اجتماعي‬ ‫خطير تجاه الفقراء الذين ال تصلهم مياه الشرب‪ ،‬ألن‬ ‫هذا يعني حرمانهم من الحق بالحياة‪ ،‬ذاك الحق‬ ‫سيسدد هذا‬ ‫المتأصل في كرامتهم غير القابلة للتساوم‪ُ .‬‬ ‫َّ‬ ‫الدين جزئيا من خالل تقديم المزيد من المساهمات‬ ‫االقتصادية لتوفير المياه النظيفة وشبكة الصرف‬ ‫إهدار للمياه‬ ‫الصحي في القرى األكثر فقرا‪ .‬لكن ُيالحظُ‬ ‫ٌ‬ ‫ليس فقط في البلدان المتطورة‪ ،‬وانما أيضا في البلدان‬ ‫‪29‬‬ ‫النامية والتي تملك احتياطات كبيرة‪ُ .‬يظهر هذا أن جزءا‬ ‫من مشكلة المياه هو مسألة تربوية وثقافية‪ ،‬بسبب‬ ‫غياب الوعي بخطورة مثل هذه التصرفات في سياق من‬ ‫التفاوتات الهائلة‪.‬‬ ‫‪ .31‬إن مزيدا من شح المياه سيتسبب بارتفاع تكاليف‬ ‫المواد الغذائية والمنتجات المتنوعة التي تعتمد على‬ ‫الماء‪ .‬ولقد نبهت بعض الدراسات من خطر التعرض‬ ‫لمعاناة شح في المياه‪ ،‬في غضون العقود القليلة‬ ‫القادمة‪ ،‬ما لم يتم مجابهة هذا الوضع بصورة عاجلة‪.‬‬ ‫فالتأثيرات البيئية بإمكانها أن تصيب المليارات من‬ ‫األشخاص‪ ،‬ومن المتوقع‪ ،‬من ناحية أخرى‪ ،‬أن يتحول‬ ‫أمر التحكم بالمياه‪ ،‬من ِقَب ِل شركات عالمية كبرى‪ ،‬إلى‬ ‫أحد المصادر الرئيسية للصراع في هذا القرن‪.23‬‬ ‫‪ .III‬فقدان التنوع البيولوجي‬ ‫األرض أيضا للنهب بسبب طر ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ق‬ ‫ارد‬ ‫‪.32‬‬ ‫تتعرض مو ُ‬ ‫ُ‬ ‫لفهم االقتصاد والنشاط التجاري واإلنتاج ترتبط ارتباطا‬ ‫‪23‬‬ ‫را‪ .‬تحية لموظفي منظمة التغذية العالمية (‪ 20( )FAO‬نوفمبر‪/‬تشرين الثاني‬ ‫‪ :)2014‬أعمال الكرسي الرسولي ‪.985 ،)2014( 106‬‬ ‫‪30‬‬ ‫وثيقا بالعائد الفوري‪ .‬ففقدان الغابات واألخشاب‪ ،‬يعني‬ ‫في الوقت عينه‪ ،‬فقدان أصناف يمكنها أن تش ّكل في‬ ‫المستقبل موارد مهمة للغاية‪ ،‬ليس للتغذية وحسب وانما‬ ‫لعالج األمراض أيضا وللعديد من الخدمات‪ .‬فاألصناف‬ ‫المختلفة تحتوي على جينات قد تشكل موارد رئيسية‬ ‫لسد بعض الحاجات البشرية في المستقبل أو لحل‬ ‫بعض المشاكل البيئية‪.‬‬ ‫‪ .33‬لكن ال يكفي التفكير في األصناف المختلفة فقط‬ ‫كـ"موارد" محتملة لالستغالل‪ ،‬متناسين أن لها قيمة في‬ ‫ذاتها‪ .‬آالف األصناف من النبات والحيوانات تنقرض‬ ‫ًّ‬ ‫سنويا ولن نتمكن بعد من معرفتها‪ ،‬ولن يراها أبناؤنا‪،‬‬ ‫فقد انقرضت لألبد‪ .‬والغالبية العظمى منها تفنى‬ ‫ألسباب تتعلق ببعض األنشطة البشرية‪ .‬فبسببنا آالف‬ ‫األصناف لن تمجد اهلل بوجودها‪ ،‬ولن تستطيع أن تنقل‬ ‫إلينا رسالتها الخاصة‪ .‬هذا ليس من حقنا‪.‬‬ ‫‪ .34‬ربما قد يقلقنا خبر انق ارض حيوان ثديي أو طير‬ ‫ما‪ ،‬ذلك ألن األمر إلى ٍ‬ ‫حد كبير مرئي‪ .‬لكن كي تعمل‬ ‫النظم اإليكولوجية بطريقة جيدة‪ ،‬نحن بحاجة أيضا‬ ‫للفطريات والطحالب والديدان والحشرات الصغيرة‬ ‫والزواحف واألنواع التي ال تحصى من الكائنات الحية‬ ‫‪31‬‬ ‫الدقيقة‪ .‬فبعض األصناف النادرة‪ ،‬والتي عادة ما تمر‬ ‫دور حاسما وأساسيا في‬ ‫دون أن تلفت االنتباه‪ ،‬تلعب ا‬ ‫تحقيق استقرار توازن مكان ما‪ .‬صحيح أنه على الكائن‬ ‫جيولوجي ما في‬ ‫يتدخل عندما يدخل نظام‬ ‫البشري أن ّ‬ ‫ّ‬ ‫تدخل اإلنساني اليوم في‬ ‫مرحلة خطيرة‪ ،‬ولكن مستوى ال ّ‬ ‫واقع معقّد كذاك الخاص بالطبيعة هو ضخم لدرجة أن‬ ‫المستمرة الناجمة عن الكائن البشري تقتضي‬ ‫الكوارث‬ ‫ّ‬ ‫ي أصبح‬ ‫مجددا‪ .‬بحيث أن‬ ‫تدخله‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التدخل البشر ّ‬ ‫متواصال أمام ك ّل األخطار التي تنجم عنه‪ .‬وقد تم‬ ‫تدخل الكائن‬ ‫خلق َحلَقَ ٍة ُمفرغة‪ ،‬ا‬ ‫كثير ما يزيد فيها ّ‬ ‫هكذا ُ‬ ‫ي‪ ،‬لح ّل مشكلة ما‪ ،‬من تفاقم الوضع‪ .‬على سبيل‬ ‫البشر ّ‬ ‫المثال‪ ،‬الكثير من الطيور والحشرات التي تنقرض‬ ‫السامة‪ ،‬التي أوجدتها التكنولوجيا‪ ،‬هي‬ ‫بسبب المبيدات‬ ‫ّ‬ ‫نافعة للزراعة نفسها‪ ،‬ويجب معالجة انقراضها بتدخل‬ ‫تقني أخر قد يترك بدوره تأثيرات مضرة جديدة‪ .‬إن‬ ‫الجهود التي يبذلها العلماء والتقنيون لمحاولة إيجاد‬ ‫حلول للمشاكل التي تسبب بها الكائن البشري تستحق‬ ‫الثناء واإلعجاب‪ .‬ولكن‪ ،‬عندما نتأمل بالعالم نالحظ أن‬ ‫هذا المستوى من التدخل البشري‪ ،‬وهو غالبا ما يكون‬ ‫في خدمة المالية واالستهالكية‪ُ ،‬يفقر األرض التي‬ ‫‪32‬‬ ‫نقطنها ويجعلها أقل جماال‪ ،‬وأكثر محدودية ورمادية‪،‬‬ ‫في حين أن مستوى تقدم التقنية وعروض االستهالك‪،‬‬ ‫في الوقت عينه‪ ،‬يواصل تقدمه دون حدود‪ .‬إننا بهذه‬ ‫الطريقة نخدع أنفسنا مستبدلين جماال ال يمكن تك ارره أو‬ ‫استرداده‪ ،‬بجمال خلقناه بأنفسنا‪.‬‬ ‫‪ .35‬عندما يتم تحليل النتائج البيئية لمبادرة اقتصادية‬ ‫ما‪ُ ،‬ينظر عادة في تأثيراتها على التربة والمياه والهواء‪،‬‬ ‫يتضمن دائما دراسة متأنية للتأثيرات على‬ ‫ولكن هذا ال‬ ‫ّ‬ ‫التنوع البيولوجي‪ ،‬كما لو كان فقدان بعض األصناف‬ ‫أمر قليل‬ ‫أو المجموعات الحيوانية أو النباتات هو ٌ‬ ‫األهمية‪ .‬فكثي ار ما تستولي الطرقات‪ ،‬والزراعات‬ ‫الجديدة‪ ،‬واألسوار‪ ،‬وخزانات المياه وغيرها من األبنية‪،‬‬ ‫على المساكن الطبيعية للحيوانات‪ ،‬وفي بعض األحيان‬ ‫تفتِّتُها‪ ،‬بطريقة تجعل قطعان الحيوانات غير قادرة على‬ ‫الهجرة أو التنقل بحرية‪ ،‬حتى أن بعض األصناف‬ ‫أصبحت معرضة لخطر االنقراض‪ .‬توجد بعض الحلول‬ ‫البديلة التي تخفف على األقل من وطأة تأثيرات هذه‬ ‫األعمال‪ ،‬كإنشاء ممرات بيولوجية‪ ،‬إال أن هذا االنتباه‬ ‫وهذا الفعل الوقائي يوجدان في بلدان قليلة‪ .‬عندما يتم‬ ‫استغالل بعض األصناف تجاريًّا‪ ،‬ال يتم دائما دراسة‬ ‫‪33‬‬ ‫نمط نموها لتجنب نقصها المفرط وما ينتج عنه من‬ ‫خلل في النظام اإليكولوجي‪.‬‬ ‫‪ .36‬إن العناية بالنظم اإليكولوجية تتطلب نظرة‬ ‫تتخطى الفوري‪ ،‬ألنه عندما نبحث فقط عن ربح‬ ‫اقتصادي سريع وسهل‪ ،‬ال يكترث أحد حقا بالمحافظة‬ ‫عليها‪َّ .‬‬ ‫لكن ُكلفة األضرار التي يسببها االهمال األناني‬ ‫هي أكبر بكثير من الربح االقتصادي الذي يمكن‬ ‫الحصول عليه‪ .‬في حال فقدان بعض األصناف أو‬ ‫اإلضرار الكبير بها‪ ،‬فنحن نتكلم عن َّ‬ ‫قيٍم تتجاوز أي‬ ‫حساب‪ .‬لهذا‪ ،‬سنكون ربما شهودا صامتين على‬ ‫تفاوتات خطيرة‪ ،‬عند الزعم بالحصول على أرباح هامة‪،‬‬ ‫وجعل باقي البشرية‪ ،‬الحاضرة والمستقبلية‪ ،‬تدفع الثمن‬ ‫الباهظ للتدهور البيئي‪.‬‬ ‫‪ .37‬قد حققت بعض البلدان تقدما في المحافظة على‬ ‫البِّر وفي المحيطات–‬ ‫أماكن ومناطق محددة –على َ‬ ‫حيث ُيمنع أي تدخل بشري قد يغيِّر هيئتها أو ُيفسد‬ ‫يشدد األخصائيون‪ ،‬في مجال االهتمام‬ ‫بنيتها األصلية‪ّ .‬‬ ‫بالتنوع البيولوجي‪ ،‬على ضرورة إيالء اهتمام خاص‬ ‫بالمناطق األكثر غنى من حيث تنوع األصناف‪،‬‬ ‫واألنواع الم ِ‬ ‫ستوطنة‪ ،‬النادرة أو غير المتمتعة بمستوى‬ ‫ُ‬ ‫‪34‬‬ ‫حماية فعال‪ .‬فهناك أماكن تتطلب رعاية خاصة بسبب‬ ‫اعتبارها الكبير بالنسبة للنظام اإليكولوجي العالمي‪ ،‬أو‬ ‫ثم تؤمن أشكاال‬ ‫تش ّكل احتياطيات هامة من المياه ومن َّ‬ ‫أخرى من الحياة‪.‬‬ ‫‪ .38‬نذكر‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬رئات األرض الغنية‬ ‫بالتنوع البيولوجي‪ ،‬وهي األمازون وحوض نهر الكونغو‪،‬‬ ‫أو طبقات المياه الجوفية الكبيرة واألنهار الجليدية‪ .‬من‬ ‫الجيد مراعاة أهمية هذه األماكن بالنسبة للكوكب بأسره‬ ‫ولمستقبل‬ ‫البشرية‪.‬‬ ‫فالنظم‬ ‫اإليكولوجية‬ ‫للغابات‬ ‫اإلستوائية لديها تنوع بيولوجي معقد جدا‪ ،‬ومن‬ ‫المستحيل تقريبا معرفته بالكامل‪ ،‬ولكن عندما يتم حرق‬ ‫هذه الغابات أو قطعها تماما بهدف زيادة المساحات‬ ‫الزراعية‪ ،‬فإن أصناف ال تعد وال تحصى تنقرض في‬ ‫ٍ‬ ‫صحار‬ ‫غضون سنين قليلة‪ ،‬وتتحول تلك المناطق إلى‬ ‫جافة‪ .‬من دون شك‪ ،‬ثمة توازن دقيق يفرض نفسه عند‬ ‫التكلم عن هذه األماكن‪ ،‬ألنه كذلك ال يمكن تجاهل‬ ‫المصالح االقتصادية الدولية الهائلة التي‪ ،‬بذريعة رعاية‬ ‫هذه األماكن‪ ،‬قد تعرض للخطر سيادة األوطان‪ .‬في‬ ‫الواقع‪ ،‬توجد "اقتراحات لتدويل األمازون‪ ،‬تخدم فقط‬ ‫‪35‬‬ ‫المصالح االقتصادية للشركات المتعددة الجنسيات"‪.24‬‬ ‫إن التزام بعض المنظمات الدولية‪ ،‬ومنظمات المجتمع‬ ‫المدني‪ ،‬في توعية الشعوب والتعاون الجدي فيما بينها‬ ‫هو أمر جدير بالثناء‪ ،‬وهي تلجأ أيضا لوسائل الضغط‬ ‫الشرعية‪ ،‬كي تقوم كل حكومة بإتمام واجبها الخاص‪،‬‬ ‫غير القابل للتفويض‪ ،‬في المحافظة على البيئة وعلى‬ ‫الموارد الطبيعية لدولتها‪ ،‬دون أن تبيع نفسها لمصالح‬ ‫ملتبسة‪ ،‬محلية كانت أم دولية‪.‬‬ ‫‪ .39‬فحتى استبدال النباتات البرِّية‪ ،‬بمساحات غابات‬ ‫حراجيِّة ‪-‬والتي هي في العموم زراعات أحاديِّة‪ -‬غالبا‬ ‫ما يتم دون دراسة مالئمة‪ .‬بإمكان هذا في الواقع أن‬ ‫يلحق الضرر بالتنوع البيولوجي غير المتوفر في‬ ‫األنواع الجديدة التي يتم زرعها‪ .‬المناطق الرطبة أيضا‪،‬‬ ‫والتي يتم تحويلها إلى أراض زراعية‪ ،‬تفقد التنوع‬ ‫البيولوجي الهائل الذي كانت تحتضنه‪ .‬ففي بعض‬ ‫مقلق هو اختفاء النظم اإليكولوجية‬ ‫المناطق الساحلية‬ ‫ٌ‬ ‫القائمة على أشجار القرم‪.‬‬ ‫‪24‬‬ ‫المؤتمر العام الخامس ألساقفة أمريكا الالتينية ومنطقة البحر الكاريبي‪ ،‬وثيقة‬ ‫أباريسيدا ‪ 29( Documento di Aparecida -‬يونيو‪/‬حزيران ‪.86 ،)2007‬‬ ‫‪36‬‬ ‫‪ .40‬إن المحيطات ال تحتوي فقط على غالبية مياه‬ ‫التنوع‬ ‫الكوكب‪ ،‬وانما أيضا على الجزء األكبر من‬ ‫ّ‬ ‫الواسع للكائنات الحية‪ ،‬والتي في معظمها ما زالت‬ ‫مجهولة ومهددة ألسباب مختلفة‪ .‬من ناحية أخرى‪،‬‬ ‫فالحياة في األنهر‪ ،‬والبحيرات‪ ،‬والبحار والمحيطات‪،‬‬ ‫كبير من سكان األرض‪ ،‬تتضرر‬ ‫ا‬ ‫والتي تُغ ّذي قسما‬ ‫بسبب االستخراج غير المضبوط في الموارد السمكية‪،‬‬ ‫خطير لبعض األصناف‪ .‬وال‬ ‫ا‬ ‫والذي يولّد اضمحالال‬ ‫مستمر تطوير أساليب صيد انتقائية تتسبب في‬ ‫ا‬ ‫يزال‬ ‫تم الحصول عليها‪.‬‬ ‫هدر قسم كبير من األصناف التي ي َّ‬ ‫إن بعض الكائنات البحرية‪ ،‬والتي ال نعيرها اهتماما‪،‬‬ ‫هي مهددة بشكل خاص‪ ،‬مثل أشكال معينة من العوالق‬ ‫عنصر هاما جدا في السلسلة الغذائية‬ ‫ا‬ ‫التي تشكل‬ ‫البحرية‪ ،‬والتي تعتمد عليها‪ ،‬في نهاية المطاف‪،‬‬ ‫أصناف تُستخدم لتغذية البشر‪.‬‬ ‫‪ .41‬عندما نغوص في البحار االستوائية وشبه‬ ‫االستوائية‪ ،‬نرى الشعاب المرجانية‪ ،‬التي تحاكي‬ ‫الغابات البرية الكبيرة‪ ،‬ألنها تستضيف تقريبا مليون‬ ‫ٍ‬ ‫صنف من األسماك وسرطان البحر والرخويات‬ ‫واإلسفنج والطحالب‪ ،‬وغيرها‪ .‬الكثير من الشعاب‬ ‫‪37‬‬ ‫المرجانية في العالم هي اليوم عقيمة وفي تقهقر‬ ‫حول العالم البحري الرائع إلى مقابر‬ ‫"م ْن الذي َّ‬ ‫مستمر‪َ :‬‬ ‫تحت مائية مجردة من الحياة واللون؟"‪ .25‬إن هذه‬ ‫الظاهرة تعود في أغلبها إلى التلوث الذي يصل للبحر‬ ‫كنتيجة إلزالة الغابات‪ ،‬وللزراعات األحادية‪ ،‬وللنفايات‬ ‫الصناعية‪ ،‬وألساليب الصيد المدمرة‪ ،‬باألخص التي‬ ‫تستخدم السيانيد والديناميت‪ .‬وقد تفاقمت بسبب ارتفاع‬ ‫درجة ح اررة المحيطات‪ .‬كل هذا يساعدنا على فهم كيف‬ ‫أن أي عمل يمس الطبيعة يمكن أن يكون له عواقب قد‬ ‫ال نالحظها للوهلة األولى‪ ،‬وأن بعض أشكال االستغالل‬ ‫للموارد يتم على حساب تدهور سيصل‪ ،‬في نهاية‬ ‫المطاف‪ ،‬الى عمق أعماق المحيطات‪.‬‬ ‫‪ .42‬من الضروري االستثمار أكثر بكثير في مجال‬ ‫األبحاث‪ ،‬من أجل فَ ٍ‬ ‫هم أفضل لسلوك النظم اإليكولوجية‬ ‫ولتحليل مختلف متغيرات التأثيرات الناتجة عن أي‬ ‫تبديل مهم في البيئة‪ .‬ألن المخلوقات هي جميعا‬ ‫قدر قيمته‬ ‫مرتبطة بعضها ببعض‪ ،‬ويحق لكل منها أن تُ ّ‬ ‫‪25‬‬ ‫مجلس األساقفة الكاثوليك بالفلبين‪ ،‬رسالة رعوية ماذا يحدث ألرضنا الجميلة؟‪-‬‬ ‫?‪ 29( What is Happening to our Beautiful Land‬يناير‪/‬كانون الثاني‬ ‫‪.)1988‬‬ ‫‪38‬‬ ‫بمودة واعجاب‪ ،‬فنحن الكائنات المخلوقة جميعا بحاجة‬ ‫بعضنا إلى بعض‪ .‬وكل مكان لديه مسؤولية في رعاية‬ ‫هذه األسرة‪ ،‬وعليه القيام بعملية َج ْرٍد دقي ٍ‬ ‫ق لجميع‬ ‫األصناف التي يستضيفها‪ ،‬بهدف تنمية مشاريع‬ ‫واستراتيجيات حماية محافظا‪ ،‬باهتمام خاص‪ ،‬على‬ ‫األنواع المهددة باالنقراض‪.‬‬ ‫‪ .II‬تدهور نوعية الحياة البشرية والتفكك االجتماعي‬ ‫‪ .43‬إذا أخذنا بعين االعتبار أن الكائن البشري هو‬ ‫أيضا خليقة من مخلوقات هذا العالم‪ ،‬وأن له الحق في‬ ‫العيش وفي أن يكون سعيدا‪ ،‬وأن له كذلك كرامة‬ ‫خاصة‪ ،‬فإنه ال يمكننا إغفال النظر في تأثيرات التدهور‬ ‫الهدر في حياة‬ ‫البيئي‪ ،‬ونموذج التطور الحالي وثقافة ّ‬ ‫األشخاص‪.‬‬ ‫‪ .44‬نرى اليوم مثال‪ ،‬النمو المفرط وغير المنظم للعديد‬ ‫من المدن التي أصبحت غير صالحة للعيش‪ ،‬من‬ ‫الصحية‪ ،‬ليس فقط بسبب التلوث الناجم‬ ‫وجهة النظر‬ ‫ّ‬ ‫عن االنبعاثات السامة‪ ،‬وانما نتيجة لحالة الفوضى في‬ ‫المدن‪ ،‬ولمشاكل وسائل النقل‪ ،‬وللتلوث البصري‬ ‫والسمعي‪ .‬إن العديد من المدن الكبيرة هي ُمنشآت‬ ‫‪39‬‬ ‫ضخمة غير فعالة‪ ،‬تستهلك المياه والطاقة بشكل مفرط‪.‬‬ ‫وهناك أحياء‪ ،‬بالرغم من أنها قد ُبنيت حديثا‪ ،‬مزدحمة‬ ‫وغير منظمة‪ ،‬وتفتقر للمساحات الخضراء الكافية‪ .‬ليس‬ ‫مناسبا لسكان هذا الكوكب أن يعيشوا غارقين‪ ،‬على‬ ‫نحو متزايد‪ ،‬بالخرسانة واألسفلت‪ ،‬والزجاج والمعادن‪،‬‬ ‫ومحرومين من االتصال الحسي بالطبيعة‪.‬‬ ‫‪ .45‬في بعض المناطق‪ ،‬الريفية منها والحضرية‪ ،‬قد‬ ‫أصبح من الصعب على المواطنين الوصول إلى‬ ‫مناطق ذات جمال استثنائي‪ ،‬بسبب خصخصة‬ ‫المتسعات‪ ،‬أو بسبب بناء مواقع سكنية "إيكولوجية"‬ ‫متاحة فقط ألفراد قليلين‪ ،‬حيث يتم منع اآلخرين من‬ ‫ًّ‬ ‫تحاشيا إلزعاج الهدوء المصطنع‪ .‬وغالبا ما‬ ‫الدخول‬ ‫المعتنى‬ ‫نجد مدينة جميلة وغنيِّة بالمساحات الخضراء ُ‬ ‫بها جيدا في بعض المناطق "اآلمنة"‪ ،‬لكن األمر ليس‬ ‫كذلك بالنسبة للضواحي األقل ظهورا‪ ،‬حيث يعيش‬ ‫المهمشون من المجتمع‪.‬‬ ‫العالمي يوجد‬ ‫االجتماعية للتغيير‬ ‫المكونات‬ ‫‪ .46‬ما بين‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التأثيرات الخاصة ببعض االبتكارات الوظيفية‬ ‫التكنولوجية‪ ،‬والتهميش االجتماعي‪ ،‬وعدم المساواة في‬ ‫توافر واستهالك الطاقة والخدمات األخرى‪ ،‬والتف ّكك‬ ‫‪40‬‬ ‫االجتماعي‪ ،‬وازدياد العنف وبروز أشكال جديدة من‬ ‫ّ‬ ‫المخدرات‪ ،‬وزيادة‬ ‫االجتماعي‪ ،‬وتهريب‬ ‫العدوان‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫المخدرات بين ال ّشباب صغار السن‪ ،‬وفقدان‬ ‫استهالك‬ ‫ّ‬ ‫تبين‬ ‫الهوية‪ .‬إنها عالمات‪ ،‬من بين عالمات أخرى‪ّ ،‬‬ ‫كيف أن التقدم في القرنين األخيرين لم ِ‬ ‫يعن‪ ،‬في جميع‬ ‫ًّ‬ ‫نوعية الحياة‪.‬‬ ‫تقدما‬ ‫جوانبه‪ّ ،‬‬ ‫حقيقيا وشامال وتحسينا في ّ‬ ‫اض‬ ‫بعض هذه العالمات هي في الوقت عينه أعر ٌ‬ ‫ُ‬ ‫مزق صامت ألواصر‬ ‫لتدهور اجتماعي‬ ‫حقيقي‪ ،‬ولتّ ّ‬ ‫ّ‬ ‫الش ِركة االجتماعية‪.‬‬ ‫االندماج و َ‬ ‫‪ .47‬تُضاف إلى هذا‪ ،‬ديناميات وسائل اإلعالمية وعالم‬ ‫التكنولوجيا الرقمية والتي‪ ،‬عندما تصبح طاغية‬ ‫الحضور‪ ،‬ال تعزز نمو القدرة على العيش بحكمة‪،‬‬ ‫والتفكير بعمق‪ ،‬والمحبة بسخاء‪ .‬ففي هذا السياق‪ ،‬قد‬ ‫يتعرض حكماء الماضي ِ‬ ‫العظام إلى رؤية ِحكمتِهم‬ ‫ّ‬ ‫ت‪ .‬إن هذا‬ ‫الم َشتِّ ْ‬ ‫تختنق وسط ضجي ِج المعلومات ُ‬ ‫نمو ثقافي‬ ‫يتطلّب ّ‬ ‫منا جهدا كي تُترجم هذه الوسائل في ّ‬ ‫جديد للبشرية وليس في تدهور ألثمن ما تملكه‪ .‬إن‬ ‫السخي‬ ‫الحقيقية‪ ،‬ثمرة التّفكير والحوار واللّقاء‬ ‫الحكمة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫بمجرد تجميع‬ ‫بين األشخاص‪ ،‬ال يمكن إدراكها‬ ‫ّ‬ ‫المعلومات التي تؤدي‪ ،‬في نهاية المطاف‪ ،‬إلى اإلشباع‬ ‫‪41‬‬ ‫الذهني‪ .‬في الوقت‬ ‫التلوث‬ ‫والتغشية‪ ،‬وتصيب بنوع من ّ‬ ‫ّ‬ ‫الحقيقية مع اآلخرين‪ ،‬مع كل‬ ‫عينه‪ ،‬تميل العالقات‬ ‫ّ‬ ‫بد َل بنوع من‬ ‫ّ‬ ‫التحديات الناجمة عنها‪ ،‬إلى أن تُستَ َ‬ ‫التواصل بوساطة اإلنترنت‪ .‬وهذا يسمح باختيار أو‬ ‫استبعاد العالقات وفقا لمزاجنا‪ ،‬وهكذا غالبا ما يولد نوعٌ‬ ‫جديد من العواطف المصطنعة‪ ،‬والمرتبطة باألجهزة‬ ‫ٌ‬ ‫والشاشات أكثر منها باألشخاص والطبيعة‪ .‬إن الوسائل‬ ‫تسمح لنا بالتواصل فيما بيننا ومشاطرة المعرفة‬ ‫الحالية‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ك‪ ،‬تمنعنا أحيانا أيضا‪ ،‬من‬ ‫لكنها‪ ،‬دون ش ّ‬ ‫والعواطف‪ّ ،‬‬ ‫التلمس المباشر لمعاناة اآلخر وخوفه وفرحه وتعقيدات‬ ‫الشخصية‪ .‬لهذا ال ينبغي أن نتفاجأ بأنه‪ ،‬مع‬ ‫خبرته‬ ‫ّ‬ ‫زيادة العرض المتط ّفل لهذه المنتجات‪ ،‬يتزايد أيضا‬ ‫استياء عميق وكئيب في العالقات بين األشخاص أو‬ ‫عزلة ضارة‪.‬‬ ‫‪ .I‬تباين كوني‬ ‫الطبيعية يتدهوران معا‪،‬‬ ‫‪ .48‬إن البيئة البشرّية والبيئة‬ ‫ّ‬ ‫البيئي بشكل مناسب إن لم‬ ‫ولن يمكننا مواجهة التدهور‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫نعر انتباها إلى األسباب التي ّ‬ ‫أدت إلى التدهور البشر ّ‬ ‫االجتماعي‪ .‬في الواقع‪ ،‬إن تراجع البيئة والمجتمع‬ ‫و‬ ‫ّ‬ ‫‪42‬‬ ‫ضعفا في المسكونة‪:‬‬ ‫يصيب بشكل خاص من هم أكثر ُ‬ ‫"تثبت ك ّل من الخبرة المشتركة في الحياة العادية‪،‬‬ ‫العلمية‪ ،‬أن التأثيرات األكثر خطورة لجميع‬ ‫والبحوث‬ ‫ّ‬ ‫يتحملها األشخاص األكثر فقرا"‪.26‬‬ ‫التعديات البيئية‬ ‫ّ‬ ‫السمكية‬ ‫على سبيل المثال‪ :‬استنزاف االحتياطات‬ ‫ّ‬ ‫الصيد‬ ‫يصيب بالشلل خاصة الذين يعيشون من حرفة ّ‬ ‫تلوث المياه‬ ‫وال يملكون الوسائل الستبدالها؛ كما أن ّ‬ ‫يضر بالفقراء بشكل خاص ألنهم ال يستطيعون شراء‬ ‫ّ‬ ‫المعبأة؛ كذلك ارتفاع مستوى مياه البحر يؤذي‬ ‫المياه‬ ‫ّ‬ ‫الساحلية الفقراء والذين‬ ‫ئيسي س ّكان المناطق‬ ‫ّ‬ ‫بشكل ر ّ‬ ‫ليس لديهم مكان ينتقلون إليه‪ .‬تظهر نتائج الخلل‬ ‫الحالي أيضا في الموت المب ّكر للكثير من الفقراء؛ وفي‬ ‫الصراعات الناتجة عن نقص الموارد؛ وفي الكثير من‬ ‫ّ‬ ‫المشاكل األخرى التي ال تحظى بحيِّز كاف على‬ ‫جداول أعمال العالم‪.27‬‬ ‫‪26‬‬ ‫مجلس أساقفة بوليفيا‪ ،‬رسالة رعوية حول البيئة والنمو اإلنساني في بوليفيا‬ ‫الكون‪ ،‬عطية من اهلل للحياة ‪El universo, don de Dios para la vida -‬‬ ‫‪27‬‬ ‫(‪.17 ،)2012‬‬ ‫را‪ .‬مجلس األساقفة األلمان‪ ،‬لجنة الشؤون االجتماعية‪ :‬التغيرات البيئية‪ :‬محور‬ ‫العدالة العالمية‪ ،‬وبين األجيال‪ ،‬واإليكولوجية‬ ‫‪43‬‬ ‫‪Der Klimawandel:‬‬ ‫أود اإلشارة إلى أنه‪ ،‬في الكثير من األحيان‪ ،‬ليس‬ ‫‪ّ .49‬‬ ‫هناك من وعي واضح بالمشاكل التي تصيب خاصة‬ ‫غالبية س ّكان المسكونة‪ ،‬مئات‬ ‫المهمشين‪ .‬إنهم يش ّكلون‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الماليين من البشر‪ .‬واليوم يتم اإلشارة لهم في النقاشات‬ ‫الدولية‪ ،‬ولكن في أفضل األحوال‬ ‫االقتصادية‬ ‫السياسية و‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫غالبا ما يبدو أن مشاكلهم تُطرُح كملحق‪ ،‬وكأنها مسألة‬ ‫تُضاف تقريبا كفرض أو تُطرح بطر ٍ‬ ‫يقة هامشية‪ ،‬هذا إن‬ ‫َ‬ ‫مجرد "ضرر جانبي"‪ .‬في الواقع‪ ،‬عند التنفيذ‬ ‫لم تُعتبر ّ‬ ‫الملموس‪ ،‬غالبا ما تحتل مشاكلهم الموضع األخير‪.‬‬ ‫المهنيين‬ ‫ويرجع ذلك جز ّئيا إلى حقيقة أن العديد من‬ ‫ّ‬ ‫وقادة الرأي واإلعالم ومراكز القوى‪ ،‬يعيشون بعيدا‬ ‫عنهم‪ ،‬في مناطق حضرّية معزولة‪ ،‬دون اتصال مباشر‬ ‫مع مشاكلهم‪ .‬فهم يعيشون ويف ّكرون انطالقا من ر ِ‬ ‫فاهة‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫حياة ليستا في متناول معظم س ّكان‬ ‫ونوعي ِة‬ ‫تطوٍر‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الحسي وفي اللقاء‪،‬‬ ‫العالم‪ .‬هذا النقص في االتصال‬ ‫ّ‬ ‫الذي يغ ّذيه تف ّكك مدننا في بعض األحيان‪ ،‬يساعد على‬ ‫الضمير وتجاهل بعض من الواقع عبر تحاليل‬ ‫تخدير ّ‬ ‫جزئية‪ .‬ويتعايش هذا أحيانا مع خطاب "أخضر"‪ .‬لكن‬ ‫‪Brennpunkt globaler intergenerationeller und ökologischer‬‬ ‫‪( ،Gerechtigkeit‬سبتمبر‪/‬أيلول ‪.30 – 28 ،)2006‬‬ ‫‪44‬‬ ‫إيكولوجية‬ ‫اليوم ال يمكننا سوى االعتراف بأن مقاربة‬ ‫ّ‬ ‫اج‬ ‫تتحول دائما إلى مقاربة اجتماعية‪ ،‬تحتّم إدر َ‬ ‫صحيحة ّ‬ ‫سمع صرخة‬ ‫العدالة في النقاشات الخاصة بالبيئة‪ ،‬كي تُ َ‬ ‫األرض وصرخة الفقراء على حد السواء‪.‬‬ ‫‪ .50‬فبدال من العمل على ح ّل مشاكل الفقراء والتفكير‬ ‫في عالم مختلف‪ ،‬يكتفي البعض باقتراح تخفيض نسبة‬ ‫الدولية على البلدان‬ ‫الوالدات‪ .‬وال تنقص الضغوطات‬ ‫ّ‬ ‫النامية‪ ،‬والتي تربط بين المساعدات االقتصادية وانتهاج‬ ‫صح أن‬ ‫تناسلية" معينة‪ .‬ولكن "إذا‬ ‫"صحة‬ ‫سياسات‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التوزيع غير العادل للس ّكان وللموارد المتوفرة يخلق‬ ‫عقبات أمام التنمية واالستخدام المستدام للبيئة‪ ،‬ينبغي‬ ‫اني يتوافق تماما مع تنمية‬ ‫االعتراف بأن‬ ‫ّ‬ ‫النمو الس ّك ّ‬ ‫‪28‬‬ ‫الزيادة‬ ‫شاملة وتضامنية" ‪ .‬إن توجيه االتهام إلى ّ‬ ‫الس ّكانية‪ ،‬وليس إلى النزعة االستهالكية المبالغ فيها أو‬ ‫االنتقائية التي يمارسها البعض‪ ،‬هو نوع من الهروب‬ ‫ِ‬ ‫عية‬ ‫الزعم‬ ‫من مواجهة المشاكل‪ .‬فهكذا يتم ّ‬ ‫بإضفاء الشر ّ‬ ‫يحق‬ ‫أقلية أنه ّ‬ ‫تظن ّ‬ ‫على نموذج التوزيع الحالي‪ ،‬حيث ّ‬ ‫لها االستهالك بنسبة يستحيل تعميمها‪ ،‬ألن الكوكب ال‬ ‫‪28‬‬ ‫المجلس الحبري "للعدالة والسالم"‪ ،‬موجز العقيدة االجتماعية للكنيسة ‪-‬‬ ‫‪.483 ،Compendio della Dottrina Sociale della Chiesa‬‬ ‫‪45‬‬ ‫يستطيع حتى احتواء نفايات استهالك كهذا‪ .‬إضافة‬ ‫لهذا‪ ،‬نعلم أنه يتم هدر حوالي ثلث المواد الغذائية‬ ‫المنتجة‪ ،‬و"الطعام الذي يرمى هو طعام مسروق من‬ ‫ُ‬ ‫‪29‬‬ ‫أي حال‪ ،‬فمن األكيد أنه ينبغي‬ ‫مائدة الفقراء" ‪ .‬على ّ‬ ‫االهتمام بالخلل في توزيع الس ّكان على اليابسة‪ ،‬سواء‬ ‫الصعيد العالمي‪ ،‬ألن‬ ‫الصعيد الوطني أو على ّ‬ ‫على ّ‬ ‫إقليمية معقّدة‪،‬‬ ‫تؤدي إلى حاالت‬ ‫زيادة االستهالك قد ّ‬ ‫ّ‬ ‫البيئي‬ ‫بالتلوث‬ ‫بسبب مجموعة من المشاكل المتعلّقة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والنقل والتخلّص من النفايات وفقدان الموارد نوعية‬ ‫الحياة‪.‬‬ ‫‪ .51‬إن عدم المساواة ال يصيب فقط األفراد‪ ،‬وانما‬ ‫أخالقيات للعالقات‬ ‫بلدان بأكملها‪ ،‬ويفرض التفكير في‬ ‫ّ‬ ‫حقيقي‪،‬‬ ‫إيكولوجي"‬ ‫ين‬ ‫لدولية‪ .‬هناك في الواقع َ‬ ‫ا ّ‬ ‫"د ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫باألخص بين ال ّشمال والجنوب‪ ،‬يرتبط باختالالت‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫باستهالك‬ ‫تجارية مقرونة بتداعيات إيكولوجية‪ ،‬وكذلك‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫الطبيعية ُم َمارس تاريخيًّا من قبل‬ ‫متناسب للموارِد‬ ‫غير‬ ‫بعض الدول‪ .‬فقد ألحقت تصديرات بعض المواد‬ ‫الصناعية في‬ ‫لتلبية احتياجات األسواق‬ ‫األولية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪29‬‬ ‫المقابلة العامة (‪ 5‬يونيو‪/‬حزيران ‪ :)2013‬تعاليم ‪.280 ،)2013( 1/1‬‬ ‫‪46‬‬ ‫تلوث مناجم ال ّذهب‬ ‫ال ّشمال‪ ،‬أضر ا‬ ‫ار محلّّية‪ ،‬مثل ّ‬ ‫النحاس بثاني أكسيد الكبريت‪.‬‬ ‫تلوث مناجم ّ‬ ‫بالزئبق أو ّ‬ ‫ينبغي خاصة األخذ بعين االعتبار طريقة استخدام‬ ‫البيئية للكوكب بأسره‪ ،‬لتخزين النفايات الغازية‬ ‫المساحة‬ ‫ّ‬ ‫التي تراكمت على مدى قرنين وولّدت وضعا ُيلحق اآلن‬ ‫الضرر بجميع بلدان العالم‪ .‬إن االحترار الذي تسبب به‬ ‫االستهالك الهائل لبعض البلدان الغنية له تداعيات‬ ‫على المناطق األكثر فق ار في األرض‪ ،‬وباألخص على‬ ‫أفريقيا‪ ،‬حيث االرتفاع في درجات الح اررة‪ ،‬المصحوبة‬ ‫آثار كارثية على المحاصيل‪ .‬يضاف‬ ‫بالجفاف‪ ،‬يترك ا‬ ‫إلى هذا‪ ،‬األضرار الناتجة عن تصدير النفايات الصلبة‬ ‫والسوائل السامة إلى البلدان النامية‪ ،‬وعن التلوث الناتج‬ ‫عن أنشطة تقوم بها بعض الشركات العاملة في البلدان‬ ‫األقل نموا‪ ،‬والتي ال يمكنها القيام بها في البلدان التي‬ ‫توفّر لها رؤوس األموال‪" :‬نالحظ أن الشركات التي‬ ‫تقوم بهذه األعمال‪ ،‬هي متعددة الجنسيات في كثير من‬ ‫األحيان‪ ،‬حيث تقوم بما ال يُسمح لها القيام به في‬ ‫البلدان المتقدمة أو ما يسمّى بالعالم األول‪ .‬فهي‪،‬‬ ‫بالعموم‪ ،‬عندما توقف أنشطتها وتنسحب‪ ،‬تترك خلفها‬ ‫ار بشرية وبيئية كبيرة‪ ،‬مثل البطالة وقُرى بال حياة‪،‬‬ ‫أضر ا‬ ‫‪47‬‬ ‫ونضوب بعض المحميّات الطبيعية‪ ،‬وازالة الغابات‪،‬‬ ‫وافقار الزراعة وتربية الماشية المحلية‪ ،‬والفجوات‪،‬‬ ‫والتالل المخربة‪ ،‬واألنهار الملوثة وبعض الخدمات‬ ‫االجتماعية التي ال يمكن دعهما بعد"‪.30‬‬ ‫‪ .52‬لقد تحولت الديِّون الخارجية للبلدان الفقيرة إلى أداة‬ ‫سيطرة‪ ،‬لكن األمر ليس كذلك بالنسبة للديِّن‬ ‫اإليكولوجي‪ .‬بطرق مختلفة‪ ،‬ما زالت الشعوب النامية‪،‬‬ ‫حيث توجد أهم محميات المحيط الحيوي‪ ،‬مستمرة في‬ ‫تغذية البلدان الغنية على حساب حاضرها ومستقبلها‪.‬‬ ‫أرض فقراء الجنوب هي غنية وقليلة التلوث‪ ،‬لكن‬ ‫محظور عليهم امتالك الخيرات والموارد الالزمة لتلبية‬ ‫احتياجاتهم الحيوية من ِقَب ِل نظام عالقات اقتصادية‬ ‫ي أن تساهم‬ ‫وملكية‪ ،‬منحرف هيكليا‪ .‬من الضرور ّ‬ ‫بالحد بشكل كبير‬ ‫المتقدمة في سداد هذا الدين‪،‬‬ ‫البلدان‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫من استهالك الطاقة غير المتجددة‪ ،‬وبتقديم موارد‬ ‫للبلدان األكثر حاجة‪ ،‬لدعم سياسات وبرامج تنمية‬ ‫فقر إمكانيات‬ ‫مستدامة‪ .‬لدى المناطق والبلدان األكثر ا‬ ‫البيئي‪ ،‬ألنها ال‬ ‫أقل لتَْبّني نماذج جديدة لتقليل التأثير‬ ‫ّ‬ ‫‪30‬‬ ‫أساقفة منطقة باتاغونيا‪-‬كوماوي‪( PATAGONIA-COMAHUE‬أرجنتين)‪ ،‬رسالة‬ ‫الميالد ‪( Mensaje de Navidad -‬ديسمبر‪/‬كانون األول ‪.2 ،)2009‬‬ ‫‪48‬‬ ‫تملك التأهيل لتطوير االجراءات الالزمة كما ليس‬ ‫باستطاعتها تغطية تكاليفها‪ .‬لهذا‪ ،‬يجب الحفاظ على‬ ‫وعي واضح بأن هناك مسؤوليات متفاوتة في مسألة‬ ‫تغير المناخ‪ ،‬وكما قال أساقفة الواليات المتّحدة‪ ،‬يجب‬ ‫ّ‬ ‫التوجه "بشكل خاص إلى حاجة الفقراء‪ ،‬والضعفاء‬ ‫والواهنين‪ ،‬في مناقشات غالبا ما تهيمن عليها مصالح‬ ‫األقوياء"‪ .31‬يجب علينا أن نعزز الوعي بأننا أسرة‬ ‫سياسية أو‬ ‫بشرية واحدة‪ .‬ال توجد حدود وحواجز‬ ‫ّ‬ ‫السبب‬ ‫ّ‬ ‫اجتماعية بإمكانها أن تسمح لنا باالنعزال‪ ،‬ولهذا ّ‬ ‫نفسه ليس هنالك حتى مجال لعولمة الالمباالة‪.‬‬ ‫‪َ .II‬وهن ردود الفعل‬ ‫تؤدي هذه األوضاع إلى ِ‬ ‫أنين أختنا األرض‪،‬‬ ‫‪ّ .53‬‬ ‫ٍ‬ ‫صرخة‬ ‫المهمشين في العالم‪ ،‬مع‬ ‫والذي يلتقي بأنين‬ ‫ّ‬ ‫تطالبنا بإتخاذ مسار مختلف‪ .‬لم يسبق أن عاملنا بيتنا‬ ‫المشترك بمثل هذا السوء وال ألحقنا به مثل هذا األذى‬ ‫‪31‬‬ ‫مجلس األساقفة الكاثوليك بالواليات المتحدة‪ ،‬التغير المناخي العام‪ :‬نداء من‬ ‫أجل الحوار والحذر والخير العام ‪Global Climate Change: A Plea -‬‬ ‫‪15( for Dialogue, Prudence and the Common Good‬‬ ‫يونيو‪/‬حزيران ‪.)2001‬‬ ‫‪49‬‬ ‫مدعوون‬ ‫بمقدار ما فعلنا طيلة القرنين السابقين‪ .‬بيد أننا‬ ‫ّ‬ ‫ألن نضحي أداة اهلل اآلب‪ ،‬كي يصبح الكوكب مثلما‬ ‫حلم به اهلل عندما خلقه‪ ،‬ويتجاوب مع مشروعه للسالم‬ ‫والجمال والملء‪ .‬المشكلة هي أننا ال نملك بعد الثقافة‬ ‫تكوين‬ ‫الالزمة لمواجهة هذه األزمة‪ ،‬وهناك حاجة إلى ِّ‬ ‫تشق دروبا جديدة‪ ،‬وتسعى إلى تلبية حاجات‬ ‫قيادات‬ ‫ّ‬ ‫األجيال الحاضرة بمشاركة الجميع‪ ،‬دون المغامرة‬ ‫باألجيال المستقبلية‪ .‬ويغدو من الضرورة بمكان أيضا‬ ‫يتضمن حدودا ال يمكن تجاوزها‬ ‫ي‬ ‫وضع نظام معيار ّ‬ ‫ّ‬ ‫ويوفر حماية للنظم اإليكولوجية‪ ،‬قبل أن تمحق األشكال‬ ‫الجديدة من السلطة‪ ،‬الناجمة عن النموذج التقني‪-‬‬ ‫االقتصادي‪ ،‬ليس فقط السياسة بل أيضا الحرية‬ ‫والعدالة‪.‬‬ ‫ضعف رد الفعل السياسي الدولي‪.‬‬ ‫‪ .54‬يسترعي االنتباه ُ‬ ‫وللمالية قد ظهر ًّ‬ ‫جليا في‬ ‫السياسة للتكنولوجيا‬ ‫ّ‬ ‫فخضوع ّ‬ ‫العالمية حول البيئة‪ .‬فهناك الكثير من‬ ‫القمم‬ ‫ّ‬ ‫فشل ّ‬ ‫السهل أن تتغلّب المصلحة‬ ‫المصالح‬ ‫الخاصة‪ ،‬ومن ّ‬ ‫ّ‬ ‫االقتصادية على الخير العام وأن تتالعب بالمعلومات‬ ‫ّ‬ ‫كي ال تتأثر مشاريعها‪ .‬في هذا المنحى‪ ،‬تطالّب وثيقة‬ ‫التدخالت حول الموارد‬ ‫ـ"أال تهيمن‪ ،‬في‬ ‫أباريسيدا‪ ،‬ب ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪50‬‬ ‫تدمر‬ ‫الطبيعية‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫مصالح المجموعات االقتصادية‪ ،‬التي ّ‬ ‫بشكل غير عقالني مصادر الحياة"‪ .32‬فالعهد بين‬ ‫االقتصاد والتقنية يستبعد في نهاية األمر ك ّل ما ال‬ ‫ينتمي إلى مصالحهما الفورية‪ .‬حيث أنه يمكننا توقّع‬ ‫السطحية‪ ،‬أو بعض األعمال‬ ‫بعض التصريحات‬ ‫ّ‬ ‫اإلنسانية المعزولة‪ ،‬أو حتى بعض الجهود إلظهار‬ ‫ّ‬ ‫بعض االهتمام بالبيئة‪ ،‬بينما في الحقيقة‪ ،‬ك ّل محاولة‬ ‫االجتماعية لتغيير األمور‪ ،‬سوف‬ ‫من ِقَبل المنظّمات‬ ‫ّ‬ ‫تُعتََبر كمصدر إزعاج ناجم عن أشخاص حالمين‬ ‫ورومانسيين أو كعائق يجب تفاديه‪.‬‬ ‫‪ .55‬باستطاعة بعض البلدان‪ ،‬رويدا رويدا‪ ،‬أن تُسجل‬ ‫فعالية‪ ،‬ومكافحة‬ ‫ا‬ ‫مهما‪،‬‬ ‫تقدما‬ ‫ًّ‬ ‫ّ‬ ‫وتطور لضوابط أكثر ّ‬ ‫إيكولوجي‪،‬‬ ‫اهتمام‬ ‫جادة للفساد‪ .‬لقد نمى لدى الشعوب‬ ‫ٌّ‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫االستهالكية‬ ‫كاف لتغيير العادات‬ ‫حتى وان كان غير‬ ‫ّ‬ ‫تطور‪.‬‬ ‫المضرة‪ ،‬التي تبدو أنها ال تتراجع‪ ،‬وانما‬ ‫تتوسع َّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫هذا ما يحدث‪ ،‬فقط إلعطاء مثال بسيط‪ ،‬عند زيادة‬ ‫قوتها‪ :‬األسواق تحفّز‬ ‫استخدام ّ‬ ‫مكيفات الهواء ومضاعفة ّ‬ ‫الطلب‪ ،‬باحثة عن الفائدة الفورية‪ .‬إذا قام شخص من‬ ‫‪32‬‬ ‫المؤتمر العام الخامس ألساقفة أمريكا الالتينية ومنطقة البحر الكاريبي‪ ،‬وثيقة‬ ‫أباريسيدا (‪ 29‬يونيو‪/‬حزيران ‪.471 ،)2007‬‬ ‫‪51‬‬ ‫الخارج بمراقبة المجتمع األرضي‪ ،‬فإنه سيصاب‬ ‫بالذهول أمام مثل هذا السلوك الذي يبدو أحيانا‬ ‫انتحارًّيا‪.‬‬ ‫االقتصادية تبر َير‬ ‫‪ .56‬في غضون ذلك‪ ،‬تَُواصل القوى‬ ‫ّ‬ ‫الحالي‪ ،‬الذي تطغى فيه المضاربة‬ ‫العالمي‬ ‫النظام‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والبحث عن الربح المالي‪ ،‬اللذان يميالن إلى غض‬ ‫النظر عن أي سياق محلّي وكذلك عن التأثيرات على‬ ‫الكرامة اإلنسانية وعلى البيئة‪ .‬وهكذا يظهر واضحا أن‬ ‫اإلنساني واألخالقي هما‬ ‫البيئي والتدهور‬ ‫التدهور‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مرتبطان ارتباطا وثيقا فيما بينهما‪ .‬وقد يدعي الكثيرون‬ ‫أنهم ال يدركون أن األعمال التي يقومون بها غير‬ ‫منا شجاعة‬ ‫أخالقية‪ ،‬ألن التشتت المستمر يسلب ّ‬ ‫الوعي بو ِاق ِع ٍ‬ ‫عالم محدوٍد وزائل‪ .‬لهذا فاليوم "كل ما هو‬ ‫السوق‬ ‫ّ‬ ‫هش‪ ،‬مثل البيئة‪ ،‬يبقى أعزل أمام مصالح ّ‬ ‫المؤلَّهة‪ ،‬التي تحولّت إلى قانون مطلق"‪.33‬‬ ‫المتََوقَّع‪ ،‬أمام استنزاف بعض الموارد‪ ،‬أن‬ ‫‪ .57‬ومن ُ‬ ‫ٍ‬ ‫حروب جديدة‪ ،‬متخفيِّة‬ ‫تنشأ تدريجيًّا حالة مؤيدة لشن‬ ‫ار‬ ‫تحت أقنعة المطالب النبيلة‪ .‬والحرب تُلحق دائما أضر ا‬ ‫‪33‬‬ ‫اإلرشاد الرسولي فرح اإلنجيل ‪ 24( ،Evangelii gaudium‬نوفمبر‪/‬تشرين‬ ‫الثاني ‪ :56 ،)2013‬أعمال الكرسي الرسولي ‪.1043 ،)2013( 105‬‬ ‫‪52‬‬ ‫جسيمة بالبيئة وبالثروة الثقافية للشعوب‪ ،‬وتصبح‬ ‫النووية وتلك‬ ‫المخاطر مفزعة عندما نف ّكر في األسلحة‬ ‫ّ‬ ‫البيولوجية‪ .‬في الواقع‪" ،‬على الرغم من أن هناك اتفاقات‬ ‫ّ‬ ‫دولية‬ ‫تحظّر‬ ‫الكيميائية‬ ‫الحروب‬ ‫والبكتريولوجية‬ ‫مستمر في‬ ‫والبيولوجية‪ ،‬فالحقيقة هي أن البحث‬ ‫ّ‬ ‫المختبرات لتطوير أسلحة هجومية جديدة قادرة على‬ ‫تغيير توازن الطبيعة"‪ .34‬من الضروري أن تُعير‬ ‫السياسة انتباها أكبر لتفادي هذه األوضاع ولمواجهة‬ ‫تتسبب في صراعات جديدة‪ .‬لكن‬ ‫األسباب التي قد‬ ‫ّ‬ ‫السلطة المرتبطة بالقطاعات االقتصادية هي التي تقاوم‬ ‫السياسية‬ ‫بشدة هذا المجهود‪ ،‬وغالبا ما تفتقد المشاريع‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ط ٍة سيرتبط‬ ‫لرؤى واسعة‪ .‬لماذا نريد اليوم‬ ‫بسل َ‬ ‫ّ‬ ‫التمسك ُ‬ ‫ذكراها بعدم قدرتها على التدخل عندما كان األمر‬ ‫ضرورًّيا وملحا؟‬ ‫‪ .58‬في بعض البلدان‪ ،‬هناك نماذج إيجابية لنجاحات‬ ‫في تحسين البيئة‪ ،‬كتطهير بعض األنهر التي كانت قد‬ ‫أصلية‪ ،‬أو‬ ‫تلوثت لعقود طويلة‪ ،‬أو استعادة غابات‬ ‫ّ‬ ‫تجميل مناظر طبيعية بفضل أعمال تجديد بيئي‪ ،‬أو‬ ‫‪34‬‬ ‫يوحنا بولس الثاني‪ ،‬رسالة يوم السالم العالمي ‪ :12 ،1990‬أعمال الكرسي‬ ‫الرسولي ‪.154 ،)1990( 82‬‬ ‫‪53‬‬ ‫القيام بمشاريع بناء ذات قيمة جمالية كبيرة‪ ،‬أو أيضا‬ ‫العمل على إنتاج طاقة غير ُملَ ِّوثَة‪ ،‬أو تحسين وسائل‬ ‫النقل العام‪ .‬إن هذه األعمال ال تجد حلوال للمشاكل‬ ‫قادر‬ ‫ا‬ ‫العالمية‪ ،‬ولكنها تثبت أن الكائن البشري ما زال‬ ‫حب‪،‬‬ ‫على‬ ‫ّ‬ ‫التدخل بشكل إيجابي‪ .‬فلكونه قد ُخلق كي ُي ّ‬ ‫ِ‬ ‫عالمات الكرم‬ ‫محدوديته‪،‬‬ ‫فهو ُيظ ِهر حتما‪ ،‬وسط‬ ‫ّ‬ ‫والتضامن والعناية‪.‬‬ ‫نمو إيكولوجية‬ ‫‪ .59‬في الوقت عينه‪ ،‬يمكننا مالحظة ّ‬ ‫سطحية تجمع بين اإلنكار وانعدام‬ ‫اصطناعية أو‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫المسؤولية‪ .‬فكما هي الحال غالبا في أوقات األزمات‬ ‫العميقة التي تتطلّب ق اررات شجاعة‪ ،‬فإننا نميل إلى‬ ‫االعتقاد بأن ما يحدث ليس مؤ ّكدا‪ .‬وان نظرنا بشكل‬ ‫التلوث‬ ‫سطحي‪ ،‬باستثناء عدد قليل من عالمات‬ ‫ّ‬ ‫والتدهور الواضحة‪ ،‬فإن األمور ال تبدو خطيرة ظاهرًّيا‬ ‫الحالي لوقت‬ ‫يستمر في وضعه‬ ‫وباستطاعة الكوكب أن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مديد‪ .‬هذا السلوك المراوغ يسمح لنا بالحفاظ على نمط‬ ‫الحياة واإلنتاج واالستهالك الذي اعتمدناه‪ .‬إنها الطريقة‬ ‫التي يعتمدها الكائن البشري ليغذي جميع رذائل التدمير‬ ‫الذاتي‪ :‬بأن يحاول أال يراها‪ ،‬وبأن يجاهد كي ال يعترف‬ ‫‪54‬‬ ‫بها‪ ،‬وبأن يؤجل اتخاذ الق اررات الهامة‪ ،‬وبأن يتصرف‬ ‫وكأن شيئا لم يكن‪.‬‬ ‫‪ .III‬اختالف اآلراء‬ ‫بتطور وجهات نظر واتجاهات‬ ‫‪ .60‬وأخيرا‪ ،‬لنعترف‬ ‫ّ‬ ‫فكرية مختلفة حول الوضع الحالي والحلول الممكنة‪ .‬في‬ ‫الحد األقصى من جهة‪ ،‬نجد الذين يدعمون‪ ،‬بأي ثمن‪،‬‬ ‫التقدم ويؤ ّكدون أن المشاكل اإليكولوجية ستجد‬ ‫أسطورة ّ‬ ‫حال بفضل تطبيقات تقنية جديدة‪ ،‬دون أية اعتبارات‬ ‫ّ‬ ‫أخالقية أو تغييرات جوهرية‪ .‬ومن الجهة األخرى‪ ،‬يعتقد‬ ‫تدخالته‪،‬‬ ‫آخرون أن الجنس البشري‪ ،‬عبر أي من ّ‬ ‫خطر على النظام البيئي العالمي وأن‬ ‫ا‬ ‫بإمكانه أن يش ّكل‬ ‫الحد من وجوده على الكوكب‬ ‫يؤذيه؛ وبالتالي ينبغي‬ ‫ّ‬ ‫ومنع أي تدخل من ِقَبلِ ِه‪ .‬وبين هذين الطرفين‪ ،‬يحتاج‬ ‫التّفكير إلى تحديد سيناريوهات محتملة في المستقبل‪،‬‬ ‫ألنه ال يوجد سبيل واحد للحل‪ .‬وهذا من شأنه أن يسمح‬ ‫متنوعة من المساهمات القادرة على‬ ‫بوجود مجموعة ّ‬ ‫الدخول في حوار بهدف وضع حلول متكاملة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫نهائي حول العديد‬ ‫‪ .61‬ليس للكنيسة سبب القتراح رأي‬ ‫ّ‬ ‫من القضايا العمليِّة‪ ،‬وهي تعلم أنه عليها االصغاء‬ ‫للجدال الصادق بين العلماء وتشجيعه‪ ،‬باحترام لتباين‬ ‫‪55‬‬ ‫بجدية لنرى أن‬ ‫اآلراء‪ .‬لكن يكفي النظر إلى الواقع ّ‬ ‫ِ‬ ‫هناك ٍّ‬ ‫الرجاء إلى‬ ‫ترد كبير في بيتنا المشترك‪ .‬ويدعونا ّ‬ ‫االعتراف بأن هناك دائما مخرجا‪ ،‬وأنه بإمكاننا تغيير‬ ‫اتجاهنا‪ ،‬وبإمكاننا القيام دائما بشيء ما ِّ‬ ‫لحل المشاكل‪.‬‬ ‫ولكن‪ ،‬يبدو أننا نرى دالئل تشير إلى نقطة انهيار‪،‬‬ ‫بسبب السرعة الفائقة للتغييرات وللتدهور‪ ،‬والتي تظهر‬ ‫اإلقليمية كما في‬ ‫الطبيعية‬ ‫بشكل واضح في الكوارث‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫المالية‪ ،‬حيث انه ال يمكن‬ ‫االجتماعية أو حتى‬ ‫األزمات‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تحليل أو تفسير مشاكل العالم بطريقة معزولة‪ .‬هناك‬ ‫وبغض‬ ‫مناطق قد أصبحت في خطر بشكل خاص‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ثي‪ ،‬فمن المؤ ّكد ّأنه ال يمكن‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫النظر عن أي ّ‬ ‫تنبؤ كار ّ‬ ‫الحالي‬ ‫النظام‬ ‫من ّ‬ ‫عدة وجهات نظر‪ ،‬االستمرار في ّ‬ ‫ّ‬ ‫ألننا قد توقّفنا عن التفكير في غايات العمل‬ ‫للعالم ّ‬ ‫ي‪" :‬إذا ما أَجلنا النظر في مناطق كوكبنا‪ ،‬أدركنا‬ ‫البشر ّ‬ ‫خيبت توقّعات اهلل"‪.35‬‬ ‫على الفور أن البشرية قد ّ‬ ‫‪35‬‬ ‫نفس الكاتب‪ ،‬المقابلة العامة (‪ 17‬يناير‪/‬كانون الثاني ‪ :3 ،)2001‬تعاليم ‪1/24‬‬ ‫(‪.178 ،)2001‬‬ ‫‪56‬‬ ‫الفصل الثاني‬ ‫إنجيل الخليقة‬ ‫ضم فصل كامل يتناول معتقدات‬ ‫‪ .62‬ما السبب في ّ‬ ‫الموجهة إلى جميع األشخاص‬ ‫اإليمان إلى هذه الوثيقة‬ ‫ّ‬ ‫الصالحة؟ أدرك أن البعض‪ ،‬في مجال‬ ‫ذوي النوايا‬ ‫ّ‬ ‫وبقوة فكرة وجود َخالق‪ ،‬أو‬ ‫ّ‬ ‫السياسة والفكر‪ ،‬يرفضون ّ‬ ‫يعتبرونها غير ذات أهمية‪ ،‬بحيث أنهم يضعون في‬ ‫تقدمها‬ ‫الغنية التي يمكن أن ّ‬ ‫نطاق الالعقالني المساهمةَ ّ‬ ‫نمو كامل‬ ‫األديان لصالح‬ ‫ّ‬ ‫إيكولوجية شاملة‪ ،‬ومن أجل ّ‬ ‫ويتم اعتبارها أحيانا أخرى‪ ،‬كثقافة‬ ‫للجنس البشري‪ .‬كما ّ‬ ‫الدين‪،‬‬ ‫دونية ينبغي ببساطة تحملها‪ .‬بيد أن العلم و ّ‬ ‫يقدمان مقاربات مختلفة للواقع‪ ،‬باستطاعتهما‬ ‫اللّذين ّ‬ ‫الدخول في حوار مكثّف ومثمر لكليهما‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ .I‬النور الذي يقدمه اإليمان‬ ‫‪ .63‬إذا أخذنا بعين االعتبار تعقيد األزمة اإليكولوجية‬ ‫وتعدد أسبابها‪ ،‬علينا االعتراف بأنه ال يمكن للحلول أن‬ ‫تأتي من طريقة أحادية في فهم وتغيير الواقع‪ .‬فمن‬ ‫‪57‬‬ ‫الضروري أيضا اللجوء إلى غنى الشعوب الثقافي‬ ‫المتنوع‪ ،‬والى الفن والشعر‪ ،‬والى الحياة الداخلية والى‬ ‫الروحانية‪ .‬إذا أردنا حقيقة بناء إيكولوجية تسمح لنا‬ ‫أي فرع من‬ ‫بإصالح ك ّل ما قد هدمنا‪ ،‬ال يمكن إهمال ّ‬ ‫فروع العلم وأي شكل من أشكال الحكمة‪ ،‬وال حتى‬ ‫الدينية منها مع لغتها الخاصة‪ .‬عالوة على ذلك‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫فالكنيسة الكاثوليكية هي منفتحة على الحوار مع الفكر‬ ‫صيغ مختلفة بين‬ ‫الفلسفي‪ ،‬وهذا يسمح لها بإنتاج‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫اإليمان والعقل‪ .‬وهذا ما يمكن مالحظته‪ ،‬فيما يتعلق‬ ‫تطور‬ ‫باألمور المرتبطة بالمسائل االجتماعية‪ ،‬عبر ّ‬ ‫المدعوة إلثراء نفسها دائما‬ ‫العقيدة‬ ‫االجتماعية للكنيسة‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫التحديات الجديدة‪.‬‬ ‫انطالقا من‬ ‫ّ‬ ‫‪ .64‬من جهة أخرى‪ ،‬حتى وان كانت هذه الرسالة‬ ‫العامة منفتحة على الحوار مع الجميع للبحث معا عن‬ ‫ُسُب ِل تحرير‪ ،‬فإني أريد أن أبيِّن منذ البدء كيف أن‬ ‫االقتناعات اإليمانية تُعطي للمسيحيين‪ ،‬وأيضا إلى‬ ‫بعض المؤمنين اآلخرين‪ ،‬دو ِافع سامية لالعتناء‬ ‫ضعفا‪ .‬فإن كان‬ ‫بالطبيعة وباإلخوِة واألخوات األكثر ُ‬ ‫بحد ذاته‬ ‫مجرد انتمائنا للعائلة البشرّية يدفع األشخاص ّ‬ ‫إلى العناية بالبيئة التي ننتسب إليها‪" ،‬فالمسيحيون‬ ‫‪58‬‬ ‫أن واجباتهم ضمن الخلق‪،‬‬ ‫يوقنون‪ ،‬بوجه خاص‪ّ ،‬‬ ‫ومسؤولياتهم حيال الطبيعة والخالق هي جزء من‬ ‫إيمانهم"‪ .36‬لذلك‪ ،‬فهو خير للبشرية وللعالم أن ندرك‪،‬‬ ‫نحن المؤمنين‪ ،‬بشكل أفضل‪ ،‬االلتزامات اإليكولوجية‬ ‫التي تنبع من قناعاتنا‪.‬‬ ‫‪ .II‬حكمة روايات الكتاب المقدس‬ ‫‪ .65‬دون أن نسترجع هنا كل الهوت الخليقة‪ ،‬نتساءل‬ ‫المقدس حول‬ ‫عما تقوله لنا الروايات الكبرى في الكتاب‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫العالقة بين الكائن البشري والعالم‪ .‬في الرواية األولى‬ ‫خلق‬ ‫لعمل الخلق في سفر التكوين‪،‬‬ ‫يتضم ُن تدبير اهلل َ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫البشرية‪ .‬فبعد أن ُخلق الرجل والمرأة‪ ،‬يقول‪" :‬و أرَى اهللُ‬ ‫ص َن َعه فاذا هو حَسَ ٌن ِج ًّدا" (تك ‪ .)31 ،1‬يعلّم‬ ‫ميع ما َ‬ ‫َج َ‬ ‫بمحبة‪،‬‬ ‫ق‬ ‫الكتاب المقدس أن ك ّل كائن بشري قد ُخلِ َ‬ ‫ّ‬ ‫ظهر لنا‬ ‫على صورة اهلل ومثاله (را‪ .‬تك ‪ُ .)26 ،1‬‬ ‫وي ُ‬ ‫هذا التأكيد الكرامةَ العظيمة لك ّل شخص إنساني‪ ،‬والذي‬ ‫مجرد شيء‪ ،‬وانما شخص‪ .‬شخص قادر على‬ ‫هو "ليس ّ‬ ‫‪36‬‬ ‫يوحنا بولس الثاني‪ ،‬رسالة يوم السالم العالمي ‪ :15 ،1990‬أعمال الكرسي‬ ‫الرسولي ‪.156 ،)1990( 82‬‬ ‫‪59‬‬ ‫بمجانية‪،‬‬ ‫معرفة نفسه‪ ،‬وعلى امتالكها‪ ،‬وتقديم ذاته‬ ‫ّ‬ ‫والدخول في شركة مع اآلخرين"‪ .37‬وقد ذ ّكر القديس‬ ‫يكنها‬ ‫المحبة‬ ‫يوحنا بولس الثاني كيف أن‬ ‫الخاصة التي ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫اهلل لك ّل كائن بشري "تهبه كرامة المتناهية"‪ .38‬إن الذين‬ ‫بالدفاع عن كرامة األشخاص‪ ،‬بإمكانهم أن‬ ‫يلتزمون ّ‬ ‫يجدوا في اإليمان المسيحي البراهين األعمق اللتزامهم‬ ‫هذا‪ .‬كم هو رائع االدراك بأن حياة ك ّل شخص ال‬ ‫تضيع في فوضى ميؤوس منها‪ ،‬أو في عالم تحكمه‬ ‫المصادفة أو الدورات المتكررة إلى ما ال نهاية! فبإمكان‬ ‫الب ِ‬ ‫طن‬ ‫ُص ِّوَر َ‬ ‫ك في َ‬ ‫الخالق أن يقول لك ّل منا‪" :‬قَب َل أَن أ َ‬ ‫ك" (أر ‪ .)5 ،1‬لقد تم تصورنا في ِ‬ ‫قلب اهلل‪ ،‬ولذلك‬ ‫َع َرفتُ َ‬ ‫ُّ‬ ‫منا هو ثمرة فكر اهلل‪ .‬ك ّل واحد منا هو‬ ‫"ك ّل واحد ّ‬ ‫مرغوب‪ ،‬ك ّل واحد هو محبوب‪ ،‬ك ّل واحد هو‬ ‫ضروري"‪.39‬‬ ‫‪ .66‬تحتوي روايات الخلق في سفر التكوين‪ ،‬بلغتها‬ ‫السردية‪ ،‬على تعاليم عميقة حول الوجود‬ ‫الرمزية و ّ‬ ‫‪37‬‬ ‫التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية‪ ،‬رقم ‪.357‬‬ ‫‪38‬‬ ‫را‪ .‬التبشير المالئكي في أوسنابروك (ألمانيا) مع األشخاص المعاقين (‪16‬‬ ‫‪39‬‬ ‫بندكتس السادس عشر‪ ،‬عظة بداية الخدمة البطرسية (‪ 24‬أبريل‪/‬نيسان‬ ‫نوفمبر‪/‬تشرين الثاني ‪ :)1980‬تعاليم ‪.1232 ،)1980( 2/3‬‬ ‫‪ :)2005‬أعمال الكرسي الرسولي ‪.711 ،)2005( 97‬‬ ‫‪60‬‬ ‫يخي‪ .‬تشير هذه التعاليم إلى أن‬ ‫البشر ّ‬ ‫ي وواقعه التار ّ‬ ‫الوجود البشري يقوم على ثالثة عالقات أساسية متّصلة‬ ‫ببعضها اتصاال وثيقا‪ :‬العالقة مع اهلل‪ ،‬ومع القريب‬ ‫ومع األرض‪ .‬وبحسب الكتاب المقدس‪ ،‬قد تمزقت هذه‬ ‫ًّ‬ ‫خارجيا‪ ،‬إنما أيضا‬ ‫الحيوية الثالث‪ ،‬ليس فقط‬ ‫العالقات‬ ‫ّ‬ ‫بِ ِ‬ ‫داخلنا‪ .‬وهذا االنفصال هو الخطيئة‪ .‬فقد ُد ّمر االنسجام‬ ‫ادعائِنا‬ ‫بين الخالق والبشرية والخليقة جمعاء‪ ،‬بسبب ّ‬ ‫بالحلول مح ّل اهلل‪ ،‬ور ِ‬ ‫ِ‬ ‫فضنا االعتراف بأننا مخلوقات‬ ‫شوه هذا الواقع أيضا طبيعة التفويض‬ ‫محدودة‪ .‬لقد ّ‬ ‫بإخضاع األرض (را‪ .‬تك ‪ )28 ،1‬وحرثها وحراستها‬ ‫(را‪ .‬تك ‪ .)15 ،2‬فنتج عن ذلك أن العالقة المتناغمة‬ ‫تبدلت إلى صراع‬ ‫أصال بين الكائن البشري والطبيعة ّ‬ ‫المهم أن ُيفهم‬ ‫(را‪ .‬تك ‪ .)19 - 17 ،3‬لهذا‪ ،‬فمن‬ ‫ّ‬ ‫األسيزي مع‬ ‫االنسجام الذي كان يعيشه القديس فرنسيس ّ‬ ‫كإصالح لهذا االنفصال‪ .‬قال القديس‬ ‫جميع المخلوقات‬ ‫ٍ‬ ‫بونافنتو ار أن فرنسيس‪ ،‬عبر المصالحة الشاملة مع كل‬ ‫المخلوقات‪ ،‬قد عاد‪ ،‬بطريقة أو بأخرى‪ ،‬إلى حالة‬ ‫البراءة األصلية‪ .40‬واليوم‪ ،‬بعيدا عن هذه الحالة‪ ،‬تظهر‬ ‫‪40‬‬ ‫را‪ .‬األسطورة الكبرى ‪ :1 ،VIII ،Legenda Maior‬مصادر فرنسيسكانية‬ ‫‪.1134‬‬ ‫‪61‬‬ ‫المدمرة في الحروب وفي مختلف‬ ‫قوتها‬ ‫ّ‬ ‫الخطيئة بك ّل ّ‬ ‫عمن هم أكثر‬ ‫أشكال العنف والمعاملة ّ‬ ‫السيئة والتخلّي ّ‬ ‫التعديات على الطبيعة‪.‬‬ ‫ضعفا‪ ،‬وفي ّ‬ ‫األرض كانت من قَبلِنا وقد‬ ‫‪ .67‬نحن لسنا اهلل‪ .‬و ُ‬ ‫ِ‬ ‫بالرد على االتهام الموجه للفكر‬ ‫أُعط َيت لنا‪ .‬هذا يسمح ّ‬ ‫اليهودي‪-‬المسيحي‪ :‬فقد قيل‪ ،‬اعتمادا على ِرواية سفر‬ ‫التكوين التي تدعو إلى "إخضاع" األرض (را‪ .‬تك ‪،1‬‬ ‫الهمجي للطبيعة‪،‬‬ ‫يشجع االستغالل‬ ‫‪ ،)28‬إن هذا قد ّ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫دمر‪ .‬هذا ليس‬ ‫وم ِّ‬ ‫كمسيط ِر ُ‬ ‫مقدما صورة للكائن البشري ُ‬ ‫المقدس كما تفهمه الكنيسة‪ .‬وان‬ ‫تفسي ار صحيحا للكتاب‬ ‫ّ‬ ‫فسروا الكتاب المقدس أحيانا‬ ‫صح أن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫المسيحيين قد ّ‬ ‫بطريقة غير دقيقة‪ ،‬إال أنه علينا اليوم أن نرفض وبقوة‪،‬‬ ‫إمكانية تبرير هيمنة مطلقة لإلنسان على باقي‬ ‫الخالئق‪ ،‬انطالقا من أننا ُخلِقنا على صورة اهلل وأننا قد‬ ‫المهم قراءة نصوص‬ ‫ضنا إلخضاع األرض‪ .‬فمن‬ ‫ِّ‬ ‫فو ْ‬ ‫ّ‬ ‫الكتاب المقدس في سياقها‪ ،‬مع تفسير صحيح‪ ،‬والتذ ّكر‬ ‫بأنها تدعونا "لحرث وحراسة" الفردوس (را‪ .‬تك ‪،2‬‬ ‫‪ .)15‬في حين أن "الحراثة" تعني فالحة التربة أو‬ ‫االستصالح أو العمل‪" ،‬فالحراسة" تعني الحماية‬ ‫والعناية‪ ،‬و ِ‬ ‫الحفظ‪ ،‬والسهر‪ .‬وهذا يفترض وجود عالقة‬ ‫‪62‬‬ ‫تبادل مسؤول بين الكائن البشري والطبيعة‪ .‬فك ّل مجتمع‬ ‫يمكنه الحصول على الخير الذي يحتاجه من األرض‬ ‫للبقاء على قيد الحياة‪ ،‬ولكن عليه أيضا واجب حماية‬ ‫األرض وضمان استم اررية خصوبتها لألجيال القادمة‪.‬‬ ‫َرض لِ َّلر ِّ‬ ‫ب" (را‪ .‬مز ‪ِ ،)1 ،24‬ملك له‬ ‫ألن بالنهاية‪" ،‬األ ُ‬ ‫َرض َّ‬ ‫وكل ما فيها" (تث ‪ .)14 ،10‬لهذا يرفض اهلل‬ ‫"األ َ‬ ‫َما األَرض‪ ،‬فال تَُب ْع َبتاتا‬ ‫طلَق‪" :‬وأ َّ‬ ‫ادعاء بتملّك ُم ْ‬ ‫أي ّ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫يوف ِعندي" (أح‬ ‫وض ٌ‬ ‫الء ُ‬ ‫ألََّنها ل َي األَرض‪ ،‬وِاَّنما أَنتُم ُن َز ُ‬ ‫‪.)23 ،25‬‬ ‫‪ .68‬هذه المسؤولية تجاه أرض هي ملك هلل‪ ،‬تستلزم‬ ‫من الكائن البشري‪ ،‬وقد ُوهب الذكاء‪ ،‬أن يحترم قوانين‬ ‫الطبيعة والتوازن الدقيق بين كائنات هذا العالم‪ ،‬ألنه‬ ‫"هو أَمر ُ ِ‬ ‫َقامها إِلى َّ‬ ‫الد ِ‬ ‫هر وِالى األبد َس َّن ُسَّنة‬ ‫ََ‬ ‫فخلقَت وأ َ‬ ‫لن تَزول" (مز ‪ 5 ،148‬ب ‪ .)6 -‬وينتج عن هذا‪،‬‬ ‫المقدس تعمل على سَّن قوانين‬ ‫واقع أن تشريع الكتاب‬ ‫ّ‬ ‫مختلفة على الكائن البشري‪ ،‬ليس فقط في العالقة مع‬ ‫الكائنات البشرّية األخرى‪ ،‬وانما أيضا في العالقة مع‬ ‫الحية‪" :‬وِاذا ر َ ِ‬ ‫وره‬ ‫مار أَخي َ‬ ‫بقية الكائنات ّ‬ ‫ّ‬ ‫ك أَو ثَ َ‬ ‫أيت ح َ‬ ‫معه‬ ‫و ِاقعا في ال َ‬ ‫طريق‪ ،‬فال تَتَغا َف ْل عنه‪ ،‬بل أ َْن ِه ْ‬ ‫ضه َ‬ ‫َّ‬ ‫فت ُع َّ‬ ‫ش ٍ‬ ‫ك أَو في‬ ‫[‪ ]...‬إِذا‬ ‫َمام َ‬ ‫َ‬ ‫صاد َ‬ ‫طائر في الطريق أ َ‬ ‫‪63‬‬ ‫اخ أَو َبيض‪ ،‬واأل ُُّم‬ ‫َش َج َ ٍرة أَو على االرض‪ ،‬فيه ِفر ٌ‬ ‫تأخ ِذ األ َُّم مع ِ‬ ‫ِ‬ ‫الفراخ"‬ ‫حاض َنة لِ ِلفر ِ‬ ‫البيض‪ ،‬فال ُ‬ ‫اخ أ َِو َ‬ ‫(تث ‪ .)6 .4 ،22‬في هذا المنظور‪ ،‬فإن راحة اليوم‬ ‫السابع ليست معطاة فقط للكائن البشري‪ ،‬وانما أيضا‬ ‫"لِ َكي يستَريح ثَور َ ِ‬ ‫ك" (خر ‪ .)12 ،23‬وبهذا‬ ‫مار َ‬ ‫َ‬ ‫ك وح ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫المقدس ال يترك مجاال لمركزّية‬ ‫ندرك أن الكتاب‬ ‫ّ‬ ‫ببقية الخالئق‪.‬‬ ‫أنثروبية‬ ‫ّ‬ ‫مستبدة وغير مبالية ّ‬ ‫‪ .69‬في حين أنه يمكننا استخدام األشياء بطريقة‬ ‫مدعوون إلى االعتراف بأن للكائنات‬ ‫مسؤولة‪ ،‬فنحن‬ ‫ّ‬ ‫وتمجده‬ ‫الحية األخرى قيمة أمام اهلل "وبأنها تبارك اهلل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪41‬‬ ‫َعمالِه" (را‪ .‬مز‬ ‫بمجرد وجودها" ‪ ،‬ألن َّ‬ ‫فرح بأ ْ‬ ‫"الر ّ‬ ‫ّ‬ ‫ب َي َ‬ ‫‪ .)31 ،104‬فالكائن البشري‪ ،‬بِ ُح ِ‬ ‫كم كرامته الفريدة‬ ‫مدعو إلى احترام‬ ‫ب ال ّذكاء‪ ،‬هو‬ ‫ٌّ‬ ‫بالتحديد وألنه ُو ِه َ‬ ‫"الر ّ ِ ِ‬ ‫َسس‬ ‫كم ِة أ ًّ‬ ‫المخلوقات وقوانينها الخاصة‪ ،‬ألن َّ‬ ‫ب بالح َ‬ ‫ِ‬ ‫َّموات" (مثل ‪.)19 ،3‬‬ ‫طن ِة‬ ‫األَرض‬ ‫َ‬ ‫وبالف َ‬ ‫ثبت الس َ‬ ‫والكنيسة اليوم ال تقول فقط َّ‬ ‫إن المخلوقات األخرى هي‬ ‫منصاعة تماما لخير الكائن البشري‪ ،‬كما لو أن ال قيمة‬ ‫التصرف بها كيفما نشاء‪ .‬هكذا‬ ‫لها بذاتها‪ ،‬وأن بإمكاننا‬ ‫ّ‬ ‫‪41‬‬ ‫التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية‪.2416 ،‬‬ ‫‪64‬‬ ‫علّم أساقفة المانيا‪ ،‬فيما يخص المخلوقات األخرى‪ ،‬أنه‬ ‫أولوية «أن يكون» على واقع «أن‬ ‫"يمكننا الكالم عن‬ ‫ّ‬ ‫يكون مُفيدا»"‪ .42‬ويضعُ التعليم المسيحي (للكنيسة‬ ‫ٍ‬ ‫تساؤل‪ ،‬بطريقة مباشرة ًّ‬ ‫جدا‬ ‫موضع‬ ‫الكاثوليكية)‬ ‫َ‬ ‫وبإصرار‪ ،‬المركزيةَ األنثروبية المنحرفة‪" :‬ك ّل خليقة‬ ‫تمتلك جودتها وكمالها الذاتيين [‪ ]...‬الخالئق المختلفة‪،‬‬ ‫وقد أرادها اهلل في كيانها الخاص‪ ،‬تعكس‪ ،‬كل منها‬ ‫على طريقتها‪ ،‬شعاعا من حكمته وجودته الالمتناهيتين‪.‬‬ ‫ولهذا وجب على اإلنسان أن يحترم لكل خليقة جودتها‬ ‫الخاصة‪ ،‬لكي يتجنب استعمال األشياء استعماال‬ ‫فوضويا"‪.43‬‬ ‫‪ .70‬نرى في رواية قايين وهابيل أن الحسد دفع بقايين‬ ‫إلى ارتكاب الظلم األعظم َّ‬ ‫سبب هذا‬ ‫ضد أخيه‪ .‬وقد ّ‬ ‫الظلم بدوره انقطاعا بالعالقة بين قايين واهلل وبين قايين‬ ‫واألرض التي طُ ِرَد منها‪ .‬ويتلخص هذا المقطع في‬ ‫‪42‬‬ ‫مجلس األساقفة األلمان‪ ،‬مستقبل الخليقة ‪ -‬مستقبل البشرية‪ .‬بيان لمجلس‬ ‫األساقفة األلمان حول مسائل تخص البيئة وتوزيع مصادر الطاقة ‪Zukunft‬‬ ‫‪der Schöpfung – Zukunft der Menschheit. Erklärung der‬‬ ‫‪Deutschen Bischofskonferenz zu Fragen der Umwelt und der‬‬ ‫‪43‬‬ ‫‪.2 ،II )1980( ،Energieversorgung‬‬ ‫التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية‪.339 ،‬‬ ‫‪65‬‬ ‫الحوار المأساوي بين اهلل وقايين‪ .‬اهلل يسأل‪" :‬أين هابيل‬ ‫صر‪" :‬ماذا‬ ‫أخوك؟"‪ .‬قايين ينكر معرفته ولكن اهلل ُي ّ‬ ‫وت ِد ِ‬ ‫ك ِ‬ ‫ي ِم َن األَرض!‬ ‫خ ِإلَ َّ‬ ‫ماء أَخي َ‬ ‫صار ٌ‬ ‫عت؟ ِإ َّن صَ َ‬ ‫صَنَ َ‬ ‫َنت ِم َن األ ِ‬ ‫َرض" (تك ‪ .)11 - 9 ،4‬إن‬ ‫عون أ َ‬ ‫واآلن فَمَلْ ٌ‬ ‫اهمال االلتزام بتنمية عالقة سليمة مع القريب والحفاظ‬ ‫عليها‪ ،‬واهمال واجب العناية به وحمايته‪ ،‬يهدم العالقة‬ ‫الداخلية مع ذاتي‪ ،‬ومع اآلخرين‪ ،‬ومع اهلل ومع‬ ‫ّ‬ ‫البر‬ ‫همل ك ّل هذه العالقات‪ ،‬وال يعود ُّ‬ ‫األرض‪َ .‬‬ ‫حين تُ َ‬ ‫يسكن األرض‪ ،‬يقول لنا الكتاب المقدس تمسي الحياة‬ ‫قصة نوح‪ ،‬عندما‬ ‫كلّها في خطر‪ .‬هذا ما تعلّمنا ّإياه ّ‬ ‫المستمر في‬ ‫يهدد اهلل بإهالك البشرية بسبب فشلها‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫حان أَجَ ُل‬ ‫العيش بحسب متطلّبات العدالة والسالم‪" :‬قد َ‬ ‫كُ ِّل بَشٍَر أَمامي‪ ،‬فقَِد امتَ ِ‬ ‫َرض عُنفا ِبسَبَِبهم" (تك‬ ‫ألت األ ُ‬ ‫الغنية برمزّية‬ ‫‪ .)13 ،6‬ففي هذه الروايات القديمة‪ ،‬و ّ‬ ‫عميقة‪ ،‬كانت ماثلة هذه القناعة الراهنة اليوم‪ :‬بأن كل‬ ‫شيء مترابط‪ ،‬وأن العناية األصيلة بحياتنا ذاتها‬ ‫األخوة‬ ‫وبعالقتنا مع الطبيعة هي جزء ال يتج أز من‬ ‫ّ‬ ‫والعدالة واإلخالص تجاه اآلخرين‪.‬‬ ‫‪ .71‬حتى وان كان "شَ ّر ِ‬ ‫اإل ِ‬ ‫نسان قد كَثُ َر على األَرض"‬ ‫(تك ‪ )5 ،6‬وأن الرب " ِندم على أََّنه صَنَعَ ِ‬ ‫نسان على‬ ‫اإل َ‬ ‫َ‬ ‫‪66‬‬ ‫الرب‬ ‫قرر‬ ‫األَرض وتأَس َ‬ ‫ّ‬ ‫َّف في قَلِبه" (تك ‪ ،)6 ،6‬فقد ّ‬ ‫فتح طري ٍ‬ ‫ق للخالص‪ ،‬من خالل نوح الذي حافظ على‬ ‫وبره‪ .‬وأعطى البشرية هكذا إمكانيةَ بداية‬ ‫صالحه ّ‬ ‫جديدة‪ .‬فإن إنسانا واحدا صالحا يكفي كي يكون هناك‬ ‫رجاء! يثبت التقليد الكتابي بوضوح أن إعادة التأهيل‬ ‫المسجلة‬ ‫هذه تتطلّب إعادة اكتشاف واحترام اإليقاعات‬ ‫ّ‬ ‫بيد الخالق في الطبيعة‪ .‬يمكننا رؤية هذا مثال في‬ ‫شريعة السبت‪ .‬اليوم السابع‪ ،‬حيث استراح اهلل من كل‬ ‫أعماله‪ .‬وأمر اهللُ إسرائي َل بأن يحتفل بكل يوم سابع‬ ‫كيوم راحة‪ ،‬يوم سبت (را‪ .‬تك ‪3 – 2 ،2‬؛ خر ‪،16‬‬ ‫‪23‬؛ ‪ .)10 ،20‬من جهة أخرى‪ ،‬وضع أيضا سنة‬ ‫سبتية إلسرائيل وأرضها‪ ،‬كل سبع سنوات (را‪ .‬أح ‪،25‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ ،)4 - 1‬تُعطى طوالها الراحة التامة لألرض‪ ،‬فال‬ ‫تُزرع‪ ،‬وال يتم حصاد إال ما هو ضروري للبقاء على قيد‬ ‫الحياة وتأمين الضيافة (را‪ .‬أح ‪ .)6 - 4 ،25‬وأخيرا‪،‬‬ ‫أسابيع من السنين‪ ،‬ما يعادل‬ ‫ُيحتفل باليوبيل كل سبعة‬ ‫ٍ‬ ‫تسعا وأربعين سنة‪ ،‬وتكون سنة غفران عالمي و"ِإعْتا ٍق‬ ‫في األ ِ‬ ‫َرض ِلجَمي ِع أَهِْلها" (أح ‪ .)10 ،25‬وقد سعى‬ ‫تطور هذا التشريع إلى تأمين التوازن والعدالة في‬ ‫ّ‬ ‫عالقات الكائن البشري مع اآلخرين ومع األرض التي‬ ‫‪67‬‬ ‫فيها يعيش ويعمل‪ .‬ولكنه‪ ،‬كان في الوقت عينه‪ ،‬اعترافا‬ ‫بواقع أن عطية األرض‪ ،‬وجميع ثمارها‪ ،‬هي لك ّل‬ ‫الشعب‪ .‬فكان على الذين يزرعون األرض ويحرسونها‬ ‫وباألخص مع الفقراء واألرامل‬ ‫أن يتشاركوا بثمارها‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫صيد أ ِ‬ ‫َرضكم‪ ،‬فال‬ ‫صدتُم َح َ‬ ‫واليتامى والغرباء‪" :‬وِاذا َح َ‬ ‫ك‪ ،‬ولُقاطَ ح ِ‬ ‫صاد إِلى أَطر ِ‬ ‫الح ِ‬ ‫ب في ِ‬ ‫ك‬ ‫صيد َ‬ ‫اف َحقلِ َ‬ ‫ذه ْ‬ ‫تَ َ‬ ‫َ‬ ‫ط‪ .‬وال تَع ْد إِلى فَض ِ‬ ‫ك ال‬ ‫ال تَلقُ ْ‬ ‫ك‪ ،‬ولُقا َ‬ ‫ط َكرِم َ‬ ‫الت َكرِم َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ك لِ ِ‬ ‫بل اَتر ْك ِ‬ ‫ط‪ِ ،‬‬ ‫كين و َّ‬ ‫لم ْس ِ‬ ‫الر ُّ‬ ‫ب إِلهُكم"‬ ‫النزيل‪ ،‬أَنا َّ‬ ‫تَْلقُ ْ‬ ‫ذل َ‬ ‫ُ‬ ‫(أح ‪.)10 - 9 ،19‬‬ ‫امير باستمرار الكائن البشري إلى تسبيح‬ ‫‪ .72‬تدعو المز ُ‬ ‫َرض على ِ‬ ‫اهلل الخالق‪ :‬من هو ِ‬ ‫"باسط األ ِ‬ ‫المياه فِإ َّن‬ ‫َْ‬ ‫بقية‬ ‫حمتَه" (مز ‪ .)6 ،136‬ولكنها تدعو أيضا ّ‬ ‫لألبدِ َر َ‬ ‫"سبِّحيه أ ََيتُها‬ ‫الخالئق لالنضمام إلى هذا التسبيح‪َ :‬‬ ‫الشمس والقَمر سبِّحيه يا جميع َكو ِ‬ ‫اك ِب ُّ‬ ‫النور‪َ .‬سبِّحيه يا‬ ‫َ َ‬ ‫َّ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫سماء السَّموات ويا أَّيتُها ِ‬ ‫َّموات‪.‬‬ ‫المياهُ الَّتي فَ َ‬ ‫َ َ‬ ‫وق الس َ‬ ‫َ‬ ‫الر ِّ ِ‬ ‫فخلِقَت" (مز ‪3 ،148‬‬ ‫سم َّ‬ ‫فلتسب ِ‬ ‫َم َر ُ‬ ‫َ‬ ‫ب فإنَّه هو أ َ‬ ‫ِّح ْا َ‬ ‫بقوة اهلل‪ ،‬وانما نحيا أمام‬ ‫ ‪ .)5‬فنحن لم نوجد فقط ّ‬‫السبب نحن نعبده‪.‬‬ ‫وجهه وبحضرته‪ .‬ولهذا ّ‬ ‫‪ .73‬تدعونا ُكتب األنبياء إلى أن نكتشف مجددا في‬ ‫التأمل في اهلل القدير‬ ‫القوةَ بواسطة‬ ‫ّ‬ ‫األوقات الصعبة ّ‬ ‫‪68‬‬ ‫الذي خلق الكون‪ .‬فقدرةُ اهلل الالمتناهية ال تحملنا على‬ ‫تندمجان‬ ‫القوة‬ ‫األبوي‪ ،‬ألن‬ ‫الهروب من حنانه‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫المحبة و ّ‬ ‫فيه‪ .‬في الواقع‪ ،‬تجمع كل روحانية سليمة‪ ،‬في ذات‬ ‫للرب بك ّل ثقة‬ ‫الحب اإللهي والتعبد‬ ‫الوقت‪ ،‬بين قبول‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫من أجل قدرته الالمتناهية‪ .‬في الكتاب المقدس‪ ،‬اهلل‬ ‫يحرر ويخلّص هو نفسه الذي خلق الكون‪،‬‬ ‫الذي ّ‬ ‫اإللهيتان في العمل ارتباطا‬ ‫وتَرتَبِطُ هاتان الطريقتان‬ ‫ّ‬ ‫وثيقا ال انفصال فيه‪ِ :‬‬ ‫ك‬ ‫ِّد َّ‬ ‫ب‪ ،‬ها إَِّن َ‬ ‫"آه أَُّيها السَّي ُ‬ ‫الر ّ‬ ‫ظيمة وِذر ِ‬ ‫ك الع ِ‬ ‫عت الس ِ‬ ‫ك‬ ‫اع َ‬ ‫ص َن َ‬ ‫َّموات واأل َ‬ ‫َرض بِقُ َّوتِ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫جت‬ ‫يس علَي َ‬ ‫َخر َ‬ ‫الم ْبسوطة‪ ،‬ولَ َ‬ ‫ك أ ٌ‬ ‫َمر َعسير [‪ ]...‬وأ َ‬ ‫َ‬ ‫َرض ِمصر بِ ٍ‬ ‫ك إِ ْسرائي َل ِمن أ ِ‬ ‫وخو ِارق" (ار‬ ‫عب َ‬ ‫آيات َ‬ ‫َش َ‬ ‫َ‬ ‫ب إِلهٌ س ِ‬ ‫خالق أَقاصي‬ ‫ي‬ ‫‪َّ .)21 .17 ،32‬‬ ‫ُ‬ ‫"الر ّ‬ ‫رمد ّ‬ ‫َ َ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫همه‪ُ .‬ي ْؤتي التَّع َ‬ ‫ب وال ُي ْعيي وال ُي َ‬ ‫تع ُ‬ ‫األَرض ال َي َ‬ ‫سب ُر فَ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫الحول"(أش ‪28 ،40‬ب ‪.)29 -‬‬ ‫درِة ُيكث ُر َ‬ ‫قُ َّوة ولفاقد القُ َ‬ ‫روحية‬ ‫‪ .74‬لقد ولّدت خبرةُ العبودية في بابل أزمة‬ ‫ّ‬ ‫تعم ٍ‬ ‫ق في اإليمان باهلل‪ ،‬وباألخص بقدرته‬ ‫قادت إلى ّ‬ ‫خضم‬ ‫الرجاء في‬ ‫الخالقة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫لحث ال ّشعب على تجديد ّ‬ ‫ّ‬ ‫وضعه المحزن‪ .‬وبعد قرون‪ ،‬أثناء زمن آخر من ِ‬ ‫الم َحن‬ ‫الرومانية فرض‬ ‫واالضطهاد‪ ،‬حين حاولت االمبراطورّية‬ ‫ّ‬ ‫ث المؤمنون عن العزاء والرجاء‬ ‫هيمنة مطلقة‪َ ،‬ب َح َ‬ ‫‪69‬‬ ‫ظيمةٌ‬ ‫بمضاعفة إيمانهم باهلل الكلّي القدرة‪ ،‬مرتّلين‪َ :‬‬ ‫"ع َ‬ ‫ب ِ‬ ‫وح ٌّ‬ ‫الر ُّ‬ ‫ق‬ ‫ك أَُّيها َّ‬ ‫َعمالُ َ‬ ‫جيبةٌ أ ْ‬ ‫وعد ٌل َ‬ ‫اإللهُ القدير َ‬ ‫َع َ‬ ‫ك!" (رؤ ‪ .)3 ،15‬فإن كان اهلل قد خلق الكون من‬ ‫ُسُبلُ َ‬ ‫أي‬ ‫العدم‪ ،‬فباستطاعته‬ ‫ّ‬ ‫التدخل في هذا العالم وقهر ّ‬ ‫ثم‪ ،‬فالظلم يمكن قهّره‪.‬‬ ‫شكل من أشكال ال ّشر‪ .‬من َّ‬ ‫روحانية تنسى اهلل الكلّي القدرة‬ ‫‪ .75‬ال يمكننا تأييد‬ ‫ّ‬ ‫والخالق‪ .‬فبهذه الطريقة سننتهي إلى عبادة قدرات أخرى‬ ‫في العالم‪ ،‬أو إلى وضع أنفسنا مكان اهلل‪ ،‬لدرجة‬ ‫بالحق في سح ِ‬ ‫ق خليقته تحت األقدام دون‬ ‫االدعاء‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫االعتراف بحدود‪ .‬إن الطّريقة األفضل إلعادة الكائن‬ ‫حد ِّ‬ ‫الدعائه‬ ‫البشري إلى مكانه الخاص‪ ،‬ولوضع ّ‬ ‫بالسيطرة المطلقة على األرض‪ ،‬هي بالتكلّم من جديد‬ ‫ّ‬ ‫السيد األوحد للعالم‪ ،‬ألنه بخالف‬ ‫عن اهلل أبينا وخالقنا‪ ،‬و ّ‬ ‫ذلك سوف يميل الكائن البشري دائما إلى فرض قوانينه‬ ‫ومصالحه الخاصة على الواقع‪.‬‬ ‫‪ .III‬سر الكون‬ ‫‪ .76‬إن كلمة "خليقة"‪ ،‬في التقليد اليهودي‪-‬المسيحي‪،‬‬ ‫حب‪،‬‬ ‫الم ّ‬ ‫ال تعني فقط طبيعة‪ ،‬ألن لها عالقة بتدبير اهلل ُ‬ ‫حيث لك ّل مخلوق قيمة ومعنى‪ .‬تُفهم الطبيعةُ عادة‬ ‫‪70‬‬ ‫كنظام يمكن تحليله وفهمه وادارته‪ ،‬ولكن الخليقة يمكن‬ ‫فهمها فقط كعطية تخرج من يد أبي الجميع المفتوحة‪،‬‬ ‫المحبة التي تدعونا إلى َش ِركة كونية‪.‬‬ ‫كواقع تنيره‬ ‫ّ‬ ‫ب ِ ِ‬ ‫َّموات" (مز ‪.)6 ،33‬‬ ‫‪" .77‬بِ َكلِ َم ِة َّ‬ ‫الر ِّ ُ‬ ‫صن َعت الس َ‬ ‫هكذا نرى أن الكون جاء نتيجة قرار‪ ،‬وليس من‬ ‫مما يرفع من شأنه‬ ‫الفوضى أو عن طريق ّ‬ ‫الصدفة‪ّ ،‬‬ ‫تعبر عن اختيار حر‪ .‬لم ِ‬ ‫يأت‬ ‫أكثر‪ .‬فالكلمة‬ ‫ّ‬ ‫الخالقة ّ‬ ‫ّ‬ ‫العالم نتيجة سلطة مطلقة تعسفية‪ ،‬أو استعراض قوة أو‬ ‫رغبة في إثبات الذات‪ .‬إن الخلق هو جزء من نظام‬ ‫األساسية لك ّل الخليقة‪:‬‬ ‫فمحبة اهلل هي العلّة‬ ‫المحبة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫عت‬ ‫"إَِّن َ‬ ‫ك تُ ِح ّ‬ ‫ص َن َ‬ ‫ميع الكائنات وال تَمقُ ُ‬ ‫ت َشيئا م َّما َ‬ ‫ب َج َ‬ ‫كونتَه" (حك ‪.)24 ،11‬‬ ‫فِإَّن َ‬ ‫ك لَو أ َ‬ ‫َبغ َ‬ ‫ضت َشيئا لَما ّ‬ ‫وبالتالي‪ ،‬فك ّل كائن هو موضوع عطف اآلب‪ ،‬الذي‬ ‫يعطيه مكانا في العالم‪ .‬وحتى حياة الكائن األصغر‬ ‫محبته‪ ،‬وهو يغمره بعطفه خالل‬ ‫الزائلة هي موضوع ّ‬ ‫لحظات حياته القليلة‪ .‬قال القديس باسيليوس الكبير إن‬ ‫الخالق هو أيضا "صالح بال حساب"‪ ،44‬وتكلّم دانت‬ ‫‪44‬‬ ‫عظة حول "اليوم السادس" ‪:10 ،2 ،1 ،Hom. in Hexaemeron -‬‬ ‫مجموعة آباء الكنيسة اليونانية ‪.9 ،29‬‬ ‫‪71‬‬ ‫النجوم"‪.45‬‬ ‫أليغييري عن‬ ‫تحرك األرض و ّ‬ ‫ّ‬ ‫"المحبة التي ّ‬ ‫ولهذا السبب ُيمكننا أن نرتفع من خالل المخلوقات‬ ‫َّ‬ ‫بالمحبة"‪.46‬‬ ‫صوب "رحمته المفعمة‬ ‫الفكر اليهودي‪-‬المسيحي‪ ،‬في الوقت‬ ‫‪ .78‬قد أزال‬ ‫ُ‬ ‫ي عن الطبيعة‪ .‬ودون التوقّف‬ ‫عينه‪ ،‬الطابعَ األسطور ّ‬ ‫يعزو‬ ‫أبدا عن االعجاب به لبهائها ولعظمتها‪ ،‬فهو ال ُ‬ ‫امنا‬ ‫إليها طابعا إلهيًّا‪ .‬بهذه الطريقة ُيبرز أكثر التز َ‬ ‫تجاهها‪ .‬فالعودة إلى الطّبيعة ال يمكن أن تكون على‬ ‫ومسؤولية الكائن البشري‪ ،‬والذي هو جزء‬ ‫حرية‬ ‫ّ‬ ‫حساب ّ‬ ‫من العالم وعليه واجب تنمية قدراته بهدف حمايته‬ ‫وتطوير إمكانياته‪ .‬فلو اعترفنا بقيمة وبهشاشة الطّبيعة‪،‬‬ ‫وفي نفس الوقت‪ ،‬بالقدرات التي منحها اهلل لنا‪ ،‬فهذا‬ ‫للتقدم‬ ‫سيسمح لنا اليوم‬ ‫ِ‬ ‫حد لألسطورة العصرّية ّ‬ ‫بوضع ّ‬ ‫هش‪ ،‬مع كائن بشري قد‬ ‫المادي غير المحدود‪ .‬فعالم ّ‬ ‫ّ‬ ‫ذكاءنا إلدراك‬ ‫يحث‬ ‫أوك َل اهلل إليه العناية به‪ ،‬هو أمر‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫الحد منها‪.‬‬ ‫كيفية توجيه سلطتنا وتطويرها و ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪45‬‬ ‫‪46‬‬ ‫الكوميديا اإللهية ‪ ،Divina Commedia‬الفردوس‪ ،‬نشيد ‪.145 ،XXXIII‬‬ ‫بندكتس السادس عشر‪ ،‬المقابلة العامة (‪ 9‬نوفمبر‪/‬تشرين الثاني ‪:3 ،)2005‬‬ ‫تعاليم ‪.768 ،)2005( 1‬‬ ‫‪72‬‬ ‫المؤلف‬ ‫‪ .79‬باستطاعتنا أن نكتشف في هذا الكون‪َ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫أنظمة مفتوحة وفي تواصل مع بعضها البعض‪،‬‬ ‫من‬ ‫أشكاال ال تُحصى من العالقات والمشاركات‪ .‬ويحملنا‬ ‫هذا إلى التفكير في مجمل هذا الواقع وانفتاحه على‬ ‫يسمح لنا‬ ‫فاإليمان‬ ‫عظمة اهلل‪ ،‬والتي ينمو فيها ويتطور‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫السري لك ّل ما يحدث‪.‬‬ ‫بتفسير المعنى والجمال‬ ‫ّ‬ ‫تقدم مساهمتها اللبيبة تجاه‬ ‫باستطاعة الحرّية البشرّية أن ّ‬ ‫شرور‬ ‫ا‬ ‫تطور إيجابي‪ ،‬كما بمقدورها أيضا أن تضيف‬ ‫ّ‬ ‫حقيقي‪ .‬هذا ما‬ ‫جديدة‪ ،‬وأسباب معاناة جديدة وتراجع‬ ‫ّ‬ ‫المأساوي‪ ،‬والقادر على أن‬ ‫المثير و‬ ‫ّ‬ ‫يصنع تاريخ البشرّية ُ‬ ‫ٍ‬ ‫المحبة‪،‬‬ ‫يتحول إلى‬ ‫النمو والخالص و ّ‬ ‫ازدهار للتحرر‪ ،‬و ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫سبيل لالنحطاط واإلبادة المتبادلة‪ .‬لذا‪ ،‬فإن‬ ‫أو إلى‬ ‫تحرك الكنيسة ال يحاول فقط التذكير بواجب العناية‬ ‫ٍ‬ ‫بشكل خاص‪ ،‬في الوقت عينه‬ ‫بالطبيعة‪ ،‬إنما عليه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫تدمير ذاتِه"‪.47‬‬ ‫اإلنسان من‬ ‫"حمايةَ‬ ‫‪ .80‬على الرغم من ذلك‪ ،‬فإن اهلل‪ ،‬الذي يريد أن يعمل‬ ‫معنا ويعتمد على تعاوننا‪ ،‬هو قادر على استخالص‬ ‫الشر الذي نقترفه‪ ،‬ألن "الروح القدس‬ ‫بعض الخير من ّ‬ ‫‪47‬‬ ‫نفس الكاتب‪ ،‬الرسالة العامة المحبة في الحقيقة ‪29( Caritas in veritate‬‬ ‫يونيو‪/‬حزيران ‪ :51 ،)2009‬أعمال الكرسي الرسولي ‪.687 ،)2009( 101‬‬ ‫‪73‬‬ ‫يملك خياال ال حدود له‪ ،‬خاصًّا بالفكر اإللهي‪ ،‬والذي‬ ‫يعرف كيف يتوقع ويحل مشاكل القضايا البشرّية حتى‬ ‫الحد من‬ ‫تلك األكثر تعقيدا وعصيا"‪ .48‬فقد أراد اهلل‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫بحاجة إلى‬ ‫نفسه‪ ،‬على نحو ما‪ ،‬عندما خلق عالما‬ ‫شرور أو‬ ‫ا‬ ‫تطور‪ ،‬حيث العديد من األشياء‪ ،‬التي نعتبرها‬ ‫ّ‬ ‫أخطار أو أسباب معاناة‪ ،‬هي في الواقع جزء من‬ ‫ا‬ ‫مخاض الوالدة الذي يدفعنا إلى التعاون مع الخالق‪.49‬‬ ‫إنه موجود في أعماق كل شيء من دون أن يؤثّر على‬ ‫استقاللية خليقته‪ ،‬مما يفتح المجال أيضا إلى‬ ‫األرضية‪ .50‬إن هذا‬ ‫االستقاللية المشروعة للوقائع‬ ‫ّ‬ ‫ونموه‪،‬‬ ‫الحضور اإللهي الذي ّ‬ ‫يؤمن استمرار ك ّل كائن ّ‬ ‫الكون‬ ‫الخلق"‪ .51‬وقد مأل رو ُح اهلل‬ ‫"هو مواصلة لعمل َ‬ ‫َ‬ ‫دائما‪ ،‬من رحم األشياء‬ ‫بإمكانيات تسمح بأن يولد‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫‪48‬‬ ‫يوحنا بولس الثاني‪ ،‬المقابلة العامة‪ 24( ،‬أبريل‪/‬نيسان ‪ :6 ،)1991‬تعاليم‬ ‫‪49‬‬ ‫يشرح التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية أن اهلل أراد خلق عالما في حالة‬ ‫‪.856 ،)1991( 1/14‬‬ ‫مسيرة إلى حين وصوله إلى كماله األخير‪ ،‬وهذه الصيرورة تقتضي‪ ،‬وجود األقل‬ ‫كماال والشر الجسدي‪ :‬را‪.310 .‬‬ ‫‪50‬‬ ‫را‪ .‬المجمع الفاتيكاني الثاني‪ ،‬الدستور الرعائي فرح ورجاء ‪Gaudium et‬‬ ‫‪51‬‬ ‫‪ ،I ،Summa Theologiae‬س‪.‬‬ ‫‪ ،spes‬حول الكنيسة في عالم اليوم‪.36 ،‬‬ ‫توما األكويني‪ ،‬الخالصة الالهوتية ‪-‬‬ ‫‪ ،104‬ق‪.4 ،1 .‬‬ ‫‪74‬‬ ‫جديد‪" :‬إن الطبيعة ليست إال أساس‬ ‫شيء‬ ‫نفسها‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫معر ٍ‬ ‫ًّ‬ ‫الفن اإللهي‪ ،‬محفور في‬ ‫فة لفَ ٍّن ُم َعَّين‪ ،‬هو‬ ‫عمليا ّ‬ ‫األشياء‪ ،‬وبالتالي الذي به تسير األمور نفسها صوب‬ ‫في‪ُ ،‬يعطي‬ ‫نهاية ّ‬ ‫معينة‪ .‬كما لو أن صانع السفن الحر ّ‬ ‫تلقاء ِ‬ ‫ِ‬ ‫نفسها لتأخ َذ‬ ‫التحر ِك من‬ ‫األخشاب القدرةَ على‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫شك َل السفينة"‪.52‬‬ ‫‪ .81‬إن الكائن البشري‪ ،‬وان افترض أيضا عمليات‬ ‫ك فردانية ال يمكن تفسيرها بالكامل انطالقا‬ ‫تطورية‪ ،‬يمل ُ‬ ‫ّ‬ ‫منا يملك في‬ ‫تطور النظم األخرى المفتوحة‪ .‬كل ّ‬ ‫من ّ‬ ‫ذاته هوية شخصية قادرة على الدخول في حوار مع‬ ‫اآلخرين ومع اهلل نفسه‪ .‬القدرة على التأمل‪ ،‬والتدليل‪،‬‬ ‫واالبداع والتفسير والعمل الفني‪ ،‬وقدرات أخرى فريدة‪،‬‬ ‫ظهر‬ ‫تُ ُ‬ ‫فالتفرد‬ ‫ّ‬ ‫التفرد الذي يتعدى الحيِّز المادي والبيولوجي‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫النوعي‪ ،‬المنحدر من بظهور كائن شخصي‬ ‫مباشر من اهلل‪،‬‬ ‫ا‬ ‫تدخال‬ ‫ضمن الكون المادي‪ ،‬يفترض ّ‬ ‫دعوة خاصة إلى الحياة والى العالقة بين "أنت" وأنت‬ ‫آخر‪ .‬وانطالقا من نصوص الكتاب المقدس‪ ،‬فإننا‬ ‫‪52‬‬ ‫نفس الكاتب‪،In octo libros Physicorum Aristotelis expositio ،‬‬ ‫كتاب ‪ ،II‬درس ‪.14‬‬ ‫‪75‬‬ ‫نعتبر الشخص كائنا‪ ،‬ال يمكن إنقاصه أبدا لفئة‬ ‫األشياء‪.‬‬ ‫‪ .82‬سيكون من الخطأ أيضا االعتقاد بأنه يجب‬ ‫مجرد أشياء خاضعة لحكم‬ ‫اعتبار بقية الكائنات ّ‬ ‫الحية ّ‬ ‫ظ ُر إلى الطبيعة‬ ‫الكائن البشري‬ ‫التعسفي‪ .‬وحين ُين َ‬ ‫ّ‬ ‫كوسيلة ربح ومنفعة فقط‪ ،‬فيترتب على ذلك أيضا‬ ‫تعزز‬ ‫عواقب خطيرة على المجتمع‪ .‬إن النظرة التي ّ‬ ‫تعسف األقوياء‪ ،‬قد ساهمت في خلق عدم مساواة‬ ‫ّ‬ ‫هائل‪ ،‬وظلم وعنف ضد القسم األكبر من البشرية‪ ،‬ألن‬ ‫ألول من يصل إليها أو لمن له‬ ‫ّ‬ ‫ملكية الموارد تعود ّ‬ ‫السلطة‪ :‬والرابح يأخذ كل شيء‪ .‬أما ِمثال التناغم‬ ‫والعدالة واإلخاء والسالم الذي يقترحه يسوع فهو نقيض‬ ‫عبر عنه بهذه الطريقة أمام السلطات‬ ‫هذا النموذج‪ ،‬وقد ّ‬ ‫سودونها‪ ،‬وأ َّ‬ ‫َن أَكابَِرها‬ ‫في ذلك الزمن‪"ُ :‬رَؤساء األ َُمِم َي‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫طون علَيها‪ .‬فال َي ُك ْن هذا في ُكم‪ ،‬بل َمن أَر َاد أَن‬ ‫َيتسل َ‬ ‫يكون كبي ار في ُكم‪َ ،‬فْلي ُكن لَكم ِ‬ ‫خادما" (متى ‪- 25 ،20‬‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫‪.)26‬‬ ‫‪ .83‬تجد مسيرة الكون غايتها في ملء اهلل‪ ،‬الذي قد‬ ‫ِ‬ ‫النضوج‬ ‫حور ّ‬ ‫بلغه يسوع القائم من بين األموات‪ :‬م َ‬ ‫‪76‬‬ ‫العالمي‪ .53‬بهذه الطريقة نضيف سببا آخر لر ِ‬ ‫فض أي‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫استبدادية وغير مسؤولة من قَب ِل الكائن البشري‬ ‫هيمنة‬ ‫ّ‬ ‫على الخالئق األخرى‪ .‬فنحن لسنا الغاية األخيرة‬ ‫تتحرك معنا‬ ‫للخالئق األخرى‪ .‬خالفا لذلك‪ ،‬فهي جميعا ّ‬ ‫ومن خاللنا‪ ،‬نحو الهدف المشترك‪ ،‬والذي هو اهلل‪ ،‬في‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫القائم من بين األموات يعانق‬ ‫المسيح‬ ‫متعال‪ ،‬حيث‬ ‫ملء‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫كل شيء وينيره‪ .‬ألن‪ ،‬في الحقيقة‪ ،‬الكائن البشري‬ ‫بالذكاء وبالمحبة‪ ،‬والمنجذب لملء المسيح‪ ،‬هو‬ ‫المتمتّع‬ ‫َ‬ ‫مدعو إلى قيادة ك ّل الخالئق إلى خالقها‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ .II‬رسالة كل خليقة داخل تناغم كل الخليقة‬ ‫‪ .84‬إن اإلصرار على القول بإن الكائن البشري هو‬ ‫صورة اهلل‪ ،‬ال يجب أن ينسينا أن لك ّل خليقة وظيفة وأنه‬ ‫المادي بأكمله‬ ‫ال وجود لخليقة عديمة الجدوى‪ .‬فالعالم‬ ‫ّ‬ ‫‪53‬‬ ‫في هذا المنظور‪ ،‬تدخل مساهمة األب تيار دي شاردان؛ را‪ .‬بولس السادس‪،‬‬ ‫خطاب في مصنع للكيماويات واألدوية (‪ 24‬فبراير‪/‬شباط ‪ :)1966‬تعاليم ‪4‬‬ ‫(‪399-992 ،)1966‬؛ يوحنا بولس الثاني‪ ،‬رسالة إلى األب جورج ف‪ .‬كوين ‪-‬‬ ‫‪ 1( Lettera al reverendo P. George V. Coyne‬يونيو‪/‬حزيران‬ ‫‪ :)1988‬تعاليم ‪1715 ،)1988( 2/11‬؛ بندكتس السادس عشر‪ ،‬عظة خالل‬ ‫صالة المساء في أوستا ‪Omelia nella celebrazione dei Vespri ad -‬‬ ‫‪ 24( Aosta‬يوليو‪/‬تموز ‪ :)2009‬تعاليم ‪.60 ،)2009( 2/5‬‬ ‫‪77‬‬ ‫محبة اهلل‪ ،‬وعطفه علينا الذي ال قياس له‪.‬‬ ‫هو لغة ّ‬ ‫قصة صداقة‬ ‫التربة والمياه والجبال‪ ،‬هي مداعبة اهلل لنا‪ّ .‬‬ ‫كل واحد منا مع اهلل تدور دائما في حي ٍِّز جغرافي‬ ‫منا يحتفظ في‬ ‫يتحول إلى قيمة‬ ‫شخصية للغاية‪ ،‬وك ّل ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ذاكرته بأماكن يجلب تذكرها إحساسا بالرضى‪ .‬فالذي‬ ‫ِ‬ ‫قرب الجد ِ‬ ‫ول‬ ‫ترعر َ‬ ‫جلس في ص َغ ِره َ‬ ‫ع وسط الجبال أو َ‬ ‫الحي الذي يقيم‬ ‫ليشرب‪ ،‬أو كان يلهو في ساحة من‬ ‫ّ‬ ‫فيه‪ ،‬فهو يشعر‪ ،‬حين يعود إلى هذه األماكن‪ ،‬بأنه‬ ‫هويته‪.‬‬ ‫مدعو إلى استعادة ّ‬ ‫كتب اهلل كتابا رائعا‪" ،‬أحرفه هي أعداد‬ ‫‪ .85‬لقد‬ ‫َ‬ ‫‪54‬‬ ‫عبر عن‬ ‫المخلوقات الغفيرة الموجودة في الكون" ‪ .‬وقد ّ‬ ‫هذا جيدا أساقفة كندا بقولهم إنه ال توجد ّأية خليقة‬ ‫تعجب‬ ‫خارج تجلّي اهلل هذا‪" :‬إن الطبيعة هي مصدر ّ‬ ‫ورهبة دائمين‪ ،‬بدءا من المناظر الطبيعية الخالبة‬ ‫وصوال إلى أدق أشكال الحياة‪ .‬إنها أيضا ٍّ‬ ‫تجل إلهي‬ ‫أمر مفيدا‬ ‫دائم"‪ .55‬وقد قال أساقفة اليابان‪ ،‬من جهتهم‪ ،‬ا‬ ‫‪ 54‬يوحنا بولس الثاني‪ ،‬المقابلة العامة‪ 30( ،‬يناير‪/‬كانون الثاني ‪ :6 ،)2002‬تعاليم‬ ‫‪55‬‬ ‫‪.140 ،)2002( 1/25‬‬ ‫مجلس األساقفة الكاثوليك بكندا‪ .‬لجنة الشئون االجتماعية‪ ،‬رسالة رعوية "أنك‬ ‫تحب ‪ -‬كل ما هو موجود ‪ ...‬كل األشياء هي لك‪ ،‬يا اهلل‪ ،‬يا محب للحياة" ‪-‬‬ ‫‪78‬‬ ‫يتغنى بنشيد وجوده‪،‬‬ ‫جدا‪" :‬إن اإلصغاء لك ّل مخلوق ّ‬ ‫الرجاء"‪ .56‬يسمح لنا‬ ‫هو العيش بفرح في ّ‬ ‫محبة اهلل وفي ّ‬ ‫هذا التأمل في الخليقة بأن نكتشف‪ ،‬في كل شيء‪،‬‬ ‫بعض التعاليم التي يريد اهلل أن يوصلها إلينا‪ ،‬ألنه‬ ‫"بالنسبة للمؤمن‪ ،‬التأمل بالمخلوقات يعني أيضا‬ ‫اإلصغاء إلى رسالة ما‪ ،‬وسماع صوت ُمبهَم‬ ‫وصامت"‪ .57‬يمكننا القول بإنه‪" ،‬إلى جانب تجليات اهلل‬ ‫ٍّ‬ ‫إلهي في بزوغ‬ ‫الموجودة في الكتاب ّ‬ ‫المقدس‪ ،‬هناك تجل ّ‬ ‫الكائن البشري‬ ‫أعار‬ ‫الشمس وحلول الليل"‪ .58‬فإن‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫يتعرف على‬ ‫انتباهه إلى هذا التجلّي‪ ،‬فإنه يتعلم أن َّ‬ ‫َ‬ ‫نفسه في عالقته بباقي المخلوقات‪" :‬أنا أُعب ُِّر عن ذاتي‬ ‫“ ‪You Love All That Exists… All Things Are Yours, God,‬‬ ‫‪ 4( ”Lover of Life‬أكتوبر‪/‬تشرين األول ‪.1 ،)2003‬‬ ‫‪ 56‬مجلس األساقفة الكاثوليك باليابان‪ ،‬إجالل الحياة‪ .‬رسالة للقرن الحادي والعشرين‬ ‫‪-‬‬ ‫‪Reverence for Life. A Message for the Twenty-First‬‬ ‫‪ 1( Century‬يناير‪/‬كانون الثاني ‪.89 ،)2001‬‬ ‫‪ 57‬يوحنا بولس الثاني‪ ،‬المقابلة العامة‪ 26( ،‬يناير‪/‬كانون الثاني ‪ :5 ،)2000‬تعاليم‬ ‫‪58‬‬ ‫‪.123 ،)2000( 1/23‬‬ ‫نفس الكاتب‪ ،‬المقابلة العامة‪ 2( ،‬أغسطس‪/‬آب ‪ :3 ،)2000‬تعاليم ‪2/23‬‬ ‫(‪.112 ،)2000‬‬ ‫‪79‬‬ ‫الخاصة‬ ‫قدسيتي‬ ‫أكتشف‬ ‫عندما أُعب ُِّر عن العالم؛ أنا‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫قدسية العالم"‪.59‬‬ ‫حين أفك شيفرة ّ‬ ‫ظهر‬ ‫‪ .86‬إن الكون في مجمله‪ ،‬وبعالقاته‬ ‫ّ‬ ‫المتعددة‪ُ ،‬ي ُ‬ ‫ت‬ ‫بطريقة أفضل غنى اهلل الذي ال ينضب‪ .‬وقد لَفَ َ‬ ‫ٍ‬ ‫التعدد‬ ‫بحكمة على أن‬ ‫ّ‬ ‫القديس توما األكويني االنتباهَ‬ ‫التنوع ينبعان "من إرادة الوكيل األول" الذي شاء أن "ما‬ ‫و ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِّ‬ ‫َّ‬ ‫يتم‬ ‫هي‪ّ ،‬‬ ‫ينقص من كل شيء‪ُ ،‬ليمث َل الصالح اإلل ّ‬ ‫تعويضه من ِقَب ِل الكائنات األخرى"‪ ،60‬ألن صالحه "ال‬ ‫يمكن لشيء واحد فقط أن يمثّله بطريقة مناسبة"‪ .61‬لهذا‬ ‫تعدد‬ ‫تنوع األشياء داخل ّ‬ ‫السبب‪ ،‬نحن بحاجة إلى فهم ّ‬ ‫عالقاتها‪ .62‬لذا‪ ،‬يمكننا أن نفهم أفضل أهمية ومعنى‬ ‫أي مخلوق‪ ،‬إذا ما تأملنا فيه ضمن مجمل مشروع اهلل‪.‬‬ ‫التعليم المسيحي (للكنيسة الكاثوليكية) يعلمه هكذا‪:‬‬ ‫"ترابط الخالئق‪ ،‬أراده اهلل‪ .‬فالشمس والقمر‪ ،‬واألرزة‬ ‫والزهرة الصغيرة‪ ،‬والنسر والدوري‪ :‬مشهد تنوعها وتباينها‬ ‫غير المحدودين يعني أنه ليس ألي خليقة اكتفاء ذاتي‪،‬‬ ‫‪59‬‬ ‫بول ريكور‪ ،‬فلسفة اإلرادة ‪ .2‬المحدودية والذنب ‪Philosophie de la -‬‬ ‫‪60‬‬ ‫الخالصة الالهوتية ‪ ،1 ،Summa Theologiae -‬س‪ ،47 .‬ق‪.1 .‬‬ ‫‪62‬‬ ‫را‪ .‬نفس المرجع‪ ،‬ق‪ ،2 .‬أ‪1 .‬؛ ق‪.3 .‬‬ ‫‪61‬‬ ‫‪ ،volonté. 2. Finitude et Culpabilité‬باريس ‪.216 ،2009‬‬ ‫نفس المرجع‪.‬‬ ‫‪80‬‬ ‫يكمل‬ ‫وأنها ال تتواجد إال مرتبطة بعضها ببعض‪ ،‬كي ّ‬ ‫كل منهما اآلخر‪ ،‬في خدمة بعضها البعض"‪.63‬‬ ‫‪ .87‬إننا حين نعي انعكاس اهلل في ك ّل ما هو موجود‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫الرب من أجل‬ ‫عبادة‬ ‫الرغبةَ في‬ ‫ّ‬ ‫يختبر القلب عندئذ ّ‬ ‫يعبر عنه نشيد القديس‬ ‫جميع خالئقه‪ ،‬ومعها‪ ،‬كما ّ‬ ‫األسيزي الجميل جدا‪:‬‬ ‫فرنسيس ّ‬ ‫" ُك ْن م َسَّبحا‪ ،‬يا سيِّدي‪ ،‬مع ِّ‬ ‫ك‪،‬‬ ‫كل َخالئِ ِق َ‬ ‫ََ‬ ‫ُ‬ ‫خاصَّة مع السي ِ‬ ‫النهار وبها‬ ‫ِّدة أُختِنا الشمس التي هي‬ ‫ُ‬ ‫ََ‬ ‫نستنير‪،‬‬ ‫ك ُّأيها‬ ‫َّ‬ ‫هي جميلةٌ‬ ‫شير إلي َ‬ ‫ومشعةٌ وعظيمةُ البهاء‪ ،‬وتُ ُ‬ ‫َو َ‬ ‫العلي‪.‬‬ ‫ُك ْن م َسَّبحا‪ ،‬يا سيِّدي‪ ،‬ألخينا القمر والكو ِ‬ ‫اكب التي في‬ ‫ُ‬ ‫السماء‪،‬‬ ‫صافية ثمينة وجميلة‪.‬‬ ‫فَقَ ْد َّ‬ ‫كونتها َ‬ ‫ِ‬ ‫ُك ْن ُم َّ‬ ‫الس ُحب‬ ‫سبحا‪ ،‬يا سيِّدي‪ ،‬ألختنا الريح والهواء و ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الصافية‬ ‫السماء‬ ‫و‬ ‫ِ‬ ‫ِّ‬ ‫األزمنة التي بها تَحفظُ حياةَ المخلوقات‪.‬‬ ‫ولكل‬ ‫‪63‬‬ ‫التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية‪.340 ،‬‬ ‫‪81‬‬ ‫ِ‬ ‫الكثير الفائدة‪،‬‬ ‫ُك ْن ُم َسَّبحا‪ ،‬يا سيِّدي‪ ،‬ألخينا الماء‬ ‫الوضيع‪ ،‬الثمين‪ ،‬النقي‪.‬‬ ‫ُك ْن ُم َسَّبحا‪ ،‬يا سيِّدي‪ ،‬ألختِنا النار‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫جميلة‪ ،‬وفَ ِرحة وقويِّة"‪.64‬‬ ‫نير اللي َل‪ ،‬فهي‬ ‫التي بها تُ ُ‬ ‫‪ .88‬لقد سلطَّ أساقفةُ الب ارزيل الضوء على أن الطبيعة‬ ‫ِ‬ ‫باإلضافة إلى أنها تُخبر عن اهلل‪ ،‬هي مكان‬ ‫بأسرها‪،‬‬ ‫فروحه المحيي يسكن َّ‬ ‫كل خليقة ويدعونا إلى‬ ‫حضوره‪.‬‬ ‫ُ ُ‬ ‫إقامة عالقة معه‪ .65‬إن اكتشاف هذا الحضور يحثّنا‬ ‫على تنمية "الفضائل اإليكولوجية"‪ .66‬لكننا حين نقول‬ ‫هذا ال ننسى أن هناك أيضا مسافة المتناهية‪ ،‬وأن‬ ‫أشياء هذا العالم ال تملك ملء اهلل‪ .‬وخالف ذلك‪ ،‬فإننا‬ ‫حسن حتى إلى المخلوقات‪ ،‬ألننا ال نعترف‬ ‫قد ال ُن ُ‬ ‫بمكانها الخاص والصحيح‪ ،‬وقد ينتهي بنا األمر إلى‬ ‫مطالبتها‪ ،‬بال ٍّ‬ ‫حق‪ ،‬بما ليس‪ ،‬في ضآلتها‪ ،‬بمقدورها أن‬ ‫تعطينا‪.‬‬ ‫‪64‬‬ ‫نشيد المخلوقات‪ ،‬مصادر فرنسيسكانية ‪.263‬‬ ‫‪65‬‬ ‫را‪ .‬المجمع الوطني ألساقفة الب ارزيل‪ ،‬الكنيسة والقضايا البيئية ‪A Igreja e -‬‬ ‫‪66‬‬ ‫نفس المرجع‪.61 ،‬‬ ‫‪.54 – 53 ،1992 ،a questão ecológica‬‬ ‫‪82‬‬ ‫ش ِركة كونية‬ ‫‪َ .I‬‬ ‫‪ .89‬ال يمكن اعتبار خالئق هذا العالم كملكية ال مالك‬ ‫يد ِ ِ‬ ‫لحياة" (حك‬ ‫شيء لَ َ‬ ‫المحب ل َ‬ ‫لها‪َ :‬‬ ‫ك أيُّها ّ‬ ‫الس ُ ُ‬ ‫"ألن ُك َل َ‬ ‫‪ .)26 ،11‬وهذا يحملنا على القناعة بأننا جميعا‪،‬‬ ‫اآلب ِ‬ ‫خالئق الكون‪ ،‬لكوننا ُخِلقنا من ِقَبل ِ‬ ‫نفسه‪ ،‬فإننا‬ ‫متّحدون بر ٍ‬ ‫بط غير مرئية وأننا ُن َك ِّون نوعا من أسرٍة‬ ‫ُ‬ ‫مقد ٍ‬ ‫س‬ ‫عالمية‪ ،‬في َش ِركة عظيمة تدفعنا إلى احترٍام ّ‬ ‫ّ‬ ‫وم ِح ٍّ‬ ‫أن‬ ‫ب ومتواضع‪ .‬أريد أن أ َذ ِّك َر ّ‬ ‫ُ‬ ‫حد‬ ‫المحيط بنا إلى ّ‬ ‫وثيقة مع العالم ُ‬ ‫وحدنا وحدة‬ ‫"اهلل قد ّ‬ ‫ص ُّحر األرض‬ ‫أن تَ َ‬ ‫نتفجع على‬ ‫كال منا‪ ،‬ويمكننا أن‬ ‫هو داء يصيب ّ‬ ‫ّ‬ ‫انقراض نوع وكأنه ُبتِر"‪.67‬‬ ‫الحية على‬ ‫‪ .90‬إن هذا ال يعني وضع جميع الكائنات ّ‬ ‫نفس المستوى‪ ،‬وانتزاع من الكائن البشري تلك القيمة‬ ‫الخاصة التي تُ ِلزمه في الوقت عينه بمسؤولية كبيرة‪ .‬وال‬ ‫يفترض أيضا تأليه األرض‪ ،‬الذي قد يحرمنا من‬ ‫التعاون معها ومن حماية هشاشتها‪ .‬قد تؤدي هذه‬ ‫ٍ‬ ‫األمر إلى خل ِ‬ ‫ِ‬ ‫اختالالت جديدة في‬ ‫ق‬ ‫المفاهيم في نهاية‬ ‫‪67‬‬ ‫اإلرشاد الرسولي فرح اإلنجيل ‪ 24( ،Evangelii gaudium‬نوفمبر‪/‬تشرين‬ ‫الثاني ‪ :215 ،)2013‬أعمال الكرسي الرسولي ‪.1109 ،)2013( 105‬‬ ‫‪83‬‬ ‫محاولة للهروب من الواقع الذي يدعونا للتفكير‪ .68‬إننا‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫إلنكار ّأية أولوية للكائن‬ ‫هاجس‬ ‫وجود‬ ‫نالحظ أحيانا‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫نضال لصالح أصناف أخرى‪،‬‬ ‫البشري مع االستمرار في‬ ‫نضال ال نقوم به للدفا ِع عن الكرامة المتساوية بين‬ ‫جميع البشر‪ .‬بالتأكيد‪ ،‬يجب أن يقلقنا أن تُعامل بقية‬ ‫الحية بطريقة غير مسؤولة‪ ،‬ولكن ينبغي أن‬ ‫الكائنات ّ‬ ‫تغضبنا‪ ،‬بشكل خاص‪ ،‬التفاوتات الهائلة الموجودة فيما‬ ‫البعض بكرامتِهم‬ ‫بيننا‪ ،‬ألننا ما زلنا َنرضى بأن يتعالى‬ ‫ُ‬ ‫يرزحون تحت‬ ‫البعض‬ ‫على اآلخرين‪ .‬وال نفطن بعد أن‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِف ٍ‬ ‫قر مدقع‪ ،‬دون أي إمكانية حقيقية للخروج منه‪ ،‬بينما‬ ‫آخرون‪ ،‬ال يعرفون حتى ما يمكنهم أن يصنعوا بما‬ ‫بتفوقهم المزعوم‪ ،‬ويتركون‬ ‫يملكون‪ ،‬ويتباهون‪ ،‬بغرور‪ّ ،‬‬ ‫وراءهم مستوى مرتفعا من الهدر يستحيل تعميمه دون‬ ‫تدمير األرض‪ .‬وما زلنا نسمح في الواقع بأن يشعر‬ ‫البعض بأنهم في ُسلم اإلنسانية أعلى من اآلخرين‪ ،‬كما‬ ‫ُ‬ ‫لو أنهم ُولدوا مع المزيد من الحقوق‪.‬‬ ‫‪68‬‬ ‫را‪ .‬بندكتس السادس عشر‪ ،‬الرسالة العامة المحبة في الحقيقة ‪Caritas in‬‬ ‫‪ 29( veritate‬يونيو‪/‬حزيران ‪ :14 ،)2009‬أعمال الكرسي الرسولي ‪101‬‬ ‫(‪.650 ،)2009‬‬ ‫‪84‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫مخلوقات‬ ‫بقية‬ ‫‪ .91‬ال يمكن‬ ‫لشعور بوحدة حميمة مع ّ‬ ‫يكون أصيال‪ ،‬إن لم يكن القلب‪ ،‬في الوقت‬ ‫الطّبيعة أن‬ ‫َ‬ ‫بالعطف و ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫االهتمام بالبشر‪ .‬ويبدو‬ ‫الشفقة و‬ ‫نفسه‪ ،‬مفعما‬ ‫التناقض واضحا لدى شخص يعم ُل على مكافحة‬ ‫ِ‬ ‫ضة لِ ِ‬ ‫خطر االنقراض‪ ،‬في‬ ‫عر َ‬ ‫الم ّ‬ ‫االتّجار بالحيوانات ُ‬ ‫حين أنه يبقى ال مباليا أمام االتّجار بالبشر‪ ،‬وال يهتّم‬ ‫بالفقراء أو لديه العزم لتدمير كائن بشري آخر ألنه ال‬ ‫يعرض للخطر معنى النضال من‬ ‫يروق له‪ .‬إن هذا ّ‬ ‫ِ‬ ‫حماية البيئة‪ .‬ليس من قبيل المصادفة أن ُيضيف‬ ‫أجل‬ ‫يسبح فيه اهلل من ِ‬ ‫أجل‬ ‫ّ‬ ‫القديس فرنسيس إلى ّ‬ ‫النشيد الذي ّ‬ ‫َ‬ ‫خالئقه‪ ،‬هذه العبارة‪ُ " :‬ك ْن ُم َسَّبحا‪ ،‬يا سيِّدي‪ ،‬للّذين ُحبا‬ ‫شيء م ِ‬ ‫ٍ‬ ‫تصل‪ .‬لذا‪ ،‬ينبغي أن يترافق‬ ‫بك َيغفُرون"‪ .‬ك ّل‬ ‫ُ‬ ‫مستمر في‬ ‫بمحب ٍة صادقة للبشر وبالتزٍام‬ ‫االهتمام بالبيئة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫مواجهة مشاكل المجتمع‪.‬‬ ‫‪ .92‬من جهة أخرى‪ ،‬حين يكون القلب منفتحا حقّا‬ ‫أحد يستثنى من هذه‬ ‫ونية‪ ،‬فال‬ ‫شيء أو ال ٌ‬ ‫على َش ِركة َك ّ‬ ‫َ‬ ‫أن عدم االكتراث أو‬ ‫األخوة‪ .‬صحيح أيضا‪ ،‬بالتالي‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫القسوة تجاه كائنات هذا العالم األخرى‪ ،‬ينتقالن دائما‬ ‫في نهاية األمر‪ ،‬بشكل أو بأخر‪ ،‬إلى الطريقة التي بها‬ ‫بقية البشر‪ .‬فالقلب هو واحد‪ ،‬والبؤس نفسه‬ ‫نتعامل مع ّ‬ ‫‪85‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫سيظهر‬ ‫معاملة حيوان ما‪،‬‬ ‫إساءة‬ ‫الذي يحملنا إلى‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫إن ك ّل قسوة‬ ‫عاجال في العالقة مع األشخاص االخرين‪ّ .‬‬ ‫تجاه ّأية خليقة كانت "هي ضد كرامة اإلنسان"‪ .69‬فال‬ ‫ِ‬ ‫ين فعال‪ ،‬إن استبعدنا‬ ‫يمكننا اعتبار أنفسنا أشخاصا ُمحّب َ‬ ‫عن اهتمامنا قسما من الواقع‪" :‬إن السالم‪ ،‬والعدل‬ ‫وحماية الخلق‪ ،‬هي ثالثة مواضيع مرتبطة ببعضها الى‬ ‫حد بعيد‪ ،‬وال يمكن فصلها لمعالجة ك ّل منها على حدة‪،‬‬ ‫مرة أخرى في االختزالية"‪ .70‬إن ك ّل‬ ‫تحت طائلة الوقوع ّ‬ ‫شيء هو مترابط‪ ،‬واننا جميعنا‪ ،‬نحن البشر‪ ،‬متّحدون‬ ‫بالمحبة‬ ‫حج رائعة‪ ،‬ومرتبطون‬ ‫ّ‬ ‫كإخوة وأخوات في مسيرة ّ‬ ‫يكنها اهلل لك ّل من خالئقه والتي تجمعنا فيما بيننا‪،‬‬ ‫التي ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ب‪ ،‬مع أختنا الشمس‪ ،‬وأخينا القمر‪ ،‬وأخينا‬ ‫بعطف ُم ِح ّ‬ ‫النهر وأمنا األرض‪.‬‬ ‫‪69‬‬ ‫‪70‬‬ ‫التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية‪.2418 ،‬‬ ‫مجلس أساقفة الدومينيكان‪ ،‬رسالة رعوية حول عالقة اإلنسان مع الطبيعة ‪-‬‬ ‫‪ 15( Sobre la relación del hombre con la naturaleza‬مارس‪/‬آذار‬ ‫‪.)1987‬‬ ‫‪86‬‬ ‫‪ .II‬الغاية المشتركة للخيرات‬ ‫‪ .93‬إننا اليوم‪ ،‬مؤمنين وغير مؤمنين‪ ،‬متّفقون على‬ ‫أن األرض هي في األساس إرث مشترك‪ ،‬يجب‬ ‫حقيقة ّ‬ ‫ٍ‬ ‫أن تعود خيراتُها على الجميع‪ .‬إنها مسألةُ‬ ‫إخالص تجاهَ‬ ‫الخال ِ‬ ‫ق بالنسبة للمؤمنين‪ ،‬ألن اهلل قد خلق العالم‬ ‫للجميع‪ .‬بالتالي‪ ،‬فعلى ك ّل مقار ٍ‬ ‫إيكولوجية أن تحتوي‬ ‫بة‬ ‫ّ‬ ‫على منظور اجتماعي يأخذ بعين االعتبار الحقوق‬ ‫الجوهرّية لمن هم أقل حظا‪ .‬لهذا‪ ،‬فإن مبدأ خضوع‬ ‫ثم‪،‬‬ ‫الملكية الخاصة للتوجه العالمي للخيرات‪ ،‬ومن َّ‬ ‫ّ‬ ‫الحق العالمي في استخدامها‪ ،‬هو "قاعدة من ذهب"‬ ‫للسلوك االجتماعي‪ ،‬وهو "المبدأ األول للنظام األخالقي‬ ‫المسيحي لم َيعتَبِر أبدا‬ ‫فالتقليد‬ ‫واالجتماعي بأكمله"‪.71‬‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫أمر مطلقا أو غير قابل للتغيير‪،‬‬ ‫الخاصة ا‬ ‫بالملكية‬ ‫الحق‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الد ِ‬ ‫ألي شكل من‬ ‫ور‬ ‫وقد سلّط الضوء على َ‬ ‫االجتماعي ّ‬ ‫ّ‬ ‫يوحنا بولس‬ ‫الملكية‬ ‫أشكال‬ ‫الخاصة‪ .‬وقد َذ َّك َرنا ّ‬ ‫القديس ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫األرض‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫الثاني بشدة بهذه العقيدة قائال إن "اهلل قد َو َه َ‬ ‫ِ‬ ‫أبناء البشر لتُعيلَهم كلّهم‪ ،‬بدون تفضيل أو‬ ‫لجميع‬ ‫ِ‬ ‫‪ 71‬يوحنا بولس الثاني‪ ،‬الرسالة العامة ممارسة العمل ‪14( Laborem exercens‬‬ ‫سبتمبر‪/‬أيلول ‪ :19 ،)1981‬أعمال الكرسي الرسولي ‪.626 ،)1981( 73‬‬ ‫‪87‬‬ ‫‪72‬‬ ‫وقوية‪ .‬ثم أوضح‬ ‫معبرة ّ‬ ‫استثناء ألحد" ‪ .‬إنها كلمات ّ‬ ‫يعزز‬ ‫"أي نموذج من نماذج‬ ‫النمو ال يحترم وال ّ‬ ‫أن ّ‬ ‫ّ‬ ‫االقتصادية‬ ‫االجتماعية‪،‬‬ ‫الفردية و‬ ‫اإلنسانية‪،‬‬ ‫الحقوق‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫السياسية‪ ،‬بما فيها حقوق األمم والشعوب‪ ،‬ال يمكن أن‬ ‫و‬ ‫ّ‬ ‫‪73‬‬ ‫وفسر بك ّل وضو ٍح أن‬ ‫يكون حقيقة جدي ار باإلنسان" ‪ّ .‬‬ ‫الخاصة‪،‬‬ ‫الملكية‬ ‫الحق المشروع في‬ ‫"الكنيسة تدافع عن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ملكية‬ ‫ولكنها تُعلّم‪ ،‬وبوضوح أيضا‪ ،‬بأنه َيقعُ على ك ّل ّ‬ ‫خاصة رهن‪ vii‬اجتماعي‪ ،‬وذلك كي تكون الخيرات في‬ ‫خدمة الغاية العامة التي أعطاها اهلل لها"‪ .74‬وأكد‬ ‫العطية بطريقة‬ ‫خدم هذه‬ ‫بالتالي أنه "غير مسموح أن تُستَ َ‬ ‫ّ‬ ‫ال يستفيد منها إال البعض فقط‪ ،‬وذلك ألن هذا ال‬ ‫‪72‬‬ ‫الرسالة العامة‪ ،‬السنة المئة ‪ 1( Centesimus annus‬مايو‪/‬أيار ‪،)1991‬‬ ‫‪73‬‬ ‫الرسالة العامة االهتمام بالشأن االجتماعي ‪30( Sollicitudo rei socialis‬‬ ‫‪ :31‬أعمال الكرسي الرسولي ‪.831 ،)1991( 83‬‬ ‫ديسمبر‪/‬كانون األول ‪ :33 ،)1987‬أعمال الكرسي الرسولي ‪،)1988( 80‬‬ ‫‪74‬‬ ‫‪.557‬‬ ‫خطاب أمام السكان األصليين والمزارعين في المكسيك‪ ،‬كويالبان (‪29‬‬ ‫يناير‪/‬كانون الثاني ‪ :6 ،)1979‬أعمال الكرسي الرسولي ‪.209 ،)1979( 71‬‬ ‫‪88‬‬ ‫‪75‬‬ ‫جدي‬ ‫يتوافق وتدبير اهلل" ‪ .‬إن هذا يضع في جدل ّ‬ ‫العادات الظالمة لقسم من البشرية‪.76‬‬ ‫الغني الكرامة ذاتها‪ ،‬ألن َّ‬ ‫"الر ّ‬ ‫ب َ‬ ‫ص َنعَ‬ ‫‪ .94‬لدى الفقير و ّ‬ ‫ِ‬ ‫ص َن َعهما"‬ ‫كلَيهما" (مثل ‪" ،)2 ،22‬الصَّغير وال َكبير هو َ‬ ‫(حك ‪ ،)7 ،6‬وهو "ي ِ‬ ‫طلعُ َش ْم َسه على األَشرِار واألَخيار"‬ ‫ُ‬ ‫(متى ‪ .)45 ،5‬وهذا له عواقب عملية‪ ،‬كتلك التي‬ ‫ُّ‬ ‫الحق‬ ‫أعلن عنها أساقفة الباراغواي‪" :‬لك ّل مزارع‬ ‫الطبيعي في امتالك قطعة معقولة من األرض‪ ،‬حيث‬ ‫يمكنه إقامة بيته‪ ،‬والعمل من أجل إعالة اسرته وامتالك‬ ‫الحق بحيث ال يكون‬ ‫أمن وجوده‪ .‬يجب ضمان هذا‬ ‫ّ‬ ‫هميا ولكن و ًّ‬ ‫تطبيقه َو ًّ‬ ‫اقعيا‪ .‬وهذا يعني أنه باإلضافة إلى‬ ‫الملكية‪ ،‬يجب أن يتم ّكن المزارعون من االعتماد على‬ ‫ّ‬ ‫وسائل التعليم التقني‪ ،‬وقروض وتأمينات والوصول إلى‬ ‫األسواق"‪.77‬‬ ‫‪75‬‬ ‫عظة خالل القداس اإللهي للمزارعين في ريسيفي‪ ،‬الب ارزيل (‪ 7‬يوليو‪/‬تموز‬ ‫‪76‬‬ ‫را‪ .‬رسالة بمناسبة اليوم العالمي للسالم ‪ :8 ،1990‬أعمال الكرسي الرسولي ‪82‬‬ ‫‪77‬‬ ‫‪El‬‬ ‫‪ :4 ،)1980‬أعمال الكرسي الرسولي ‪.926 ،)1980( 72‬‬ ‫(‪.152 )1990‬‬ ‫مجلس أساقفة باراغوايانا‪ ،‬رسالة رعوية فالحو الباراغواي واألرض ‪-‬‬ ‫‪ 12( campesino paraguayo y la tierra‬يونيو‪/‬حزيران ‪،4 ،2 ،)1983‬‬ ‫د‪.‬‬ ‫‪89‬‬ ‫ِ‬ ‫بأسرها وهي‬ ‫رث للبشرّية‬ ‫ك عام‪ ،‬وا ٌ‬ ‫‪ .95‬البيئةُ هي ِمْل ٌ‬ ‫فم ْن يمتلك جزءا منها فهو فقط‬ ‫ّ‬ ‫مسؤولية الجميع‪َ .‬‬ ‫نحم ُل‬ ‫إلدارته لصالح الجميع‪ .‬فإن لم نفعل ذلك‪ ،‬فإننا ّ‬ ‫ضميرنا ثقل التّن ّكر لوجود اآلخرين‪ .‬ولهذا تساءل‬ ‫َ‬ ‫وصية «ال تقتل» عندما‬ ‫أساقفة نيوزيلندا عن معنى‬ ‫ّ‬ ‫ك عشرون في المئة من س ّك ِ‬ ‫ارد‬ ‫"يستهل ُ‬ ‫ان العالم المو َ‬ ‫على نحو يجعلهم يسرقون من الدو َل الفقيرة‪ ،‬واألجيا َل‬ ‫اآلتية‪ ،‬ما تحتاجه للبقاء على قيد الحياة"‪.78‬‬ ‫‪ .III‬نظرة يسوع‬ ‫اإليمان الكتابي باهلل الخالق ويسلّط‬ ‫‪ .96‬يتبنى يسوع‬ ‫َ‬ ‫الضوء على ٍ‬ ‫أمر جوهري‪ :‬أن اهلل هو آب (را‪ .‬متى‬ ‫َ‬ ‫‪ .)25 ،11‬وقد كان يسوع‪ ،‬في حواراته مع تالميذه‪،‬‬ ‫يدعوهم إلى االعتراف بعالقة اهلل األبوية مع جميع‬ ‫الخالئق‪ ،‬ويذ ّكرهم‪ ،‬بعطف مؤثر‪ ،‬كيف أن كل واحدة‬ ‫صافير‬ ‫مسةُ َع‬ ‫منها هي ثمينة في عينيه‪" :‬أَما ُيباعُ َخ َ‬ ‫َ‬ ‫ك فما ِمنها و ِ‬ ‫اح ٌد َينساهُ اهلل" (لو ‪،12‬‬ ‫وم َع ذل َ‬ ‫بِ َف َ‬ ‫لس ْين‪َ ،‬‬ ‫‪78‬‬ ‫مجلس أساقفة نيوزلندا‪ ،‬بيان حول قضايا بيئية ‪-‬‬ ‫‪Statement on‬‬ ‫‪ ، Environmental Issues‬وليغتون (‪ 1‬سبتمبر‪/‬أيلول ‪.)2006‬‬ ‫‪90‬‬ ‫يور الس ِ‬ ‫‪" .)6‬أُنظُ ُروا إِلى طُ ِ‬ ‫حص ُد‬ ‫َّماء َك َ‬ ‫زرعُ وال تَ ُ‬ ‫يف ال تَ َ‬ ‫رزقُها" (متى ‪،6‬‬ ‫خزُن في األَهراء‪ ،‬وأَبو ُك ُم الس ُّ‬ ‫َّماوي َي ُ‬ ‫وال تَ ُ‬ ‫‪.)26‬‬ ‫الرب أن يدعو اآلخرين إلى االنتباه‬ ‫‪ .97‬لقد استطاع‬ ‫ّ‬ ‫للجمال الموجود في العالم‪ ،‬ألنه هو نفسه كان على‬ ‫عيرها انتباها ِملؤه‬ ‫تواصل‬ ‫ّ‬ ‫مستمر مع الطبيعة وكان ُي ُ‬ ‫تجوله في ك ّل ركن من أركان‬ ‫العطف واالندهاش‪ .‬أثناء ّ‬ ‫للتأمل بالجمال الذي غرسه أبوه‪،‬‬ ‫أرضه‪ ،‬كان يتوقّف ّ‬ ‫ويدعو التالميذ الكتشاف ما تحمله األشياء من رسالة‬ ‫ِ‬ ‫الحقُول‪ ،‬فقَ ِد ْاب َي َّ‬ ‫ضت‬ ‫إلهية‪" :‬ارفَعوا ُع َ‬ ‫يونكم وانظُروا إِلى ُ‬ ‫كوت السَّمو ِ‬ ‫لِلحصاد" (يو ‪" .)35 ،4‬مثَلُ ملَ ِ‬ ‫ات َك َمثَ ِل‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َصغ ُر‬ ‫هي أ َ‬ ‫َحَّب ِة َخ َ‬ ‫ردل أَخ َذها َر ُج ٌل فَزرَعها في َحقله‪َ .‬‬ ‫الب ِ‬ ‫صارت‬ ‫البقول‪ ،‬بل‬ ‫زور ُكلِّها‪ ،‬فِإذا َن َمت َ‬ ‫َكب َر ُ‬ ‫كانت أ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َش َج َرة" (متى ‪.)32 - 31 ،13‬‬ ‫‪ .98‬لقد عاش يسوع بتناغم تام مع الطبيعة وهو ما‬ ‫ياح‬ ‫طيعه ِّ‬ ‫الر ُ‬ ‫"من هذا حتَّى تُ َ‬ ‫كان يثير دهشة اآلخرين‪َ :‬‬ ‫البحر؟" (متى ‪ .)27 ،8‬لم يكن يبدو وكأنه ناسك‬ ‫وَ‬ ‫عدو لألشياء الممتعة على هذه‬ ‫منعزٌل عن العالم أو ٌّ‬ ‫ابن‬ ‫مشير إلى نفسه‪:‬‬ ‫ا‬ ‫األرض‪ .‬فكان يؤ ّكد‪،‬‬ ‫"جاء ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫اإل ِ‬ ‫يب‬ ‫شرب فقالوا‪ُ :‬ه َوذا َر ُج ٌل أَكو ٌل ِشِّر ٌ‬ ‫وي َ‬ ‫نسان َيأَ ُك ُل َ‬ ‫‪91‬‬ ‫لِْل َخ ْم ِر" (متى ‪ .)19 ،11‬وقد ابتعد عن الفلسفات التي‬ ‫المادة وأمور هذا العالم‪ .‬بيد أن هذه‬ ‫تحتقر الجسد و ّ‬ ‫تأثير واضحا في‬ ‫ا‬ ‫الثنائيات غير السليمة‪ ،‬قد أثّرت‬ ‫وشوهت‬ ‫المسيحيين عبر التاريخ‪،‬‬ ‫بعض المف ّكرين‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫يومي بالمادة‬ ‫باتصال‬ ‫اإلنجيل‪ .‬كان يسوع يعمل بيده‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫التي خلقها اهلل كي يعطيها شكال بفضل مهاراته‬ ‫كرس ُمعظم حياته لهذا‬ ‫الم ِلف ُ‬ ‫ت للنَّظَر ّأنه ّ‬ ‫الحرفية‪ .‬ومن ُ‬ ‫يس‬ ‫العمل‪ ،‬عبر حياة بسيطة ال تثير أي إعجاب‪" :‬أَلَ َ‬ ‫هذا َّ‬ ‫العمل‬ ‫ابن َمرَيم؟" (مر ‪ .)3 ،6‬لقد قَ َّد َس‬ ‫َ‬ ‫الن َّجار َ‬ ‫خاصة من ِ‬ ‫أجل نضو ِجنا‪.‬‬ ‫بهذه الطّريقَة وأعطاهُ قيمة‬ ‫ّ‬ ‫اإلنسان‪،‬‬ ‫"أن‬ ‫القديس‬ ‫كان ّ‬ ‫ّ‬ ‫يوحنا بولس الثاني ُي َعلِّم ّ‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫المسيح المصلوب من‬ ‫باتحاد مع‬ ‫بِتَ َح ُّمله عناء العمل‬ ‫ِ‬ ‫ابن ِ‬ ‫ِ‬ ‫أجلنا‪ ،‬يتعاون على ٍ‬ ‫نحو ما مع ِ‬ ‫فداء‬ ‫اهلل في‬ ‫البشرّية"‪.79‬‬ ‫ِ‬ ‫الخليقة بأسرها‪ ،‬بحسب المفهوم‬ ‫‪ .99‬إن مصير‬ ‫سر المسيح‪ ،‬الكائن منذ‬ ‫يمر عبر ّ‬ ‫المسيحي للواقع‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫‪79‬‬ ‫الرسالة العامة ممارسة العمل ‪ 14( Laborem exercens‬سبتمبر‪/‬أيلول‬ ‫‪ :27 ،)1981‬أعمال الكرسي الرسولي ‪.645 ،)1981( 73‬‬ ‫‪92‬‬ ‫ُّ‬ ‫ق بِه ولَه" (قول ‪.80)16 ،1‬‬ ‫شي ٍء ُخلِ َ‬ ‫البدء‪ُ " :‬كل َ‬ ‫مقدمةُ إنجيل يوحنا (‪ )18-1 ،1‬عم َل المسيح‬ ‫وتُظ ِه ُر ّ‬ ‫ِ‬ ‫ككلمة اهلل اللوجوس (‪ .)Logos‬لكن هذه‬ ‫الم ِبدع‬ ‫ُ‬ ‫المقدمة تفاجئ بتأكيدها على أن هذا الكلمة "صار‬ ‫ّ‬ ‫أحد أقانيم الثالوث في‬ ‫َبشرا" (يو ‪ .)14 ،1‬لقد دخ َل ُ‬ ‫الكون المخلوق‪ ،‬مشاركا إياه المصير حتّى الصليب‪.‬‬ ‫فمن ِ‬ ‫سر‬ ‫بدء العالم‪ ،‬وباألخص َبدءا من‬ ‫عم ُل ُّ‬ ‫ّ‬ ‫التجسد‪َ ،‬ي َ‬ ‫اقع الطبيعي‪ ،‬دون‬ ‫جم ِل الو ِ‬ ‫ِ‬ ‫المسيح‪ ،‬بطريقة ّ‬ ‫خفية‪ ،‬في ُم َ‬ ‫اإلضرار باستقالليته‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫الجديد ال ُيخبِ ُرنا فقط عن يسوع‬ ‫العهد‬ ‫‪ .100‬إن‬ ‫َ‬ ‫ِِ‬ ‫الم ِحَّبة ِج ًّدا مع العالم‪،‬‬ ‫لم َ‬ ‫لموسة و ُ‬ ‫األرضي وعن عالقَته ا َ‬ ‫ّ‬ ‫وانما ُيظ ِه ُرهُ أيضا قائِما من ِ‬ ‫وم َم َّجدا‪،‬‬ ‫بين األموات ُ‬ ‫وحاضر في كل الخليقة بِسيادتِه على الكون‪" .‬فقَد َح ُس َن‬ ‫ا‬ ‫لَدى اهلل أَن َي ِح َّل بِه ال َكما ُل ُكلُّه‪ .‬وأَن ُيصالِ َح بِه و ِمن‬ ‫أ ِ‬ ‫َجله ُك َّل موجود ِم َّما في األ َْر ِ ِ‬ ‫َّموات وقَد‬ ‫ض وم َّما في الس َ‬ ‫ِ‬ ‫صليبِه" (قول ‪ .)20 - 19 ،1‬إن هذا‬ ‫َحقَّ َ‬ ‫َّالم بِ َدم َ‬ ‫ق الس َ‬ ‫ينقلنا إلى نهاية األزمنة‪ ،‬عندما سيسلم "االبن" إلى‬ ‫التحدث عن «بذور الكلمة» في العالم‪:‬‬ ‫‪ 80‬لهذا السبب استطاع القديس يوستينوس‬ ‫ّ‬ ‫را‪ 2 .‬الدفاع ‪2– 1 ،8 Apologia‬؛ ‪ :6 – 3 ،13‬مجموعة آباء الكنيسة‬ ‫اليونانية ‪458 – 457 ،6‬؛ ‪.467‬‬ ‫‪93‬‬ ‫"اآلب" جميع األشياء‪ ،‬لِيكون هكذا "اللّه ُك ّل َش ٍ‬ ‫يء في‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫شيء" (‪ 1‬قور ‪ .)28 ،15‬بهذه الطريقة لم تعد‬ ‫ُكل َ‬ ‫تظهر لنا مخلوقات هذا العالم وكأنها واقع طبيعي‬ ‫سرية‬ ‫بحت‪ ،‬ألن القائم من بين األموات يغمرها بطريقة ّ‬ ‫ويقودها نحو مصير فيه االمتالء‪ .‬فزهور الحقل نفسها‬ ‫تأملَها بإعجاب‪ ،‬بعيونه البشرية‪ ،‬قد‬ ‫والطيور التي ّ‬ ‫امتألت اآلن من حضوره المنير‪.‬‬ ‫‪94‬‬ ‫الفصل الثالث‬ ‫األصل البشري لألزمة اإليكولوجية‬ ‫البيئية‪،‬‬ ‫ي لألزمة‬ ‫‪ .101‬إن ّ‬ ‫ّ‬ ‫كنا ال ُندرك األصل البشر ّ‬ ‫أسلوب‬ ‫فال جدوى من إعادة وصف األعراض‪ .‬هناك‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ي‪ ،‬وهو يتناقض‬ ‫ٌ‬ ‫التصرف البشر ّ‬ ‫منحرف في فهم الحياة و ّ‬ ‫مع الواقع لدرجة اإلضرار إليه‪ .‬ما الذي يمنعنا عن‬ ‫التريث للتفكير في هذا األمر؟ لذا أقترح أن نرّكز على‬ ‫النموذج التكنولوجي السائد وعلى المكان الذي يحتّله‬ ‫الكائن البشري ونشاطه في العالم‪.‬‬ ‫‪ .I‬التكنولوجيا‪ :‬إبداع وسلطة‬ ‫تضعنا فيه‬ ‫‪ .102‬لقد دخلت البشرية في عصر جديد‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ُسلطَة التكنولوجيا على مفتر ِ‬ ‫ق طرق‪ .‬نحن ورثة لقرنين‬ ‫من موجات هائلة من التغيير في التكنولوجيا‪ :‬اآللة‬ ‫البخارّية‪،‬‬ ‫السكك‬ ‫ّ‬ ‫الحديدية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫التلغراف‪،‬‬ ‫الكهرباء‪،‬‬ ‫والتكنولوجيا‬ ‫الحيوية‬ ‫ّ‬ ‫الكيميائية‪ ،‬الطّب‬ ‫الطيارات‪ ،‬الصناعات‬ ‫السيارات‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫قمية (‪،)digital‬‬ ‫ا‬ ‫المعلوماتية‬ ‫الحديث‪،‬‬ ‫ومؤخر الثورة الر ّ‬ ‫ّ‬ ‫الروبوتيات‬ ‫و‬ ‫ّ‬ ‫(‪،)robotics‬‬ ‫‪95‬‬ ‫والنانوتكنولوجيا‪ .‬من الصواب أن نفرح بهذا الّتقدم وأن‬ ‫اإلمكانيات الهائلة التي تفتحها لنا هذه‬ ‫نتحمس أمام‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫المستجدات المتواصلة‪ ،‬ألن "العلم والتكنولوجيا هما ثمرة‬ ‫ّ‬ ‫عطية من اهلل"‪ .81‬تغيير‬ ‫ي الذي هو ّ‬ ‫رائعة لإلبداع البشر ّ‬ ‫الطبيعة ألغر ٍ‬ ‫اض مفيدة هو سمة من سمات الجنس‬ ‫التقنية "تُ ِ‬ ‫ب عن‬ ‫ي منذ بداياته‪ ،‬وبالتالي فإن‬ ‫ّ‬ ‫عر ُ‬ ‫البشر ّ‬ ‫ِ‬ ‫الكام ِن في روح االنسان البشرّي ِة للتغلُّ ِب‬ ‫السعي‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫عينة"‪ .82‬لقد وجدت‬ ‫ظروف‬ ‫يجي على‬ ‫مادية ُم ّ‬ ‫التدر ّ‬ ‫ٍ‬ ‫من الشرور التي‬ ‫التكنولوجيا عالجا لعدد ال ُيحصى َ‬ ‫تؤذي الكائن البشري وتُ ِح ّده‪ .‬وال نستطيع إال أن ِّ‬ ‫نقدر‬ ‫المحقق‪ ،‬باألخص في مجال الطّب‪،‬‬ ‫ونثمن‬ ‫ِّ‬ ‫ّ‬ ‫التقدم ُ‬ ‫والهندسة واالتّصاالت‪ .‬وكيف لنا أالَّ نعترف بكل جهود‬ ‫التقنيين الذين أوجدوا بدائل من أجل‬ ‫العديد من العلماء و ّ‬ ‫تنمية مستدامة؟‬ ‫‪81‬‬ ‫يوحنا بولس الثاني‪ ،‬خطاب إلى ممثلي العلم والثقافة والدراسات العليا بجامعة‬ ‫األمم المتحدة‪ ،‬هيروشيما (‪ 25‬فبراير‪/‬شباط ‪ :3 ،)1981‬أعمال الكرسي الرسولي‬ ‫‪ )1981( 73‬رقم ‪.422‬‬ ‫‪ 82‬بندكتُس السادس عشر‪ ،‬الرسالة العامة المحبة في الحقيقة‬ ‫‪Caritas in‬‬ ‫‪ 29( veritate‬يونيو‪/‬حزيران ‪ :69 ،)2009‬أعمال الكرسي الرسولي ‪101‬‬ ‫(‪.702 ،)2009‬‬ ‫‪96‬‬ ‫الموجهة بطريقة‬ ‫‪ .103‬بإمكان العلوم‪-‬التكنولوجية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫جيدة‪ ،‬أن تنتج ليس فقط أشياء ثمينة حقًّا تساهم في‬ ‫ّ‬ ‫ي‪ ،‬بدءا من األدوات‬ ‫تحسين‬ ‫ّ‬ ‫نوعية حياة الكائن البشر ّ‬ ‫النقل الكبيرة والجسور‬ ‫المنز ّلية المفيدة وصوال إلى وسائِل ّ‬ ‫واألبنية واألماكن العامة؛ إنها قادرة أيضا أن تنتج ما‬ ‫هو جميل وأن ينقل الكائن البشري‪ ،‬الغارق في العالم‬ ‫المادي‪ ،‬نحو "قفزة" إلى عالم الجمال‪ .‬فهل يمكننا إنكار‬ ‫جمال طائرة أو بعض ناطحات السحاب؟ وهناك لوحات‬ ‫موسيقية ثمينة أ ِ‬ ‫تقنية‬ ‫وأعمال‬ ‫ُبد َعت بفضل أدوات ّ‬ ‫ّ‬ ‫حديثة‪ .‬بهذه الطريقة تتحقق‪ ،‬في الفنان الذي يتوق‬ ‫للجمال‪ ،‬وفي من يتأمل بذاك الجمال‪ ،‬القفزة نحو ٍ‬ ‫ملء‬ ‫َْ‬ ‫إنساني‪.‬‬ ‫هو بالتحديد‬ ‫ٍّ‬ ‫‪ .104‬بيد أننا ال يمكن أن نتجاهل أن الطاقة النووية‬ ‫علوماتية ومعرفة الحمض‬ ‫الحيوية والم‬ ‫والتكنولوجيا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪viii‬‬ ‫مكانيات أخرى‬ ‫النووي‬ ‫(‪ )DNA‬الخاص بنا وا ّ‬ ‫حققناها‪ ،‬تقدم لنا ُسلطَة مرعبة‪ .‬بل باألحرى‪ ،‬تمنح‬ ‫باألخص ألولئك الذين يملكون المعرفة والسلطة‬ ‫االقتصادية الستغاللها‪ ،‬هيمنة رهيبة على مجمل‬ ‫الجنس البشري وعلى العالم بأسره‪ .‬لم يكن للبشرّية قطّ‬ ‫مثل هذه السلطة على ذاتها‪ ،‬وما من شيء يضمن أنها‬ ‫‪97‬‬ ‫جيدة؛ باألخص إن أخذنا بعين‬ ‫سوف تستعملها بطريقة ّ‬ ‫االعتبار كيف تستخدمها ًّ‬ ‫حاليا‪ .‬يكفي أن نتذ ّكر القنابل‬ ‫ُلقيت في أو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫القرن العشرين‪ ،‬أو‬ ‫اس ِط‬ ‫الذرية التي أ َ‬ ‫ّ‬ ‫االستعراض التكنولوجي الضخم الذي تفاخرت به النازية‬ ‫والشيوعية وأنظمةٌ شموليةٌ أخرى في خدمة إبادة‬ ‫الماليين من األشخاص‪ ،‬دون أن ننسى أن حروب اليوم‬ ‫تتمتّع بوسائل هي باستمرار أكثر فتكا‪ .‬فبين أيدي َمن‬ ‫كل هذه السلطة‪ ،‬وأليدي من قد تَ ِ‬ ‫توج ُد ُّ‬ ‫صل؟ إنه لخطر‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫رهيب أن تتواجد في جزء صغير من البشرية‪.‬‬ ‫‪ .105‬هناك َمي ٌل لالعتقاد بأن "ك ّل زيادة في السلطة‬ ‫تُش ّكل ببساطة تَقَ ُّدما في حد ذاته‪ ،‬وزيادة في األمن‬ ‫والمنفعة والرفاه والطاقة الحيوية والقيم"‪ ،83‬وكأن الواقع‬ ‫ًّ‬ ‫تلقائيا من السلطة التكنولوجية‬ ‫والخير والحق تنبع‬ ‫واالقتصادية ذاتها‪ .‬الواقع هو أن "اإلنسان المعاصر لم‬ ‫يتم إعداده الستخدام ال ّسلطة بطريقة صحيحة"‪ ،84‬ألن‬ ‫نمو للكائن البشري‬ ‫النمو‬ ‫التكنولوجي الهائل لم ُيرافقه ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫عصر‬ ‫المسؤولية والقيم والضمير‪ .‬ويميل ك ّل‬ ‫في مجال‬ ‫ّ‬ ‫‪83‬‬ ‫رومانو غوارديني‪ ،‬نهاية العصر الحديث ‪ ،Das Ende der Neuzeit‬ورزبرغ‬ ‫‪84‬‬ ‫نفس المرجع‪.‬‬ ‫‪.87 ،19659‬‬ ‫‪98‬‬ ‫ِ‬ ‫محدوديته‪ .‬لهذا‬ ‫وعي ذاتي ضعيف بضآلة‬ ‫إلى‬ ‫تنمية ٍ‬ ‫ّ‬ ‫التحديات‬ ‫السبب فإن البشرّية قد ال تشعر اليوم بخطورة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التي تواجهاها‪ ،‬و"باالحتمال المتزايد لإلنسان في‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫لسلطَتِ ِه" عندما "ال تتواجد ّأيةُ قاعدة‬ ‫سيء ُ‬ ‫استخدام ّ‬ ‫حاجات مزعومة‪ :‬الفائدة واألمن"‪.85‬‬ ‫الحرية‪ ،‬بل‬ ‫ٌ‬ ‫لتنظيم ّ‬ ‫مستقال تماما؛ وحريته تعتل حين‬ ‫إن الكائن البشري ليس‬ ‫ّ‬ ‫تستسلم للقوى العمياء لالوعي‪ ،‬وللضرورات الفورية‪،‬‬ ‫ولألنانية‪ ،‬وللعنف الوحشي‪ .‬بهذا المعنى‪ ،‬يبقى عاريا‪،‬‬ ‫وأعزل أمام خطر سلطته نفسها‪ ،‬التي ما زالت تتزايد‪،‬‬ ‫دون أن يملك الوسائل الالزمة لضبطها‪ .‬قد تتوفر لديه‬ ‫ألخالقيات‬ ‫سطحية‪ ،‬ولكن يمكننا القول بإنه يفتقر‬ ‫آليات‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫متينة على النحو الكافي‪ ،‬ولثقافة ولروحانية ترسم له‬ ‫حدودا وتبقيه في ِ‬ ‫حالة تحكم جلي بذاته‪.‬‬ ‫‪ .II‬عولمة النموذج التكنوقراطي‬ ‫األساسية هي مختلفة‪ ،‬وأكثر عمقا‪ :‬هي‬ ‫‪ .106‬المشكلة‬ ‫ّ‬ ‫الفعلية التي تستوعب بها البشرية التكنولوجيا‬ ‫الطريقة‬ ‫ّ‬ ‫ونموها‪ ،‬بالترافق مع نموذج متجانس وأحادي البُعد‪ .‬في‬ ‫ّ‬ ‫‪85‬‬ ‫نفس المرجع‪.88 – 87 .‬‬ ‫‪99‬‬ ‫ٍ‬ ‫مفهوم للشخص الذي‪،‬‬ ‫الضوء على‬ ‫هذا النموذج‪ُ ،‬يسلَّط‬ ‫ُ‬ ‫الخارجي وبالتالي يملُ ُكه‪ ،‬عبر‬ ‫الشيء‬ ‫يستوعب تدريجيًّا‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫العملية المنطقية‪-‬العقلية‪ .‬وهذا الشخص يعبر عن نفسه‬ ‫العلمي‪ ،‬مع ما يتبعه من اختبارات‪،‬‬ ‫بإرساء األسلوب‬ ‫ّ‬ ‫متالك ولل ِ‬ ‫والذي هو‪ ،‬وبوضوح‪ ،‬تقنية لال ِ‬ ‫تسلط وللتغيير‪.‬‬ ‫ومستعد‬ ‫اقع منقوص‪،‬‬ ‫وكأن الشخص يجد نفسه أمام و ٍ‬ ‫ّ‬ ‫تدخل الكائن البشري على‬ ‫تماما ألن نتالعب به‪ .‬لقد ّ‬ ‫ولمد ٍة طويلة‪،‬‬ ‫تدخله كان‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الدوام في الطبيعة‪ ،‬ولكن ّ‬ ‫ِ‬ ‫لإلمكانيات التي‬ ‫يتميز بصفة المرافقة‪ ،‬وبالخضوع‬ ‫ّ‬ ‫تقدمها األشياء ذاتها‪ .‬قد كان في الواقع تلقّيا لما كان‬ ‫يسمح به الواقع الطبيعي‪ ،‬وكأنه يستعطي‪ .‬أما اآلن‬ ‫يهم هو استخراج ك ّل ما هو ممكن‬ ‫فعلى العكس‪ ،‬إن ما ّ‬ ‫من األشياء من خالل وضع اليد البشرية‪ ،‬التي تميل‬ ‫إلى تجاهل أو نسيان الواقع ذاته للشيء الموجود‬ ‫الودية بين الكائن‬ ‫أمامها‪ .‬لهذا فقد توقّفت المصافحة ّ‬ ‫البشري واألشياء‪ ،‬وأصبحا‪ ،‬على العكس‪ ،‬في مواجهة‪.‬‬ ‫النمو‬ ‫يتم االنتقال وبسهولة إلى فكرة‬ ‫ومن هنا ّ‬ ‫ّ‬ ‫حمست الكثير من‬ ‫الالمتناهي أو غير المحدود‪ ،‬التي ّ‬ ‫علماء االقتصاد والمال والتكنولوجيا‪ .‬إن هذا يفترض‬ ‫الكذب حول التوافر الالمتناهي لخيرات األرض‪ ،‬والذي‬ ‫‪100‬‬ ‫يقود إلى "ابتزازها" حتى أقصى الحدود والى ما يتجاوز‬ ‫بأنه "يوجد‬ ‫اض ال ازئف ّ‬ ‫حتى الحد المسموح به‪ .‬إنه االفتر َ‬ ‫كمية غير محدودة من الطاقة ومن الوسائل التي يمكن‬ ‫ّ‬ ‫تجددها الفوري هو ممكن‪ ،‬وبأنه يمكن‬ ‫استخدامها‪ ،‬وبأن ّ‬ ‫احتواء التأثيرات السلبية للتالعبات في الطبيعة"‪.86‬‬ ‫‪ .107‬يمكننا التأكيد بالتالي‪ ،‬أن سبب الكثير من‬ ‫مصاعب العالم الحالي هو قبل ك ّل شيء الميل‪،‬‬ ‫المنهجية وأهداف العلوم‪-‬‬ ‫ي أحيانا‪ ،‬إلعداد‬ ‫ّ‬ ‫الالشعور ّ‬ ‫نموذج ٍ‬ ‫فهم يتحكم بحياة األشخاص‬ ‫التقنية بحسب‬ ‫َ‬ ‫وبمسيرة المجتمع‪ .‬إن نتائج تطبيق هذا النموذج على‬ ‫ي والمجتمعي‪ ،‬يمكن رؤيتها في‬ ‫ك ّل الو ٍ‬ ‫اقع‪ ،‬البشر ّ‬ ‫التدهور البيئي‪ ،‬والذي ما هو إالَّ عالمة لالختزالية التي‬ ‫تصيب الحياة البشرية والمجتمع في شتّى أبعادهما‪.‬‬ ‫ينبغي االقرار بأن منتجات التقنية ليست محايدة‪ ،‬ألنها‬ ‫تخلق حالة تنتهي بالتحكم في أنماط الحياة وتوجيه‬ ‫الفرص االجتماعية بما يتماشى مع مصالح فئات‬ ‫محددة من السلطة‪ .‬فبعض الخيارات‪ ،‬والتي تبدو‬ ‫‪86‬‬ ‫المجلس الحبري "للعدالة والسالم"‪ ،‬موجز العقيدة االجتماعية للكنيسة‪.462 ،‬‬ ‫‪101‬‬ ‫مو َجهة للغاية‪ ،‬هي بالحقيقة خيارات تتعلق بنمط الحياة‬ ‫َّ‬ ‫نطوره‪.‬‬ ‫االجتماعية الذي ننوي أن ّ‬ ‫‪ .108‬ال يجوز التفكير بدعم نموذج ثقافي آخر‬ ‫كمجرد أداة وحسب‪ ،‬ألن النموذج‬ ‫واالستفادة من التقنية‬ ‫ّ‬ ‫التكنوقراطي أصبح اليوم مهيمنا لدرجة أنه من الصعب‬ ‫جدا التخلّي عنه‪ ،‬ومن األصعب أيضا استعمال موارده‬ ‫ّ‬ ‫دون الخضوع لمنطقه‪ .‬فقد أصبح من ِ‬ ‫"غير‪-‬الثقافي" أن‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أهداف مستقلّة‪ ،‬ولو قليال‪ ،‬عن‬ ‫حياة ذا‬ ‫نختار نوع‬ ‫التقنية وعن تكاليفها وعن سلطتها التي تعولم وتسحق‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫إن التقنية في الواقع تميل إلى عدم ترك شيء خارج‬ ‫منطقها الحديدي‪" ،‬فاإلنسان‪ ،‬والذي هو الفاعل‬ ‫األساسي يعرف‪ ،‬كما تبين آخر التحليالت‪ ،‬أن األمر ال‬ ‫بالسلطة؛ بِ ُك ِّل ما‬ ‫بالرفاه‪ ،‬وانما ّ‬ ‫يتعلق ال بالمنفعة وال ّ‬ ‫لكلمة السلطة من معنى"‪ .87‬لهذا "فهو يحاول التح ّكم‬ ‫في عناصر الطبيعة كما في عناصر الوجود‬ ‫ي"‪ .88‬وهكذا تَضعف القدرةُ على القرار‪ ،‬والحرية‬ ‫البشر ّ‬ ‫األكثر أصالة‪ ،‬وحيِّز اإلبداع البديل الخاص باألفراد‪.‬‬ ‫‪87‬‬ ‫رومانو غوارديني‪ ،‬نهاية العصر الحديث ‪63 – ،Das Ende der Neuzeit‬‬ ‫‪88‬‬ ‫نفس المرجع‪.64 ،‬‬ ‫‪.64‬‬ ‫‪102‬‬ ‫النموذج التكنوقراطي أيضا إلى ممارسة‬ ‫‪ .109‬يمي ُل‬ ‫ُ‬ ‫يتبنى َّ‬ ‫كل‬ ‫سلطته على االقتصاد والسياسة‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫فاالقتصاد ّ‬ ‫تكنولوجي وفقا للربح‪ ،‬دون إعارة أي اهتمام‬ ‫تطوٍر‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫للنتائج السلبية المحتملة على الكائن البشري‪ .‬المالية‬ ‫االقتصاد الحقيقي‪ .‬إننا لم نأخذ بعد عبرة من‬ ‫تَخنق‬ ‫َ‬ ‫األزمة المالية العالمية‪ ،‬ونستوعب ببطء كبير العبرة من‬ ‫االقتصاد‬ ‫التدهور البيئي‪ُ .‬يقال في بعض الدوائر إن‬ ‫َ‬ ‫الحالي والتكنولوجيا سيجدان الحلول لجميع المشاكل‬ ‫البيئية‪ ،‬كما يتم التأكيد‪ٍ ،‬‬ ‫أكاديمية‪ ،‬بأن مشاك َل‬ ‫بلغة غير‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫بنمو‬ ‫الجوع والبؤس في العالم ستجد وببساطة حلوال ّ‬ ‫اقتصادية‪،‬‬ ‫األسواق المالية‪ .‬إنها ليست مسألة نظريات‬ ‫ّ‬ ‫أحد الدفاع عنها اليوم‪ ،‬إنما مسألة توغلهم‬ ‫قد ال يجرؤ ٌ‬ ‫يؤيدونه بالكالم‪،‬‬ ‫التطور‬ ‫في‬ ‫الفعلي لالقتصاد‪ .‬فالذين ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫إنتاج‬ ‫بحجم‬ ‫يؤيدونه باألفعال‪ ،‬عندما ال يبدون مهمومين‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫وبعناية مسؤولة بالبيئة‪،‬‬ ‫يع أفضل للثروات‪،‬‬ ‫سليم‪ ،‬وبتوز ٍ‬ ‫ِ‬ ‫وبحقو ِ‬ ‫يعبرون من خالل‬ ‫ق‬ ‫األجيال القادمة‪ .‬إنهم ّ‬ ‫التوصل إلى األرباح‬ ‫تصرفاتهم عن أن الهدف هو‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫القصوى‪ ،‬وهذا بالنسبة إليهم يكفي‪َّ .‬‬ ‫لكن منطق السوق‬ ‫ي الكامل وال التماسك‬ ‫وحده ال يضمن‬ ‫النمو البشر ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪103‬‬ ‫نسجل "نوعا من‬ ‫االجتماعي‪ .89‬في الوقت نفسه‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫المبدد والذي يتناقض‪،‬‬ ‫التطور‬ ‫االستهالكي الخارق و ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫بطريقة غير مقبولة‪ ،‬مع أوضاع مستمرة من البؤس‬ ‫الذي يسلب من اإلنسان إنسانيته"‪ ،90‬في حين أنه ال‬ ‫يتم بسرعة كافية تشكيل مؤسسات اقتصادية وبناء‬ ‫فقر أن يحصلوا على‬ ‫قنوات اجتماعية تسمح لألكثر ا‬ ‫األساسية بطريقة منتظّمة‪ّ .‬إننا لم ُن ِعر بعد‬ ‫الموارد‬ ‫ّ‬ ‫الحالية‪ ،‬والتي‬ ‫االهتمام بالجذور العميقة لالختالالت‬ ‫ّ‬ ‫بتوجه النمو التكنولوجي واالقتصادي وغاياته‬ ‫ترتبط‬ ‫ّ‬ ‫ومعناه وسياقه االجتماعي‪.‬‬ ‫ُّص التكنولوجي بحد ذاته يفرض‬ ‫‪ .110‬إن التخص َ‬ ‫صعوبة بالغة في الوصول لرؤية شاملة‪ .‬فتجزئة‬ ‫المعر ِ‬ ‫فة تحقق مهمتها عند الحصول على تطبيقات‬ ‫ملموسة‪ ،‬ولكنها غالبا ما تقود لفقدان المعنى الشامل‬ ‫للعالقات القائمة فيما بين األشياء‪ ،‬ولألفق األوسع‪،‬‬ ‫فيضحى المعنى بغير ذي قيمة‪ .‬إن هذا الفعل بحد ذاته‬ ‫ُ‬ ‫‪89‬‬ ‫را‪ .‬بندكتُس السادس عشر‪ ،‬الرسالة العامة المحبة في الحقيقة ‪Caritas in‬‬ ‫‪ 29( veritate‬يونيو‪/‬حزيران ‪ :35 ،)2009‬أعمال الكرسي الرسولي ‪101‬‬ ‫‪90‬‬ ‫(‪.671 ،)2009‬‬ ‫نفس المرجع‪.657 :22 ،‬‬ ‫‪104‬‬ ‫يحول دون إيجاد طرق مالئمة لحل المشاكل األكثر‬ ‫تعقيدا في العالم الحالي‪ ،‬وباألخص تلك المرتبطة‬ ‫بالبيئة وبالفقراء‪ ،‬والتي ال يمكن التطرق إليها بناء على‬ ‫وجهة نظر أحادية أو وفقا لنوع واحد من المصالح‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫حلول للمسائل الكبرى ينبغي عليه‬ ‫تقديم‬ ‫يدعي‬ ‫فعلم ّ‬ ‫َ‬ ‫بالضرورة أن يضع في الحسبان ما توصلت إليه‬ ‫المعرفة في مجاالت العلوم األخرى‪ ،‬بما في ذلك‬ ‫الفلسفة وعلم األخالق االجتماعية‪َّ .‬‬ ‫لكن هذه هي طريقة‬ ‫في التحرك يصعب اليوم المضي بها قُدما‪ .‬لهذا ال‬ ‫ٍ‬ ‫يمكن حتى التعرف على أف ٍ‬ ‫مرجعية حقيقية‪.‬‬ ‫ق أخالقية‬ ‫ِ‬ ‫للظروف التي تتحكم بها‬ ‫فتضحى الحياة مجرد رضوخ‬ ‫التقنية‪ ،‬والتي يتم اعتبارها كالوسيلة األساسية لتفسير‬ ‫ّ‬ ‫الوجود‪ .‬في الواقع الملموس‪ ،‬والذي يحثنا على التفكير‪،‬‬ ‫اض مختلفة تد ّل على وجود الخطأ‪ ،‬مثل‬ ‫تظهر أعر ٌ‬ ‫التردي البيئي‪ ،‬أو القلق أو فقدان معنى الحياة والعيش‬ ‫ّ‬ ‫ًّ‬ ‫أهم من‬ ‫سويا‪ .‬وهكذا نرى مرة أخرى أن "الواقع هو ّ‬ ‫الفكرة"‪.91‬‬ ‫‪91‬‬ ‫اإلرشاد الرسولي فرح اإلنجيل ‪ 24( ،Evangelii gaudium‬نوفمبر‪/‬تشرين‬ ‫الثاني ‪ :231 ،)2013‬أعمال الكرسي الرسولي ‪.1114 ،)2013( 105‬‬ ‫‪105‬‬ ‫‪ .111‬ال يمكن حصر الثقافة اإليكولوجية في سلسلة‬ ‫من األجوبة العاجلة والجزئية للمشاكل التي تظهر في‬ ‫مجال التدهور البيئي‪ ،‬ونفاذ المخزونات الطبيعية‪،‬‬ ‫والتلوث‪ .‬ينبغي أن تكون نظرة مختلفة‪ ،‬وفكر‪ ،‬وسياسة‪،‬‬ ‫ومنهج تعليمي‪ ،‬ونمط حياة وروحانية تستطيع أن تشكل‬ ‫مقاومة في وجه تقدم النموذج التكنوقراطي‪ .‬خالفا لذلك‪،‬‬ ‫فإن‪ ،‬حتى أفضل المبادرات اإليكولوجية‪ ،‬ستنتهي‬ ‫بالسقوط في نفس منطق العولمة‪ .‬فالبحث فقط عن‬ ‫عالج تقني‪ ،‬كلما برزت مشكلة بيئية‪ ،‬يعني الفصل بين‬ ‫أمور هي في الواقع متصلة‪ ،‬واخفاء مشاكل النظام‬ ‫العالمي الحقيقية واألكثر عمقا‪.‬‬ ‫‪ .112‬ما زال ممكنا‪ ،‬وبالرغم من ذلك‪ ،‬بسط رؤية‬ ‫رحبة مجددا‪ ،‬فالحرية اإلنسانية هي قادرة على وضع‬ ‫حدود للتقنية‪ ،‬وعلى توجيهها والتحكم بها لخدمة نوع‬ ‫سوية‪ ،‬وأكثر إنسانية‪ ،‬وأكثر‬ ‫آخر من التقدم‪ ،‬أكثر‬ ‫ّ‬ ‫مالئمة للمجتمع وأكثر شموال‪ .‬في الواقع يتحقق التحرر‬ ‫من النموذج التكنوقراطي السائد في بعض المناسبات‪.‬‬ ‫على سبيل المثال‪ ،‬عندما تختار جماعات من صغار‬ ‫ِ‬ ‫جين أنظمة تصنيع أ َق ّل تلويثا‪ ،‬داعمة لنموذج حياة‬ ‫المنت َ‬ ‫ُ‬ ‫استهالكي‪ .‬أو عندما يتم توجيه‬ ‫وتعايش وسعادة غير‬ ‫ّ‬ ‫‪106‬‬ ‫التقنية قبل كل شيء نحو حل مشاكل اآلخرين‬ ‫الملموسة‪ ،‬بإلتزٍام بمساعدتهم على العيش بمزيد من‬ ‫الكرامة وبمعاناة أقل‪ .‬وكذلك عندما تنجح األبحاث‬ ‫ِّعة‪ ،‬في‬ ‫ّ‬ ‫الم َوض َ‬ ‫الخالقة للجمال ولتأمله‪ ،‬بتخطي السلطة ُ‬ ‫نوع من الخالص‪ ،‬الذي يتحقق في الجمال وفي‬ ‫الشخص الذي يتأمل به‪ .‬إن البشرية األصيلة‪ ،‬والتي‬ ‫ِ‬ ‫ض ّم الحضا ِرة‬ ‫تدعو لصيغة جديدة‪ ،‬تبدو مستغرقة في خ َ‬ ‫ّ‬ ‫التكنولوجية بشكل تقريبا غير ُم ْد َر ٍك‪ ،‬كالضباب ال ّذي‬ ‫يتسرب من تحت باب مغلق‪ .‬فهل ستكون وعدا دائما‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫بالرغم من كل شيء‪ ،‬متدفقا كمقاومة عنيدة يتميز بها‬ ‫كل ما هو أصيل؟‬ ‫‪ .113‬من جهة أخرى‪ ،‬يبدو البشر اآلن وكأنهم ال‬ ‫يؤمنون بمستقبل سعيد‪ ،‬وال يثقون بشكل أعمى بغد‬ ‫أفضل‪ ،‬اعتمادا على أوضاع العالم الحالية وعلى‬ ‫القدرات التقنية القائمة‪ .‬هناك إدراك بأن إنجازات العلم‬ ‫والتقنية ليست على نفس مستوى تقدم البشرية والتاريخ‪،‬‬ ‫وشعور بأن الطرق األساسية للوصول إلى مستقبل‬ ‫يتصورن‬ ‫سعيد هي مختلفة‪ .‬لكنهم‪ ،‬وبالرغم من ذلك‪ ،‬ال‬ ‫ّ‬ ‫مجرد التخلي عن اإلمكانيات التي تقدمها التكنولوجيا‪.‬‬ ‫لقد تغيرت البشرية تغي ار عميقا‪ ،‬و َّ‬ ‫أدى تراكم االبتكارات‬ ‫‪107‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫اتجاه واحد‪ ،‬إلى‬ ‫هروب َي ُج ُّرنا‪ ،‬في‬ ‫المستمرة إلى تكريس‬ ‫السطحية‪ .‬وقد أصبح صعبا أن نتوقف السترجاع‬ ‫ّ‬ ‫المعنى العميق للحياة‪ .‬فإذا كانت الهندسة تعكس رو َح‬ ‫ٍ‬ ‫معين‪ ،‬فإن األبنية العمالقة والبيوت المتسلسلة‬ ‫عصر ّ‬ ‫الم َعولَ َمة‪ ،‬حيث االبتكارات‬ ‫ّ‬ ‫تعبر عن روح التقنية ُ‬ ‫المستمرة للمنتجات تتحد بضجر ثقيل‪ .‬علينا أال نستسلم‬ ‫لهذا‪ ،‬وأال نتخلّى عن التساؤل حول غايات ومعنى كل‬ ‫شيء‪ .‬خالفا لذلك‪ ،‬فإننا نضفي فقط الشرعية على‬ ‫لتحمل‬ ‫الوضع الراهن وسنحتاج إلى المزيد من البدائل‬ ‫ّ‬ ‫الفراغ‪.‬‬ ‫يضعنا أمام الحاجة الملحة‬ ‫‪ .114‬إن ما يحدث اآلن‬ ‫ُ‬ ‫إلى الشروع في ثورة ثقافية شجاعة‪ .‬إن العلم والتقنية‬ ‫ليسا حياديين‪ ،‬بل وبإمكانهما‪ ،‬منذ الشروع في عملية ما‬ ‫وحتى نهايتها‪ ،‬تطبيق نوايا وامكانيات مختلفة‪ ،‬والتش ّكل‬ ‫بطرق مختلفة‪ .‬ما من ٍ‬ ‫يدعي أنه يريد العودة إلى‬ ‫أحد ّ‬ ‫العصر الحجري‪ ،‬ولكن ال َّ‬ ‫بد من إبطاء سرعة السير‪،‬‬ ‫لرؤية الواقع بطريقة مختلفة‪ ،‬وجمع التطورات اإليجابية‬ ‫ِ‬ ‫األهداف‬ ‫القيم و‬ ‫والمستدامة‪ ،‬وفي الوقت عينه استعادة ّ‬ ‫العظيمة التي دمرها جنون العظمة‪.‬‬ ‫‪108‬‬ ‫‪ .III‬أزمة ونتائج المركزية األنثروبية‪ ix‬الحديثة‬ ‫‪ .115‬لقد انتهى األمر بالمركزية األنثروبية الحديثة‪،‬‬ ‫بشكل متناقص‪ ،‬إلى تغليب منطق التقنية على الواقع‪،‬‬ ‫ألن الكائن البشري "لم يعد يشعر بالطبيعة كقانون‬ ‫ًّ‬ ‫عمليا‪،‬‬ ‫صالح‪ ،‬وال كملجأ يمكن العيش فيه‪ .‬بل يراها‬ ‫وبدون أية اعتبارات أخرى‪ ،‬كمكان وكمادة يحقق فيهما‬ ‫عمال ما‪ ،‬قد يضع فيه كل شيء‪ ،‬دون االكتراث بما‬ ‫ينجم من نتائج"‪ .92‬بهذا الشكل‪ ،‬يتم تقليص القيمة‬ ‫الذاتية للعالم‪ .‬لكن الكائن البشري ما لم يكتشف مكانه‬ ‫الحقيقي مجددا‪ ،‬فهو لن يفهم نفسه بطريقة مناسبة‪،‬‬ ‫وسينتهى به األمر إلى مناقضة واقعه الخاص‪" .‬ليس‬ ‫فقط األرض هي التي وهبها اهللُ لإلنسان‪ ،‬والذي عليه‬ ‫أن يستخدمها ملتزما باإلرادة األولى الصالحة التي بها‬ ‫بت له؛ وانما اإلنسان و ِهب من اهلل لنفسه‪ ،‬ولذا فعلَ ِ‬ ‫يه‬ ‫و ِه ْ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫احترام الكيان الطبيعي واألخالقي الذي خصه اهلل‬ ‫به"‪.93‬‬ ‫‪92‬‬ ‫رومانو غوارديني‪ ،‬نهاية العصر الحديث ‪ ،Das Ende der Neuzeit‬ورزبرغ‬ ‫‪.63 ،19659‬‬ ‫‪ 93‬يوحنا بولس الثاني‪ ،‬الرسالة العامة السَّنة ِ‬ ‫المئَة ‪1( Centesimus annus‬‬ ‫مايو‪/‬آيار ‪ :38 ،)1991‬أعمال الكرسي الرسولي ‪.841 )1991( 83‬‬ ‫‪109‬‬ ‫‪ .116‬لُوحظ في الحداثة مبالغة شديدة بالمركزية‬ ‫األنثروبية والتي اليوم‪ ،‬تحت أقنعة أخرى‪ ،‬ما زالت تهدد‬ ‫ّأية مرجعية مشتركة وأية محاولة لتعزيز األواصر‬ ‫مجددا إلى‬ ‫الوقت لالنتباه‬ ‫حان‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫االجتماعية‪ .‬لهذا فقد َ‬ ‫ضها‪ ،‬والتي تُ ِّ‬ ‫شك ُل بِ ِ‬ ‫الواقع وبالحدود التي ِ‬ ‫دورها‬ ‫يفر ُ‬ ‫ٍ‬ ‫أكثر متانة وخصوبة‪.‬‬ ‫إنساني و‬ ‫تطور‬ ‫إمكانيةَ‬ ‫اجتماعي َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫غير المناسب لألنتروبولوجية‬ ‫لقد انتهى العرض‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫عالقة الكائن‬ ‫بدعم مفهوم خاطئ بشأن‬ ‫المسيحية‬ ‫وكثير ما تم تناقل حلم بروموتي‬ ‫ا‬ ‫البشري بالعالم‪.‬‬ ‫‪x‬‬ ‫(‪ )promethean‬بالسيطرِة على العالم‪ ،‬والذي قد أنتج‬ ‫انطباعا بأن رعاية الطبيعة هو أمر يخص الضعفاء‪.‬‬ ‫كسي ِد‬ ‫بينما التفسير الصحيح لمفهوم الكائن البشري‬ ‫ّ‬ ‫المدبر المسؤول‬ ‫الكون هو بمعني أنه ُ‬ ‫‪.94‬‬ ‫‪ .117‬إن غياب االهتمام بقياس األضرار التي أ ِ‬ ‫ُلحقَت‬ ‫بالطبيعة والتأثير البيئي للق اررات‪ ،‬هو فقط االنعكاس‬ ‫الواضح لعدم االكتراث بإدراك الرسالة التي تحملها‬ ‫‪94‬‬ ‫را‪ .‬إعالن محبة الخليقة‪ .‬إجابة آسيوية عن األزمات البيئية‬ ‫‪Love for‬‬ ‫‪ ،Creation. An Asian Response to the Ecological Crisis‬لقاء‬ ‫نظمه اتحاد مجلس األساقفة األسيوي (تاجايتاي‪ 31 ،‬يناير‪/‬كانون الثاني ‪5 -‬‬ ‫فبراير‪/‬شباط ‪.2 .3 .3 ،)1993‬‬ ‫‪110‬‬ ‫الطبيعة والمحفورة في ذات مكوناتها‪ .‬فعندما ال نفطن‬ ‫في الواقع ذاته إلى أهمية فقير‪ ،‬وجنين بشري‪ ،‬وشخص‬ ‫ُمعاق‪- ،‬على سبيل المثال فقط‪ ،-‬فسيكون من الصعب‬ ‫اإلصغاء لصرخات الطبيعة نفسها‪ .‬إن كل شيء هو‬ ‫متّصل‪ .‬فإذا أعلن الكائن البشري أنه مستقل عن الواقع‬ ‫وينصِّب نفسه ِ‬ ‫حاكما ُمطلقا‪ ،‬فإن أساس وجوِده ذاته‬ ‫ُ‬ ‫ينهار‪ ،‬ألنه "بدال من القيام بدوره كمعاون هلل في عمل‬ ‫الخلق‪ ،‬فإنه يضع نفسه مكان اهلل ويتسبب بهذا بتمرد‬ ‫الطبيعة"‪.95‬‬ ‫‪ .118‬يحملنا هذا الوضع إلى انفصام دائم في‬ ‫الشخصية‪ ،‬يبدأ بتمجيد التكنوقراطية التي ال تعترف‬ ‫بالقيمة الخاصة لبقية الكائنات‪ ،‬وصوال إلى ردة الفعل‬ ‫التي تنفي كل قيمة خاصة للكائن البشري‪ .‬بيد أنه ال‬ ‫يمكن إغفال البشرية‪ .‬ولن يكون هناك وجود لعالقة‬ ‫جديدة مع الطبيعة بدون كائن بشري جديد‪ .‬وال وجود‬ ‫إليكولوجية بدون أنتروبولوجية مالئمة‪ .‬فعندما ُيعتبر‬ ‫الشخص البشري مجرد كائن من بين الكائنات‪ ،‬وليدا‬ ‫للعبة الصدفة أو نتاجا للحتمية المادية‪" ،‬فإننا نخاطر‬ ‫‪ 95‬يوحنا بولس الثاني‪ ،‬الرسالة العامة السَّنة ِ‬ ‫المئَة ‪1( Centesimus annus‬‬ ‫مايو‪/‬آيار ‪ :37 ،)1991‬أعمال الكرسي الرسولي ‪.840 )1991( 83‬‬ ‫‪111‬‬ ‫بإضعاف الوعي بالمسؤولية داخل األشخاص"‪ .96‬فال‬ ‫يجب بالضرورة لمركزية أنثروبية منحرفة أن تترك‬ ‫المجال لنظرية مركزية الحياة "البيوسنتريزم"‪ ،xi‬ألن هذا‬ ‫يعني إدخال اختالل آخر‪ ،‬لن يعمل فقط على حل‬ ‫المشاكل وانما سيزيدها تعقيدا‪ .‬ال يمكن مطالبة الكائن‬ ‫البشري بإلتزام تجاه العالم‪ ،‬دون االعتراف بقدراته‬ ‫الخاصة في المعرفة واإلرادة والحرية والمسؤولية‪ ،‬وفي‬ ‫ذات الوقت إبراز قيمتها‪.‬‬ ‫‪ .119‬إن انتقاد المركزية األنثروبية المنحرفة ال ينبغي‬ ‫أن يضع قيمة العالقات بين األشخاص في المرتبة‬ ‫الثانية‪ .‬فإذا كانت األزمة اإليكولوجية هي الظهور أو‬ ‫التعبير الخارجي عن األزمة األخالقية والثقافية‬ ‫والروحية للحداثة‪ ،‬فإنه ال يمكننا أن نتوقع إعادة ِ‬ ‫بناء‬ ‫دون معالجة جميع‬ ‫عالقَتنا مع الطبيعة ومع البيئة َ‬ ‫الفكر‬ ‫العالقات اإلنسانية األساسية‪ .‬فعندما ُيطالب‬ ‫ُ‬ ‫المسيحي بإعطاء الكائن البشري قيمة خاصة تفوق‬ ‫ُّ‬ ‫سائر المخلوقات‪ ،‬فهو يعطي قيمة لكل شخص إنساني‪،‬‬ ‫اف باآلخر‪ .‬إن االنفتاح على‬ ‫ويحفز بالتالي االعتر َ‬ ‫‪96‬‬ ‫بندكتُس السادس عشر‪ ،‬رسالة بمناسبة اليوم العالمي للسالم ‪ :2 ،2010‬أعمال‬ ‫الكرسي الرسولي ‪.41 ،)2010( 102‬‬ ‫‪112‬‬ ‫"أنت" القادر على أن يعرف وأن يحب وأن يتحاور‪،‬‬ ‫النبل األعظم في الشخص البشري‪ .‬لهذا السبب‪،‬‬ ‫يبقى ُ‬ ‫كي يتم الوصول إلى عالقة مالئمة مع المخلوقات‪،‬‬ ‫ليس هناك حاجة إلضعاف ب ِ‬ ‫عد الكائن البشري‬ ‫ُ‬ ‫االجتماعي وال حتى ُبعده السامي‪ ،‬أي انفتاحه على‬ ‫الـ"أنت" االلهي‪ .‬في الواقع‪ ،‬ال يمكن اقتراح عالقة مع‬ ‫غفل العالقات مع األشخاص اآلخرين ومع اهلل‪.‬‬ ‫البيئة تُ َ‬ ‫ي‬ ‫مثل هذا سيكون نزعة فردية رومانسية‪ ،‬متن ّكرة في ز ّ‬ ‫ٍ‬ ‫جمال إيكولوجي‪ ،‬بل وانغالقا خانقا للذات في‬ ‫المحايثة‪.xii‬‬ ‫‪ .120‬وبما أن كل شيء هو متصل‪ ،‬فإنه ال يمكن‬ ‫التوفيق بين الدفاع عن الطبيعة وتبرير اإلجهاض‪ .‬فال‬ ‫أمر ًّ‬ ‫عمليا انتهاج مسيرة تعليمية الستقبال الضعفاء‬ ‫يبدو ا‬ ‫الذين حولنا‪ ،‬والذي أحيانا يضايقوننا أو يزعجوننا‪،‬‬ ‫عندما ال نقدم حماية للجنين البشري‪ ،‬حتى ولو كان‬ ‫مجيئه سيسبب مضايقات وصعوبات‪" :‬إن فُِق َد‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫اإلحساس الشخصي واالجتماعي تجاهَ ُّ‬ ‫حياة‬ ‫تقبل‬ ‫ُ‬ ‫‪113‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫جديدة‪ ،‬جفَّ ْ‬ ‫ت أشكا ٌل أخرى من الترحيب بما هو نافعٌ‬ ‫ِ‬ ‫للحياة االجتماعية"‪.97‬‬ ‫الجدلية‬ ‫‪ .121‬يبقى أمر تطوير صيغة جديدة تتخطّى‬ ‫ّ‬ ‫المزّيفة للقرون األخيرة في حالة ترقب‪ .‬إن المسيحية‬ ‫نفسها‪ ،‬ببقائها أمينة لهويتها ولكنز الحقيقة الذي تسلمته‬ ‫من يسوع المسيح‪ ،‬تعيد باستمرار التفكير في نفسها‪،‬‬ ‫والتعبير مجددا عن ذاتها‪ ،‬في الحوار مع األوضاع‬ ‫التاريخية الجديدة‪ِ ،‬‬ ‫سام َحة هكذا لجديدها األبدي بأن‬ ‫يسطع دائما‪.98‬‬ ‫النسبوية العملية‬ ‫‪ .122‬تؤدي المركزية األنثروبية المنحرفة إلى نمط‬ ‫حياة منحرف‪ .‬وقد أشرت في اإلرشاد الرسولي فرح‬ ‫تميز عصرنا‪،‬‬ ‫اإلنجيل إلى النسبوية‬ ‫العمالنية التي ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪97‬‬ ‫نفس الكاتب‪ ،‬الرسالة العامة المحبة في الحقيقة ‪29( Caritas in veritate‬‬ ‫‪98‬‬ ‫را‪ .‬فينشنسو الليرينسي‪ ،‬التفسير األول ‪ ،Commonitorium primum‬الفصل‬ ‫يونيو‪/‬حزيران ‪ :28 ،)2009‬أعمال الكرسي الرسولي ‪.663 ،)2009( 101‬‬ ‫‪ :23‬مجموعة آباء الكنيسة الالتينية ‪Ut annis scilicet " :668 ،50‬‬ ‫‪."consolidetur, dilatetur tempore, sublimetur aetate‬‬ ‫‪114‬‬ ‫والتي هي "أخطر من النسبوية العقيدية"‪ .99‬فعندما‬ ‫نفسه في المركز‪ ،‬ينتهي به األمر‬ ‫يضع الكائن البشري َ‬ ‫بإعطاء األولوية المطلقة لمصالحه الظرفية‪ ،‬ويصبح‬ ‫كل الباقي ًّ‬ ‫يتطور‬ ‫نسبيا‪ .‬لهذا‪ ،‬يجب أال نندهش من أن َّ‬ ‫لدى األشخاص‪ ،‬مع الحضور الطاغي للنموذج‬ ‫التكنولوجي وعبادة السلطة البشرية غير المحدودة‪ ،‬التي‬ ‫فيها كل ما ال يخدم المصالحة الشخصية الفورية يصبح‬ ‫يسمح بِ ِ‬ ‫فهم كيف تتغ ّذى‪،‬‬ ‫بال قيمة‪ .‬في هذا منطق‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫نفس‬ ‫اقف المختلفة المسببة في‬ ‫بصورة متبادلة‪ ،‬المو ُ‬ ‫التردي البيئي واالجتماعي‪.‬‬ ‫الوقت ب ّ‬ ‫‪ .123‬إن ثقافة النسبوية هي ذات المرض الذي يدفع‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫كمجرِد‬ ‫شخص آخر‪ ،‬ولمعاملتِ ِه‬ ‫الستغالل‬ ‫شخصا‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫محوال إياه إلى‬ ‫شيء‪ُ ،‬مجبِ ار إياه على‬ ‫أعمال شاقة‪ ،‬أو ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫عبد بسبب َد ٍ‬ ‫ين ما‪ .‬إنه ذات المنطق الذي يدفع‬ ‫ًّ‬ ‫جنسيا‪ ،‬ولهجر المسنين الذين ال‬ ‫الستغالل األطفال‬ ‫يخدمون المصالح الشخصية‪ .‬هو أيضا المنطق‬ ‫لم ْن يؤكد‪« :‬لندع قوى السوق الخفية‬ ‫الداخلي نفسه َ‬ ‫تنظّم االقتصاد‪ ،‬ألن تأثيراتها على المجتمع وعلى‬ ‫‪99‬‬ ‫رقم ‪ :80‬أعمال الكرسي الرسولي ‪.1053 ،)2013( 105‬‬ ‫‪115‬‬ ‫مفر منها»‪ .‬إن لم يكن هناك‬ ‫الطبيعة هي أضرار ال ّ‬ ‫حقائق موضوعية ومبادئ ثابتة‪ ،‬تتخطى إرضاء‬ ‫المشاريع الخاصة والحاجات الفورية‪ ،‬فما من حدود‬ ‫يمكنها أن تحد أبدا من االتجار بالبشر‪ ،‬ومن جماعات‬ ‫اإلجرام المنظمة‪ ،‬ومن تهريب المخدرات‪ ،‬ومن التجارة‬ ‫الدموية باأللماس وجلود الحيوانات التي هي في خطر‬ ‫يبرُر‬ ‫االنقراض؟ أوليس المنطق عينه هو الذي َّ‬ ‫الحصول على أعضاء الفقراء بهدف اإلتِّجار بها أو‬ ‫ِ‬ ‫األطفال الذين‬ ‫استعمالِها في التجارب‪ ،‬أو التخلص من‬ ‫ال يلبون رغبة أهلهم؟ إنه نفس منطق «استعمل و ِ‬ ‫ارم»‬ ‫الكثير من النفايات لمجرد الرغبة المنحرفة‬ ‫الذي ُينتج‬ ‫َ‬ ‫في استهالك أكثر مما هو حقا ضروري‪ .‬لذا ال يمكننا‬ ‫االعتقاد بأن البرامج السياسية او قوة القانون ستكون‬ ‫ضرة بالبيئة؛ ألنه عندما‬ ‫الم ّ‬ ‫كافية لمنع التصرفات ُ‬ ‫تصاب الثقافةُ بالفساد‪ ،‬وعندما نصبح غير قادرين بعد‬ ‫على االعتراف بأي حقيقة موضوعية أو بأي مبادئ‬ ‫صالحة على المستوى العالمي‪ ،‬فإن القوانين ستعتبر‬ ‫ٍ‬ ‫كشروط مفروضة وتعسفية وكعقبات يجب تجنبها‪.‬‬ ‫‪116‬‬ ‫ضرورة حماية العمل‬ ‫‪ .124‬في أي إعداد إليكولوجية شاملة‪ ،‬ال تستثني‬ ‫بد من إدخال قيمة العمل‪ ،‬وهو‬ ‫الكائن البشري‪ ،‬ال ّ‬ ‫موضوع قد تطرق له بحكمة كبيرة القديس يوحنا بولس‬ ‫الثاني في رسالته العامة من خالل العمل ( ‪Laborem‬‬ ‫‪ .)Exercens‬لنذكر أن اهلل‪ ،‬بحسب الرواية الكتابية‬ ‫وضع الكائن البشري في الجنة‪ ،‬التي كان قد‬ ‫للخلق‪ ،‬قد‬ ‫َ‬ ‫خلقها للتو(را‪ .‬تك ‪ ،)15 ،2‬ليس فقط كي يرعى ما هو‬ ‫ثمار‬ ‫ا‬ ‫موجود (يحرس)‪ ،‬وانما ليعمل فيه فيعطي‬ ‫الخليقَةَ‬ ‫العما ُل والحرفيون ُ"يثََبتون َ‬ ‫(يحرث)‪ .‬هكذا ُ‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫األ ََبدَّية" (سي ‪ .)34 ،38‬في الواقع‪ ،‬التدخل البشر ّ‬ ‫بتطور متزن للخليقة‪ ،‬هو الطريق األكثر‬ ‫الذي يسمح‬ ‫ّ‬ ‫ُمالئمة لرعايتها‪ ،‬ألنه يجعل منا أدوات هلل تساعد في‬ ‫"الر ُّ‬ ‫ب‬ ‫إبراز القدرات التي وضعها اهلل نفسه في األشياء‪َّ :‬‬ ‫الر ُج ُل الفَ ِط ُن ال َيستَ ِخ ُّ‬ ‫َخرج األ ِ‬ ‫ف‬ ‫َدوَيةَ ِم َن األَرض و َّ‬ ‫أ َ‬ ‫بها" (سي ‪.)4 ،38‬‬ ‫‪ .125‬إذا أردنا التفكير في العالقات التي يمكن أن‬ ‫تكون مالئمة للكائن البشري مع العالم الذي يحيط به‪،‬‬ ‫تظهر الحاجة لتحديد مفهوم صحيح للعمل‪ ،‬ألننا‪ ،‬إذا‬ ‫تكلمنا عن عالقة الكائن البشري باألشياء‪ ،‬فإن السؤال‬ ‫‪117‬‬ ‫يطرح نفسه عن معنى وهدف العمل اإلنساني على‬ ‫أرض الواقع‪ .‬وهنا ال نتكلم فقط عن العمل اليدوي أو‬ ‫عن العمل في األرض‪ ،‬وانما عن أي نشاط يؤول إلى‬ ‫تحويل ما هو موجود‪ ،‬من اإلعداد لدراسة اجتماعية‬ ‫وحتى الوصول إلى التخطيط لتطور تكنولوجي‪ .‬فأي‬ ‫شكل من أشكال العمل يفترض وجود مفهوم حول‬ ‫العالقة التي يمكن للكائن البشري أو يجب عليه أن‬ ‫يقيمها مع آخر في ذاته‪ .‬إن الروحانيةَ المسيحيةَ‪ ،‬جنبا‬ ‫إلى جنب مع االندهاش التأملي بالمخلوقات الذي نجده‬ ‫طوَرت فهما غنيًّا‬ ‫لدى القديس فرنسيس األسيزي‪ ،‬قد ّ‬ ‫وصالحا للعمل‪ ،‬كما يمكننا أن نراه‪ ،‬مثال‪ ،‬في حياة‬ ‫الطوباوي شارل دي فوكو ( ‪Charles de‬‬ ‫‪ )Foucauld‬وتالميذه‪.‬‬ ‫‪ .126‬لنقطف شيئا أيضا من التقليد الرهباني الطويل‪.‬‬ ‫في البدء لجأت الحياةُ الرهبانية بشكل ما إلى الهروب‬ ‫من العالم‪ ،‬في محاولة لإلفالت من االنحطاط‬ ‫الحضري‪ .‬لهذا كان الرهبان يبحثون عن البرية‪،‬‬ ‫مقتنعين بأنها المكان المناسب للتعرف على حضور‬ ‫اهلل‪ .‬ثم بعد ذلك أراد القديس بندكتُس النيرسي أن يعيش‬ ‫رهبانه في جماعة‪ ،‬رابطين بين الصالة والمطالعة‬ ‫‪118‬‬ ‫ثم‬ ‫والعمل اليدوي "عبادة وعمل" (‪َّ .)Ora et labora‬‬ ‫روحيا‪،‬‬ ‫تشرب معنى‬ ‫تبين أن إدخال العمل اليدوي‪ ،‬وقد َّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أمر ثورًّيا‪ .‬فقد علّم كيفية البحث عن النضج‬ ‫كان ا‬ ‫والتقديس من خالل التزاوج بين التأمل والعمل‪ .‬إن هذه‬ ‫أكثر انتباها واحتراما للبيئة‬ ‫الطريقة لعيش العمل تجعلُنا َ‬ ‫ِ‬ ‫ب عالقتَنا بالعالم بقناعة سليمة‪.‬‬ ‫وتُخص ُ‬ ‫"اإلنسان هو مؤلف ومركز‬ ‫‪ .127‬قد سبق وُق َلنا إن‬ ‫َ‬ ‫وغاية الحياة االقتصادية واالجتماعية بأسرها"‪ .100‬على‬ ‫الرغم من ذلك‪ ،‬عندما يفقد الكائن البشري القدرة على‬ ‫التأمل وعلى االحترام‪ ،‬حينها تنشأ الظروف المالئمة‬ ‫كي يتم تشويه معنى العمل‪ .101‬من المفيد دائما تذ ّكر‬ ‫أن الكائن البشري هو‪ ،‬في الوقت ذاته‪" ،‬قادر على أن‬ ‫ٍ‬ ‫تحسن لرخائه المادي‪ ،‬وتقدمه‬ ‫يكون هو بنفسه عامل‬ ‫األخالقي‪ ،‬وتفتحه الروحي"‪ .102‬ينبغي أن يكون العمل‬ ‫توضعُ على‬ ‫مكان هذا التطور ال ّشخصي المتعدد‪ ،‬حيث َ‬ ‫‪100‬‬ ‫المجمع الفاتيكاني الثاني‪ ،‬الدستور الرعائي فرح ورجاء ‪،Gaudium et spes‬‬ ‫‪101‬‬ ‫ار‪ .‬يوحنا بولس الثاني‪ ،‬الرسالة العامة السَّنة ِ‬ ‫المئَة ‪1( Centesimus annus‬‬ ‫‪102‬‬ ‫بولس السادس‪ ،‬الرسالة العامة ترقي الشعوب ‪Populorum progressio‬‬ ‫حول الكنيسة في عالم اليوم‪.63 ،‬‬ ‫مايو‪/‬آيار ‪ :37 ،)1991‬أعمال الكرسي الرسولي ‪.840 ،)1991( 83‬‬ ‫(‪ 26‬مارس‪/‬أذار ‪ :34 ،)1967‬أعمال الكرسي الرسولي ‪.274 ،)1967( 59‬‬ ‫‪119‬‬ ‫اِ‬ ‫ك أبعاد عديدة من الحياة‪ :‬اإلبداع‪ ،‬والتخطيط‬ ‫لم َح ّ‬ ‫للمستقبل‪ ،‬وتطور القدرات‪ ،‬وممارسة القيم‪ ،‬والتواصل‬ ‫مع اآلخرين‪ ،‬وموقف عبادة‪ .‬لهذا فإن الواقع االجتماعي‬ ‫العالمي الحالي‪ ،‬وبغض النظر عن المصالح المحدودة‬ ‫للشركات وعن عقالنية اقتصادية قابلة للنقاش‪ ،‬يجب‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫"أن يو َ‬ ‫لسعي‪ ،‬كأولوية‪ ،‬بهدف أن يحص َل الجميعُ‬ ‫اص َل ا ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫العمل"‪.103‬‬ ‫فرص‬ ‫على‬ ‫‪ .128‬إننا مدعوون للعمل منذ أن ُخلِقنا‪ .‬فال يجب‬ ‫السعي باستمرار الستبدال العمل البشري بالتقدم‬ ‫التكنولوجي‪ :‬ألنه بهذه الطريقة ستُدمر البشريةُ نفسَّها‬ ‫بنفسِّها‪ .‬العمل هو ضرورة‪ ،‬إنه جزء من معنى الحياة‬ ‫وللتطور اإلنساني‬ ‫على هذه األرض‪ ،‬وهو درب للنضوج‬ ‫ّ‬ ‫ولتحقيق الذات‪ .‬بهذا المعنى‪ ،‬يجب أن تبقى مساعدة‬ ‫الفقراء بالمال عالجا مؤقتا لمواجهة الحاالت الطارئة‪.‬‬ ‫المقصد الحقيقي هو السماح لهم بأن يعيشوا بكرامة عن‬ ‫ُ‬ ‫عزز نوعا من‬ ‫توجه االقتصاد قد ّ‬ ‫طريق العمل‪ .‬بيد أن ّ‬ ‫التقدم التكنولوجي من أجل تخفيض تكاليف اإلنتاج عن‬ ‫ّ‬ ‫‪103‬‬ ‫بندكتُس السادس عشر‪ ،‬الرسالة العامة المحبة في الحقيقة‬ ‫‪Caritas in‬‬ ‫‪ 29( veritate‬يونيو‪/‬حزيران ‪ :32 ،)2009‬أعمال الكرسي الرسولي ‪101‬‬ ‫(‪.666 ،)2009‬‬ ‫‪120‬‬ ‫طريق تخفيض عدد الموظّفين‪ ،‬والذين يتم استبدالهم‬ ‫باآلالت‪ .‬إنه مثال آخر ُيظهر كيف يمكن لعمل الكائن‬ ‫البشري أن ينقلب عليه نفسه‪ .‬إن تخفيض عدد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫التآكل‬ ‫خالل‬ ‫اقتصادي سلبي‪ ،‬من‬ ‫"أثر‬ ‫ٌّ‬ ‫الوظائف له ٌ‬ ‫ِ‬ ‫التدريجي لـ «ر ِ‬ ‫لمجموعة‬ ‫أس المال االجتماعي»‪ ،‬أي‬ ‫األمانة‪ ،‬واحترِام القو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اعد‬ ‫الثقة و‬ ‫المبنية على‬ ‫العالقات‬ ‫الضرورية ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫تعايش مدني"‪ .104‬ومن المؤكد أن‬ ‫لكل‬ ‫اإلخفاق‬ ‫تكاليف اقتصاديةٌ و‬ ‫"التكاليف البشرية هي دائما‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫تكاليف بشر ٍ‬ ‫ية"‪ .105‬إن‬ ‫االقتصادي ينطوي دائما على‬ ‫َ‬ ‫التوقّف عن االستثمار في األشخاص بهدف رفع‬ ‫ي هو صفقة رديئة للمجتمع‪.‬‬ ‫المردود الفور ّ‬ ‫‪ .129‬كي يستمر ممكنا تقديم فرص عمل‪ ،‬ينبغي‬ ‫ٍ‬ ‫المتنوع واإلبداع‬ ‫يشجعُ اإلنتاج‬ ‫اقتصاد‬ ‫تعزيز‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫كبير في‬ ‫تنوعٌ ٌ‬ ‫التصنيعي‪ .‬على سبيل المثال‪ ،‬هناك ّ‬ ‫ِ‬ ‫الغذائية الزراعية‪ ،‬صغيرة الحجم‪ ،‬التي ال تزال‬ ‫النظم‬ ‫ِ‬ ‫لغالبية س ّك ِ‬ ‫ان العالم‪ُ ،‬مستَغلة مساحات‬ ‫الغذاء‬ ‫تؤم ُن‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫محدودة من األراضي ومن المياه ومنتجة نفايات أقل‪،‬‬ ‫سواء في قطع صغيرة من األراضي الزراعية والحدائق‪،‬‬ ‫‪104‬‬ ‫‪105‬‬ ‫نفس المرجع‪.‬‬ ‫نفس المرجع‪.‬‬ ‫‪121‬‬ ‫كما في الصيد وفي جني منتجات الغابات‪ ،‬وصيد‬ ‫األسماك الحرفي‪ .‬إن اقتصاديات السعة‪ ،xiii‬وباألخص‬ ‫في قطاع الزراعة‪ ،‬تنتهي بإرغام صغار المزارعين على‬ ‫تبي َن‬ ‫بيع أراضيهم أو هجر طرق زراعتهم التقليدية‪ .‬وقد ّ‬ ‫ٍ‬ ‫أشكال‬ ‫للتوجه نحو‬ ‫في نهاية األمر أن محاولة بعضهم‬ ‫ّ‬ ‫تنوعا‪ ،‬هو توجه غير نافع‬ ‫أُخرى من اإلنتاج‪ ،‬أكثر ّ‬ ‫بسبب صعوبة الوصول إلى األسواق المحلية والعالمية‬ ‫أو ألن البنية التحتية للبيع وللنقل هي في خدمة‬ ‫المشاريع الكبرى‪ .‬لدى السلطات الحق والمسؤولية في‬ ‫تبني تدابير واضحة وثابتة لدعم صغار المنتجين‬ ‫والتنوع اإلنتاجي‪ .‬فلكي يكون هناك حرية اقتصادية‬ ‫يستفيد منها الجميع‪ ،‬يتحتم في بعض األحيان وضع‬ ‫حدود لمن يمتلكون القدر األكبر من الوسائل وسلطة‬ ‫مالية‪ .‬إن مجرد التغني بالحرّية االقتصادية‪ ،‬بينما في‬ ‫الواقع تمنع األوضاع الحقيقية الكثيرين من الوصول‬ ‫إليها‪ ،‬وبالتالي تضاؤل فرص العمل‪ ،‬هو ِخطاب‬ ‫متناقض ُيلحق العار بالسياسة‪ .‬إن النشاطات التجارية‪،‬‬ ‫والتي هي دعوة نبيلة تهدف إلنتاج الغنى واصالح‬ ‫العالم من أجل الجميع‪ ،‬بإمكانها أن تكون طريقة مثمرة‬ ‫لتطوير المنطقة التي تقوم عليها األنشطة التجارية‪ ،‬ال‬ ‫‪122‬‬ ‫سيما إذا أدراك المرء أن خلق فرص عمل هو جزء ال‬ ‫ينفصل عن خدمته للخير العام‪.‬‬ ‫االبتكار البيولوجي انطالقا من البحوث‬ ‫‪ .130‬في النظرة الفلسفية والالهوتية للكائن البشري‬ ‫وللخليقة‪ ،‬والتي حاولت تقديمها‪ ،‬يظهر جليًّا أن‬ ‫الشخص البشري‪ ،‬بفرادة عقله ووعيِّه‪ ،‬ليس عامال‬ ‫ًّ‬ ‫خارجيا ينبغي إقصاؤه كليًّا‪ .‬غير أن التعليم المسيحي‬ ‫(للكنيسة الكاثوليكية) ‪-‬حتى ولو تمكن الكائن البشري‬ ‫من التدخل في عالم النبات والحيوان واستخدامه عند‬ ‫حاجته له في حياته‪ -‬يعلم أن إجراء التجارب على‬ ‫"بقي داخل حدود‬ ‫الحيوانات هو أمر شرعي فقط‪ ،‬إن َّ‬ ‫معقولة وساهم في رعاية أو إنقاذ األرواح البشرية"‪.106‬‬ ‫ويذ ّكر بحزم أن للسلطة البشرية حدودا وأن "تعذيب‬ ‫الحيوانات ُسدى وهدر حياتها‪ ،‬يتعارضان والكرامة‬ ‫‪106‬‬ ‫التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية‪.2417 ،‬‬ ‫‪123‬‬ ‫اإلنسانية"‪ .107‬إن أية تجارب على الخليقة أو أي‬ ‫دينيا لسالمتها" ‪.108‬‬ ‫استخدام لها "يقتضي احتراما ّ‬ ‫‪ .131‬أريد أن استشهد هنا بالمو ِاقف المتزنة للقديس‬ ‫يوحنا بولس الثاني‪ ،‬والذي َّ‬ ‫التقدم‬ ‫وضح خاللها فوائد‬ ‫ّ‬ ‫ظهر ُنب َل دعوِة اإلنسان في‬ ‫العلمي والتكنولوجي‪ ،‬التي "تُ ُ‬ ‫الخالق"‪ ،‬ولكنه َّ‬ ‫المشاركة المسؤولة في ِ‬ ‫ذك َر‬ ‫عمل اهلل‬ ‫ّ‬ ‫أيضا‪ ،‬في الوقت عينه‪ ،‬كيف أن "أي تدخل في مجال‬ ‫ما من النظام البيئي ال يمكن أن يعتق نفسه من‬ ‫مسؤولية األخذ بعين االعتبار عواقبها في مجاالت‬ ‫أخرى"‪ .109‬وقد َّ‬ ‫تقدر المساهمة‬ ‫شدد على أن الكنيسة ّ‬ ‫التي تقدمها "دراسة وتطبيقات البيولوجيا الجزيئية‪ ،‬وما‬ ‫تخصصات أخرى مثل علم الوراثة وتطبيقه‬ ‫يكملها من‬ ‫ّ‬ ‫التكنولوجي في الزراعة والصناعة"‪ .110‬كما أ ّكد أيضا‬ ‫أن هذا ال ينبغي أن يؤدي إلى "التالعب الجيني‬ ‫‪107‬‬ ‫نفس المرجع‪.2418 ،‬‬ ‫‪109‬‬ ‫يوحنا بولس الثاني‪ ،‬رسالة بمناسبة اليوم العالمي للسالم ‪ :6 ،1990‬أعمال‬ ‫‪110‬‬ ‫نفس الكاتب‪ ،‬خطاب أمام األكاديمية البابوية للعلوم (‪ 3‬اكتوبر‪/‬تشرين األول‬ ‫‪108‬‬ ‫نفس المرجع‪.2415 ،‬‬ ‫الكرسي الرسولي ‪.150 )1990( 82‬‬ ‫‪ :3 ،)1981‬تعاليم ‪.333 ،(1981) 2/4‬‬ ‫‪124‬‬ ‫العشوائي"‬ ‫‪111‬‬ ‫والذي يتجاهل التأثيرات السلبية لهذه‬ ‫التدخالت‪ .‬ال يمكن خنق األبداع البشري‪ .‬فإن كان من‬ ‫غير الممكن أن ُيمنع فنان من عرض قدرته على‬ ‫اإلبداع‪ ،‬فال يمكن عرقلة الذين يمتلكون مواهب خاصة‬ ‫للتطور العلمي والتكنولوجي‪ ،‬وهي قدرات قد ُو ِه َبت لهم‬ ‫ّ‬ ‫من ِقَب ِل اهلل ألجل خدمة اآلخرين‪ .‬في الوقت عينه‪ ،‬ال‬ ‫يمكن التوقف عن إعادة تحديد‪ ،‬وبدقة‪ ،‬أهداف وتأثيرات‬ ‫هذا النشاط البشري واطاره وحدوده األخالقية‪ ،‬كونه‬ ‫ي ِ‬ ‫شكل نوعا من السلطة ذات المخاطر الكبيرة‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫‪ .132‬في هذا اإلطار يجب أن يوضع أي تفكير‬ ‫يتناول التدخل البشري في العالم النباتي والحيواني‪،‬‬ ‫الذي‪ ،‬في يومنا هذا‪ ،‬يفترض تغيرات جينية تنتجها‬ ‫التكنولوجيا الحيوية‪ ،‬الستغالل الفرص الموجودة في‬ ‫الواقع المادي‪ .‬إن االحترام الذي ُّ‬ ‫اإليمان للعقل‬ ‫يكنهُ‬ ‫ُ‬ ‫يتطلب االنتباه إلى ما يمكن لهذه العلوم البيولوجية‪ ،‬في‬ ‫حال تطورت باستقالل عن المصالح االقتصادية‪ ،‬أن‬ ‫البنى البيولوجية وامكانياتها وتغيراتها‪ .‬بأية‬ ‫تعلّ ُمهُ حول ُ‬ ‫حال‪ ،‬شرعي هو التدخل الذي يعمل في الطبيعة‬ ‫‪111‬‬ ‫نفس الكاتب‪ ،‬رسالة بمناسبة اليوم العالمي للسالم ‪ :7 ،1990‬أعمال الكرسي‬ ‫الرسولي ‪.151 )1990( 82‬‬ ‫‪125‬‬ ‫"لمساعدتها على التطور وفقا لمسارها‪ ،‬مسار الخلق‪،‬‬ ‫المسار الذي أراده اهلل"‪.112‬‬ ‫‪ .133‬من الصعب إصدار حكم عام على التطورات‬ ‫النباتية الحيوانية المعدلة ور ًّ‬ ‫اثيا‪ ،‬سواء ألغراض طبية أو‬ ‫في مجال الزراعة‪ ،‬إذ انها قد تكون مختلفة جدا فيما‬ ‫بينها وتقتضي اعتبارات مختلفة‪ .‬من جهة أخرى‪ ،‬ال‬ ‫تُعزي دائما األخطار للتقنية نفسها‪ ،‬وانما لتطبيقها غير‬ ‫المناسب أو المفرط‪ .‬إن التحوالت الجينية‪ ،‬في الواقع‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫الطبيعة‬ ‫قد نتجت وتنتج في الكثير من األحيان من‬ ‫نفسِّها‪ .‬فحتى تلك التي صنعها الكائن البشري‪ ،‬فهي‬ ‫ليست بظاهرة حديثة‪ .‬فترويض الحيوانات‪ ،‬وتهجين‬ ‫ًّ‬ ‫عالميا‪،‬‬ ‫َجناس‪ ،‬وممارسات أخرى قديمة ومعترف بها‬ ‫األ ْ‬ ‫يمكن أن تندرج تحت هذه االعتبارات‪ .‬ومن المفيد تذكر‬ ‫العلمية على الحبوب المعدلة ور ًّ‬ ‫اثيا‬ ‫أن بداية التطورات‬ ‫ّ‬ ‫جاءت نتيجة مراقبة البكتيريا التي تنتج تعديال في‬ ‫جينوم النبات بشكل طبيعي وعفوي‪ .‬بيد أن هذا يحدث‬ ‫في الطبيعة بشكل بطيء‪ ،‬وال يمكن مقارنته بالسرعة‬ ‫‪112‬‬ ‫نفس الكاتب‪ ،‬خطاب أمام الجمعية العامة الخامسة والثالثين للهيئة الطبية‬ ‫العالمية (‪ 29‬اكتوبر‪/‬تشرين األول ‪ :6 ،)1983‬أعمال الكرسي الرسولي ‪76‬‬ ‫(‪.394 )1984‬‬ ‫‪126‬‬ ‫المفروضة للتقدم التكنولوجي الحالي‪ ،‬حتى عندما تتم‬ ‫هذه التطورات نتيجة تطور علمي على مدى عدة‬ ‫قرون‪.‬‬ ‫‪ .134‬حتى ولو َّ‬ ‫كنا ال نملك دليال قاطعا حول الضرر‬ ‫المعدلةُ ور ًّ‬ ‫اثيا على الكائنات‬ ‫الحبوب‬ ‫الذي قد تلحقُه‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫البشرية‪ ،‬ولو أن استخدامها في بعض المناطق قد أدى‬ ‫إلى نمو اقتصادي قد ساهم في حل بعض المشاكل‪،‬‬ ‫إال أن هناك مشاكل هامة ال يجب التهاون بها‪ .‬ففي‬ ‫مناطق مختلفة‪ ،‬عقب إدخال هذه المحاصيل‪ُ ،‬يالحظ‬ ‫استحواذ عدد قليل من األشخاص على الجزء األكبر‬ ‫من تلك األراضي المنتجة‪ ،‬نتيجة "لالختفاء التدريجي‬ ‫لصغار المنتجين‪ ،‬الذين بسبب خسارة األراضي‬ ‫المزروعة يضطرون لالنسحاب من االنتاج المباشر"‬ ‫‪ .113‬فيتحول األكثر هشاشة من بين أولئك إلى عم ٍ‬ ‫ال‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مؤقتين‪ ،‬وينتهي األمر بالكثير من المزارعين الريفيين‬ ‫إلى الهجرة باتجاه أحياء شعبية بائسة في الحضر‪.‬‬ ‫ويقضي اتساع مساحة هذه الزراعات على لُ ْح َم ِة النظم‬ ‫التنوع في االنتاج ويؤثّر‬ ‫اإليكولوجية المعقدة‪ ،‬ويقلل من ّ‬ ‫‪ 113‬اللجنة األسقفية للرعوية االجتماعية في األرجنتين‪ ،‬أرض للجميع ‪Una tierra‬‬ ‫‪( para todos‬يونيو‪/‬حزيران ‪.19 ،)2005‬‬ ‫‪127‬‬ ‫على حاضر وأيضا على مستقبل االقتصادات‬ ‫اإلقليمية‪ .‬وهناك في بلدان مختلفة َمّيل نحو تنمية‬ ‫احتكار القلة‪ xiv‬في مجال إنتاج البذور والمواد األخرى‬ ‫الضرورية للزراعة‪ ،‬وتتفاقم التبعية إذا نظرنا إلى إنتاج‬ ‫الفالحون لشرائها من‬ ‫البذور العقيمة‪ ،‬والتي يضطّر ّ‬ ‫الشركات المنتجة‪.‬‬ ‫‪ .135‬بدون شك‪ ،‬هناك حاجة النتباه مستمر‪ ،‬يحمل‬ ‫على مراعاة جميع الجوانب األخالقية المعنية‪ .‬ومن‬ ‫أجل هذا الغرض ينبغي أن يتوفر هناك نقاش علمي‬ ‫وقادر على تحليل‬ ‫ا‬ ‫واجتماعي‪ ،‬يكون مسؤوال وشامال‪،‬‬ ‫كل المعلومات المتوفّرة وتسمية األشياء بأسمائها‪.‬‬ ‫فأحيانا ال توضع فوق الطاولة المعلومات الوافية‪ ،‬وانما‬ ‫يتم انتقاؤها بحسب المصالح الشخصية‪ ،‬سواء أكانت‬ ‫سياسية أو اقتصادية أو إيديولوجية‪ .‬وهذا يجعل من‬ ‫الصعب تكوين رأي متوازن ويقظ حول المسائل‬ ‫المختلفة‪ ،‬مع األخذ باالعتبار جميع المتغيرات‬ ‫المالئمة‪ .‬هناك حاجة لتوفير مساحات مناقشة تسمح‬ ‫لكل المعنيين بأن يلتقوا بطريقة مباشرة أو غير مباشرة‬ ‫(مزارعين‪ ،‬مستهلكين‪ ،‬سلطات‪ ،‬علماء‪ ،‬منتجي حبوب‪،‬‬ ‫سكان المناطق المجاورة لألراضي المعالجة بالمواد‬ ‫‪128‬‬ ‫الكيميائية وغيرهم) ليتم عرض مشاكلهم أو الحصول‬ ‫الموثوقة لكي تُتخذ ق اررات‬ ‫على المعلومات الواسعة و ُ‬ ‫تصب في صالح الخير العام الحاضر والمستقبلي‪ .‬إن‬ ‫مسألة العضويات المعدلة ور ًّ‬ ‫اثيا هي قضية معقدة‪،‬‬ ‫وتقتضي معالجتها رؤية شاملة لجميع جوانبها؛ وهذا‬ ‫يتطلب أقلّه جهدا أكبر لتمويل البحوث المختلفة‬ ‫والمستقلة‪ ،‬ومتعددة التخصصات‪ ،‬والقادرة على تقديم‬ ‫ٍ‬ ‫إضاءات جديدة‪.‬‬ ‫‪ .136‬من ناحية أخرى‪ ،‬إنه لباعث على القلق أمر‬ ‫بعض الحركات اإليكولوجية التي تدافع عن سالمة‬ ‫البيئة‪ ،‬وبحق تطالب بوضع بعض حدود للبحوث‬ ‫العلمية‪ ،‬بينما ال تطبق أحيانا تلك المبادئ نفسها على‬ ‫الحياة البشرية‪ .‬وعادة ما يتم تبرير جميع التجاوزات عند‬ ‫حية‪ .‬وننسى أن قيمة‬ ‫إجراء تجارب على ّ‬ ‫أجنة بشرية ّ‬ ‫كائن بشري‪ ،‬غير القابلة للمساومة‪ ،‬تتخطى مقدار‬ ‫نموه‪ .‬على قدم المساواة‪ ،‬عندما تتنكر التقنية‬ ‫درجة ّ‬ ‫للمبادئ األخالقية الكبرى‪ ،‬فهي تنتهي بإضفاء الشرعية‬ ‫على ّأية ممارسة‪ .‬وكما رأينا في هذا الفصل‪ ،‬يستحيل‬ ‫على التقنية المنفصلة عن المبادئ األخالقية أن تضع‬ ‫ًّ‬ ‫حدا لسلطتها الذاتية‪.‬‬ ‫‪129‬‬ ‫الفصل الرابع‬ ‫إيكولوجية متكاملة‬ ‫‪ .137‬انطالقا من أن ك ّل شيء مرتبط ارتباطا وثيقا‪،‬‬ ‫ومن أن المشاكل الحالية تتطلب نظرة تأخذ بعين‬ ‫االعتبار جميع جوانب األزمة العالمية‪ ،‬فإني أقترح أن‬ ‫نتوقف اآلن للتفكير حول بعض عناصر إيكولوجية‬ ‫متكاملة‪ ،‬تتضمن بوضوح البعد اإلنساني واالجتماعي‪.‬‬ ‫‪ .I‬إيكولوجية بيئية واقتصادية واجتماعية‬ ‫ِ‬ ‫الحية‬ ‫‪ .138‬تدرس اإليكولوجيةُ‬ ‫العالقات بين الكائنات ّ‬ ‫والبيئةَ التي تنمو فيها‪ .‬إنها تقتضي أيضا التوقف‬ ‫للتفكير والتحاور حول ظروف الحياة واستمرار العيش‬ ‫في مجتمع ما‪ ،‬بصدق يسمح لها بإعادة النظر في‬ ‫أنماط التنمية واإلنتاج واالستهالك‪ .‬ليس من باب الترف‬ ‫اإللحاح مجددا على واقع أن كل شيء متصل‪ .‬فالزمان‬ ‫والمكان ليسا مستقلين فيما بينهما وال يمكن حتى النظر‬ ‫إلى الخاليا وال إلى الجسيمات دون الذرية بطريقة‬ ‫منفصلة‪ .‬فكما أن مكونات كوكب األرض ‪-‬الفيزيائية‬ ‫‪130‬‬ ‫والكيميائية والبيولوجية‪ -‬هي متصلة ببعضها‪ ،‬هكذا‬ ‫أيضا تُش ّك ُل أصناف الكائنات الحية شبكة لن ننتهي‬ ‫كبير من معلوماتنا‬ ‫فقسم ٌ‬ ‫أبدا من التعرف عليها وفهمها‪ٌ .‬‬ ‫الجينية هو مشترك مع الكثير من الكائنات الحية‪ .‬لهذا‬ ‫المجزأة والمعزولة بإمكانها أن‬ ‫السبب‪ ،‬فإن المعرفة‬ ‫ّ‬ ‫تصير شكال من أشكال الجهل‪ ،‬إذا أبت االندماج في‬ ‫نظرة أوسع للواقع‪.‬‬ ‫‪ .139‬عندما نتكلم عن "البيئة الطبيعية" فإننا نشير‬ ‫بالتحديد إلى العالقة‪ :‬تلك العالقة القائمة بين الطبيعة‬ ‫والمجتمع الذي يقطنها‪ .‬وهذا يمنعنا من اعتبار الطبيعة‬ ‫كشيء منفصل عنا أو كمجرد إطار لحياتنا‪ .‬إنها‬ ‫تشملنا‪ ،‬ونحن جزء منها‪ ،‬ونحن متشابكون معها‪ .‬إن‬ ‫أسباب تلوث مكان ما تتطلب تحليال لكيفية عمل‬ ‫المجتمع واقتصاده وسلوكه‪ ،‬وأساليبه في فهم الواقع‪.‬‬ ‫ونظر التساع نطاق التغييرات فإنه لم يعد ممكنا إيجاد‬ ‫ا‬ ‫جواب محدد ومستقل لكل جزء من المشكلة‪ .‬فمن‬ ‫ٍ‬ ‫حلول متكاملة‪ ،‬تأخذ بعين‬ ‫األساسي البحث عن‬ ‫االعتبار تداخل عالقات األنظمة الطبيعية فيما بينها‬ ‫ومع األنظمة االجتماعية‪ .‬فليس هناك أزمتان‬ ‫منفصلتان‪ ،‬األولى بيئية واألخرى اجتماعية‪ ،‬وانما أزمة‬ ‫‪131‬‬ ‫اجتماعية‪-‬بيئية واحدة ومعقدة‪ .‬إن المبادئ التوجيهية‪،‬‬ ‫تتطلب مقاربة متكاملة لمحاربة الفقر‪،‬‬ ‫إليجاد ح ّل‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫الوقت نفسه‪ ،‬للمحافظة‬ ‫للمنبوذين‪ ،‬وفي‬ ‫وإلعادة الكرامة ُ‬ ‫على الطبيعة‪.‬‬ ‫‪ .140‬بسبب كمية وتنوع العناصر التي يجب أخذها‬ ‫بعين االعتبار‪ ،‬عند تحديد التأثيرات البيئية التي ُينتجها‬ ‫النشاط التجاري‪ُ ،‬يصبح من الضروري إعطاء الباحثين‬ ‫بارز وتسهيل التفاعل فيما بينهم‪ ،‬مع هامش كبير‬ ‫دور ا‬ ‫ا‬ ‫للحرية األكاديمية‪ .‬من المفترض أن تسمح هذه البحوث‬ ‫المستمرة بالوصول كذلك إلى معرفة كيف تتواصل‬ ‫المخلوقات المتنوعة فيما بينها‪ُ ،‬مش ّكلَة تلك الوحدة‬ ‫الكبيرة والتي يطلق عليه اليوم اسم "المنظومة‬ ‫اإليكولوجية" (‪ .)Ecosystema‬وهي منظومات ال‬ ‫نهتم بها فقط لنحدد كيفية استخدامها بطريقة عقالنية‪،‬‬ ‫وانما ألنها تملك قيمة ذاتية مستقلة عن هذا االستخدام‪.‬‬ ‫فكما أن كل كيان هو في ذاته صالح وبديع ألنه‬ ‫مخلوق من قبل اهلل‪ ،‬هكذا هي أيضا الحال مع كل‬ ‫مجموعة متناغمة من كائنات حية في حي ٍِّز معين‪،‬‬ ‫والتي تعمل كنظام‪ .‬فنحن‪ ،‬حتى وان لم نكن نعي هذا‪،‬‬ ‫فإننا نستند في وجودنا ذاته لتلك المجموعة‪ .‬من‬ ‫‪132‬‬ ‫النظم اإليكولوجية تتدخل في عزل‬ ‫الضروري التذكر أن ُ‬ ‫ثاني أكسيد الكربون‪ ،‬وفي تنقية المياه‪ ،‬وفي مكافحة‬ ‫األمراض واألوبة‪ ،‬وفي تكوين التربة‪ ،‬وفي تحلل‬ ‫النفايات‪ ،‬وفي الكثير من المجاالت األخرى التي قد‬ ‫ننساها أو نجهلها‪ .‬فالكثير من األشخاص‪ ،‬حين‬ ‫يالحظون ذلك يدركون مجددا أننا نعيش ونتصرف‬ ‫انطالقا من واقع قد أُعطي لنا مسبقا‪ ،‬واقع يسبق قدراتنا‬ ‫ووجودنا‪ .‬بالتالي‪ ،‬حين نتكلم عن "االستخدام المستدام"‬ ‫ينبغي دائما أن نرفقه بتفكير حول قدرة كل نظام‬ ‫إيكولوجي على إعادة التجديد لجوانبه ولمجاالته‬ ‫المختلفة‪.‬‬ ‫‪ .141‬من جهة أخرى‪ ،‬يميل النمو االقتصادي إلى‬ ‫إنتاج آليات ومماثلة‪ ،‬بهدف تيسير العمليات وخفض‬ ‫التكاليف‪ .‬لهذا فمن الضروري وجود إيكولوجية‬ ‫اقتصادية‪ ،‬قادرة على إدراج مراعاة الواقع بطريقة أوسع‪.‬‬ ‫ألنه‪ ،‬في الواقع‪" ،‬يجب أن تش ّكل حماية البيئة جزءا ال‬ ‫يتج أز من عملية التطور‪ ،‬وال يمكن التعامل معها بشكل‬ ‫معزول"‪ .114‬لكن في الوقت عينه‪ ،‬تغدو راهنة الحاجة‬ ‫‪114‬‬ ‫بيان ريو دي جانيرو حول البيئة والتنمية‪ 14( ،‬يونيو‪/‬حزيران ‪ ،)1992‬المبدأ‬ ‫‪.4‬‬ ‫‪133‬‬ ‫الملحة لنزعة اإلنسانية‪ ،‬والتي توجه نداء لشتى مجاالت‬ ‫المعرفة المتنوعة‪ ،‬بما في ذلك االقتصادية‪ ،‬للوصول‬ ‫لرؤية متكاملة ومكملّة‪ .‬اليوم ال يمكن الفصل بين‬ ‫تحليل المشاكل البيئية وتحليل السياقات البشرية‪،‬‬ ‫والعائلية والتشغيلية والحضرية‪ ،‬وبين عالقة كل شخص‬ ‫مع ذاته‪ ،‬والتي تولّد اسلوبا معينا في إقامة العالقات مع‬ ‫النظم اإليكولوجية‬ ‫اآلخرين ومع البيئة‪ .‬هناك تفاعل بين ُ‬ ‫وبين مختلف العوالم ذات المرجعية االجتماعية‪ ،‬ويظهر‬ ‫هكذا مرة أخرى أن "الك ّل يفوق الجزء"‪.115‬‬ ‫‪ .142‬إن كان كل شيء متصال‪ ،‬فإن الحالة الصحية‬ ‫لمؤسسات مجتمع ما تنطوي على عواقب تؤثر في‬ ‫ٍ‬ ‫البيئة وفي نوعية الحياة البشرية‪ُّ :‬‬ ‫ِ‬ ‫للتضامن‬ ‫إساءة‬ ‫"فكل‬ ‫ِ‬ ‫وللتعاي ِ‬ ‫ِّ‬ ‫بالبيئة"‪ .116‬بهذا‬ ‫تلحق أض ار ار‬ ‫المتمد ِن‬ ‫ش‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫المعنى‪ ،‬اإليكولوجية االجتماعية هي بالضرورة مؤسسيِّة‬ ‫وتصل تدر ًّ‬ ‫يجيا إلى مختلف األبعاد‪ ،‬لتشمل من الفئة‬ ‫االجتماعية األولية‪ ،‬والعائلة‪ ،‬وحتى الحياة الدولية‪،‬‬ ‫‪115‬‬ ‫اإلرشاد الرسولي فرح اإلنجيل ‪ 24( Evangelii gaudium‬نوفمبر‪/‬تشرين‬ ‫‪116‬‬ ‫‪Caritas in‬‬ ‫الثاني ‪ :237 ،)2013‬أعمال الكرسي الرسولي ‪.1116 ،)2013( 105‬‬ ‫بندكتُس السادس عشر‪ ،‬الرسالة العامة المحبة في الحقيقة‬ ‫‪ 29( veritate‬يونيو‪/‬حزيران ‪ :51 ،)2009‬أعمال الكرسي الرسولي ‪101‬‬ ‫(‪.687 ،)2009‬‬ ‫‪134‬‬ ‫مرور بالجماعات المحلية وبالدولة‪ .‬ففي داخل كافة‬ ‫ا‬ ‫تتطور المؤسسات‬ ‫المستويات االجتماعية‪ ،‬وفيما بينها‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫التي تنظم العالقات اإلنسانية‪ .‬وأي شيء قد ُيلحق بها‬ ‫األذى‪ ،‬له تأثيراته الضارة‪ ،‬كفقدان الحرية والظلم‬ ‫مؤسساتي هش‪،‬‬ ‫حكم العديد من البلدان نظام ّ‬ ‫والعنف‪َ .‬ي ُ‬ ‫على حساب معاناة الشعب ولمصلحة الذين يستفيدون‬ ‫من وضع األمور هذا‪ .‬سواء داخل إدارة الدولة‪ ،‬كما في‬ ‫مختلف مناحي تعبيرات المجتمع المدني أو في‬ ‫العالقات بين السكان‪ ،‬غالبا ما يتم تسجيل تصرفات‬ ‫خارجة عن القانون‪ .‬يمكن لهذه القوانين أن تكون قد‬ ‫حبر على‬ ‫وضعت بشكل صحيح‪ ،‬ولكنها عادة ما تبقى ا‬ ‫ثم‪ ،‬هل يمكننا أن نأمل بأن تكون‬ ‫ورق‪ .‬ومن َّ‬ ‫التشريعات والقوانين المتعلقة بالبيئة فعالة حقا؟ فنحن‬ ‫نعرف‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬أن ُبلدانا تملك تشريعات‬ ‫واضحة لحماية الغابات‪ ،‬ال زالت ال تحرك ساكنا أمام‬ ‫االنتهاكات المتكررة لتلك التشريعات ذاتها‪ .‬فضال عن‬ ‫ذلك‪ ،‬فإن ما يحدث في منطقة ما يؤثر على باقي‬ ‫المناطق‪ ،‬بطريقة مباشرة أو غير مباشرة‪ .‬فتعاطي‬ ‫المخدرات في المجتمعات الميسورة‪ ،‬مثال‪ ،‬يولِّد طلبا‬ ‫تم‬ ‫ثابتا أو متزايدا على المنتجات الواردة من مناطق َّ‬ ‫‪135‬‬ ‫إفقارها‪ ،‬حيث يتم إفساد األخالق‪ ،‬وتدمير حياة البعض‬ ‫وينتهي األمر بتدهور البيئة‪.‬‬ ‫‪ .II‬إيكولوجية ثقافية‬ ‫‪ .143‬باإلضافة الى التراث الطبيعي‪ ،‬هناك أيضا تراث‬ ‫تاريخي وفني وثقافي‪ ،‬مهدد على السواء‪ .‬إنه جزء ال‬ ‫هوية مكان ما وأساس لبناء مدينة صالحة‬ ‫يتج أز من ّ‬ ‫للسكن‪ .‬إنها ليست مسألة هدم مدن وبناء أخرى جديدة‬ ‫بزعم أنها أكثر إيكولوجية‪ ،‬والتي ال توفر دائما رغبة‬ ‫العيش بداخلها‪ .‬من الضروري دمج التاريخ‪ ،‬والثقافة‪،‬‬ ‫والهندسة الخاصة بمكان معين‪ ،‬مع الحفاظ على هويته‬ ‫األصلية‪ .‬لهذا فاإليكولوجية تفترض أيضا المحافظة‬ ‫على كنوز اإلنسانية الثقافية بكل ما للكلمة من معنى‪.‬‬ ‫وبشكل مباشر تتطلب اإليكولوجية إعارة االنتباه إلى‬ ‫الثقافات المحلية حين يتم دراسة مسائل تتعلق بالبيئة‪،‬‬ ‫من خالل إقامة حوار بين اللغة التقنية‪-‬العلمية واللغة‬ ‫العامية‪ .‬إنها الثقافة حين تعني‪ ،‬ال فقط معالم الماضي‪،‬‬ ‫وانما وبشكل خاص بمعناها الحي والديناميكي‬ ‫والتشاركي‪ ،‬والذي ال يمكن استبعاده في الوقت الذي يتم‬ ‫فيه إعادة التفكير بعالقة الكائن البشري بالبيئة‪.‬‬ ‫‪136‬‬ ‫‪ .144‬إن الرؤية االستهالكية للكائن البشري‪ ،‬والتي‬ ‫المعولمة‪،‬‬ ‫تشجعها تدخالت آليات االقتصاد الحالي‬ ‫ّ‬ ‫تميل إلى صهر الثقافات في بوتقة واحدة وبالتالي‬ ‫إضعاف التنوع الثقافي الهائل‪ ،‬والذي يشكل ثروة‬ ‫لإلنسانية‪ .‬لهذا السبب‪ ،‬فإن االدعاء بحل جميع‬ ‫معايير موحدة أو تدخالت تقنية‪،‬‬ ‫الصعوبات بواسطة‬ ‫ّ‬ ‫يقود إلى إغفال تعقيدات القضايا المحلية‪ ،‬والتي تتطلب‬ ‫الفعالة للسكان‪ .‬ال يمكن إدماج المشاريع‬ ‫المشاركة ّ‬ ‫الجديدة‪ ،‬قيد التحضير‪ ،‬دائما داخل نماذج قد و ِ‬ ‫ض َعت‬ ‫ُ‬ ‫من الخارج‪ ،‬بل يجب أن تنطلق من الثقافة المحلية‬ ‫نفسِّها‪ .‬فكما أن الحياة والعالم هما في حالة دينامية‪،‬‬ ‫فإن طريقتنا بالمحافظة على العالم يجب أن تكون مرنة‬ ‫ودينامية‪ .‬إن الحلول التقنية البحتة هي معرضة لخطر‬ ‫االهتمام باألعراض التي ال تعكس القضايا األكثر‬ ‫عمقا‪ .‬من الضروري تََبِّني تطلعات حقوق الشعوب‬ ‫ثم إدراك أن تطور مجموعة اجتماعية‬ ‫والثقافات‪ ،‬ومن َّ‬ ‫يفترض عملية تاريخية‪ ،‬تتم داخل سياق ثقافي معين‪،‬‬ ‫الفعالة‬ ‫ويتطلب حرص الجهات االجتماعية المحلية ّ‬ ‫باالنطالق من ثقافتهم الخاصة‪ .‬فحتى مفهوم نوعية‬ ‫‪137‬‬ ‫الحياة ال يمكن فرضه‪ ،‬وانما يجب فهمه داخل عالم‬ ‫الرموز والعادات الخاصة بكل مجموعة بشرية‪.‬‬ ‫‪ .145‬بإمكان العديد من أشكال االستغالل المرّكزة‬ ‫وتدهور البيئة أن تستنفذ ليس فقط مصادر العيشة‬ ‫المحلية‪ ،‬وانما أيضا تلك الموارد االجتماعية التي‬ ‫سمحت بقيام نمط تعايش قد أعطى‪ ،‬ولمدة طويلة‪،‬‬ ‫هوية ثقافية ومعنى للوجود وللعيش معا‪ .‬إن زوال ثقافة‬ ‫ما‪ ،‬يمكن أن يكون خطيرا‪ ،‬بقدر خطورة انقراض صنف‬ ‫حيواني أو نباتي بل وحتى أكثر خطورة‪ .‬ففرض ٍ‬ ‫نمط‬ ‫م ِ‬ ‫هيمن من الحياة‪ ،‬مرتبط بأسلوب إنتاج ما‪ ،‬يمكن أن‬ ‫ُ‬ ‫مضر جدا بنفس مقدار الضرر الذي يسببه تغيير‬ ‫ًّا‬ ‫يكون‬ ‫النظم اإليكولوجية‪.‬‬ ‫‪ .146‬بهذا المعنى‪ ،‬فمن الضروري إعارة اهتمام خاص‬ ‫لجماعات السكان األصليين ولعاداتهم الثقافية‪ .‬فهم‬ ‫ليسوا أقلية بسيطة بين غيرها من األقليات‪ ،‬وانما يجب‬ ‫نطور‬ ‫أن يصبحوا الشركاء الرئيسيين‪ ،‬وباألخص حين ِّ‬ ‫مشاريع كبيرة ستؤثر على أراضيهم‪ .‬ألن األرض‪،‬‬ ‫ًّ‬ ‫اقتصاديا‪،‬‬ ‫بالنسبة لهم‪ ،‬في الواقع‪ ،‬ليست مجرد ملكا‬ ‫وانما عطية من اهلل ومن أسالفهم الذين يرقدون فيها‪،‬‬ ‫إنها مكان مقدس يشعرون بالحاجة إلى التفاعل معه‬ ‫‪138‬‬ ‫من أجل صون هويتهم وقيمهم‪ .‬إنهم حين يبقون في‬ ‫أراضيهم‪ ،‬يكونون هم بالتحديد القادرين على المحافظة‬ ‫عليها أكثر من غيرهم‪ .‬ولكنهم‪ ،‬في مناطق عدة من‬ ‫الكون‪ ،‬يخضعون لضغوط كي يهجروا أرضهم ليفسحوا‬ ‫المجال لمشاريع استخراجية وزراعية أو لتربية الماشية‬ ‫ال تُعير اهتماما لمسألة تدهور الطبيعة والثقافة‪.‬‬ ‫‪ .III‬إيكولوجية الحياة اليومية‬ ‫‪ .147‬كي يمكننا التحدث عن تنمية أصيلة‪ ،‬يجب‬ ‫التأكد من أنها تُنتج تحسُّنا شامال لنوعية الحياة البشرية‪،‬‬ ‫وهذا يعني دراسة الحيِّز الذي يعيش فيه األشخاص‪.‬‬ ‫فالبيئة التي تحيط بنا تؤثر على نظرتنا للحياة‪ ،‬وعلى‬ ‫إحساسنا وعلى تصرفاتنا‪ .‬إننا‪ ،‬في نفس الوقت‪ ،‬في‬ ‫غرفتنا‪ ،‬وفي بيتنا‪ ،‬وفي مكان عملنا وفي حيِّنا‪ ،‬نستخدم‬ ‫البيئة للتعبير عن هويتنا‪ .‬ونجتهد في التأقلم مع البيئة‪،‬‬ ‫وعندما تكون غير منظمة وفوضوية أو مشبعة بالتلوث‬ ‫البصري أو السمعي‪ ،‬فإن تدافع الحوافز يضعنا في‬ ‫تحدي محاولة بناء هوية متأقلمة وسعيدة‪.‬‬ ‫مثير لإلعجاب‪ ،‬إبداع وسخاء األشخاص‬ ‫‪ .148‬إنه ل ٌ‬ ‫والجماعات القادرة على تخطي الحدود البيئة‪ ،‬بتغيير‬ ‫‪139‬‬ ‫النتائج السلبية للتأثيرات‪ ،‬وتعلم توجيه حياتهم وسط‬ ‫الفوضى وعدم االستقرار المحيط بهم‪ .‬على سبيل‬ ‫المثال‪ ،‬في بعض األماكن‪ ،‬حيث تعاني واجهات‬ ‫المباني من حالة متردية للغاية‪ ،‬هناك أناس يعتنون بكل‬ ‫كرامة بداخل مساكنهم أو ويشعرون بالراحة بسبب مودة‬ ‫اآلخرين وصداقتهم‪ .‬إن الحياة االجتماعية اإليجابية‬ ‫نور في بيئة قد يبدو للوهلة‬ ‫والمالئمة للس ّكان تنشر ا‬ ‫األولى غير منظور‪ .‬غالبا ما تستحق اإلطراء‬ ‫اإليكولوجية اإلنسانية التي يتمكن الفقراء من تنميتها‬ ‫وسط العديد من القيود‪ .‬إن الشعور باالختناق الذي‬ ‫يولده اكتظاظ المساكن والمساحات ذات الكثافة السكانية‬ ‫العالية‪ ،‬يتم تعويضه إذا ما تم بناء عالقات إنسانية‬ ‫تتميز بقربها وح اررتها‪ ،‬واذا ما تم تشكيل جماعات‪ ،‬واذا‬ ‫ما تم استبدال الحدود البيئية الباطنية في كل شخص‪،‬‬ ‫يشعر بنفسه مدرجا داخل شبكة شراكة وانتماء‪ .‬بهذه‬ ‫إطار‬ ‫ا‬ ‫الطريقة‪ ،‬لن يكون أي مكان بعد جحيما بل يصبح‬ ‫لحياة كريمة‪.‬‬ ‫‪ .149‬من المؤكد أيضا أن الحاجة الشديدة الموجودة‬ ‫في بعض البيئات التي تعاني من نقص في التناغم‬ ‫وفي المساحات وفي إمكانيات االندماج‪ ،‬تُسهّل صدور‬ ‫‪140‬‬ ‫تصرفات غير إنسانية واستغالل األشخاص من قبل‬ ‫منظمات إجرامية‪ .‬فبالنسبة لسكان الضواحي شديدة‬ ‫الفقر‪ ،‬فإن خبرة التنقل اليومي من االزدحام إلى الغفلية‬ ‫االجتماعية‪ ،‬التي يختبرها المرء في المدن الكبيرة‪ ،‬قد‬ ‫شعور باالغتراب‪ ،‬ربما يعزز بدوره التصرفات‬ ‫ا‬ ‫يسبب‬ ‫المعادية للمجتمع والعنيفة‪ .‬بيد أني أريد االصرار على‬ ‫أن الحب يبقى أقوى‪ .‬فالعديد من األشخاص‪ ،‬في هذه‬ ‫الظروف‪ ،‬يبقون قادرين على إقامة روابط انتماء‬ ‫ٍ‬ ‫تنهار‬ ‫جماعية‬ ‫االزدحام إلى خبرٍة‬ ‫حول‬ ‫ُ‬ ‫وتعايش‪ ،‬تُ ّ‬ ‫َ‬ ‫ان الـ"أنا" ويتم تخطي حواجز االنانية‪ .‬فخبرة‬ ‫داخلها جدر ُ‬ ‫الخالص الجماعي هذه‪ ،‬هي التي غالبا ما تحفز ردود‬ ‫فعل خالقة إلصالح مبنى أو حي‪.117‬‬ ‫‪ .150‬بالنظر إلى الترابط العالقتي بين المساحات‬ ‫الحضرية والسلوك البشري‪ ،‬يحتاج أولئك الذين يقومون‬ ‫‪117‬‬ ‫مارس‪ ،‬مثال‪ ،‬في مستوطنات غير‬ ‫قد ّ‬ ‫وضح بعض ال ُكتّ ُ‬ ‫القيم التي غالبا ما تُ َ‬ ‫اب َ‬ ‫شرعية ومحفوفة بالمخاطر (‪ ،)villas‬أو األكواخ (‪ )chabolas‬أو األحياء الفقيرة‬ ‫(‪ )favelas‬في أمريكا الالتينية‪ :‬را‪ .‬خوان كارلوس سكانوني أ‪ .‬ي‪" ،.‬ظهور‬ ‫الفقراء ومنطق االمتنان" ‪«La irrupción del pobre y la lógica de la‬‬ ‫»‪ ،gratitud‬في خوان كارلوس سكانوني ومرتشيلو بيريني ظهور الفقراء والعمل‬ ‫الفلسفي‪ .‬نحو العقالنية الجديدة‬ ‫‪Irrupción del pobre y quehacer‬‬ ‫‪ ،filosófico. Hacia una nueva racionalidad‬بوينس آيرس ‪،1993‬‬ ‫‪.230-225‬‬ ‫‪141‬‬ ‫بالتخطيط لتشييد ٍ‬ ‫مبان وأحياء وأماكن عامة ومدن‪ ،‬إلى‬ ‫مساهمة التخصصات المختلفة التي تسمح بفهم‬ ‫التطورات والرمزية وتصرفات األشخاص‪ .‬ال يكفي‬ ‫البحث عن الجمال الهندسي وحسب‪ ،‬ألنه من األكثر‬ ‫قيمة خدمة نوع آخر من الجمال‪ ،‬مثل‪ :‬نوعيِّة حياة‬ ‫األشخاص‪ ،‬وتناغمهم مع البيئة‪ ،‬واللقاء والمساعدة‬ ‫المتبادلة‪ .‬لهذا السبب أيضا فإنه من المهم للغاية األخذ‬ ‫بوجهة نظر المواطنين والتي تساهم على الدوام في‬ ‫إتمام دراسة التخطيط العمراني‪.‬‬ ‫‪ .151‬من الضروري االعتناء باألماكن العامة‪،‬‬ ‫وبالمعالم البصرية والمناظر الطبيعية في المناطق‬ ‫تنمي فينا حس االنتماء‪ ،‬وشعورنا‬ ‫الحضرية‪ ،‬ألنها ّ‬ ‫بالتجذر‪ ،‬وشعورنا داخل المدينة التي تأوينا وتوحدنا‬ ‫"بأننا في بيتنا"‪ .‬من المهم أن تكون األجزاء المختلفة‬ ‫للمدينة متكاملة جيدا وأن يكون باستطاعة السكان‬ ‫حي‬ ‫التمتع بنظرة شاملة‪ ،‬بدال من انغالق البعض داخل ٍّ‬ ‫ما‪ ،‬حارمين أنفسهم من عيش حياة المدينة بأكملها‬ ‫كمساحة يتقاسمونها مع اآلخرين‪ .‬إن أي تدخل في‬ ‫المشهد الحضري أو الريفي يجب أن يأخذ بعين‬ ‫االعتبار كيف أن عناصر المكان المختلفة تشكل في‬ ‫‪142‬‬ ‫مجملها ُكال يفهمه السكان كإطار متناسق‪ ،‬بكل ما في‬ ‫المعنى من غنى‪ .‬بهذه الطريقة ال يصبح اآلخرون‬ ‫باء بل وينظر إليهم باعتبارهم جزءا من الـ"نحن"‬ ‫غر َ‬ ‫الذي نبنيه ًّ‬ ‫سويا‪ .‬لهذا السبب بالذات‪ ،‬سواء في البيئة‬ ‫الحضرية كما في الريفية‪ ،‬فمن المناسب الحفاظ على‬ ‫بعض المساحات التي يمنع فيها أي تدخالت بشرية‬ ‫يمكنها أن تغيرها باستمرار‪.‬‬ ‫‪ .152‬يشكل النقص في المنازل السكنية مشكلة خطيرة‬ ‫في مناطق عديدة من العالم‪ ،‬سواء في األحياء الريفية‬ ‫أم في المدن الكبيرة‪ ،‬ألن ميزانيات الدول عادة ما تلبي‬ ‫صغير من الطلب‪ .‬لكن القسم األكبر من‬ ‫ا‬ ‫جزءا‬ ‫المجتمع‪ ،‬وليس فقط الفقراء‪ ،‬يواجه صعوبات جدية في‬ ‫الحصول على مسكن خاص‪ .‬إن امتالك مسكن هو‬ ‫أمر ذو أهمية كبيرة لكرامة األشخاص ولنمو العائالت‪.‬‬ ‫يتعلق األمر هنا بمسألة مركزية بالنسبة "لإليكولوجية‬ ‫اإلنسانية"‪ .‬فإن تم بناء تكتالت عشوائية من المنازل‬ ‫الفقيرة في مكان معين‪ ،‬فهذا يقتضي قبل كل شيء‬ ‫ضرورة تطوير تلك األحياء وليس احتثاث وطرد‬ ‫سكانها‪ .‬فحين يعيش الفقراء في ضواحي ملوثة أو في‬ ‫تجمعات خطيرة يجب‪" ،‬في حالة اإلقدام على ترحيلهم‬ ‫‪143‬‬ ‫ولتجنب مضاعفة معاناتهم‪ ،‬توفير معلومات كافية‬ ‫مسبقة لهم‪ ،‬وتقديم بدائل سكانية الئقة واشراك المعنيين‬ ‫يقود‬ ‫مباشرة"‪ .118‬في الوقت عينه‪ ،‬على اإلبداع أن‬ ‫َ‬ ‫األحياء المحرومة إلى االندماج داخل مدينة تستقبلهم‬ ‫ِ‬ ‫لجمال المدن التي تتجاوز الريبة الفاسدة‬ ‫برحابة‪" .‬يا‬ ‫وتدمج من هم مختلفون وتجعل من ذلك االندماج عامل‬ ‫تطور جديدا! يا لجمال المدن التي‪ ،‬حتى في هندستها‪،‬‬ ‫تضم مساحات تجمع وتتيح التواصل وتعزز االعتراف‬ ‫باآلخر!"‪.119‬‬ ‫‪ .153‬إن نوعية الحياة في المدن ترتبط بشكل كبير‬ ‫بوسائل النقل‪ ،‬والتي تتسبب غالبا بمعاناة كبيرة للسكان‪.‬‬ ‫في المدن‪ ،‬يتنقل عدد كبير من المركبات التي تقل‬ ‫شخصا أو شخصين‪ ،‬مما يتسبب في تكثيف حركة‬ ‫السير‪ ،‬وزيادة مستوى التلوث‪ ،‬واستهالك كميات هائلة‬ ‫من الطاقة غير المتجددة‪ ،‬وتبرز ضرورة بناء طرق‬ ‫أخرى ومواقف سيارات‪ ،‬تلحق الضرر بالنسيج‬ ‫العمراني‪ .‬وهناك إجماع من قبل الكثير من اإلخصائيين‬ ‫‪118‬‬ ‫‪119‬‬ ‫المجلس الحبري "للعدالة والسالم"‪ ،‬موجز العقيدة االجتماعية للكنيسة‪.482 ،‬‬ ‫اإلرشاد الرسولي فرح اإلنجيل ‪ 24( Evangelii gaudium‬نوفمبر‪/‬شرين‬ ‫الثاني ‪ :210 ،)2013‬أعمال الكرسي الرسولي ‪.1107 ،)2013( 105‬‬ ‫‪144‬‬ ‫على ضرورة إعطاء األولوية لوسائل النقل العام‪ .‬بيد أن‬ ‫بعض التدابير الالزمة تُستقبل بصعوبة شديدة من قبل‬ ‫َ‬ ‫المجتمع‪ ،‬دون إصالحات ملموسة في وسائل النقل‪،‬‬ ‫التي‪ ،‬في الكثير من المدن‪ ،‬تفضي بامتهان كرامة‬ ‫الناس‪ ،‬بسبب االكتظاظ‪ ،‬والمضايقات‪ ،‬والنقص في‬ ‫معدل الخدمات المتوفرة‪ ،‬وعدم األمان‪.‬‬ ‫‪ .154‬إن االعتراف بكرامة الكائن البشري الفريدة غالبا‬ ‫ما يتناقض مع عيش الحياة الفوضوية التي يضطر‬ ‫لعيشها األشخاص في مدننا‪ .‬لكن هذا ال يجب أن‬ ‫يحول دون اهتمامنا بحالة اإلهمال والنسيان التي يعاني‬ ‫منها بعض سكان مناطق الريف‪ ،‬حيث ال تصلهم‬ ‫الخدمات األساسية‪ ،‬وحيث يوجد ُع ّمال يتم الزج بهم في‬ ‫أعمال السخرة كعبيد‪ ،‬دون أي حقوق أو توقعات لحياة‬ ‫أكثر كرامة‪.‬‬ ‫أمر بغاية‬ ‫‪ .155‬إن اإليكولوجية اإلنسانية تفرض أيضا ا‬ ‫العمق‪ :‬عالقة حياة الكائن البشري مع الشريعة‬ ‫األخالقية المحفورة في طبيعته الخاصة‪ ،‬عالقة ال غنى‬ ‫عنها لخلق بيئة أكثر كرامة‪َّ .‬‬ ‫أكد بندكتس السادس عشر‬ ‫على وجود «إيكولوجية اإلنسان» ألن "اإلنسان أيضا‬ ‫يملك طبيعة عليه أن يحترمها‪ ،‬وال يستطيع التالعب بها‬ ‫‪145‬‬ ‫كما يشاء"‪ .120‬في هذا المنحى‪ ،‬يجب االعتراف بأن‬ ‫جسدنا الخاص يضعنا في عالقة مباشرة بالطبيعة ومع‬ ‫بقية الكائنات الحية‪ .‬فمن الضروري قبول الجسد‬ ‫الخاص كهبة من لدن اهلل الستقبال وقبول العالم بأسره‬ ‫كهبة من اآلب وكبيت مشترك؛ في حين أن منطق‬ ‫الهيمنة على الجسد الخاص يتحول أحيانا إلى منطق‬ ‫بارع للهيمنة على الخلق‪ .‬إن تعلم المرء لكيفية قبول‬ ‫جسده الخاص واالعتناء به واحترام معانيه هو أمر‬ ‫أساسي إليكولوجية إنسانية حقيقية‪ .‬فتقييم الجسد أيضا‪،‬‬ ‫بأنوثته أو وبذكوريته‪ ،‬هو ضروري كي يتمكن المرء من‬ ‫معرفة ذاته‪ ،‬في اللقاء مع من هو مختلف عنه‪ .‬بهذه‬ ‫الطريقة يصير من الممكن أن نقبل بفرح هبة اآلخر‬ ‫الخاصة‪ ،‬عمل اهلل الخالق‪ ،‬رجال كان أم امرأة‪ ،‬وأن‬ ‫ٍ‬ ‫بسليم ذاك الموقف‬ ‫نثري بعضنا البعض‪ .‬وبالتالي‪ ،‬ليس‬ ‫الذي يزعم "محو االختالف الجنسي ألنه ال يعرف‬ ‫مواجهته"‪.121‬‬ ‫‪120‬‬ ‫خطاب أمام البرلمان األلماني في برلين (‪ 22‬سبتمبر‪/‬أيلول ‪ :)2011‬أعمال‬ ‫الكرسي الرسولي ‪.668 ،)2011( 103‬‬ ‫‪121‬‬ ‫المقابلة العامة‬ ‫(‪15‬‬ ‫أبريل‪/‬نيسان‬ ‫‪:)2015‬‬ ‫أوسيرفاتوري‬ ‫‪ 16 -L’Osservatore Romano‬أبريل‪/‬نيسان ‪.8 ،2015‬‬ ‫‪146‬‬ ‫رومانو‬ ‫‪ .VI‬مبدأ الخير العام‬ ‫‪ .156‬ال يمكن الفصل بين اإليكولوجية اإلنسانية‬ ‫وم َوحِّدا في‬ ‫ومفهوم الخير العام‪ ،‬مبدأ يلعب ا‬ ‫دور محورًّيا ُ‬ ‫األخالقية االجتماعية‪ .‬ألن "كافة األوضاع والظروف‬ ‫تسمح للجماعات‪ ،‬كما لك ّل فرد‬ ‫االجتماعية هي التي‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ويسرا"‪.122‬‬ ‫من أفرادها‪ ،‬ببلوغ الكمال بطريقة أكثر شموال ُ‬ ‫يفترض الخير العام احتر َام الشخص اإلنساني‬ ‫‪.157‬‬ ‫ُ‬ ‫لكونه شخصا‪ ،‬ذا حقوق أساسية غير قابلة للمساومة‪،‬‬ ‫وضعت لنموه الشامل‪ .‬يتطلب أيضا توفر مقومات‬ ‫الوسطية‬ ‫الرخاء واألمن االجتماعي وازدهار الجماعات‬ ‫ّ‬ ‫المختلفة‪ ،‬وتطبيق مبدأ االحتياط‪ .xv‬من بين تلك‬ ‫المقومات تظهر العائلة‪ ،‬كخلية أساسية للمجتمع‪.‬‬ ‫وأخيرا‪ ،‬يتطلب الخير العام السالم االجتماعي‪ ،‬الذي‬ ‫يعني استقرار وأمن نظام محدد‪ ،‬والذي ال يتحقق دون‬ ‫حرص خاص على العدالة التوزيعية‪ ،‬والتي إذا انتُ ِه َكت‬ ‫تولِّد دائما العنف‪ .‬إنه من واجب كل المجتمع –‬ ‫وباألخص الدولة– الدفاع عن الخير العام وتعزيزه‪.‬‬ ‫‪122‬‬ ‫المجمع الفاتيكاني الثاني‪ ،‬الدستور الرعائي فرح ورجاء ‪Gaudium et spes‬‬ ‫في الكنيسة في عالم اليوم‪.26 ،‬‬ ‫‪147‬‬ ‫‪ .158‬في األوضاع الحالية للمجتمع العالمي‪ ،‬حيث‬ ‫الكثير من عدم المساواة‪ ،‬وحيث يزداد عدد األشخاص‬ ‫المنبوذين‪،‬‬ ‫المهمشين‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫والذين‬ ‫تجاهلهما‪،‬‬ ‫يتم‬ ‫والمحرومين من الحقوق اإلنسانية األساسية‪ ،‬ويتحول‬ ‫مبدأ الخير العام حاال‪ ،‬كنتيجة منطقية وحتمية‪ ،‬إلى‬ ‫مناشدة للتضامن والى خيار تفضيلي لألكثر فقرا‪ .‬إن‬ ‫هذا الخيار‪ ،‬والذي يتطلب استنباط النتائج من التوزيع‬ ‫المشترك لخيرات األرض‪ ،‬ولكنه – كما حاولت التعبير‬ ‫عنه في اإلرشاد الرسولي فرح اإلنجيل‬ ‫‪123‬‬ ‫– يتطلب قبل‬ ‫كل شيء األخذ بعين االعتبار كرامة الفقير العظيمة‪،‬‬ ‫على ضوء قناعات اإليمان األكثر عمقا‪ .‬يكفي مجرد‬ ‫النظر للواقع كي نفهم أن هذا الخيار هو اآلن شرط‬ ‫أخالقي من أجل التحقيق الفعلي للخير العام‪.‬‬ ‫‪ .V‬العدالة بين األجيال‬ ‫‪ .159‬إن مفهوم الخير العام يشمل أيضا األجيال‬ ‫األزمات االقتصادية العالمية‪،‬‬ ‫اآلتية‪ .‬وقد أظهرت‬ ‫ُ‬ ‫‪123‬‬ ‫را‪ .‬أرقام ‪ :201 – 186‬أعمال الكرسي الرسولي ‪– 1098 ،)2013( 105‬‬ ‫‪.1105‬‬ ‫‪148‬‬ ‫فجة‪ ،‬األضرَار التي يسببها عدم االعتراف‬ ‫وبطريقة ّ‬ ‫بمصير مشترك‪ ،‬مصير ال يمكن أن َن ِ‬ ‫قصي عنه أولئك‬ ‫الذين سيأتون بعدنا‪ .‬إننا ال نستطيع التكلّم بعد عن‬ ‫تنمية مستدامة دون التّضامن ما بين األجيال‪ .‬فعندما‬ ‫نف ّكر في الحالة التي سنترك فيها كوكب األرض‬ ‫لألجيال اآلتية‪ ،‬فنحن ندخل في منطق آخر‪ ،‬منطق‬ ‫العطاء المجاني الذي نتلقاه ونعطيه‪ .‬فإن كانت األرض‬ ‫قد أ ِ‬ ‫ُعط َيت لنا‪ ،‬فال يمكننا التفكير فقط انطالقا من‬ ‫اإلنتاجية من أجل الربح‬ ‫الفعالية و‬ ‫معي ٍار‬ ‫ٍّ‬ ‫ّ‬ ‫نفعي يقوم على ّ‬ ‫ي‪ ،‬وانما‬ ‫الشخصي‪ .‬إننا ال نتكلّم هنا عن موقف اختيار ّ‬ ‫ّ‬ ‫عن مسألة عدالة جوهرية‪ ،‬انطالقا من أن األرض التي‬ ‫ك للذين سيأتون بعدنا‪ .‬وقد‬ ‫قد أُعطيت لنا‪ ،‬هي أيضا ِملّ ٌ‬ ‫مسؤولية واجب العدالة‬ ‫تحمل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫حث أساقفة البرتغال على ّ‬ ‫هذا‪" :‬تنتمي البيئة إلى منطق االستقبال‪ .‬إنه قرض‬ ‫يتلقّاه ك ّل جيل وعليه أن يسلّمه إلى الجيل التالي"‪.124‬‬ ‫إن إيكولوجية متكاملة تملك هذه الرؤية الواسعة‪.‬‬ ‫‪124‬‬ ‫مجلس األساقفة البرتغالي‪ ،‬رسالة رعوية المسؤولية المشتركة من أجل الخير‬ ‫العام ‪15( Responsabilidade solidária pelo bem comum‬‬ ‫سبتمبر‪/‬أيلول ‪.20 ،)2003‬‬ ‫‪149‬‬ ‫‪ .160‬أي نوع من العالم نريد تركه للذين سيأتون من‬ ‫يخص‬ ‫بعدنا‪ ،‬لألطفال الذين يكبرون؟ إن هذا السؤال ال‬ ‫ّ‬ ‫البيئةَ فقط بطر ٍ‬ ‫يقة معزولة‪ ،‬ألنه ال يمكن طرح المسألة‬ ‫بطريقة مجزأة‪ .‬فعندما نتساءل حول العالم الذي نريد‬ ‫توجه العالم‬ ‫تركه‪ ،‬فنحن نشير قبل كل شيء إلى ّ‬ ‫الشامل‪ ،‬والى معناه‪ ،‬والى َّ‬ ‫قي ِمه‪ .‬إن لم يتجاوب بداخلنا‬ ‫صدى هذا السؤال األساسي‪ ،‬فال أعتقد أن مخاوفنا‬ ‫البيئية سيكون لها تأثيرات هامة‪ .‬لكن إذا طُ ِرَح هذا‬ ‫السؤال بشجاعة‪ ،‬فإنه سيحملنا حتما لطرح أسئلة أخرى‬ ‫بطريقة مباشرة ًّ‬ ‫جدا‪ :‬ما الغاية من مرورنا بهذا العالم؟‬ ‫وألي هدف جئنا إلى الحياة؟ ولماذا نعمل ونجاهد؟‬ ‫ولماذا تحتاج إلينا هذه األرض؟ لهذا‪ ،‬لم يعد كافيا‬ ‫التأكيد بأن علينا أن نقلق من أجل األجيال اآلتية‪ .‬من‬ ‫الضروري أن نعي أن ما يتعرض للخطر هو كرامتنا‬ ‫بالذات‪ .‬فنحن أنفسنا أول المنتفعين من ترك كوكب‬ ‫صالح للسكن للبشرية التي ستخلفنا‪ .‬إنها مأساة تمسنا‬ ‫ِ‬ ‫مرورنا على هذه‬ ‫نحن أنفسنا‪ ،‬ألنها تمس معنى‬ ‫األرض‪.‬‬ ‫‪ .161‬ال يمكن النظر بعد اآلن إلى التوقعات الكارثية‬ ‫باستهزاء وتهكم‪ .‬فقد نترك لألجيال اآلتية الكثير من‬ ‫‪150‬‬ ‫معد ُل‬ ‫الحطام والصحاري والقذارة‪ .‬لقد تخطى‬ ‫ّ‬ ‫االستهالك‪ ،‬والهدر والتغيير البيئي‪ ،‬إمكانيات الكوكب‪،‬‬ ‫بحيث‪ ،‬إذا استمر نمط الحياة الحالي على منواله‪،‬‬ ‫فسوف ينتهي فقط بكوارث‪ ،‬كما يحدث دورًّيا في مناطق‬ ‫مختلفة‪ .‬يعتمد التخفيف من تأثيرات االختالل الحالي‬ ‫على ما نقوم به اآلن‪ ،‬وباألخص إذا ما فَ َّكرنا في‬ ‫سي َح ِّملُنا ّإياها الذين سوف يضطرون‬ ‫المسؤولية التي ُ‬ ‫تحمل العواقب األسوأ‪.‬‬ ‫إلى ُّ‬ ‫‪ .162‬إن صعوبة أخذ هذا التحدي على محمل الجد‬ ‫لها عالقة بتدهور أخالقي وثقافي‪ ،‬يرافق التدهور‬ ‫اإليكولوجي‪ .‬إن إنسان ما بعد الحداثة‪ ،‬رجال وامرأة‪،‬‬ ‫معرض لخطر أن يصبح انفراديًّا للغاية‪ ،‬فهناك الكثير‬ ‫من المشاكل االجتماعية الحالية يجب ربطهما بسياق‬ ‫البحث األناني عن إشباع فوري‪ ،‬وبأزمات العالقات‬ ‫العائلية واالجتماعية‪ ،‬وصعوبات االعتراف باآلخر‪.‬‬ ‫فمرات كثيرة نجد أنفسنا أمام استهالك مسرف وقصير‬ ‫أبناءهم‪ .‬هؤالء‬ ‫النظر من قبل الوالدين الذين يفسدون‬ ‫َ‬ ‫األبناء الذين يجدون صعوبة متزايدة في الحصول على‬ ‫بيت خاص بهم وتأسيس عائلة‪ .‬فضال عن ذلك‪ ،‬ترتبط‬ ‫عدم قدرتنا على التفكير بجدية باألجيال اآلتية بعدم‬ ‫‪151‬‬ ‫قدرتنا على توسيع نطاق مصالحنا الحالية‪ ،‬والتفكير في‬ ‫أولئك الذين ال يزالون مستبعدين من التنمية‪ .‬دعونا أال‬ ‫نفكر فقط بفقراء الغد‪ ،‬يكفي أن نتذكر فقراء اليوم‪ ،‬الذين‬ ‫لديهم القليل من السنين ليعيشوها على هذه األرض‪ ،‬وال‬ ‫يمكنهم االستمرار بالعيش فقط في حالة انتظار‪ .‬لهذا‬ ‫السبب "إلى جانب التضامن الصادق ما بين األجيال‪،‬‬ ‫ال بد من تأكيد الضرورة األدبية الملحة لتضامن متجدد‬ ‫داخل األجيال نفسها"‪.125‬‬ ‫‪ 125‬بندكتُس السادس عشر‪ ،‬رسالة بمناسبة اليوم العالمي للسالم ‪:8 ،2010‬‬ ‫أعمال الكرسي الرسولي ‪.45 ،)2010( 102‬‬ ‫‪152‬‬ ‫الفصل الخامس‬ ‫بعض اإلرشادات للتوجيه وللعمل‬ ‫وضع البشرية الحالي‪ ،‬سواء‬ ‫حاولت تحلي َل‬ ‫‪ .163‬قد‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫من حيث تصدعات الكوكب الذي نقطنه أو من حيث‬ ‫البيئي‪ .‬إن هذا التأمل‬ ‫المسببات البشرّية البحتة للتدهور‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تحول في المسار‬ ‫بالواقع يشير بحد ذاته إلى ضرورة ّ‬ ‫ويقترح علينا بعض التحركات‪ ،‬لنحاول اآلن رسم‬ ‫خطوط عريضة للحوار‪ ،‬تساعدنا على الخروج من‬ ‫دوامة التدمير الذاتي التي نغوص فيها‪.‬‬ ‫‪ .I‬الحوار حول البيئة في السياسة الدولية‬ ‫‪ .164‬لقد نشأ منذ أواسط القرن الماضي‪ ،‬بعد التغلب‬ ‫مي ٌل متزايد نحو استيعاب‬ ‫على الكثير من الصعوبات‪ّ ،‬‬ ‫األرض وكأنها وطن‪ ،‬واإلنسانية ك ّشعب يسكن بيتا‬ ‫مجرد أن نفهم بأن‬ ‫مشتركا‪ .‬العالم المترابط ال يعني فقط ّ‬ ‫العواقب الضارة الناجمة عن أنماط حياة وانتاج‬ ‫واستهالك تصيب الجميع‪ ،‬وانما يحثّنا قبل كل شيء‬ ‫ٍ‬ ‫منظور شامل وليس فقط‬ ‫على وضع حلول تنطلق من‬ ‫‪153‬‬ ‫دفاعا عن مصالح بعض البلدان‪ .‬إن هذا الترابط ُيلزمنا‬ ‫بالتفكير بأننا في ٍ‬ ‫عالم واحد‪ ،‬وفي مشروٍع مشترك‪ .‬بيد‬ ‫ًّ‬ ‫تكنولوجيا هائال‪،‬‬ ‫تطور‬ ‫ا‬ ‫نفسها التي أنتجت‬ ‫أن العبقرية ّ‬ ‫دولية‬ ‫فعالة إلدارة ّ‬ ‫تبدو غير قادرة على وضع أشكال ّ‬ ‫االجتماعية الخطيرة‪.‬‬ ‫البيئية و‬ ‫قادرة على ح ّل المصاعب‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫من الضروري لمواجهة المشاكل بطريقة جذرية‪ ،‬والتي‬ ‫التوصل‬ ‫ال يمكن حلّها عن طريق قوانين بلدان منفردة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫عالمي يقود‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬إلى وضع‬ ‫إلى إجماع‬ ‫ّ‬ ‫برامج زراعة مستدامة ومتنوعة‪ ،‬والى تنمية أشكال من‬ ‫الطاقة المتجددة وقليلة التلويث‪ ،‬والى تشجيع زيادة‬ ‫كفاءة استخدام الطاقة‪ ،‬والى تدعيم إدارة أفضل للموارد‬ ‫الحرجية والبحرية‪ ،‬والى تأمين المياه الصالحة للشرب‬ ‫ّ‬ ‫للجميع‪.‬‬ ‫التقنيات القائمة على‬ ‫‪ .165‬نعلم أنه يجب استبدال‬ ‫ّ‬ ‫احتراق الوقود األحفوري الملوث جدا – باألخص الفحم‬ ‫وكذلك النفط‪ ،‬وبشكل أقل ضر ار الغاز – بطريقة‬ ‫يجية ودون تأخير‪ .‬وطالما أنه لن يكون هناك تطوير‬ ‫تدر ّ‬ ‫للطاقات المتجددة‪ ،‬وهو ما يجب أن يكون قد بدأ‬ ‫الشرين أو البحث‬ ‫بالفعل‪ ،‬فمن المقبول اختيار أهون ّ‬ ‫انتقالية‪ .‬إال أن المجتمع الدولي حتى اآلن لم‬ ‫عن حلول‬ ‫ّ‬ ‫‪154‬‬ ‫اتفاقيات مالئمة حول مسؤولية أولئك الذين‬ ‫يتوصل إلى‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يتحملوا التكاليف األعلى لعملية استبدال‬ ‫يجب أن‬ ‫ّ‬ ‫البيئيةُ‪ ،‬في العقود‬ ‫الطاقة‪ .‬وقد اسفرت المسألةُ‬ ‫ّ‬ ‫الماضية‪ ،‬عن نقاش عام قد أعطى في المجتمعات‬ ‫المدنية مساحات أوسع للعديد من االلتزامات‪ ،‬ومن‬ ‫التفاني السخي‪ .‬بيد أن جواب السياسة والصناعة بطيء‬ ‫وال يتناسب مع مستوى التحدي العالمي‪ .‬بهذا المعنى‪،‬‬ ‫يمكن القول بأنه‪ ،‬في حين أن إنسان ما بعد عصر‬ ‫تميز بعدم‬ ‫ا‬ ‫بما بأنه كان األكثر‬ ‫سيذ َكر ر َّ‬ ‫الصناعة ُ‬ ‫المسؤولية‪ ،‬على مدى التاريخ‪ ،‬فإننا نأمل أن يتذكر‬ ‫تحمل‬ ‫التاريخ إنسان مطلع القرن الحادي والعشرين كونه ّ‬ ‫بسخاء مسؤولياته الجسام‪.‬‬ ‫‪ .166‬قد قطعت الحركةُ البيئيةُ في جميع أنحاء العالم‬ ‫ِ‬ ‫العديد من منظّمات‬ ‫جهود‬ ‫شوطا كبيرا‪ ،‬أَثرتها خالله‬ ‫ُ‬ ‫المدني‪ .‬سيكون من الصعب هنا أن نذكرها‬ ‫المجتمع‬ ‫ّ‬ ‫جميعا أو أن نعرض تاريخ مساهماتها‪ .‬لكن‪ ،‬وبفضل‬ ‫البيئية حاضرة على‬ ‫االلتزام الكبير‪ ،‬أصبحت المسائل‬ ‫ّ‬ ‫وتحولت إلى دعوة‬ ‫جداول األعمال العامة بشكل متزايد‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫العالمية حول‬ ‫مستمرة لتفكير بعيد المدى‪ .‬بيد أن القمم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ترق لمستوى التوقعات‪،‬‬ ‫البيئة في السنين األخيرة لم َ‬ ‫‪155‬‬ ‫التوصل إلى اتفاقيات‬ ‫ولغياب القرار السياسي‪ ،‬لم يتم‬ ‫ّ‬ ‫وفعالة حقّا‪.‬‬ ‫بيئية‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مهمة ّ‬ ‫عالمية ّ‬ ‫‪ .167‬تجدر اإلشارة هنا إلى المؤتمر الذي ُع ِق َد في ريو‬ ‫دي جنيرو سنة ‪ .1992‬وقد صدر عنه أن "البشر هم‬ ‫محور االهتمامات المتعلقة بالتنمية المستدامة"‪ .126‬وقد‬ ‫ُقر كذلك – لالستشهاد من بعض محتويات بيان‬ ‫أ َّ‬ ‫الدولي للعناية‬ ‫مؤتمر ستوكهولم (‪ – )1972‬التعاون‬ ‫ّ‬ ‫بالنظام اإليكولوجي لألرض بأكملها‪ ،‬والتزام كل َم ْن‬ ‫بتحمل التكاليف االقتصادية الناتجة‬ ‫التلوث‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫يتسبب في ّ‬ ‫البيئية ِّ‬ ‫لكل عمل أو‬ ‫عنه‪ ،‬وواجب تقيِّيم التأثيرات‬ ‫ّ‬ ‫الحد من تراكم الغازات‬ ‫مشروع‪ .‬كما اقترَح العمل على ّ‬ ‫الجو‪ ،‬بهدف‬ ‫المسببة في االحتباس الحرار ّ‬ ‫ي في طبقات ّ‬ ‫التصدي لالحترار العالمي‪ .‬كما وضع جدول أعمال مع‬ ‫ّ‬ ‫البيولوجي‪ ،‬وأعلن عن‬ ‫التنوع‬ ‫برنامج عمل ووثيقة تتناول ّ‬ ‫ّ‬ ‫الرغم من أن المؤتمر قد‬ ‫مبادئ متعلقّة بالغابات‪ .‬وعلى ّ‬ ‫ًّ‬ ‫ونبويا في تلك‬ ‫مثَّل خطوة إلى األمام‪ ،‬وكان حقًّا مبدعا‬ ‫الفترة من الزمن‪ ،‬إال أنه قد تم تنفيذ القليل من‬ ‫االتفاقيات‪ ،‬وذلك ألنه لم يتم وضع آليات مناسبة‬ ‫‪126‬‬ ‫بيان ريو دي جانيرو حول البيئة والتنمية‪ 14( ،‬يونيو‪/‬حزيران ‪ ،)1992‬المبدأ‬ ‫‪.1‬‬ ‫‪156‬‬ ‫للرقابة‪ ،‬وللمراجعة الدورية وللمعاقبة في حال عدم‬ ‫تنتظر وسائل‬ ‫االمتثال‪ .‬وال تزال المبادئ التي أصدرها‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫فعالة ومرنة‪.‬‬ ‫تنفيذ عملّية ّ‬ ‫‪ .168‬من بين الخبرات اإليجابية يمكن اإلشارة‪ ،‬على‬ ‫سبيل المثال‪ ،‬التفاقية بازل (‪ )Basilea‬حول مراقبة‬ ‫حركات نقل نفايات الخطرة والتخلص منها‪ ،‬مع نظام‬ ‫تبليغ‪ ،‬ومعايير تنظيمية وضوابط تابع له؛ وكذلك‬ ‫الم ِلزَمة بشأن التجارة الدولية المتعلقة بأنواع‬ ‫لالتفاقية ُ‬ ‫المهددة باالنقراض‪ ،‬والتي‬ ‫البرية‬ ‫ّ‬ ‫الحيوانات والنباتات ّ‬ ‫لي للقوانين‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫تتضمن بعثات للتحقق من التنفيذ الفع ّ‬ ‫فيينا لحماية األوزون‪ ،‬ولتطبيقها عبر‬ ‫وبفضل‬ ‫اتفاقية ّ‬ ‫ّ‬ ‫برتوكول مونتلاير وتعديالتها‪ ،‬يبدو أن مشكلة تقلص‬ ‫طبقة األوزون هذه قد بدأت تدخل مرحلة الحل‪.‬‬ ‫التصحر‪،‬‬ ‫التنوع البيولوجي و‬ ‫ّ‬ ‫‪ .169‬وفيما يتعلق برعاية ّ‬ ‫فإن التّقدم نحو إيجاد حلول كان قليل األهمية‪ .‬أما‬ ‫فالتقدم كان لألسف ضئيال‬ ‫التغير المناخي‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫بخصوص ّ‬ ‫المسببة لالحتباس الحراري‬ ‫الحد من الغازات‬ ‫جدا‪ .‬إن ّ‬ ‫ّ‬ ‫يتطلّب صدقا وشجاعة ومسؤولية‪ ،‬وباألخص من ِقَبل‬ ‫البلدان األكثر قدرة واألكثر تسببا في التلوث‪ .‬أما مؤتمر‬ ‫الم َس ّمى‬ ‫األمم المتحدة حول التنمية المستدامة‪ُ ،‬‬ ‫‪157‬‬ ‫ريو‪( 20+‬ريو دي جانيرو ‪ ،)2012‬فقد أصدر بيانا‬ ‫نهائيًّا مسهبا في محتواها وفي عدم جدوها‪.‬‬ ‫تقدم ملحوظ‬ ‫فالمفاوضات الدولية ال تستطيعُ إحرَاز ّ‬ ‫بسبب مواقف البلدان التي تضع مصالحها الوطنية‬ ‫أما أولئك‬ ‫الخاصة فوق مصالح الخير العام العالمي‪َّ .‬‬ ‫الذين سيعانون من هذه العواقب التي نحاول إخفاءها‪،‬‬ ‫سيتذ ّكرون هذا النقص في الوعي وفي المسؤولية‪ .‬وقد‬ ‫الحدة‪ ،‬أثناء إعداد هذه‬ ‫بلغ النقاش مستوى مرتفعا من ّ‬ ‫الرسالة العامة‪ .‬لهذا‪ ،‬نحن المؤمنين‪ ،‬ال نستطيع إال أن‬ ‫نتضرع إلى اهلل من أجل حسن سير هذه المناقشات‬ ‫ّ‬ ‫الحالية‪ ،‬لكيال تعاني األجيال اآلتية من عواقب هذه‬ ‫التأخيرات غير الحصيفة‪.‬‬ ‫‪ .170‬إن بعض االستراتيجيات التي تهدف إلى‬ ‫تخفيض انبعاث الغازات الملوثة تسعى إلى تدويل‬ ‫البيئية‪ ،‬مع خطر فرض التزامات ثقيلة‬ ‫التكاليف‬ ‫ّ‬ ‫لتخفيض االنبعاثات‪ ،‬على البلدان ذات الموارد القليلة‪،‬‬ ‫مقارنة مع ما ُيطلب من البلدان الصناعية‪ .‬إن فرض‬ ‫هذه التدابير يصيب بالشلل تلك البلدان النامية التي هي‬ ‫أشد الحاجة إلى التنمية‪ .‬وبهذه الطريقة يضاف ظلم‬ ‫في ّ‬ ‫جديد تحت غطاء العناية بالبيئة‪ .‬في هذه الحالة أيضا‬ ‫‪158‬‬ ‫المناخية‬ ‫تزداد الحالة سوءا‪ .‬وبما أن تأثيرات التغييرات‬ ‫ّ‬ ‫تكون ملموسة بعد زمن غير وجيز‪ ،‬وحتى إن اتُ ِخ َذت‬ ‫اآلن تدابير حازمة‪ ،‬فسوف تحتاج بعض البلدان ذات‬ ‫التكيف مع‬ ‫الموارد النادرة إلى المساعدة‪ ،‬من أجل‬ ‫ّ‬ ‫التأثيرات التي تنتجها اآلن والتي تضر باقتصادها‪.‬‬ ‫مسؤوليات مشتركة‪ ،‬ولكنها متباينة‪،‬‬ ‫يبقى أكيدا أن هناك‬ ‫ّ‬ ‫ألن وببساطة‪ ،‬كما أكد أساقفة بوليفيا‪" :‬الدول التي‬ ‫استفادت من امتالك مستويات عالية من التصنيع‪،‬‬ ‫المسببة‬ ‫على حساب إنتاج انبعاثات هائلة من الغازات‬ ‫ّ‬ ‫لالحتباس الحراري‪ ،‬هي الدول التي لديها مسؤولية أكبر‬ ‫في اإلسهام في توفير ح ّل للمشاكل التي تسببت‬ ‫بها"‪.127‬‬ ‫‪ .171‬إن استراتيجية بيع وشراء "أرصدة االنبعاثات" قد‬ ‫تفسح المجال لنوع جديد من المضاربة‪ ،‬ولن تساعد في‬ ‫الملوثة‪ .‬يبدو هذا‬ ‫تخفيض االنبعاث العام للغازات‬ ‫ّ‬ ‫النظام وكأنه يوفّر ًّ‬ ‫ِ‬ ‫ستار‬ ‫حال سريعا وسهال‪ ،‬تحت‬ ‫ّ‬ ‫بعض االلتزام الظاهري بالمحافظة على البيئة‪ ،‬ولكنه ال‬ ‫‪127‬‬ ‫مجلس أساقفة بوليفيا‪ ،‬رسالة رعوية حول البيئة والنمو اإلنساني في بوليفيا‬ ‫الكون‪ ،‬عطية من اهلل للحياة ‪El Universo, don de Dios para la Vida‬‬ ‫)‪.86 ،(2012‬‬ ‫‪159‬‬ ‫ٍ‬ ‫تغيير جذرًّيا على‬ ‫ا‬ ‫حال من األحوال‪،‬‬ ‫بأي‬ ‫يفرض‪ّ ،‬‬ ‫مستوى الظروف الراهنة‪ .‬على العكس‪ ،‬يمكنه أن يصبح‬ ‫وسيلة للتحايل‪ ،‬من شأنها دعم االستهالك المفرط‬ ‫لبعض البلدان والقطاعات‪.‬‬ ‫‪ .172‬يجب أن توجه أولويات البلدان الفقيرة الستئصال‬ ‫البؤس وللتنمية االجتماعية لس ّكانها؛ وفي ذات الوقت‬ ‫المشين لبعض‬ ‫عليها دراسة المستوى االستهالكي ُ‬ ‫ميزة‪ ،‬والتصدي للفساد بشكل‬ ‫قطاعات شعوبها الم ّ‬ ‫أفضل‪ .‬يجب عليها أيضا تطوير سبل إلنتاج طاقة‬ ‫تكون أقل تلويثا للبيئة‪ ،‬وهي تحتاج في هذا الصدد‪ ،‬إلى‬ ‫التلوث‬ ‫ا‬ ‫مساعدة الدول التي شهدت نموا‬ ‫كبير كان ثمنه ّ‬ ‫الحالي للكوكب‪ .‬يتطلب االستثمار المباشر للطاقة‬ ‫ّ‬ ‫آليات واعانات تسمح للبلدان‬ ‫الشمسية الغزيرة إرساء ّ‬ ‫ّ‬ ‫النامية بالحصول على نقل التكنولوجيا‪ ،‬والمساعدة‬ ‫مستمرة لألوضاع‬ ‫المالية‪ ،‬مع مراعاة‬ ‫التقنية‪ ،‬والموارد‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫كاف‬ ‫الواقعية‪ ،‬حيث أنه "ال يتم دائما وضع تقييم‬ ‫ص ِّم َمت من‬ ‫البنى‬ ‫ّ‬ ‫للتوفيق ما بين ُ‬ ‫التحتية و ّ‬ ‫السياق الذي ُ‬ ‫أجله"‪ .128‬ستُعتََبر التكاليف دائما منخفضة إذا ما‬ ‫‪ 128‬المجلس الحبري "للعدالة والسالم"‪ ،‬طاقة‪ ،‬عدالة وسالم ‪Energia, Giustizia‬‬ ‫‪ ،1 ،IV ،e Pace‬حاضرة الفاتيكان (‪.57 ،)2013‬‬ ‫‪160‬‬ ‫قورنت مع خطر التغييرات المناخية‪ .‬إن األمر هو‪ ،‬قبل‬ ‫أخالقي‪ ،‬يقوم على تضامن جميع‬ ‫كل شيء‪ ،‬قرار‬ ‫ّ‬ ‫شعوب‪.‬‬ ‫وضع قيد‬ ‫‪ .173‬هناك حاجة لعقد اتفاقيات‬ ‫ّ‬ ‫دولية تُ َ‬ ‫التنفيذ‪ ،‬وتأخذ بعين االعتبار عدم قدرة السلطات‬ ‫فعالة‪ .‬ويجب على‬ ‫المحلّية على‬ ‫ّ‬ ‫التدخل بطريقة ّ‬ ‫العالقات ما بين البلدان أن تراعي سيادة ك ّل منها‪،‬‬ ‫لتجنب كوارث‬ ‫افقية ّ‬ ‫ولكن يجب أيضا ترسيخ مسارات تو ّ‬ ‫تؤدي في النهاية إلى إلحاق الضرر بالجميع‪.‬‬ ‫محلّية ّ‬ ‫تنظيمي ٍة عالمية تَ ِ‬ ‫هناك حاجة أيضا أل ٍ‬ ‫ض‬ ‫ُطر‬ ‫ّ‬ ‫فر ُ‬ ‫ٍ‬ ‫دون اإلجراءات غير المقبولة‪ ،‬على‬ ‫التزامات‪ ،‬وتَحو ُل َ‬ ‫القوية للتخلص من فضالت‬ ‫غرار ما تفعله الدول‬ ‫ّ‬ ‫وصناعات عالية التلوث عن طريق نقلها إلى بلدان‬ ‫أخرى‪.‬‬ ‫‪ .174‬نذكر أيضا نظام إدارة المحيطات‪ .‬ألنه برغم‬ ‫قليمية‪ ،‬إال أن بعثرة وغياب‬ ‫اتفاقيات‬ ‫وجود‬ ‫دولية وا ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫آليات صارمة للتّنظيم‪ ،‬والضبط والمعاقبة‪ ،‬يقود بالنهاية‬ ‫ّ‬ ‫البحرية‬ ‫إلى إفشال ك ّل الجهود‪ .‬إن مشكلة النفايات‬ ‫ّ‬ ‫البحرية الواقعة خارج الحدود‬ ‫المتفاقمة وحماية المناطق‬ ‫ّ‬ ‫تحدًّيا خاصًّا‪ .‬في النهاية نحن‬ ‫الوطنية ال تزال تش ّكل ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪161‬‬ ‫بحاجة لالتفاق حول أنظمة إدارة‪ ،‬لكل األمور التي‬ ‫ُيطلق عليها الخيرات المشتركة الشاملة‪.‬‬ ‫‪ .175‬إن المنطق نفسه الذي يجعل من الصعب اتّخاذ‬ ‫ي‪ ،‬هو‬ ‫ق اررات جذرّية للتصدي لظاهرة االحتباس الحرار ّ‬ ‫الذي يمنع أيضا من تحقيق هدف استئصال الفقر‪ .‬إننا‬ ‫تتضمن‪ ،‬في‬ ‫مسؤولية‬ ‫عالمية أكثر‬ ‫ردة فعل‬ ‫بحاجة إلى ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الوقت ذاته‪ ،‬مواجهة مسألة خفض التلوث ومسألة تنمية‬ ‫البلدان والمناطق الفقيرة‪ .‬فبينما القرن الواحد والعشرون‬ ‫ُيبقي على نظام إدارة عتيق يعود للماضي‪ ،‬فإنه يشهد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الوطنية‪ ،‬وباألخص ألن البعد‬ ‫الدول‬ ‫سلطات‬ ‫تََرِّديا في‬ ‫ّ‬ ‫االقتصادي‪-‬المالي‪ ،‬ببعده متعدد الجنسيات‪ ،‬يميل إلى‬ ‫السياق‪ ،‬يصبح من‬ ‫السياسة‪ .‬في هذا ّ‬ ‫الهيمنة على ّ‬ ‫دولية أكثر قوة ومنظمة بطريقة‬ ‫ي إقامة هيئات ّ‬ ‫الضرور ّ‬ ‫فعالة‪ ،‬تمتلك سلطات محددة بشكل ُمنصف من خالل‬ ‫ّ‬ ‫االتفاق ما بين الحكومات الوطنية‪ ،‬ومتمتعة بسلطة‬ ‫فرض عقوبات‪ .‬وكما أكد بندكتُس السادس عشر‪ ،‬في‬ ‫طورته العقيدة االجتماعية للكنيسة‪،‬‬ ‫ذات التوجه الذي قد َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أن "هناك حاجة عاجلة لس ٍ‬ ‫ك‬ ‫سياسية‬ ‫لطة‬ ‫عالمية‪ ،‬كتل َ‬ ‫ُ‬ ‫الثالث‬ ‫طها األولى سلفي [القديس] يوحنا‬ ‫سم خطو َ‬ ‫ُ‬ ‫التي ر َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫والعشرون‪ ،‬وذلك من ِ‬ ‫العالمي؛‬ ‫اإلقتصاد‬ ‫قيادة‬ ‫أجل‬ ‫ّ‬ ‫‪162‬‬ ‫ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫ِ‬ ‫لمنع تفاقُ ِمها‬ ‫اإلقتصادات المتأثِّرة‬ ‫تأهيل‬ ‫عادة‬ ‫باألزم ِة‪ِ ،‬‬ ‫َ‬ ‫ب عليها من خلَ ٍل؛ ولتحقي ِ‬ ‫تام‬ ‫ق نزِع‬ ‫ٍ‬ ‫سالح ٍّ‬ ‫وتفاقُِم ما يترتَّ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫األمن الغذائي والس ِ‬ ‫وم ٍ‬ ‫ِ‬ ‫الئم و ِ‬ ‫البيئة‬ ‫حماية‬ ‫ولضمان‬ ‫الم؛‬ ‫ُ‬ ‫‪129‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫تدفقات الهجرة" ‪ .‬ولهذا الغرض‪ ،‬تكتسب‬ ‫وتنظيم‬ ‫الدبلوماسية أهمية غير مسبوقة‪ ،‬بهدف تعزيز‬ ‫دولية تستبق األزمات األكثر خطورة والتي‬ ‫اتيجيات ّ‬ ‫استر ّ‬ ‫قد تنتهي دائما بإلحاق الضرر بالجميع‪.‬‬ ‫‪ .II‬الحوار من أجل سياسات وطنية ومحلّية جديدة‬ ‫‪ .176‬ال يوجد فقط رابحون وخاسرون ما بين الدول‪،‬‬ ‫بل وأيضا ما بين البلدان الفقيرة‪ ،‬حيث ينبغي تحديد‬ ‫المسؤوليات المختلفة‪ .‬لهذا السبب‪ ،‬فإنه لم يعد من‬ ‫الممكن تحديد المشاكل المرتبطة بالبيئة وبالنمو‬ ‫االقتصادي فقط انطالقا من االختالف ما بين البلدان‪،‬‬ ‫وانما يتطلب التركيز على السياسات الوطنية والمحلية‪.‬‬ ‫‪129‬‬ ‫بندكتس السادس عشر‪ ،‬الرسالة العامة المحبة في الحقيقة‬ ‫‪Caritas in‬‬ ‫‪ 29( veritate‬يونيو‪/‬حزيران ‪ :67 ،)2009‬أعمال الكرسي الرسولي ‪101‬‬ ‫(‪.700 ،)2009‬‬ ‫‪163‬‬ ‫‪ .177‬أمام إمكانية استعمال القدرات البشرية بطريقة‬ ‫غير مسؤولة‪ ،‬هناك مهام ملزمة على كل دولة اتخاذها‬ ‫داخل حدود أراضيها كوضع الخطط‪ ،‬والتنسيق‪ ،‬والسهر‬ ‫وفرض العقوبات‪ .‬فبأية طريقة ينظم المجتمع مستقبله‬ ‫ويحميه‪ ،‬في سياق ابتكارات تكنولوجية مستمرة؟ إن أحد‬ ‫فعال هو القانون‪ ،‬والذي‬ ‫العناصر الذي يعمل كمنظم ّ‬ ‫يضع قواعد التصرفات المباحة على ضوء الخير العام‪.‬‬ ‫إن الحدود التي يجب أن يفرضها مجتمعٌ سليم‪ ،‬وناضج‬ ‫وذو سيادة‪ ،‬هي التي تتعلق‪ :‬باالستباق والوقاية‪ ،‬ووضع‬ ‫القواعد التنظيمية المناسبة‪ ،‬والسهر على تطبيق‬ ‫الفعالة حالة ظهور‬ ‫القوانين‪ ،‬والتصدي للفساد‪ ،‬والسيطرة ّ‬ ‫تأثيرات غير المرغوب فيها لعمليات اإلنتاج‪ ،‬والتدخل‬ ‫المناسب أمام مخاطر محتملة أو مؤكدة‪ .‬هناك تزايد في‬ ‫َح ِ‬ ‫كام القضائية التي تهدف إلى تقليل تأثيرات‬ ‫األ ْ‬ ‫َّ‬ ‫لكن الهيكليات‬ ‫المشاريع التجارية المسببة التلوث‪.‬‬ ‫السياسية والمؤسسية ليست موجودة فقط لتجنب األعمال‬ ‫اإلجرامية‪ ،‬وانما أيضا لتشجيع الخبرات اإليجابية‪،‬‬ ‫ولتحفيز اإلبداع الذي يبحث عن طرق جديدة‪ ،‬ولتسهيل‬ ‫المبادرات الشخصية والجماعية‪.‬‬ ‫‪164‬‬ ‫‪ .178‬إن مأساة سياسة ترتكز على النتائج الفورية‪،‬‬ ‫والمدعومة أيضا من ِقَبل شعوب مستهلكة‪ ،‬تجعل من‬ ‫الضروري انتاج نمو على المدى القريب‪ .‬والحكومات‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫نفسها بسهولة‬ ‫استجابة لمصالح انتخابية‪ ،‬ال‬ ‫تعرض ّ‬ ‫لخطر إزعاج الشعب باتخاذ تدابير جريئة يمكنها الحد‬ ‫من مستوى االستهالك أو المجازفة باستثمارات خارجية‪.‬‬ ‫إن ِقصر نظر منطق السلطة يبطئ عملية إدماج‬ ‫البرنامج البيئي الواسع األفق في جدول أعمال‬ ‫الحكومات العام‪ .‬فننسى هكذا أن "الزمن أسمى من‬ ‫المساحة"‪ ،130‬وأننا سنكون أكثر خصوبة حين نهتم‬ ‫بإنتاج مشاريع‪ ،‬أكثر من اهتمامنا بالهيمنة على‬ ‫مساحات السلطة‪ .‬إن العظمة السياسية تظهر حين يتم‪،‬‬ ‫وال سيما في األوقات الصعبة‪ ،‬العمل بالمبادئ العظيمة‬ ‫والتفكير بالخير العام على المدى البعيد‪َّ .‬‬ ‫لكن السلطة‬ ‫السياسية تجد صعوبة بالغة في تبني هذا الواجب داخل‬ ‫مشروع وطني‪.‬‬ ‫‪ .179‬في بعض األماكن‪ ،‬يتم تطوير تعاونيات تعمل‬ ‫على استثمار الطاقات المتجددة‪ ،‬التي تسمح باالكتفاء‬ ‫‪130‬‬ ‫اإلرشاد الرسولي فرح اإلنجيل ‪ 24( Evangelii gaudium‬نوفمبر‪/‬تشرين‬ ‫الثاني ‪ :222 ،)2013‬أعمال الكرسي الرسولي ‪.1111 ،)2013( 105‬‬ ‫‪165‬‬ ‫الذاتي المحلي‪ ،‬بل وحتى ببيع ما يفيض من اإلنتاج‪.‬‬ ‫يشير هذا المثل البسيط إلى أنه ‪-‬في حين يبدو النظام‬ ‫العالمي القائم غير قادر على تحمل المسؤولية‪ -‬يمكن‬ ‫ًّ‬ ‫حقيقيا‪ .‬في الحقيقة‪ ،‬هنا‬ ‫للطلب المحلي أن يحدث فرقا‬ ‫وحس‬ ‫يمكن أن يولد قدر أكبر من الشعور بالمسؤولية‪ٌّ ،‬‬ ‫سخي‪،‬‬ ‫ٌّ‬ ‫ٌّ‬ ‫جماعي قويٌّ‪ ،‬وقدرة خاصة على االلتزام‪ ،‬وابداعٌ‬ ‫عميق لألرض‪ ،‬وهنا يتم أيضا التفكير بما سوف‬ ‫وحب‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫جذور متأصلة‬ ‫ا‬ ‫القيم‬ ‫ُيترك لألبناء ولألحفاد‪ .‬إن لهذه ّ‬ ‫لدى السكان األصليين‪ .‬ألن القانون‪ ،‬والذي قد يبدو في‬ ‫ار‬ ‫بعض األحيان غير كاف بسبب الفساد‪ ،‬يتطلب قر ا‬ ‫ًّ‬ ‫سياسيا يصاحبه ضغط شعبي‪ .‬فعلى المجتمع‪ ،‬عبر‬ ‫المنظمات غير الحكومية والجمعيات الوسيطة‪ ،‬أن ُيرغم‬ ‫الحكومات على تطوير قوانين واجراءات وضوابط أكثر‬ ‫حزما‪ .‬فإن لم يراقب المواطنون السلطةَ السياسية –‬ ‫الوطنية‪ ،‬اإلقليمية والبلدية– فإن مراقبة األضرار التي‬ ‫تلحق بالبيئة غير ممكنة كذلك‪ .‬من جهة أخرى‪ ،‬يمكن‬ ‫لقوانين البلديات أن تكون أكثر فعالية لدى قيام اتفاقيات‬ ‫بين شعوب مجاورة‪ ،‬لدعم سياسة بيئية موحدة‪.‬‬ ‫‪ .180‬ال يمكن التفكير في وصفات موحدة‪ ،‬ألن لكل‬ ‫بلد أو منطقة مشاكلها وحدودها الخاصة‪ .‬صحيح أيضا‬ ‫‪166‬‬ ‫أن‬ ‫البراغماتية‬ ‫السياسية‬ ‫قد‬ ‫تفرض‬ ‫إجراءات‬ ‫وتكنولوجيات انتقالية‪ ،‬شريطة أن يرافقها خطة لقبول‬ ‫التعهدات التدرجية والملزمة‪ .‬لكن‪ ،‬في الوقت نفسه‪،‬‬ ‫على المستوى الوطني والمحلي هناك دائما الكثير للقيام‬ ‫به‪ ،‬مثل تعزيز توفير الطاقة‪ .‬وهذا يتطلب تعزيز أشكال‬ ‫من اإلنتاج الصناعي تستخدم الطاقة بفعالية قصوى‬ ‫وبأدنى كمية من المواد األولية‪ ،‬ورفع المنتجات قليلة‬ ‫الفعالية‪ ،‬من جهة الطاقة‪ ،‬أو الكثيرة التلويث‪ ،‬من‬ ‫األسواق‪ .‬كما يمكننا اإلشارة لتحسين وسائل النقل أو‬ ‫استخدام تقنيات بناء وترميم المباني التي تخفض من‬ ‫استخدام الطاقة ومن مستوى التلوث الذي تنتجه‪ .‬من‬ ‫جهة أخرى‪ ،‬يمكن لنشاط السياسة المحلية االتجاه نحو‬ ‫تغيير االستهالك‪ ،‬وتنمية تدابير خاصة بالنفايات‬ ‫واعادة التدوير‪ ،‬والى حماية األصناف المهددة‪ ،‬والى‬ ‫وضع برنامج لزراعة متنوعة تشمل تناوب المحاصيل‪.‬‬ ‫من الممكن أيضا تشجيع اإلصالح الزراعي في‬ ‫المناطق الفقيرة‪ ،‬بواسطة استثمارات في البِ ِ‬ ‫نية التحتية‬ ‫الريفية‪ ،‬وتنظيم السوق المحلية أو الوطنية‪ ،‬في نظم‬ ‫الري‪ ،‬وفي تطوير تقنيات زراعية مستدامة‪ .‬يمكن‬ ‫النظم الجماعية التي‬ ‫تسهيل أشكال من التعاون أو ُ‬ ‫‪167‬‬ ‫تدافع عن مصالح صغار المنتجين‪ ،‬وتحمي النظم‬ ‫اإليكولوجية المحلية من الخراب‪ .‬في الواقع هناك الكثير‬ ‫من األمور التي يمكن القيام بها!‬ ‫‪ .181‬ال بديل عن االستم اررية‪ ،‬ألنه ال يمكن استبدال‬ ‫المناخية وبحماية البيئة في‬ ‫السياسات المتعلقة بالتغيرات‬ ‫ّ‬ ‫كل مرة تتبدل فيها حكومة ما‪ .‬فالنتائج تتطلب وقتا‬ ‫طويال وتفترض تكاليف فورية قد ال تظهر نتائجها في‬ ‫فترة والية حكومة واحدة‪ .‬لهذا‪ ،‬دون ضغط الشعب‬ ‫والمؤسسات‪ ،‬سيقابل أي تدخل بمقاومة‪ ،‬وباألخص عند‬ ‫تحمل رجل‬ ‫ظهور أمور ملّحة تحتاج لمواجهة‪ .‬إن ّ‬ ‫سياسة لهذه المسؤوليات بكل ما تعنيه من تكاليف‪ ،‬ال‬ ‫يتماشى مع منطق النجاعة و"الفورية" لالقتصاد‬ ‫وللسياسة الحاليين‪ ،‬ولكن إن امتلك شجاعة القيام بهذا‪،‬‬ ‫فإنه سيتمكن مجددا من التعرف على الكرامة التي‬ ‫أعطاها اهللُ إياه كشخص‪ ،‬وسيترك‪ ،‬بعد مروره في هذا‬ ‫الزمن‪ ،‬شهادة مسؤولية سخية‪ .‬من الضروري إعطاء‬ ‫مساحة أكبر لسياسة صحيحة‪ ،‬قادرة على إصالح‬ ‫المؤسسات وتنسيقها‪ ،‬وتزويدها بممارسات صالحة‪،‬‬ ‫تسمح بتخطي الضغوطات والخمول الفاسد‪ .‬كذلك يجب‬ ‫التأكيد على أن أفضل اآلليات‪ ،‬في نهاية األمر‪ ،‬يفشل‬ ‫‪168‬‬ ‫عندما ال تكون هناك أهداف عظيمة‪ ،‬وقيم نبيلة‪،‬‬ ‫ومفهوم إنساني غني بالمعنى وقادر على أن يعطي لك ّل‬ ‫ًّ‬ ‫وسخيا‪.‬‬ ‫مجتمع توجها نبيال‬ ‫‪ .III‬حوار وشفافية في اتخاذ الق اررات‬ ‫‪ .182‬إن توقع التأثيرات البيئية الناتجة عن المبادرات‬ ‫التجارية وعن برامج العمل يتطلب عمليات سياسية‬ ‫شفافة‪ ،‬وخاضعة للحوار‪ ،‬في حين أن الفساد الذي‬ ‫ي ِ‬ ‫خفي التأثير البيئي الحقيقي لمشروع ما‪ ،‬مقابل‬ ‫ُ‬ ‫الحصول على منافع خاصة‪ ،‬يحمل على إبرام اتفاقيات‬ ‫ُمبهمة تتهرب من واجب توفير المعلومات ومن النقاش‬ ‫المتعمق‪.‬‬ ‫‪ .183‬ال ينبغي لدراسة التأثيرات البيئية أن تكون الحقة‬ ‫لوضع مشروع إنتاجي أو ألي سياسة أو خطة أو‬ ‫برنامج‪ .‬بل يجب إدراجها منذ البداية واعدادها بطريقة‬ ‫التخصصات المتعددة‪ ،‬وشفافة ومستقلّة عن‬ ‫تعتمد على‬ ‫ّ‬ ‫أي ضغط اقتصادي أو سياسي‪ .‬يجب ربطها أيضا‬ ‫بدراسة ظروف العمل وبالتأثيرات المحتملة على صحة‬ ‫لعقلية‪ ،‬وعلى االقتصاد المحلّي‪،‬‬ ‫األشخاص الجسدية وا ّ‬ ‫وعلى األمن‪ .‬يمكن هكذا توقع النتائج االقتصادية‬ ‫‪169‬‬ ‫بطريقة‬ ‫أكثر‬ ‫واقعية‪،‬‬ ‫آخذين‬ ‫بعين‬ ‫االعتبار‬ ‫السيناريوهات الممكنة ومستبقين ضرورة استثمار أكبر‬ ‫إذا لزم األمر‪ ،‬من أجل إصالح التأثيرات غير المرغوب‬ ‫فيها إن أمكن‪ .‬إنه من الضروري دائما التوصل إلى‬ ‫توافق في اآلراء بين مختلف الجهات الفاعلة‬ ‫االجتماعية‪ ،‬والتي باستطاعتها طرح وجهات نظر‬ ‫مختلفة وحلول وبدائل‪ .‬لكن على طاولة النقاش يجب‬ ‫مميز للس ّكان المحليين الذين يتساءلون‬ ‫إعطاء مكان ّ‬ ‫يتمنونه ألنفسهم وألوالدهم‪ ،‬وبمقدورهم تقييم‬ ‫عما‬ ‫ّ‬ ‫األهداف التي تتجاوز المصالح االقتصادية المباشرة‪.‬‬ ‫إننا بحاجة أيضا إلى التخلي عن فكرة "التدخالت" في‬ ‫البيئة‪ ،‬إلفساح المجال لسياسات مدروسة ومناقشة من‬ ‫ِقَب ِل جميع األطراف المعنية‪ .‬إن المشاركة تتطلب توفير‬ ‫معلومات كافية للجميع حول مختلف الجوانب‬ ‫والمخاطر واالحتماالت المختلفة‪ ،‬وعدم االقتصار على‬ ‫القرار المبدئي للمشروع‪ ،‬كما تتعلق بأعمال المتابعة‬ ‫والرقابة المستمرة‪ .‬هناك حاجة إلى إخالص وصدق في‬ ‫المناقشات العلمية والسياسية‪ ،‬دون االقتصار فقط على‬ ‫اعتبار ما هو جائز قانونيًّا أو ما هو غير جائز‪.‬‬ ‫‪170‬‬ ‫‪ .184‬حين تظهر مخاطر محتملة على البيئة تمس‬ ‫الخير العام الحاضر والمستقبلي‪ ،‬يتطلب هذا الوضع‬ ‫"أن تستند الق اررات إلى المقارنة بين المخاطر والفوائد‬ ‫المتوقعة لمختلف الخيارات البديلة والممكنة"‪ .131‬وهذا‬ ‫يصح بشكل خاص إذا تسبب مشروع في زيادة استغالل‬ ‫الموارد الطبيعية‪ ،‬أو االنبعاثات والنفايات‪ ،‬أو الهدر أو‬ ‫طبِ ِ‬ ‫يعَّية‬ ‫تغيير كبير في المناظر الطبيعية أو في البِ َيئة ال َ‬ ‫لألصناف المحميِّة أو في مكان عام‪ .‬إن بعض‬ ‫المشاريع التي ال تعتمد على دراسة كافية قد تلحق‬ ‫ضرر بالغا بنوعية الحياة في مكان ما‪ ،‬بسبب عوامل‬ ‫ا‬ ‫مختلفة جدا فيما بينها‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬كالتلوث‬ ‫السمعي غير المتوقّع‪ ،‬أو الحد من مجال الرؤية‪ ،‬أو‬ ‫فقدان القيِّم الثقافية‪ ،‬أو تأثيرات استخدام الطاقة النووية‪.‬‬ ‫إن الثقافة االستهالكية‪ ،‬التي تعطي األولوية للمدى‬ ‫القصير للمنفعة الخاصة‪ ،‬يمكن أن تشجِّع على اتخاذ‬ ‫إجراءات سريعة للغاية أو السماح بإخفاء معلومات‪.‬‬ ‫‪ .185‬في كل مناقشة تتعلق بمشروع تجاري من‬ ‫الضروري طرح الئحة من األسئلة‪ ،‬للوصول إلى ِّ‬ ‫تمييز‬ ‫‪131‬‬ ‫المجلس الحبري "للعدالة والسالم"‪ ،‬موجز العقيدة االجتماعية للكنيسة‪.469 ،‬‬ ‫‪171‬‬ ‫ما إذا كان سيحقق أو ال تنمية حقيقية متكاملة‪ :‬من‬ ‫أجل أي هدف؟ بأي باعث؟ أين؟ متى؟ بأية طريقة؟‬ ‫لمن يتوجه؟ ما هي األخطار؟ ما هي التكاليف؟ من‬ ‫يدفع هذه التكاليف وكيف؟ في هذا التحليل توجد مسائل‬ ‫يجب إعطاؤها األولوية‪ .‬على سبيل المثال‪ ،‬نعرف أن‬ ‫المياه تُ ِّ‬ ‫نادر وضرورًّيا‪ ،‬فضال عن أن‬ ‫ا‬ ‫شكل موردا‬ ‫أساسي يؤثّر على ممارسة حقوق‬ ‫حق‬ ‫ٌّ‬ ‫الوصول إليها ٌ‬ ‫اإلنسان األخرى‪ .‬إنها حقيقة ال يرقى إليها الشك وتفوق‬ ‫أي دراسة أخرى حول التأثيرات البيئية في منطقة ما‪.‬‬ ‫‪ .186‬في البيان الصادر عن مؤتمر ريو في ‪،1992‬‬ ‫أ ِ‬ ‫ُعتم َد أنه "في حالة وجود أخطار ذات أضرار جسيمة‬ ‫أو ال رجعة فيها‪ ،‬فإنه ال ينبغي التذرع بعدم الوصول‬ ‫لليقين العلمي الكامل للتأخر في اتخاذ تدابير فعالة"‬ ‫‪132‬‬ ‫التي من شأنها منع التدهور البيئي‪ .‬يسمح هذا المبدأ‬ ‫الوقائي بحماية من هم أكثر ضعفا والذين ال يتمتّعون‬ ‫سوى بالقليل من وسائل الدفاع عن أنفسهم وتقديم أدلة‬ ‫دامغة‪ .‬إذا أشارت المعلومات الموضوعية إلى إمكانية‬ ‫حدوث ضرر خطير ال رجعة فيه ‪-‬حتى في حالة‬ ‫‪132‬‬ ‫بيان ريو دي جانيرو حول البيئة والتنمية‪ 14( ،‬يونيو‪/‬حزيران ‪ ،)1992‬المبدأ‬ ‫‪.15‬‬ ‫‪172‬‬ ‫غياب دالئل غير قابلة للنقاش‪ -‬يجب إيقاف المشروع‪،‬‬ ‫ًّأيا كان أو تعديله‪ .‬فعبء توفير الدالئل ينقلب بهذه‬ ‫الطريقة‪ ،‬ألنه‪ ،‬في هذه الحاالت‪ ،‬يجب توفير عرض‬ ‫المقترح لن يتسبب في‬ ‫موضوعي ومقنع بأن المشروع ُ‬ ‫أضرار خطيرة على البيئة أو على قاطنيها‪.‬‬ ‫‪ .187‬إن هذا ال يعني معارضة أي ابتكار تكنولوجي‬ ‫يسمح بتحسين نوعية حياة شعب ما‪ .‬لكن‪ ،‬في كل‬ ‫األحوال‪ ،‬يجب أن يكون األمر قاطعا بأن المردود ال‬ ‫يمكن أن يكون المعيار األوحد المأخوذ بعين االعتبار‬ ‫وأنه‪ ،‬حين تظهر عناصر جديدة تساعد في التمييز‪،‬‬ ‫انطالقا من تطور المعلومات‪ ،‬ينبغي أن يكون هناك‬ ‫جديد يشارك فيه جميع األطراف المعنية‪ .‬قد تكون‬ ‫تقييم‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫نتيجة المناقشة اإلقرار بعدم متابعة المشروع‪ ،‬كما‬ ‫يمكنها أن تُدخل عليه تغيير ٍ‬ ‫ات أو تقديم مقترحات بديلة‪.‬‬ ‫‪ .188‬هناك مناقشات‪ ،‬حول مسائل تتعلق بالبيئة‪،‬‬ ‫يصعب فيها التوصل إلى توافق‪ .‬أكرر مرة أخرى أن‬ ‫الكنيسة ال تدعي تحديد المسائل العلمية‪ ،‬وال أخذ محل‬ ‫السياسة‪ ،‬ولكني أدعو إلى نقاش صادق وشفاف‪ ،‬كي‬ ‫ال تُ ِ‬ ‫الضرر‬ ‫األيديولوجيات‬ ‫حاجات الخاصة أو‬ ‫ق ال‬ ‫لح َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫بالخير العام‪.‬‬ ‫‪173‬‬ ‫‪ .IV‬السياسة واالقتصاد في حوار من أجل الملء‬ ‫اإلنساني‬ ‫‪ .189‬يجب على السياسة أال تخضع لالقتصاد‪ ،‬ويجب‬ ‫على االقتصاد أال ينصاع إلمالءات ونماذج الكفاءة‬ ‫اإلنتاجية التكنوقراطية‪ .‬إننا بحاجة ماسة اليوم‪ ،‬ونحن‬ ‫نفكر بالخير العام‪ ،‬إلى أن تضع السياسة واالقتصاد‬ ‫نفسيهما‪ ،‬من خالل الحوار‪ ،‬وبطريقة حاسمة في خدمة‬ ‫الحياة‪ ،‬وباألخص الحياة البشرية‪ .‬إن إنقا َذ المصارف‬ ‫بأي ثمن كان‪ ،‬على حساب الشعب‪ ،‬في غياب قرار‬ ‫حازم بإعادة النظر في النظام بأكمله أو بإعادة تشكيله‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫لمالية ال مستقبل لها‪،‬‬ ‫الهيمنة المطلقة‬ ‫أمر يثبت ّ‬ ‫هو ٌ‬ ‫تُنتج فقط أزمات جديدة‪ ،‬بعد تماثل ظاهري لشفاء طويل‬ ‫ومكلف‪ .‬لقد شكلت األزمة المالية لعامي ‪-2007‬‬ ‫ٍ‬ ‫اقتصاد جديد وأكثر انتباها‬ ‫‪ 2008‬فرصة لتنمية‬ ‫للمبادئ األخالقية‪ ،‬ولوضع تقنين جديد للمضاربات‬ ‫الوهمي‪ .‬لكن ردة الفعل على األزمة لم‬ ‫المالية وللثراء‬ ‫ّ‬ ‫تدفعنا‪ ،‬لألسف‪ ،‬إلى إعادة النظر في المعايير البالية‬ ‫والتي ال تزال تحكم العالم‪ .‬إن االنتاج ليس دائما‬ ‫تحدد‬ ‫عقالنًّيا‪ ،‬وهو مرتبط عادة بمتغيرات اقتصادية‬ ‫ُ‬ ‫قيمة للمنتوجات ال تتناسب مع قيمتها الحقيقية‪ .‬هذا ما‬ ‫‪174‬‬ ‫يؤدي غالبا إلى إفراط في إنتاج بعض البضائع ذات‬ ‫تأثيرات بيئية غير مفيدة‪ ،‬والتي في الوقت عينه تضر‬ ‫للغاية بالكثير من االقتصادات اإلقليمية‪ .133‬إن الفقاعة‬ ‫المالية تكون أيضا‪ ،‬وبشكل عام‪ ،‬فقاعة إنتاجية‪ .‬ففي‬ ‫النهاية‪ ،‬إن ما ال يتم مواجهته بحزم هو المشكلة‬ ‫االقتصادية الحقيقية‪ ،‬التي تسمح بتنويع وبتحسين‬ ‫اإلنتاج‪ ،‬وبأن تعمل الشركات المالية بشكل مالئم‪ ،‬وبأن‬ ‫تتطور المؤسسات الصغيرة والمتوسطة‪ ،‬وتخلق وظائف‬ ‫َّ‬ ‫عمل‪ ،‬وهكذا دواليك‪.‬‬ ‫‪ .190‬في هذا السياق‪ ،‬يجب التذ ّكر دائما أنه "ال يمكن‬ ‫ضمان حماية البيئة فقط على أساس الحسابات المالية‬ ‫للتكاليف والفوائد‪ .‬فالبيئة هي إحدى الخيرات التي ال‬ ‫تستطيع آليات السوق الدفاع عنها أو تعزيزها بشكل‬ ‫‪134‬‬ ‫مرة جديدة‪ ،‬من المناسب تَ َجُّنب مفهوم‬ ‫كاف" ‪ّ .‬‬ ‫سحري للسوق‪ ،‬يحمل إلى االعتقاد بأن زيادة أرباح‬ ‫الشركات أو األفراد تكفي لحل المشاكل‪ .‬فهل من‬ ‫‪133‬‬ ‫را‪ .‬مجلس األساقفة المكسيكي‪ .‬اللجنة األسقفية للرعوية االجتماعية‪ ،‬يسوع‬ ‫المسيح‪ ،‬حياة ورجاء السكان األصليين والفالحين‬ ‫‪Jesucristo, vida y‬‬ ‫‪ 14( esperanza de los indígenas y campesinos‬يناير‪/‬كانون‬ ‫الثاني ‪.)2008‬‬ ‫‪134‬‬ ‫المجلس الحبري "للعدالة والسالم"‪ ،‬موجز العقيدة االجتماعية للكنيسة‪.470 ،‬‬ ‫‪175‬‬ ‫الواقعي أن ننتظر أبدا ِمن َم ْن يتملكه هاجس الربح‬ ‫األقصى التريث للتفكير بالتأثيرات البيئية التي سيتركها‬ ‫لألجيال اآلتية؟ داخل مخطط الربح ال يوجد مكان‬ ‫وتجددها‪،‬‬ ‫ترديها‬ ‫ّ‬ ‫للتفكير في إيقاعات الطبيعة‪ ،‬وأوقات ّ‬ ‫وال في تعقيد النظم اإليكولوجية التي يمكن أن تتغير‬ ‫بشكل خطير نتيجة للتدخل البشري‪ .‬فضال عن ذلك‪،‬‬ ‫التنوع البيولوجي‪ ،‬فالحد األقصى [لما‬ ‫عند التحدث عن ّ‬ ‫ُيمكن توقعه] هو اعتباره بأفضل األحوال كمخزن لموارد‬ ‫اقتصادية ُيمكن استغالله‪ ،‬ولكن ال يتم النظر ًّ‬ ‫جديا في‬ ‫قيمة األشياء‪ ،‬وفي معناها بالنسبة لألشخاص‬ ‫والثقافات‪ ،‬وال في مصالح وحاجات الفقراء‪.‬‬ ‫‪ .191‬عند التعرض لهذه المواضيع‪ ،‬يتهم البعض‬ ‫اآلخرين بالقيام بمحاولة غير منطقية لتعطيل مسيرة‬ ‫التقدم والتنمية البشرية‪ .‬لكن يجب أن نقنع أنفسنا بأن‬ ‫تبطيء سرعة نمط معين لإلنتاج ولالستهالك قد ُيفسح‬ ‫المجال لنمط آخر من التقدم والتطور‪ .‬فالجهود من أجل‬ ‫استخدام مستدام للموارد الطبيعية ليست بنفقات غير‬ ‫ضرورية‪ ،‬بل هي استثمار سيعطي فوائد اقتصادية‬ ‫أخرى على المدى المتوسط‪ .‬إذا نظرنا إلى األمر بشكل‬ ‫أوسع‪ ،‬يمكننا اكتشاف أن تنوع انتاج أكثر إبداعا‪ ،‬وأقل‬ ‫‪176‬‬ ‫تأثير على البيئة‪ ،‬قد يكون أكثر مردودا‪ .‬إن األمر‬ ‫ا‬ ‫رص م ٍ‬ ‫ختلفة‪ ،‬ال تستوجب‬ ‫يتعلق بفتح الطريق نحو فُ ٍ ُ‬ ‫الحد من اإلبداع البشري ومن حلمه بالتقدم‪ ،‬وانما توجيه‬ ‫هذه الطاقة بأسلوب جديد‪.‬‬ ‫‪ .192‬على سبيل المثال‪ ،‬إن مسيرة تنمية إنتاجية أكثر‬ ‫إبداعا‪ ،‬وموجهة بشكل أفضل‪ ،‬قد تتمكن من إصالح‬ ‫التفاوت بين االستثمار التكنولوجي الهائل في‬ ‫الملحة‬ ‫االستهالك‪ ،‬واالستثمار الهزيل في حل المشاكل‬ ‫ّ‬ ‫التي تواجه األسرة البشرية؛ كما يمكنه توليد أشكال ذكيِّة‬ ‫ومفيدة من إعادة التأهيل والتدوير؛ ويمكنه تحسين‬ ‫المدن‪ ،‬وهكذا دواليك‪ .‬التنوع‬ ‫كفاءة استخدام الطاقة في ُ‬ ‫االنتاجي‪ ،‬في الوقت الذي يقوم فيه بحماية البيئة وخلق‬ ‫يقدم إمكانيات شاسعة جدا للذكاء‬ ‫المزيد من الوظائف‪ّ ،‬‬ ‫قادر على‬ ‫ا‬ ‫البشري لإلبداع والتجديد‪ .‬وسيكون إبداعا‬ ‫جعل ما هو نبيل في الكائن البشري يزهر مجددا‪ ،‬ألنه‬ ‫أكثر كرامة استخدام الذكاء‪ ،‬بإقدام ومسؤولية‪ ،‬إليجاد‬ ‫أشكال من التطور المستدام والعادل‪ ،‬داخل مفهوم أوسع‬ ‫لنوعيِّة الحياة‪ .‬والعكس صحيح‪ ،‬فإنه أقل كرامة وأبداعا‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫نهب‬ ‫وأكثر سطحية‪ ،‬االصرار على خلق أشكال‬ ‫‪177‬‬ ‫للطبيعة‪ ،‬فقط من أجل توفير إمكانيات جديدة‬ ‫لالستهالك والربح الفوري‪.‬‬ ‫‪ .193‬على أية حال‪ ،‬إن كانت بعض أشكال التطور‬ ‫المستدام سيجلب أنماطا جديدة للنمو‪ ،‬ففي حاالت‬ ‫أخرى‪ ،‬وأمام النمو الجشع وغير المسؤول الذي حدث‬ ‫خالل العقود السابقة‪ ،‬يجب التفكير كذلك في إبطاء‬ ‫سرعة اإليقاع قليال‪ ،‬ووضع بعض الحدود المعقولة أو‬ ‫حتى التراجع أيضا قبل فوات األوان‪ .‬نعلم أنه ال يمكن‬ ‫مؤازرة تصرف الذين يستهلكون ويدمرون دائما أكثر‪،‬‬ ‫بينما آخرون ال يستطيعون العيش وفقا لما يليق‬ ‫بكرامتهم اإلنسانية‪ .‬لهذا فقد حان الوقت لقبول تخفيض‬ ‫معين للنمو في بعض المناطق من العالم‪ ،‬لتوفير موارد‬ ‫حتى تَتَ َم َّكن مناطق أخرى من النمو بشكل سليم‪ .‬كان‬ ‫بندكتس السادس عشر يقول إنه "من الضروري أن‬ ‫ًّ‬ ‫تكنولوجيا مستعدة لتحفيز‬ ‫تكون المجتمعات المتقدمة‬ ‫تصرفات تتسم باالعتدال‪ ،‬عبر تخفيض استهالكها‬ ‫الخاص للطاقة وتحسين أنماط استخدامها"‪.135‬‬ ‫‪ 135‬بندكتُس السادس عشر‪ ،‬رسالة بمناسبة اليوم العالمي للسالم ‪:9 ،2010‬‬ ‫أعمال الكرسي الرسولي ‪.46 ،)2010( 102‬‬ ‫‪178‬‬ ‫‪ .194‬كي تبرز نماذج جديدة من التقدم نحن بحاجة‬ ‫إلى "تبديل نموذج النمو العالمي"‪ ،136‬وهو ما يعني‬ ‫التفكير بمسؤولية "حول معنى االقتصاد وغاياته‪،‬‬ ‫لتصحيح ما يشوبه من اختالالت وتشوهات"‪ .137‬ال‬ ‫يكفي التوفيق‪ ،‬كحل وسط‪ ،‬بين االعتناء بالطبيعة‬ ‫والربح المالي‪ ،‬أو بين الحفاظ على البيئة والتطور‪.‬‬ ‫فالحل الوسط في هذا الصدد لن يكون سوى مجرد‬ ‫تأجيل بسيط للكارثة‪ .‬إن األمر‪ ،‬وبكل بساطة‪ ،‬يتعلق‬ ‫بمسألة إعادة تعريف التقدم‪ .‬فكل تطور تكنولوجي‬ ‫واقتصادي ال يترك علما أفضل ونوعية حياة أرقى‬ ‫بشموليتها‪ ،‬ال يمكن اعتباره تقدما‪ .‬من جهة أخرى‪ ،‬إن‬ ‫نوعية حياة األشخاص الواقعية غالبا ما تتقهقر –بسبب‬ ‫تدهور البيئة‪ ،‬أو انخفاض جودة المنتوجات الغذائية أو‬ ‫استنفاذ بعض الموارد– في إطار نمو اقتصادي‪.‬‬ ‫فيتحول عادة‪ ،‬في هذا اإلطار‪ ،‬الحديث عن النمو‬ ‫المستدام إلى تهرب ووسيلة لتقديم التبريرات التي تحتجز‬ ‫قيم الخطاب اإليكولوجي داخل المنطق المالي‬ ‫والتكنولوجي‪ ،‬وغالبا ما تقتصر المسؤولية االجتماعية‬ ‫‪136‬‬ ‫‪137‬‬ ‫نفس المرجع‪.‬‬ ‫نفس المرجع‪.43 :5 ،‬‬ ‫‪179‬‬ ‫والبيئية للشركات على سلسلة من العمليات التسويقية‪،‬‬ ‫وتجميل الصورة‪.‬‬ ‫‪ .195‬إن مبدأ الربح األقصى‪ ،‬والذي يميل إلى النأي‬ ‫أي اعتبار آخر‪ ،‬هو تشويه لمفهوم‬ ‫بنفسه عن ّ‬ ‫كثير إن كان ارتفاع اإلنتاج يتم‬ ‫االقتصاد‪ :‬حيث ال يهم ا‬ ‫المستقبلية أو صحة البيئة؛ وان‬ ‫على حساب الموارد‬ ‫ّ‬ ‫ساهم استئصال غابة في زيادة اإلنتاج‪ ،‬فال أحد يقيس‬ ‫التنوع‬ ‫الخسارة التي يولّدها‬ ‫ّ‬ ‫تصحر األراضي‪ ،‬أو تدمير ّ‬ ‫التلوث‪ .‬هذا يعني أن ال ّشركات‬ ‫البيولوجي أو زيادة ّ‬ ‫تحصد أرباحا‪ ،‬بعد إجراء الحسابات ودافع قسم زهيد من‬ ‫ًّ‬ ‫أخالقيا فقط إذا‬ ‫التكاليف‪ .‬إن تصرفا ما يمكن اعتباره‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫تم "التعر ِ‬ ‫الناشئة‬ ‫االجتماعية‬ ‫االقتصادية و‬ ‫بالتكاليف‬ ‫يف‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وضمان‬ ‫بشفافية‪،‬‬ ‫المشترَكة‪،‬‬ ‫عن استخدام المو ِارد البيئية ُ‬ ‫ِ‬ ‫ستفيدون منها‪،‬‬ ‫ك الذين ي‬ ‫مصدرها‬ ‫يكون‬ ‫أن‬ ‫بالكامل أولئ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أجيال المستقبل"‪.138‬‬ ‫الشعوب أو من‬ ‫غيرهم من‬ ‫وليس َ‬ ‫ٍ‬ ‫بتحليل ثابت للواقع وفقا‬ ‫إن العقلية النفعية‪ ،‬التي تقوم‬ ‫لالحتياجات الحالية‪ ،‬هي ماثلة سواء عندما يكون‬ ‫‪138‬‬ ‫نفس الكاتب‪ ،‬الرسالة العامة المحبة في الحقيقة ‪29( Caritas in veritate‬‬ ‫يونيو‪/‬حزيران ‪ :50 ،)2009‬أعمال الكرسي الرسولي ‪.686 ،)2009( 101‬‬ ‫‪180‬‬ ‫السوق هو المسؤول عن تعيين الموارد‪ ،‬أو كانت الدولة‬ ‫المخططة هي التي تقوم بهذا‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫‪ .196‬ماذا عن السياسة؟ لنتذكر مبدأ االحتياط‪ ،‬الذي‬ ‫يمنح حرية لتطوير القدرات الموجودة على جميع‬ ‫المستويات‪ ،‬ولكنه في الوقت عينه يستوجب مسؤولية‬ ‫أكبر تجاه الخير العام من ِقَب ِل أصحاب السلطة‪.‬‬ ‫صحيح أن بعض القطاعات االقتصادية اآلن تمارس‬ ‫أكبر من تلك التي تمارسها الدول نفسها‪ .‬لكن ال‬ ‫سلطة َ‬ ‫يمكن تبرير اقتصاد من دون سياسة‪ ،‬اقتصاد ربما غير‬ ‫قادر على التوصل لمنطق أخر قادر على إدارة مختلف‬ ‫جوانب األزمة الحالية‪ .‬إن المنطق الذي يترك مجاال‬ ‫الجدي بالبيئة هو نفسه الذي ال مكان به‬ ‫لالهتمام‬ ‫ّ‬ ‫لالهتمام بمن هم أكثر هشاشة‪ ،‬ألن "في النمط الحالي‬ ‫نجاح» و« ٍّ‬ ‫حق خاص»‪ ،‬ال يبدو أن هناك‬ ‫من ادعاء « ٍ‬ ‫َّ‬ ‫شق طري ٍ‬ ‫ق في الحياة‬ ‫معنى لتكريس الذات‬ ‫فيتمك َن من ّ‬ ‫أولئك الذين هم في المؤخرة‪ ،‬الضعفاء والمحرومون"‪.139‬‬ ‫‪ .197‬إننا بحاجة إلى سياسة تفكر برؤية واسعة‪ ،‬تتبني‬ ‫مقارنة متكاملة‪ ،‬تشمل مختلف جوانب األزمة في حوار‬ ‫‪139‬‬ ‫اإلرشاد الرسولي فرح اإلنجيل ‪ 24( Evangelii gaudium‬نوفمبر‪/‬تشرين‬ ‫الثاني ‪ :209 ،)2013‬أعمال الكرسي الرسولي ‪.1107 ،)2013( 105‬‬ ‫‪181‬‬ ‫متعدد التخصصات‪ .‬بيد أن غالبا ما تكون السياسة‬ ‫نفسها مسؤولة عن فقدان الثقة بها‪ ،‬بسبب الفساد‬ ‫وغياب سياسات عامة صالحة‪ .‬فإن لم تلعب الدولة‬ ‫دورها في منطقة ما‪ ،‬ستتمكن بعض الجماعات‬ ‫االقتصادية من الظهور في ثوب المحسنين وتمسك‬ ‫نفسها من قوانين‬ ‫بزمام السلطة الحقيقية‪ ،‬مستثنية ّ‬ ‫معينة‪ ،‬وبما فيها فسح المجال لنشأة أشكال مختلفة من‬ ‫الجماعات اإلجرامية المنظمة‪ ،‬واإلتجار باألشخاص‪،‬‬ ‫وتهريب‬ ‫المخدرات‪،‬‬ ‫والعنف‪،‬‬ ‫وأشكال‬ ‫يصعب‬ ‫استئصالها‪ .‬إن كانت السياسة غير قادرة على كسر‬ ‫منطق فاسق‪ ،‬وتبقى باإلضافة إلى ذلك حبيسة في‬ ‫منهكة‪ ،‬فإننا سنستمر في التهرب من مواجهة‬ ‫خطابات ْ‬ ‫مشاكل البشرية الكبيرة‪ .‬إن استراتيجية تغيير حقيقي‬ ‫تتطلب إعادة التفكير في مجمل اإلجراءات‪ ،‬ألنه ال‬ ‫يكفي إدخال بعض االعتبارات اإليكولوجية السطحية‬ ‫بينما ال نعيد النظر في المنطق القائمة عليه الثقافة‬ ‫الحالية‪ .‬فينبغي على سياسة سليمة أن تكون قادرة على‬ ‫استيعاب هذا التحدي‪.‬‬ ‫‪ .198‬تميل كل من السياسة واالقتصاد لتبادل‬ ‫االتهامات فيما يتعلق بالفقر وبتدهور البيئة‪ .‬في حين‬ ‫‪182‬‬ ‫أن ما ُينتظر منهما هو االعتراف بأخطائهما الخاصة‬ ‫وايجاد أشكال تفاعل تصب في صالح الخير العام‪.‬‬ ‫فبينما يشعر البعض باإلحباط لمجرد أنهم لم يحققوا‬ ‫مكاسب مالية‪ ،‬وآخرون تسيطر عليهم هواجس التمسك‬ ‫بالسلطة أو زيادتها‪ ،‬فإن ما يبقى لنا هو الحروب أو‬ ‫االتفاقيات الغامضة حيث أقل ما يهم الطرفين هو‬ ‫المحافظة على البيئة وحماية األكثر ضعفا‪ .‬هنا أيضا‬ ‫يجوز مبدأ "الوحدة أسمى من النزاع"‪.140‬‬ ‫‪ .V‬األديان في حوار مع العلوم‬ ‫تفسر بشكل‬ ‫‪ .199‬ال يمكن القول بأن العلوم التجريبية ّ‬ ‫كامل الحياة‪ ،‬والجوهر الباطني لكل المخلوقات والواقع‬ ‫في مجمله‪ .‬فهذا يتخطى من دون شك حدودها‬ ‫التصور الضيق‪،‬‬ ‫المنهجية‪ .‬فإذا تم التفكير داخل هذا‬ ‫ّ‬ ‫فال مكان للحاسة الجمالية‪ ،‬و ِ‬ ‫الشعر أو حتى لقدرة العقل‬ ‫على إدراك معنى األشياء وغايتها‪ .141‬وهنا أود أن أ ِّ‬ ‫ُذكر‬ ‫‪140‬‬ ‫‪141‬‬ ‫نفس المرجع‪.1107 :228 ،‬‬ ‫را‪ .‬الرسالة العامة نور اإليمان ‪ 29) Lumen fidei‬يونيو‪/‬حزيران ‪،(2013‬‬ ‫‪ :34‬أعمال الكرسي الرسولي ‪" :577 ،)2013( 105‬إن نور اإليمان‪ ،‬من‬ ‫المحبة‪ ،‬فهو ليس غريبا عن العالم‬ ‫ناحية أخرى‪ ،‬بمقدار كونه متّحدا بحقيقة‬ ‫ّ‬ ‫‪183‬‬ ‫أن "النصوص الدينية الكالسيكية يمكنها أن تقدم تفسي ار‬ ‫لجميع العصور‪ ،‬وأن لها قوة تعليل تفتح دائما آفاقا‬ ‫ويفهم أن تحال إلى الظلمة‬ ‫جديدة [‪ ]...‬فهل ُيعقل ُ‬ ‫بمجرد أنها تصدر عن إطار اعتقاد ديني؟"‪ .142‬في‬ ‫الواقع‪ ،‬سيكون من السذاجة بمكان االعتقاد بأن المبادئ‬ ‫مجردة تماما‪ ،‬ومنفصلة‬ ‫األخالقية تطرح نفسها بصورة‬ ‫ّ‬ ‫عن أي سياق‪ ،‬فكونها تُ َّ‬ ‫قدم بلغة دينية‪ ،‬فذلك ال ُيجردها‬ ‫من أية قيمة في النقاش العام‪ .‬إن بإمكان المبادئ‬ ‫األخالقية التي يستطيع العقل إدراكها أن تظهر‬ ‫عبر عنها بلغات‬ ‫وي ّ‬ ‫باستمرار تحت صي ٍغ أخرى‪ُ ،‬‬ ‫مختلفة‪ ،‬بما في ذلك الدينية‪.‬‬ ‫المحبة تعيش دائما في جسد ونفس؛ إن نور اإليمان هو نور‬ ‫المادي‪ ،‬ألن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يشع من حياة يسوع المنيرة‪ .‬هو نور ينير أيضا المادة‪ ،‬ويثق في‬ ‫د‪،‬‬ ‫متجس‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫نظامها‪ ،‬ويعرف أن في المادة تنفتح باستمرار مسيرة انسجام أوسع‪ .‬فتحصل هكذا‬ ‫نظرة العلم على فائدة من اإليمان‪ :‬فاإليمان يدعو العالم للبقاء منفتحا على‬ ‫الواقع‪ ،‬في كل غناه الذي ال ينضب‪ .‬إن اإليمان يوقظ الحس النقدي ألنه يمنع‬ ‫البحث العلمي من أن يرضى بصيغه‪ ،‬ويساعده على إدراك أن الطبيعة هي دائما‬ ‫يوسع أفاق العقل لينير‬ ‫سر الخليقة‪ ،‬فإن اإليمان ّ‬ ‫أكبر‪ .‬داعيا إياه للتعجب أمام ّ‬ ‫العلمية"‪.‬‬ ‫بشكل أفضل العالم الذي ينفتح أمام الدراسات‬ ‫ّ‬ ‫‪142‬‬ ‫اإلرشاد الرسولي فرح اإلنجيل ‪ 24( ،Evangelii gaudium‬نوفمبر‪/‬تشرين‬ ‫الثاني ‪ :256 ،)2013‬أعمال الكرسي الرسولي ‪.1123 ،)2013( 105‬‬ ‫‪184‬‬ ‫‪ .200‬من جهة أخرى‪ ،‬أي حل تقني تدعي العلوم‬ ‫عاجز عن حل مشاكل العالم الخطيرة‬ ‫ا‬ ‫اكتشافه‪ ،‬سيكون‬ ‫نسينا الدوافع الكبيرة التي‬ ‫إذا فقدت البشرية مسارها‪ ،‬واذا ّ‬ ‫أمور ممكنة‪.‬‬ ‫ا‬ ‫تجعل العيش معا والتضحية والصالح‬ ‫على كل حال‪ ،‬يجب توجيه نداء للمؤمنين ليكونوا‬ ‫ُمنسجمين مع إيمانهم وأال يناقضوه بأعمالهم‪ ،‬كما يجب‬ ‫مطالبتهم باالنفتاح مجددا على نعمة اهلل وأن ينهلوا من‬ ‫أعماق اقتناعاتهم الشخصية حول المحبة‪ ،‬والعدالة‬ ‫ملتبس لمبادئنا الخاصة قد‬ ‫فهم‬ ‫ٌ‬ ‫والسالم‪ .‬فإن كان ٌ‬ ‫حملنا‪ ،‬في بعض األحيان‪ ،‬على تبرير سوء معاملة‬ ‫الطبيعة أو هيمنة الكائن البشري االستبدادية على‬ ‫الخليقة‪ ،‬أو الحروب‪ ،‬والظلم والعنف‪ ،‬فنحن كمؤمنين‬ ‫يمكننا االعتراف بأننا بهذه الطريقة لم نكن أمناء لكنز‬ ‫الحكمة الذي كان يجب علينا أن نحافظ عليه‪ .‬ففي‬ ‫عصور مختلفة‪ ،‬غالبا ما أثرت القيود الثقافية المختلفة‬ ‫على إد ارك هذه الكنوز األخالقية والروحية الخاصة‪،‬‬ ‫لكن العودة إلى ينابيعها الخاصة تحديدا هو ما سيسمح‬ ‫لألديان بالرد على االحتياجات الحالية بشكل أفضل‪.‬‬ ‫‪ .201‬إن أغلبية سكان األرض يعلنون أنهم مؤمنون‪،‬‬ ‫وهذا ينبغي أن يدفع األديان للدخول في حوار فيما بينها‬ ‫‪185‬‬ ‫يهدف إلى العناية بالطبيعة‪ ،‬والدفاع عن الفقراء‪ ،‬وبناء‬ ‫شبكة من االحترام واألخوة‪ .‬من الضروري أيضا إقامة‬ ‫نظر إلى أن كل علم قد اعتاد‬ ‫نفسها‪ ،‬ا‬ ‫حوار بين العلوم ّ‬ ‫أن ينغلق في حدود لغته الخاصة‪ ،‬لدرجة أن التخصص‬ ‫يتحول لعزلة والعتبار معرفته الخاصة‬ ‫يميل إلى أن‬ ‫ّ‬ ‫معرفة مطلقة‪ .‬إن هذا يحول دون مواجهة مناسبة‬ ‫للمشاكل البيئية‪ .‬ينبغي أيضا إقامة حوار منفتح وموقر‬ ‫بين مختلف الحركات اإليكولوجية‪ ،‬التي ال تغيب بينها‬ ‫الصراعات اإليديولوجية‪ .‬إن خطورة األزمة اإليكولوجية‬ ‫تقتضي منا جميعا التفكير في الخير العام والتقدم على‬ ‫درب حوار يحتاج لصبر‪ ،‬وزهد وسخاء‪ ،‬متذكرين دائما‬ ‫أن "الواقع هو أسمى من الفكرة"‪.143‬‬ ‫‪143‬‬ ‫نفس المرجع‪.1114 :231 ،‬‬ ‫‪186‬‬ ‫الفصل السادس‬ ‫تربية وروحانية إيكولوجية‬ ‫‪ .202‬على الكثير من األمور أن تعيد توجيه مسارها‪،‬‬ ‫ولكن‪ ،‬قبل كل شيء‪ ،‬البشرية هي التي بحاجة للتغيير‪.‬‬ ‫هناك نقص في الوعي باألصل المشترك‪ ،‬وباالنتماء‬ ‫المتبادل‪ ،‬وبمستقبل يتشارك به الجميع‪ .‬هذا الوعي‬ ‫األساسي هو الذي سيسمح بتطوير قناعات جديدة‬ ‫ومواقف جديدة وأنماط حياة‪ .‬وهكذا ينبري ٍّ‬ ‫تحد ٍ‬ ‫كبير‬ ‫ثقافي‪ ،‬وروحي‪ ،‬وتربوي‪ ،‬يقتضي مراحل طويلة من‬ ‫التجدد‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ .I‬السعي إلى نمط آخر من الحياة‬ ‫‪ .203‬انطالقا من أن السوق يميل إلى خلق آلية‬ ‫استهالكية قهرية بهدف بيع منتوجاته‪ ،‬فإن األمر ينتهي‬ ‫بإغراق األشخاص في دوامة الشراء والنفقات عديمة‬ ‫الجدوى‪ .‬إن هوس االستهالك هو انعكاس للنموذج‬ ‫التقني‪-‬االقتصادي‪ .‬فيحدث ما قد أشار إليه رومانو‬ ‫األشياء المألوفة وأشكا َل‬ ‫غوارديني‪ :‬الكائن البشري "يقبل‬ ‫َ‬ ‫‪187‬‬ ‫الحياة االعتيادية كما تُفرض عليه من قبل أنظمة فكرية‬ ‫الم َّ‬ ‫قننة‪ ،‬وهو يقوم بهذا‪ ،‬في العموم‪ ،‬مع‬ ‫ومن اآلليات ُ‬ ‫االنطباع بأن كل هذا منطقي وصالح"‪ .144‬إن هذا‬ ‫النموذج يجعل الجميع يعتقدون بأنهم أحرار‪ ،‬طالما أنهم‬ ‫يحتفظون بحرية مزعومة في االستهالك‪ ،‬في حين أن‬ ‫الذين يملكون الحرية هم تلك األقلية التي تمسك بزمام‬ ‫السلطة االقتصادية والمالية‪ .‬في غمرة هذا اللبس‪ ،‬لم‬ ‫تجد بشرية ما بعد الحداثة فهما جديدا لذاتها يساعدها‬ ‫في تحديد توجيهها‪ ،‬وهي تعيش هذا النقص في الهوية‬ ‫بقل ٍ‬ ‫ق‪ .‬فنحن نمتلك وسائل هائلة ألهداف محدودة‬ ‫وهزيلة‪.‬‬ ‫‪ .204‬إن الوضع الحالي للعالم "يتسبب في شعور بعدم‬ ‫االستقرار وبانعدام األمن‪ ،‬وهو ما يحفز بدوره أشكاال‬ ‫من األنانية الجماعية"‪ .145‬فعندما يتحول األشخاص‬ ‫إلى أصحاب مرجعية ذاتية‪ ،‬وينعزلون داخل إدراكهم‬ ‫الذاتي‪ ،‬فإن جشعهم يتزايد‪ .‬في الواقع‪ ،‬كلما ازداد الفراغ‬ ‫‪144‬‬ ‫نهاية العصر الحديث ‪ ،Das Ende der Neuzeit‬ورزبرغ ‪– 66 ،19569‬‬ ‫‪145‬‬ ‫يوحنا بولس الثاني‪ ،‬رسالة يوم السالم العالمي ‪ :1 ،1990‬أعمال الكرسي‬ ‫‪.67‬‬ ‫الرسولي ‪.147 ،)1990( 82‬‬ ‫‪188‬‬ ‫في قلب الشخص‪ ،‬كلما ازداد احتياجه إلى شراء أشياء‬ ‫وامتالكها واستهالكها‪ .‬في هذا السياق‪ ،‬يبدو من غير‬ ‫أحد أن يضع الواقع له حدودا‪ .‬في هذا‬ ‫الممكن أن يقبل ٌ‬ ‫األفق ال وجود كذلك للخير العام الحقيقي‪ .‬إذا كان هذا‬ ‫هو النمط السائد في المجتمع‪ ،‬فلن تُتَّبعُ القوانين إال في‬ ‫حالة عدم تعارضها مع حاجاته الخاصة‪ .‬لذلك علينا أال‬ ‫نفكر فقط في إمكانية حدوث ظواهر مناخية رهيبة أو‬ ‫كوارث طبيعية كبيرة‪ ،‬وانما أيضا في كوارث ناجمة عن‬ ‫بنمط ٍ‬ ‫ِ‬ ‫حياة استهالكي ‪-‬‬ ‫أزمات اجتماعية‪ ،‬ألن الهوس‬ ‫خاصة عندما يكون متاحا فقط لعدد قليل من‬ ‫األشخاص– يمكنه أن يؤجج العنف والتدمير المتبادل‪.‬‬ ‫‪ .205‬مع ذلك‪ ،‬لم نخسر بعد كل شيء‪ ،‬ألن البشر‪،‬‬ ‫القادرين على االنحطاط إلى أقصى الحدود‪ ،‬هم أيضا‬ ‫قادرون على تخطّي ذواتهم والعودة من جديد الختيار‬ ‫تكيف عقلي‬ ‫الخير‪ ،‬والتجدد‪ ،‬لدرجة تتخطى أي ّ‬ ‫واجتماعي ُيفرض عليهم‪ .‬هم قادرون على النظر إلى‬ ‫أنفسهم بصدق‪ ،‬والى إظهار اشمئزازهم وشق دروب‬ ‫جديدة تقودهم نحو الحرية الحقيقية‪ .‬فال وجود ُلنظم‬ ‫ًّ‬ ‫نهائيا االنفتاح على الخير‬ ‫باستطاعتها أن تُلغي‬ ‫والحقيقة والجمال‪ ،‬وال القدرة على التفاعل التي يستمر‬ ‫‪189‬‬ ‫اهلل في تحفيزها في أعماق قلوبنا‪ .‬أطلب من كل‬ ‫شخص في هذا العالم ّأال ينسى كرامته هذه والتي ال‬ ‫ٍ‬ ‫اعها منه‪.‬‬ ‫يحق ألحد انتز ُ‬ ‫‪ .206‬قد يستطيع تغيير في أنماط الحياة أن يصل إلى‬ ‫ممارسة ضغط سليم على أصحاب السلطة السياسية‬ ‫واالقتصادية واالجتماعية‪ .‬إن هذا ما يحدث حين تنجح‬ ‫حركات المستهلكين في التوقف عن شراء بعض السلع‪،‬‬ ‫فيصبحوا هكذا مؤثرين في تغيير تصرفات الشركات‪،‬‬ ‫واجبارها على تقييم التأثيرات البيئية ونماذج االنتاج‪ .‬إنه‬ ‫اقعي أن تضطر الشركات إلى اعتماد طُرق‬ ‫أل ٌ‬ ‫مر و ٌ‬ ‫أخرى في اإلنتاج عندما تؤثر عادات المجتمع على‬ ‫أرباحها‪ .‬وهذا يذ ّكرنا بمسؤولية المستهلكين االجتماعية‪.‬‬ ‫"عملية الشر ِ‬ ‫أخالقي عدا عن كونه أيضا‬ ‫اء هي ِفع ٌل‬ ‫ٌّ‬ ‫ًّ‬ ‫اقتصاديا"‪ .146‬ولهذا "إن موضوع التدهور البيئي يضع‬ ‫في قفص االتهام تصرفات كل واحد منا"‪.147‬‬ ‫‪146‬‬ ‫بندكتس السادس عشر‪ ،‬الرسالة العامة المحبة في الحقيقة‬ ‫‪Caritas in‬‬ ‫‪ 29( veritate‬يونيو‪/‬حزيران ‪ :66 ،)2009‬أعمال الكرسي الرسولي ‪101‬‬ ‫(‪.699 ،)2009‬‬ ‫‪147‬‬ ‫نفس الكاتب‪ ،‬رسالة يوم السالم العالمي ‪ :11 ،2010‬أعمال الكرسي الرسولي‬ ‫‪.48 ،)2010( 102‬‬ ‫‪190‬‬ ‫‪ .207‬لقد دعانا ميثاق األرض إلى ترك مرحلة التدمير‬ ‫الذاتي هذه وراءنا والبدء في انطالقة جديدة‪ ،‬إال أننا لم‬ ‫ًّ‬ ‫نطور بعد ًّ‬ ‫عالميا يجعل من هذا ممكنا‪ .‬لهذا أتَ َج ّأُر‬ ‫وعيا‬ ‫ِّ‬ ‫التحدي الثمين مجددا‪" :‬إن مصيرنا‬ ‫باقتراح هذا‬ ‫ّ‬ ‫المشترك‪ ،‬كما لم يحدث من قبل في التاريخ‪ ،‬يفرض‬ ‫علينا البحث عن انطالقة جديدة [‪ .]...‬لنفعل ما بوسعنا‬ ‫الء ٍ‬ ‫كعصر صحوِة و ٍ‬ ‫ِ‬ ‫جديد‬ ‫عصرنا هذا‬ ‫كي يذ ُكر التاريخ‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫الوصول إلى االستدامة‪ ،‬وفي‬ ‫حاسم في‬ ‫للحياة‪ ،‬وقرٍار‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫االحتفال‬ ‫العدالة والسالم‪ ،‬و‬ ‫الجهاد المتسارع من أجل‬ ‫بالحياة"‪.148‬‬ ‫‪ .208‬من الممكن دائما تنمية قدرة الخروج من الذات‬ ‫لبقية‬ ‫نحو اآلخر‪ .‬فمن دونها‪ ،‬لن ندرك القيمة‬ ‫الخاصة ّ‬ ‫ّ‬ ‫الخالئق‪ ،‬ولن نكترث باالعتناء بأي شيء من أجل‬ ‫اآلخرين‪ ،‬وسنفقد القدرة على رسم حدود لذواتنا لمنع‬ ‫السلوك الرئيسي في‬ ‫االلم أو تدهور ما يحيط بنا‪ .‬إن ّ‬ ‫الذاتية‪،‬‬ ‫المرجعية‬ ‫تجاوز الذات‪ ،‬بكسر الوعي المعزول و‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫هو األساس الذي يجعل من الممكن كل اهتمام‬ ‫األخالقية‬ ‫باآلخرين وبالبيئة‪ ،‬وهو ما يولّد ردة الفعل‬ ‫ّ‬ ‫‪148‬‬ ‫ميثاق األرض ‪ ،Carta della Terra‬أيا (هولندا) ‪ 29‬يونيو‪/‬حزيران ‪.2000‬‬ ‫‪191‬‬ ‫الالزمة لتقييم التأثير الناتج عن كل عمل‪ ،‬وعن كل‬ ‫شخصي يخرج من الذات‪ .‬فعندما نكون قادرين‬ ‫قرار‬ ‫ّ‬ ‫على تخطّي اإلنفرادية‪ ،‬حينئذ يمكن و ًّ‬ ‫اقعيا انتاج نمط‬ ‫حياة بديل‪ ،‬ويصير ممكنا حينها تحقّيق تغيير مهم في‬ ‫المجتمع‪.‬‬ ‫‪ .II‬تربي ٌة على العهد بين البشرية والبيئة‬ ‫‪ .209‬يجب أن ُيترجم الوعي بخطورة األزمة الثقافية‬ ‫واإليكولوجية إلى عادات جديدة‪ .‬يعرف كثيرون أن‬ ‫التقدم الحالي ومجرد تراكم األشياء أو الملذات‪ ،‬ال تكفي‬ ‫إلعطاء معنى وفرح للقلب البشري‪ ،‬ولكنهم ال يشعرون‬ ‫يقدمه لهم السوق‪ .‬لدى‬ ‫بأنهم قادرون على التخلي عما ّ‬ ‫الشبان ‪-‬في البلدان التي ينبغي أن يحدث فيها أكبر‬ ‫ّ‬ ‫تغيرات في عادات االستهالك‪ -‬يوجد وعي بيئي جديد‬ ‫وروح سخي‪ ،‬والبعض منهم يناضلون على نحو رائع‬ ‫ٍ‬ ‫إطار‬ ‫من أجل الدفاع عن البيئة‪ ،‬غير أنهم نشأوا في‬ ‫من االستهالك المفرط ومن رغد العيش‪ ،‬وهو ما يجعل‬ ‫من الصعب نضوج عادات أخرى‪ .‬لهذا فإننا نجد أنفسنا‬ ‫أمام ٍّ‬ ‫تحد تربوي‪.‬‬ ‫‪192‬‬ ‫‪ .210‬لقد شرعت التربية البيئية في توسيع حقل‬ ‫أهدافها‪ .‬فإن كانت‪ ،‬في بداية األمر‪ ،‬مركزة للغاية على‬ ‫المعلومات العلمية وعلى التوعية والوقاية من المخاطر‬ ‫البيئية‪ ،‬فهي اآلن تميل إلى إدخال نقد "ألساطير"‬ ‫العصرنة التي ترتكز على عقل أداتي‬ ‫‪xvi‬‬ ‫(نزعة فردية‪،‬‬ ‫وتقدم غير محدود‪ ،‬وتنافس‪ ،‬ونزعة استهالكية‪ ،‬وسوق‬ ‫بال مبادئ)‪ ،‬وكذلك إلى استعادة مختلف مستويات‬ ‫التوازن اإليكولوجي‪ :‬المستوى الداخلي مع الذات‪،‬‬ ‫والمستوى التضامني مع اآلخرين‪ ،‬والمستوى الطبيعي‬ ‫مع جميع الخالئق‪ ،‬والمستوى الروحي مع اهلل‪ .‬ينبغي‬ ‫على التربية البيئية أن تُ َّ‬ ‫عدنا للقيام بهذه القفزة نحو‬ ‫"السر"‪ ،‬والذي منه تَنهل األخالقيةُ اإليكولوجية معناها‬ ‫األعمق‪ .‬من ناحية أخرى‪ ،‬هناك مرّبون قادرون على‬ ‫إعادة وضع المناهج التربوية المرتبطة باألخالقية‬ ‫النمو في التضامن‬ ‫بفعالية على‬ ‫اإليكولوجية‪ ،‬لتساعد ّ‬ ‫ّ‬ ‫وفي المسؤولية وفي الرعاية ِّ‬ ‫المبنية على التعاطف‪.‬‬ ‫ق "مو ِ‬ ‫المدعوة لخل ِ‬ ‫اطنَِّية‬ ‫‪ .211‬لكن هذه التربية‪ ،‬و‬ ‫ّ‬ ‫َُ‬ ‫ِ‬ ‫إيكولوجية"‪ ،‬تقتَ ِ‬ ‫إعطاء المعلومات‬ ‫ص ُر أحيانا على‬ ‫ّ‬ ‫وتفشل في إنضاج عادات‪ .‬فوجود قوانين وتشريعات هو‬ ‫ٍ‬ ‫كاف‪ ،‬على المدى البعيد‪ ،‬للحد من التصرفات‬ ‫غير‬ ‫‪193‬‬ ‫فعالة‪ .‬فلكي يكون‬ ‫السيئة‪ ،‬حتى في حال وجود رقابة ّ‬ ‫لهذه التشريعات القانونية تأثير ٌ ِ‬ ‫ومستدامةٌ‪ِ ،‬من‬ ‫ات ُمه ّمةٌ ُ‬ ‫ِ‬ ‫أعضاء المجتمع‪ ،‬انطالقا‬ ‫الضروري أن يقبلها غالبيةُ‬ ‫غير‬ ‫من وجود حوافز كافية‪ ،‬وأن يتفاعلوا معها وفقا لتَ ّ‬ ‫قيم راسخة يمكن ل ِه َبة‬ ‫شخصي‪ .‬فقط انطالقا من تنمية ّ‬ ‫الذات في التزٍام إيكولوجي أن تُصبح ممكنة‪ .‬فإذا اعتاد‬ ‫شخص ما‪ ،‬على الرغم من أن وضعه االقتصادي‬ ‫يسمح له باالستهالك وباإلنفاق‪ ،‬أن يتغطى قليال عوضا‬ ‫اكتسب ِحسًّا‬ ‫عن تشغيل نظام التدفئة‪ ،‬فهذا يعني أنه قد‬ ‫َ‬ ‫وقَ ٍ‬ ‫ناعات تُساند الحفاظ على البيئة‪ .‬فمن النبيل جدا‬ ‫االلتزام بواجب الحفاظ على الخليقة من خالل القيام‬ ‫بأعمال يومية صغيرة‪ ،‬ومن الرائع أن تتوصل التربية‬ ‫إلى تحفيز هذه األعمال حتى تحولها إلى نمط حياة‪.‬‬ ‫تشجع سلوكيات‬ ‫يمكن للتربية على المسؤولية البيئية أن ّ‬ ‫مختلفة‪ ،‬ذات تأثير مباشر وهام في مسألة العناية‬ ‫تجنب استعمال المواد البالستيكية أو‬ ‫بالبيئة‪ ،‬مثل ّ‬ ‫الورقية‪ ،‬وتخفيض استهالك المياه‪ ،‬وفرز النفايات‪،‬‬ ‫وطهي فقط الكمية الالزمة من الطعام‪ ،‬والتعامل باهتمام‬ ‫النقل العام‬ ‫الحية‪ ،‬واستخدام وسائل ّ‬ ‫مع باقي الكائنات ّ‬ ‫عدة أشخاص في استخدام سيارة‬ ‫أو المشاركة بين ّ‬ ‫‪194‬‬ ‫واحدة‪ ،‬وزراعة األشجار‪ ،‬واطفاء األنوار غير الالزمة‪.‬‬ ‫إن هذا كله جزء من إبداعي سخي ونبيل‪ُ ،‬يظهر أفضل‬ ‫ما في الكائن البشري‪ .‬إن إعادة استعمال شيء ما‪،‬‬ ‫انطالقا من دوافع عميقة‪ ،‬بدل التخلّص منه بتسرع‪،‬‬ ‫يعبر عن كرامتنا‪.‬‬ ‫يمكنه أن يكون عمل محبة ّ‬ ‫‪ .212‬ال يجب االعتقاد بأن هذه الجهود لن تغي َِّر‬ ‫خير باستطاعته‬ ‫العالم‪ .‬فأعمال كهذه تنشر في المجتمع ا‬ ‫ثمار تفوق ما يمكن مشاهدته‪ ،‬ألنها‬ ‫ا‬ ‫دائما أن ُيعطي‬ ‫خير يميل دائما إلى‬ ‫ا‬ ‫تولد في أحشاء هذه األرض‬ ‫االنتشار‪ ،‬أحيانا بطريقة غير منظورة‪ .‬عالوة على ذلك‪،‬‬ ‫فممارسة هذه السلوكيات تُعيد لنا الشعور بكرامتنا‪،‬‬ ‫كياني أكبر‪ ،‬وتسمح لنا أن نختبر أن‬ ‫وتقودنا نحو عمق‬ ‫ّ‬ ‫يستحق العناء‪.‬‬ ‫واقع مرورنا في هذه العالم هو أمر‬ ‫ّ‬ ‫‪ .213‬متعددة هي بيئات التربية‪ :‬المدرسة‪ ،‬والعائلة‪،‬‬ ‫ووسائل التواصل‪ ،‬والتعليم الديني‪ ،‬وبيئات أخرى‪ .‬إن‬ ‫جيدة‪ ،‬في سن الطفولة والمراهقة‪ ،‬تزرع‬ ‫تربية‬ ‫مدرسية ّ‬ ‫ّ‬ ‫ثمار على مدى الحياة‪ .‬بيد أني أريد‬ ‫ا‬ ‫بذور قد تعطي‬ ‫ا‬ ‫التأكيد على األهمية المركزية لألسرة‪ ،‬ألن األسرة هي‬ ‫"مهد الحياة‪ ،‬هبة اللّه‪ ،‬وحضنها الالئق‪ ،‬وحصنها ضد‬ ‫األخطار الكثيرة المحيطة بها‪ ،‬والمنبت الذي تستطيع‬ ‫‪195‬‬ ‫ي صحيح‪.‬‬ ‫أن تترعرع فيه طبقا لمقتضيات ٍّ‬ ‫نمو بشر ّ‬ ‫فضد ما يسمى بثقافة الموت‪ ،‬تش ّكل األسرة قلب ثقافة‬ ‫ّ‬ ‫الحياة"‪ .149‬في األسرة‪ ،‬تترعرع أولى عادات المحبة‬ ‫واالعتناء بالحياة‪ ،‬كما‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬االستعمال‬ ‫النظم‬ ‫الصحيح لألشياء‪ ،‬والنظام والنظافة‪ ،‬واحترام ُ‬ ‫اإليكولوجية المحلية‪ ،‬وحماية جميع المخلوقات‪ .‬إن‬ ‫األسرة هي مكان التربية الشاملة‪ ،‬حيث تتكشف مختلف‬ ‫جوانب النضوج الشخصي‪ ،‬والمتصلة اتصاال وثيقا فيما‬ ‫بينها‪ .‬في األسرة‪ ،‬نتعلّم االستئذان باحترام‪ ،‬وأن نقول‬ ‫"شكرا" كتعبير عن تقييم صادق لألشياء التي نحصل‬ ‫عليها‪ ،‬وأن نكبح العدوان أو الجشع‪ ،‬وأن نعتذر عند‬ ‫القيام بشيء سيء‪ .‬إن لفتات المجاملة الصادقة هذه‪،‬‬ ‫تساعد في بناء ثقافة الحياة المشتركة واحترام كل ما‬ ‫يحيط بنا‪.‬‬ ‫‪ .214‬يقع على عاتق السياسة والجمعيات المختلفة‬ ‫جهد تشكيل الضمائر‪ .‬وهو أمر يقع على عاتق الكنيسة‬ ‫لتقوم بِ ِه‬ ‫أيضا‪ .‬لدى الجماعات‬ ‫ّ‬ ‫المسيحية كافة دور ّ‬ ‫مهم َ‬ ‫في هذا العمل التربوي‪ .‬وأتمنى كذلك أن تقدم في‬ ‫‪149‬‬ ‫يوحنا بولس الثاني‪ ،‬الرسالة العامة السنة المئة ‪1( Centesimus annus‬‬ ‫مايو‪/‬أيار ‪ ،39 ،)1991‬أعمال الكرسي الرسولي ‪.842 )1991( 83‬‬ ‫‪196‬‬ ‫معاهدنا‬ ‫الالهوتية‪ ،‬وفي بيوت التنشئة الدينية‪ ،‬تنشئةٌ‬ ‫ّ‬ ‫التأمل بالعالم بامتنان‪،‬‬ ‫على التقشف المسؤول‪ ،‬وعلى‬ ‫ّ‬ ‫فنظر ألهمية‬ ‫ا‬ ‫ضعف الفقراء والبيئة‪.‬‬ ‫وعلى حماية ُ‬ ‫المسألة‪ ،‬وكما هي الحاجة لوجود مؤسسات تتمتع‬ ‫بسلطة لمعاقبة التعديات على البيئة‪ ،‬فإننا بحاجة أيضا‬ ‫إلى السيطرة على ذواتنا والى تعليم بعضنا البعض‪.‬‬ ‫‪ .215‬في هذا السياق‪" ،‬ال ينبغي إهمال [‪ ]...‬العالقة‬ ‫الجمالية والمحافظة على بيئة‬ ‫القائمة بين التربية‬ ‫ّ‬ ‫سليمة"‪ .150‬فاالنتباه للجمال وتقديره يساعدنا على‬ ‫النفعية‪ .‬فعندما ال يتم‬ ‫التحرر من النزعة البراغماتية‬ ‫ّ‬ ‫للتأمل بالجمال وتقديره‪ ،‬فليس من‬ ‫التوقف‬ ‫تعليم‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫المستغرب أن يتحول ُّ‬ ‫ٍ‬ ‫غرض لالستخدام‬ ‫كل شيء إلى‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫واالستغالل من دون أدنى شعور بالذنب‪ .‬في الوقت‬ ‫عينه‪ ،‬إذا أردنا تحقيق تغييرات عميقة‪ ،‬ينبغي أن نتذ ّكر‬ ‫أن النماذج الفكرّية تؤثّر فعال في التصرفات‪ .‬فالتربية‬ ‫لن تكون كافية‪ ،‬وجهودها ستذهب سدى‪ ،‬إن لم نهتم‬ ‫أيضا بنشر نموذج جديد حول الكائن البشري‪ ،‬والحياة‪،‬‬ ‫والمجتمع والعالقة مع الطبيعة‪ .‬واال‪ ،‬فالنموذج‬ ‫‪150‬‬ ‫نفس الكاتب‪ ،‬رسالة يوم السالم العالمي ‪ :14 ،1990‬أعمال الكرسي الرسولي‬ ‫‪.155 ،)1990( 82‬‬ ‫‪197‬‬ ‫االستهالكي الذي تتناقله وسائل االعالم وآليات السوق‬ ‫الفعالة سيستمر في التفاقم‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ .III‬التوبة اإليكولوجية‬ ‫‪ .216‬إن عظمة كنز الروحانية المسيحية‪ ،‬وليد عشرين‬ ‫قرن من االختبارات الشخصية والجماعية‪ ،‬تشكل‬ ‫مساهمة رائعة في الجهود المبذولة لتجديد اإلنسانية‪.‬‬ ‫أريد أن أقترح على المسيحيين بعض الخطوط لروحانية‬ ‫إيكولوجية تتأتى من قناعات إيماننا‪ ،‬ألن ما يعلمنا إياه‬ ‫اإلنجيل له تأثير على طريقة تفكيرنا وشعورنا وعيشنا‪.‬‬ ‫ال يتعلق األمر بالتكلم عن أفكار‪ ،‬وانما وقبل كل شيء‬ ‫عن دوافع تنبع من الروحانية بهدف تغذية شغف‬ ‫الحفاظ على العالم‪ .‬في الواقع‪ ،‬إنه من المستحيل أن‬ ‫نلتزم بأمور عظيمة مكتفين بالمبادئ‪ ،‬دون أية روحانية‬ ‫وتبرر وتشجع‬ ‫تلهمنا‪ ،‬دون "الحوافز الداخلية التي تدفع ّ‬ ‫وتضفي معنى على العمل الشخصي والجماعي"‪.151‬‬ ‫المسيحيين‪ ،‬بأننا لم َن ْج ِن دائما‬ ‫علينا االعتراف‪ ،‬نحن‬ ‫ّ‬ ‫‪151‬‬ ‫اإلرشاد الرسولي فرح اإلنجيل ‪ 24( Evangelii gaudium‬نوفمبر‪/‬تشرين‬ ‫الثاني ‪ :261 ،)2013‬أعمال الكرسي الرسولي ‪.1124 ،)2013( 105‬‬ ‫‪198‬‬ ‫ولم ُن َن ِّم الغنى الذي وهبه اهلل للكنيسة‪ ،‬حيث ال تنفصل‬ ‫ِ‬ ‫جسدنا وال عن الطبيعة أو عن واقع‬ ‫الروحانية ال عن‬ ‫هذا العالم‪ ،‬وانما تتعايش معها وفيها‪ ،‬بشركة مع ك ّل ما‬ ‫ُيحيطُ بِنا‪.‬‬ ‫‪ .217‬إن كانت "الصحاري الخارجية في عالمنا قد‬ ‫تكاثرت‪ ،‬ألن الصحاري الداخلية أصبحت شاسعة‬ ‫للغاية"‪ ،152‬فإن األزمة اإليكولوجية هي نداء إلى توبة‬ ‫داخلية عميقة‪ .‬ولكن ينبغي أن نعترف أيضا بأن بعض‬ ‫بحجة‬ ‫المسيحيين‪ ،‬الملتزمين والمواظبين على الصالة‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫اقعية والبراغماتية قد اعتادوا االستهزاء بأي اهتمام‬ ‫الو ّ‬ ‫بمسألة البيئة‪ .‬وهناك آخرون غير مبالين‪ ،‬وال يتّخذون‬ ‫أي قرار بتغيير عاداتهم‪ ،‬فيفقدون توافقهم الشخصي‪.‬‬ ‫ينقصهم إذا توبة إيكولوجية تقتضي أن يسمحوا لك ّل‬ ‫ثمار لقائهم بيسوع المسيح بأن تفيض على عالقاتهم‬ ‫مع العالم المحيط بهم‪ .‬إن عيش دعوتنا كحر ٍ‬ ‫اس لعمل‬ ‫اهلل هو جزء أساسي من حياة فاضلة‪ ،‬وهذا األمر ليس‬ ‫بإختياري وال بثانوي في الخبرة المسيحية‪.‬‬ ‫‪152‬‬ ‫بندكتس السادس عشر‪ ،‬عظة بداية الخدمة البطرسية (‪ 24‬أبريل‪/‬نيسان‬ ‫‪ :)2005‬أعمال الكرسي الرسولي ‪.710 ،)2005( 97‬‬ ‫‪199‬‬ ‫األسيزي‪ ،‬كي نقترح‬ ‫‪ .218‬لنتذ ّكر َمث َل القديس فرنسيس ّ‬ ‫ِ‬ ‫عالقة سليمة مع الخليقة كب ٍ‬ ‫أبعاد التوبة الكاملة‬ ‫عد من‬ ‫ُ‬ ‫للشخص‪ .‬إن هذا يفترض االعتراف بأخطائنا‪،‬‬ ‫وخطايانا‪ ،‬وعيوبنا واهمالنا‪ ،‬والتوبة عنها من القلب‪،‬‬ ‫و ُّ‬ ‫التغير من الداخل‪ .‬قد َع ِرف أساقفة أستراليا التعبير‬ ‫عن التوبة بشكل مصالحة مع الخليقة‪" :‬لتحقيق هذه‬ ‫بأية‬ ‫المصالحة‪ ،‬ينبغي أن نفحص حياتنا وأن نعرف ّ‬ ‫طريقة‪ ،‬بأفعالنا وبعجزنا عن العمل‪ُ ،‬نسيء إلى خليقة‬ ‫اهلل‪ .‬إننا بحاجة إلى خبرة توبة‪ ،‬وخبرة تغيير للقلب"‪.153‬‬ ‫‪ .219‬ولكن‪ ،‬التغيير على المستوى الفردي ال يكفي‬ ‫لحل وضع معقّد على قدر تعقيد الوضع الذي يواجهه‬ ‫وحريتهم‬ ‫عالم اليوم‪ .‬قد يفقد األفراد المنعزلون قدرتهم ّ‬ ‫النفعية‪ ،‬ليجدوا أنفسهم في النهاية‬ ‫لتخطّي منطق العقلّية‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫خالية من الحس األخالقي ومن‬ ‫استهالكية‬ ‫تحت رحمة‬ ‫أي ُبعد اجتماعي أو بيئي‪ .‬فعلى المشاكل االجتماعية‬ ‫الرُّد عبر شبكات مجتمعية‪ ،‬وليس عبر‬ ‫ينبغي أن يأتي ّ‬ ‫مجرد مجموع الخيرات الفردية‪" :‬إن متطلبات هذا العمل‬ ‫ّ‬ ‫ستكون هائلة لدرجة أن إمكانيات المبادرات الفردية‬ ‫‪153‬‬ ‫مجلس األساقفة الكاثوليك االستراليين‪ ،‬أرض جديدة‪ .‬التحدي البيئي ‪A New‬‬ ‫‪.)2002( Earth. The Environmental Challenge‬‬ ‫‪200‬‬ ‫والتعاون بين األفراد‪ ،‬والذين ترّبوا بحسب النزعة‬ ‫الفردانية‪ ،‬لن يكون باستطاعتها الرد عليها‪ .‬سيكون‬ ‫ضرورًّيا توحيد الجهود وتوحيد المساهمات"‪ .154‬إن‬ ‫دينامية‬ ‫التوبة اإليكولوجية المطلوبة من أجل خلق‬ ‫ّ‬ ‫تغيير مستدام هي أيضا توبة جماعية‪.‬‬ ‫‪ .220‬تستوجب هذه التوبة مواقف مختلفة تتشابك فيما‬ ‫سخية ومملوءة عطفا‪ .‬فهي تتطلب‪،‬‬ ‫بينها لتفعيل رعاية ّ‬ ‫أي االقرار بأن العالم‬ ‫قبل كل شيء‪ ،‬العرفان و ّ‬ ‫المجانية‪ّ ،‬‬ ‫هو هبة أعطيت من محبة اآلب‪ ،‬مما يؤدي إلى اتخاذ‬ ‫مواقف تخلى مجاني والقيام بمبادرات سخية حتى ولو‬ ‫فع ُل‬ ‫لم يرها أحد أو يعترف بها‪" :‬فال تَعلَ ْم ِشمالُ َ‬ ‫ك ما تَ َ‬ ‫الخ ْف َي ِة ُيجازيك" (متى‬ ‫ك‪ ]...[ ،‬وأَبو َ‬ ‫مين َ‬ ‫ك الَّذي َيرى في ُ‬ ‫َي ُ‬ ‫المحب بأننا‬ ‫‪ .)4 - 3 ،6‬تتطلب التوبة أيضا الوعي ُ‬ ‫نكون مع باقي‬ ‫لسنا منفصلين عن ّ‬ ‫بقية الخالئق‪ ،‬بل ّ‬ ‫كونية جميلة‪ .‬فالتأمل بالعالم‪ ،‬بالنسبة‬ ‫الكائنات شركة‬ ‫ّ‬ ‫للمؤمن‪ ،‬ال يتم من الخارج وانما من الداخل‪ ،‬عبر‬ ‫وحدنا بها اآلب مع كل‬ ‫اإلقرار باألواصر التي‬ ‫ّ‬ ‫الكائنات‪ .‬فضال عن ذلك‪ ،‬تحمل التوبة اإليكولوجية‬ ‫‪154‬‬ ‫رومانو غوارديني‪ ،‬نهاية العصر الحديث ‪.72 ،Das Ende der Neuzeit‬‬ ‫‪201‬‬ ‫المؤمن‪ ،‬عبر تنمية قدراته الخاصة التي وهبها له اهلل‪،‬‬ ‫على إثراء إبداعه وحماسه لحل مآسي العالم‪ ،‬مقدما‬ ‫ذاته هلل " َذبيحة حَّية مقَ َّدسة مر ِ‬ ‫ضَّية" (روم ‪.)1 ،12‬‬ ‫َْ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫فهو ال يعتبر تفوقه كدا ٍع لتمجيد نفسه أو لهيمنة غير‬ ‫مسؤولة‪ ،‬إنما كقدرة مختلفة تفرض عليه بدورها مسؤولية‬ ‫خطيرة تنبع من إيمانه‪.‬‬ ‫‪ .221‬ستساعد قناعات مختلفة إليماننا‪ ،‬والتي تم‬ ‫العامة‪ ،‬على إعطاء‬ ‫تطويرها من بداية هذه الرسالة‬ ‫ّ‬ ‫بأن كل خليقة تعكس‬ ‫معنى أغنى لهذه التوبة‪ ،‬كإدراك ّ‬ ‫شيئا من اهلل وتملك رسالة ما تنقلها لنا‪ ،‬أو كالتأكيد‬ ‫المادي و ّأنه‬ ‫أيضا أن المسيح قد أخذ في ذاته هذا العالم‬ ‫ّ‬ ‫قيم في أعماق كل‬ ‫اآلن‪ ،‬بعد قيامته من بين األموات‪ُ ،‬ي ُ‬ ‫كائن‪ ،‬ويغمره بمحبته ويملؤه بنوره‪ .‬وكذلك االقرار بأن‬ ‫يحق‬ ‫اهلل قد خلق الكون واضعا فيه نظاما ودينامية ال‬ ‫ّ‬ ‫للكائن البشري أن يتجاهلهما‪ .‬عندما نق أر في اإلنجيل‬ ‫بأن يسوع يتكلم عن العصافير ويقول "ما ِمنها و ِ‬ ‫اح ٌد‬ ‫َينساهُ اهلل" (لو ‪ ،)6 ،12‬فهل بإمكاننا بعد معاملتها‬ ‫بالسوء أو إلحاق األذى بها؟ أدعو جميع المسيحيين‬ ‫ّ‬ ‫السماح‬ ‫الب ْعد‪ُ ،‬ب ْع ِد التّوبة‬ ‫ّ‬ ‫إلى إظهار هذا ُ‬ ‫الشخصية‪ ،‬و ّ‬ ‫تمتدا أيضا‬ ‫النعمة التي حصلوا عليها‪ ،‬أن ّ‬ ‫لقوة ونور ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪202‬‬ ‫ببقية الخالئق وبالعالم الذي يحيط بهم‪،‬‬ ‫إلى عالقتهم ّ‬ ‫األخوة السامية التي عاشها القديس‬ ‫وأن تثم ار تلك‬ ‫ّ‬ ‫فرنسيس األسيزي مع كل الخليقة بطريقة منيرة للغاية‪.‬‬ ‫‪ .IV‬فرح وسالم‬ ‫المسيحية نمطا بديال لفهم نوعية‬ ‫الروحانية‬ ‫‪ .222‬تقترح‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫قادر على‬ ‫ا‬ ‫لي‪،‬‬ ‫وتشجع أسلوب حياة‬ ‫الحياة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫نبوي ّ‬ ‫وتأم ّ‬ ‫الفرح العميق دون الوقوع في هوس االستهالك‪ .‬من‬ ‫دينية‬ ‫المهم أن نسترجع تَعليما قديما‪ ،‬نجده في تقاليد ّ‬ ‫ّ‬ ‫المقدس أيضا‪ .‬إنه االقتناع بأن‬ ‫مختلفة‪ ،‬كما في الكتاب ّ‬ ‫المستمر‬ ‫"األقل هو أكثر"‪ .‬ألن‪ ،‬في الواقع‪ ،‬التراكم‬ ‫ّ‬ ‫الحتماالت االستهالك ُيشتّت القلب ويحول دون تقدير‬ ‫ك ّل شيء وك ّل لحظة‪ .‬وعلى العكس‪ ،‬الحضور ببهجة‬ ‫أمام ك ّل واقع‪ ،‬مهما كان صغيرا‪ ،‬يفتح لنا مجاالت‬ ‫أوسع من الفهم ومن تحقيق الذات‪ .‬تقترح الروحانية‬ ‫نموا في الرزانة وقدرة على التمتّع بالقليل‪.‬‬ ‫المسيحية ّ‬ ‫فالعودة إلى البساطة هي التي ستسمح لنا بالتوقّف‬ ‫لالستمتاع باألشياء الصغيرة‪ ،‬وللشكر من أجل‬ ‫تقدمها الحياة دون التعلّق بما نملك وال‬ ‫اإلمكانيات التي ّ‬ ‫‪203‬‬ ‫تجنب‬ ‫الحزن بسبب ما ال نملك‪ .‬إن هذا يفترض ّ‬ ‫ديناميات التسلط وتراكم الملذات‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫حرِرة‪.‬‬ ‫بحرية وبوعي‪ ،‬هي ُم ِّ‬ ‫المعاشة ّ‬ ‫‪ .223‬إن القناعة‪ُ ،‬‬ ‫إنها ليست حياة أق ّل‪ ،‬وليست زخما أق ّل‪ ،‬بل هي عكس‬ ‫ذلك تماما‪ .‬في الواقع‪ ،‬الذين يتمتعون أكثر ويحيون‬ ‫أفضل كل لحظة‪ ،‬هم أولئك الذين يتوقّفون عن االلتقاط‬ ‫هنا وهناك الهثين دائما وراء ما ال يملكون‪ ،‬الذين‬ ‫يختبرون ماذا يعني تقدير ك ّل شخص وك ّل شيء‪،‬‬ ‫ويتعلّمون الدخول في أُلفة مع األمور البسيطة والتمتع‬ ‫بها‪ .‬إنهم بهذه الطريقة ينجحون في تقليل االحتياجات‬ ‫التي لم يتم تلبيتها‪ ،‬ويقللون اإلحساس بالكلل والقلق‪.‬‬ ‫يمكن أن يحتاج المرء لقليل ويعيش كثيرا‪ ،‬ال سيِّما‬ ‫قادر على إعطاء مساحة أكبر ألسباب‬ ‫ا‬ ‫عندما يكون‬ ‫سرور أخرى وعلى اختبار الرضى في اللقاءات‬ ‫األخوية‪ ،‬والخدمة‪ ،‬واستثمار المواهب الخاصة‪ ،‬في‬ ‫الموسيقى وفي الفن‪ ،‬وفي التواصل مع الطبيعة‪ ،‬وفي‬ ‫الصالة‪ .‬إن السعادة تكمن في معرفة وضع حدود‬ ‫لبعض الحاجات التي تُربكنا‪ ،‬والبقاء هكذا منفتحين‬ ‫على االمكانيات المتعددة التي تقّدمها الحياة‪.‬‬ ‫‪204‬‬ ‫‪ .224‬إن القناعة والتواضع لم تتمتّعا بتقدير إيجابي في‬ ‫ًّ‬ ‫عموميا عندما تضعف ممارسة‬ ‫القرن األخير‪ .‬لكن‬ ‫االجتماعية‪ ،‬ينتهي‬ ‫الشخصية و‬ ‫فضيلة ما في الحياة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫بيئية‪ .‬لهذا‪،‬‬ ‫بالتسبب باختالالت‬ ‫األمر‬ ‫ّ‬ ‫متعددة‪ ،‬ومنها ّ‬ ‫ّ‬ ‫النظم اإليكولوجية‪.‬‬ ‫فال يكفي أن نتكلّم فقط عن نزاهة ُ‬ ‫ينبغي التحلي بجرأة التكلّم عن نزاهة الحياة البشرّية‪،‬‬ ‫وضرورة تشجيع وربط جميع القيِّم الكبيرة‪ .‬إن غياب‬ ‫التواضع‪ ،‬لدى كائن بشري‪ ،‬تستهويه للغاية إمكانية‬ ‫السيطرة دون حدود على كل شيء‪ ،‬ال يمكنه إال أن‬ ‫ي ِ‬ ‫لحق األذى بالمجتمع وبالبيئة‪ .‬ليس من السهل تنمية‬ ‫ُ‬ ‫هذا التواضع السليم وهذه القناعة السعيدة‪ ،‬إذا سقطنا‬ ‫في تجربة االكتفاء الذاتي‪ ،‬وأخرجنا اهلل من حياتنا ليأخذ‬ ‫تحدد ما‬ ‫الـ"أنا" مكانه‪ ،‬واذا اعتقدنا أن ذاتيتنا هي التي ّ‬ ‫هو جيد أو ما هو سيء‪.‬‬ ‫جهة أُخرى‪ ،‬ما من ٍ‬ ‫‪ .225‬من ٍ‬ ‫أحد يمكنه إنضاج قناعة‬ ‫سعيدة‪ ،‬دون أن يكون في سالم مع ذاته‪ .‬فجزٌء من‬ ‫الفهم الصحيح للروحانية يقوم على توسيع مفهومنا‬ ‫للسالم‪ ،‬الذي هو أكثر بكثير من مجرد غياب الحرب‪.‬‬ ‫كثير بالمحافظة‬ ‫ا‬ ‫فالسالم الداخلي لألشخاص مرتبط‬ ‫على اإليكولوجية والخير العام‪ ،‬ألنه‪ ،‬حين ُيعاش‬ ‫‪205‬‬ ‫ٍ‬ ‫بأصالة‪ ،‬فإنه ينعكس في نمط حياة متوازن تالزمه‬ ‫تؤدي إلى عمق الحياة‪ .‬إن‬ ‫القدرة على االندهاش التي ّ‬ ‫الحب‪ ،‬ولكن كيف يمكننا‬ ‫الطبيعة مليئة بكلمات‬ ‫ّ‬ ‫المستمر‪ ،‬والتشتيت الدائم‬ ‫الضجيج‬ ‫سماعها في وسط ّ‬ ‫ّ‬ ‫والمضطرب‪ ،‬أو عبادة المظاهر؟ إن الكثير من‬ ‫األشخاص يختبرون خلال عميقا يدفعهم إلى إتمام‬ ‫األشياء بعجلة كي يشعروا باالنشغال‪ ،‬انهم يعيشون في‬ ‫عجلة دائمة تحملهم بدورها إلى دحر ك ّل ما يحيط بهم‪.‬‬ ‫وهذا له تأثير على الطّريقة التي نعامل بها البيئة‪ .‬إن‬ ‫إيكولوجية متكاملة تعني تكريس بعض الوقت السترجاع‬ ‫التّناغم الهادئ مع الخليقة‪ ،‬للتفكير في نمط حياتنا‬ ‫وللتأمل في الخالق‪ ،‬الذي يحيا بيننا وفي‬ ‫ومثُلنا العليا‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫صنع بل أن‬ ‫ك ّل ما يحيط بنا‪ ،‬وحضوره هذا‪" ،‬يجب أال ُي ّ‬ ‫الستار عنه"‪.155‬‬ ‫ُيكتشف‪ ،‬وأن ُيرفع‬ ‫ُ‬ ‫‪ .226‬إننا نتكلّم عن سلوك القلب‪ ،‬الذي يحيا ك ّل شيء‬ ‫حاضر‬ ‫ا‬ ‫في انتباه ملؤه االطمئنان‪ ،‬ويعرف كيف يكون‬ ‫تماما لآلخر دون التفكير بما سيأتي الحقا‪ ،‬والذي‬ ‫يستسلم لك ّل لحظة كهبة من اهلل ينبغي عيشها بالملء‪.‬‬ ‫‪155‬‬ ‫اإلرشاد الرسولي فرح اإلنجيل ‪ 24( Evangelii gaudium‬نوفمبر‪/‬تشرين‬ ‫الثاني ‪ :71 ،)2013‬أعمال الكرسي الرسولي ‪.1050 ،)2013( 105‬‬ ‫‪206‬‬ ‫وقد علّمنا يسوع هذا السلوك حين دعانا إلى النظر إلى‬ ‫زنابق الحقل وطيور السماء‪ ،‬أو عندما رأى رجال في‬ ‫ق إِ ِ‬ ‫ليه" و"أ َّ‬ ‫َحبه" (مر ‪ .)21 ،10‬فيسوع‬ ‫ـ"ح َّد َ‬ ‫حالة بحث ف َ‬ ‫حاضر بالملء أمام كل كائن‬ ‫ا‬ ‫كان يعرف أن يكون‬ ‫بشري وكل خليقة‪ ،‬وهكذا أرانا سبيال لتخطّي القلق‬ ‫استهالكيين‬ ‫انيين و‬ ‫ضي الذي يجعلنا‬ ‫ّ‬ ‫سطحيين‪ ،‬وعدو ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫الم َر ّ‬ ‫جامحين‪.‬‬ ‫‪ .227‬إن التعبير عن هذا السلوك هو التوقّف من أجل‬ ‫رفع الشكر هلل قبل وبعد الطّعام‪ .‬أقترح على المؤمنين‬ ‫ِ‬ ‫البركة‬ ‫وقت‬ ‫استعادة هذه العادة الجميلة وعيشها بعمق‪ .‬فَ ُ‬ ‫هذا‪ ،‬حتى ولو كان وجيزا‪ ،‬يذ ّكرنا باعتمادنا على اهلل في‬ ‫ويقوي فينا شعور االمتنان من أجل ك ّل هبات‬ ‫الحياة‪ّ ،‬‬ ‫الخليقة‪ ،‬ويعبر أيضا عن االمتنان تجاه َم ْن يوفرون‬ ‫ويدعم التضامن مع َم ْن هم أكثر‬ ‫هذه الخيرات بعملهم‪ّ ،‬‬ ‫حاجة‪.‬‬ ‫وسياسية‬ ‫دنية‬ ‫ّ‬ ‫محبة َم ّ‬ ‫‪ّ .V‬‬ ‫‪ .228‬تش ّكل العناية بالطبيعة جزءا من نمط حياة‬ ‫يتطلّب القدرة على العيش معا والشركة‪ .‬وقد ذ ّكرنا يسوع‬ ‫منا إخوة‪ .‬ال‬ ‫بأن اهلل هو أبونا المشترك وأن هذا يجعل ّ‬ ‫‪207‬‬ ‫مجانية‪ ،‬ال يمكنها‬ ‫للمحبة‬ ‫يمكن‬ ‫األخوية إال أن تكون ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫لعمل قام به آخر أو ُسلفَة لما‬ ‫أبدا أن تكون مكافأة‬ ‫نتمنى أن يقوم به‪ .‬لهذا فإن محبة األعداء هي ممكنة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫الريح‬ ‫إن هذه المجانية ذاتها تقودنا إلى أن نحب ونقبل ّ‬ ‫والشمس والغيوم رغم أنها ال تنصاع إلى سيطرتنا‪.‬‬ ‫كونية»‪.‬‬ ‫أخوة ّ‬ ‫ولهذا ّ‬ ‫السبب يمكننا التكلّم عن « ّ‬ ‫مجددا بأننا بحاجة بعضنا إلى‬ ‫‪ .229‬ينبغي أن نشعر ّ‬ ‫بعض‪ ،‬وأنه تقع علينا مسؤولية تجاه اآلخرين وتجاه‬ ‫يستحق العناء أن نكون صالحين‬ ‫العالم‪ ،‬وأنه أمر‬ ‫ّ‬ ‫وصادقين‪ .‬لقد عرفنا حقا التدهور األخالقي لمدة‬ ‫طويلة‪ ،‬مستهزئين باألخالقيات‪ ،‬وبالصالح‪ ،‬وباإليمان‪،‬‬ ‫الساعة لندرك أن هذه الفرحة‬ ‫وبالصدق‪ ،‬وقد حانت ّ‬ ‫السطحية لم تخدمنا كثيرا‪ .‬إن هذا التدمير لكل أساس‬ ‫ّ‬ ‫منا ضد‬ ‫للحياة االجتماعية سوف يدفعنا للوقوف كل ّ‬ ‫اآلخر من أجل الدفاع عن المصالح الشخصية‪،‬‬ ‫ويتسبب بظهور أنواع جديدة من العنف ومن القسوة‪،‬‬ ‫ويحول دون نمو ثقافة حقيقية لحماية البيئة‪.‬‬ ‫القديسة تيريز دو ليزيو (الطّفل‬ ‫‪ .230‬يدعونا مثل ّ‬ ‫الصغير‪ ،‬والى انتهاز كل‬ ‫يسوع) إلى اتّباع درب‬ ‫ّ‬ ‫المحبة ّ‬ ‫ودية‪ ،‬واهداء ابتسامة‪ ،‬والقيام بأي‬ ‫فرصة لقول كلمة ّ‬ ‫‪208‬‬ ‫لفتة صغيرة تزرع السالم والصداقة‪ .‬فاإليكولوجية‬ ‫يومية‪،‬‬ ‫تتكون أيضا من مبادرات بسيطة‬ ‫المتكاملة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫نكسر من خاللها منطق العنف‪ ،‬واالستغالل‪ ،‬واألنانية‪.‬‬ ‫خالفا لهذا‪ ،‬فإن عالم االستهالك المفرط في السخط‬ ‫سيكون‪ ،‬في الوقت عينه‪ ،‬هو ذاته عالم المعاملة السيئة‬ ‫للحياة بجميع أشكالها‪.‬‬ ‫المحبة‪ ،‬المملوءة بلفتات اعتناء متبادل‪ ،‬هي‬ ‫‪ .231‬إن‬ ‫ّ‬ ‫وسياسية‪ ،‬وتظهر في ك ّل األعمال التي‬ ‫مدنية‬ ‫أيضا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تحاول بناء عالم أفضل‪ .‬يمثل الحب تجاه المجتمع‬ ‫المحبة التي ال‬ ‫ممي از من‬ ‫ّ‬ ‫وااللتزام تجاه الخير العام نوعا ّ‬ ‫ِ‬ ‫"العالقات‪-‬‬ ‫تخص فقط العالقات بين األفراد إنما أيضا‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال ُك ّلية‪ ،‬أي الع ِ‬ ‫االقتصادية‬ ‫االجتماعية و‬ ‫القات‬ ‫ِ‬ ‫السياسية"‪ .156‬لهذا اقترحت الكنيسة على العالم‬ ‫و‬ ‫"حضارةَ المحبة"‪ .157‬إن المحبة االجتماعية هي مفتاح‬ ‫النمو الحقيقي‪" :‬فلجعل المجتمع أكثر إنسانية‪ ،‬أكثر‬ ‫للمحبة في الحياة‬ ‫جدارة باإلنسان‪ ،‬ينبغي إعادة القيمة‬ ‫ّ‬ ‫‪156‬‬ ‫بندكتس السادس عشر‪ ،‬الرسالة العامة المحبة في الحقيقة‬ ‫‪Caritas in‬‬ ‫‪ 29( veritate‬يونيو‪/‬حزيران ‪ :2 ،)2009‬أعمال الكرسي الرسولي ‪101‬‬ ‫(‪.642 ،)2009‬‬ ‫‪157‬‬ ‫بولس السادس‪ ،‬رسالة بمناسبة اليوم العالمي للسالم ‪ :1977‬أعمال الكرسي‬ ‫الرسولي ‪.709 ،)1976( 68‬‬ ‫‪209‬‬ ‫ياسي واالقتصادي‬ ‫ّ‬ ‫االجتماعية – على المستوى الس ّ‬ ‫والثقافي – جاعلين منها القاعدة الثابتة والعليا‬ ‫للتصرف"‪ .158‬في هذا السياق‪ ،‬وبجانب أهمية المبادرات‬ ‫الصغيرة اليومية‪ ،‬تدفعنا المحبةُ االجتماعيةُ إلى التفكير‬ ‫في االستراتيجيات الكبيرة التي تضعُ ًّ‬ ‫فعاال للتدهور‬ ‫حدا ّ‬ ‫وتشجع على «ثقافة االعتناء» التي تشمل‬ ‫البيئي‬ ‫ّ‬ ‫ك أحدهم دعوةَ اهلل للعمل مع‬ ‫المجتمع بأكمله‪ .‬وحين يدر ُ‬ ‫اآلخرين في هذه الحيوية االجتماعية‪ ،‬يجب أن يتذ ّكر‬ ‫للمحبة‪ ،‬وأنه‬ ‫وبأنه ممارسة‬ ‫بأن هذا جزٌء من‬ ‫روحانيته ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ويتقدس‪.‬‬ ‫بهذه الطريقة ينضج‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫العمل مباشرة في‬ ‫مدعو إلى‬ ‫‪ .232‬ليس الجميع‬ ‫ّ‬ ‫السياسة‪ ،‬ولكن يتشكل في داخل المجتمع عدد هائل من‬ ‫تتدخل لصالح الخير العام‪ ،‬مدافعة عن‬ ‫الجمعيات التي ّ‬ ‫ّ‬ ‫تهتم‪ ،‬على سبيل‬ ‫الطبيعية والحضرّية‪ .‬إنها‬ ‫البيئة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫المثال‪ ،‬بمكان عام (بناء‪ ،‬نافورة‪ ،‬نصب مهجور‪ ،‬منظر‬ ‫طبيعي‪ ،‬ساحة)‪ ،‬بهدف حماية واصالح وتحسين‪ ،‬أو‬ ‫تجميل شيء ما يخص الجميع‪ .‬فتنمو من حولها أو‬ ‫رجعُ عالقات ويتشكل نسيج اجتماعي جديد‪ .‬وهكذا‬ ‫تُستَ َ‬ ‫‪158‬‬ ‫المجلس الحبري "للعدالة والسالم"‪ ،‬موجز العقيدة االجتماعية للكنيسة‪.582 ،‬‬ ‫‪210‬‬ ‫تتحرر جماعة ما من الالمباالة االستهالكية‪ .‬يعني هذا‬ ‫ّ‬ ‫سيحافَظُ عليه‬ ‫أيضا غرس ثقافة هوية مشتركة‪ ،‬وتاريخ ُ‬ ‫وسينقل‪ .‬بهذه الطريقة ُيحافَظ أيضا على العالم وعلى‬ ‫ُ‬ ‫تضام ٍن‬ ‫حس‬ ‫نوعية حياة األشخاص األكثر فقرا‪ ،‬مع ّ‬ ‫ُ‬ ‫هو في الوقت عينه وعي بأننا نسكن بيتا مشتركا قد‬ ‫استأمنا اهلل عليه‪ .‬ويمكن لهذه األعمال الجماعية‪ ،‬حين‬ ‫تتحول إلى خبرات‬ ‫محبة تهب ذاتها‪ ،‬أن‬ ‫تعبر عن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫روحية عميقة‪.‬‬ ‫‪ .VI‬العالمات األسرارية والراحة االحتفالية‬ ‫‪ .233‬إن الكون ينمو في ِ‬ ‫اهلل الذي يملؤه بأكمله‪ .‬ومن‬ ‫ثم فهناك إذا ِسٌّر يمكن التأمل به في الورقة‪ ،‬في‬ ‫َّ‬ ‫الطريق‪ ،‬في الندى‪ ،‬وفي وجه فقير‪ .159‬ال يكمن الوضع‬ ‫‪159‬‬ ‫الخواص‪ ،‬انطالقا من خبرته‬ ‫شدد أحد المعلمين الروحانيين‪ ،‬علي‬ ‫قد ّ‬ ‫ّ‬ ‫الشخصية‪ ،‬على ضرورة عدم الفصل بين مخلوقات العالم وخبرة اهلل الداخلية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫النشوة عبر‬ ‫قائال‪" :‬يجب علينا أن ّأال ننتقد‬ ‫بتحيز أولئك الذين يسعون إلى ّ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍّ‬ ‫خفي في كل من حركات وأصوات هذا العالم‪.‬‬ ‫الموسيقى أو الشعر‪ .‬هناك ّ‬ ‫سر ّ‬ ‫يتوصلون إلى فهم ما تقوله الريح العاصفة‪ ،‬والشجر المنحنية‪ ،‬والمياه‬ ‫فالمطّلعون‬ ‫ّ‬ ‫الصارة‪ ،‬والعصافير المغردة‪ ،‬وصوت‬ ‫الجارية‪ ،‬والذباب الذي يطن‪ ،‬واالبواب‬ ‫ّ‬ ‫وتأوه المنكوبين‪Eva de Vitray- :"...‬‬ ‫االوتار أو المزمار‪ ،‬وتنهّد المرضى‪ّ ،‬‬ ‫‪[ Meyerovitch‬ناشر]‪ ،‬مختارات من الصوفية ‪-‬‬ ‫‪ ،soufisme‬باريس ‪.200 ،1978‬‬ ‫‪211‬‬ ‫‪Anthologie du‬‬ ‫المثالي في االنتقال من الظاهر إلى الباطن الكتشاف‬ ‫التوصل إلى‬ ‫عمل اهلل في النفس‪ ،‬وانما أيضا في‬ ‫ّ‬ ‫االلتقاء به في ك ّل األشياء‪ ،‬كما كان يعلّم القديس‬ ‫بونافنتورا‪" :‬يكون التأمل أكثر سموا كلما شعر اإلنسان‬ ‫في قلبه بتأثير النعمة اإللهية أو كلما عرف يرى اهلل في‬ ‫المخلوقات األخرى"‪.160‬‬ ‫الصليبي ُي َعلِّم‬ ‫‪ .234‬كان القديس يوحنا ّ‬ ‫حسن في األشياء وفي خبرات العالم "هو‬ ‫أن ك ّل ما هو‬ ‫ّ‬ ‫موجود بامتياز‬ ‫في اهلل وبطريقة المتناهية‪ ،‬أو‪ ،‬للتعبير بطريقة أفضل‪،‬‬ ‫اهلل هو ك ّل واحد من هذه األمور العظيمة التي ُنكرز‬ ‫به"‪ .161‬ليس ألن ك ّل أشياء العالم المحدودة هي بالواقع‬ ‫يختبر الصلة الوثيقة بين اهلل‬ ‫تصوف‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫الم ّ‬ ‫إلهية‪ ،‬إنما ألن ُ‬ ‫وجميع الكائنات‪ ،‬وهكذا "يشعر بأن اهلل‪ ،‬بالنسبة له‪ ،‬هو‬ ‫ِ‬ ‫‪162‬‬ ‫ب بعظمة جبل ما‪ ،‬ال‬ ‫كل األشياء" ‪ .‬فإذا أُع ِج َ‬ ‫يستطيع أن يفصل هذا عن اهلل‪ ،‬ويدرك أن هذا‬ ‫االندهاش الداخلي الذي يعيشه يجب أن يستريح في‬ ‫اهلل‪" :‬للجبال قممها‪ ،‬وهي عالية وشاهقة وجميلة ومزهرة‬ ‫‪160‬‬ ‫في ‪ II‬الحكم ‪.3 ،2 ،In II Sent. 23‬‬ ‫‪162‬‬ ‫نفس المرجع‪.‬‬ ‫‪161‬‬ ‫نشيد روحي ‪.5 ،XIV ،Cántico Espiritual‬‬ ‫‪212‬‬ ‫وم َعطَّرة‪ .‬إن حبيبي هو لي مثل هذه الجبال‪ .‬والوديان‬ ‫ُ‬ ‫ومظلّة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫المتوحدة هي هادئة‪ ،‬وحسنة المنظر‪ُ ،‬ومنعشة ُ‬ ‫وغنية بالمياه العذبة‪ .‬لغنى تنوع أشجارها ولعذوبة‬ ‫ّ‬ ‫التّغريد الرخيم للعصافير التي تسكنها‪ ،‬تخلق وتوفر‬ ‫بغ ازرة المعنى‪ ،‬وفي الوحدة والصمت اللّ َذ ْين يخيمان‬ ‫عليها تمثل ملجأ وراحة‪ :‬إن حبيبي هو لي هذه‬ ‫الوديان"‪.163‬‬ ‫‪ .235‬إن األسرار المقدسة هي شكل مميز به يتولَّى‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫يعة‪.‬‬ ‫اهللُ الطبيعة‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫ويحولها إلى وسيطة للحياة فَائقة الطبِ َ‬ ‫مدعوون‪ ،‬من خالل العبادة‪ ،‬إلى معانقة العالم على‬ ‫إننا‬ ‫ّ‬ ‫صعيد مختلف‪ .‬فالماء‪ ،‬والزيت‪ ،‬والنار واأللوان تُأخذ‬ ‫بك ّل قواها الرمزية وتنضم للتسبيح‪ .‬واليد التي تبارك هي‬ ‫محبة اهلل وانعكاس لقرب المسيح الذي جاء ليرافقنا‬ ‫أداة ّ‬ ‫على درب الحياة‪ .‬والماء التي تنسكب على جسد الطفل‬ ‫عمد هي عالمة حياة جديدة‪ .‬إننا ال نهرب من العالم‬ ‫الم ّ‬ ‫ُ‬ ‫وال ننكر الطبيعة حين نريد اللقاء بالرب‪ .‬إن هذا يمكن‬ ‫رؤيته خصوصا في روحانية الشرقي المسيحي‪ :‬إن‬ ‫المفضلة في الشرق‬ ‫"الجمال‪ ،‬الذي هو أحد األلفاظ‬ ‫ّ‬ ‫‪163‬‬ ‫نفس المرجع‪.6 - 7 ،XIV ،‬‬ ‫‪213‬‬ ‫َّ‬ ‫المجددة‪،‬‬ ‫اإللهي ومثال البشرية‬ ‫للتعبير عن التناسق‬ ‫ّ‬ ‫يتجلّى في كل مكان‪ :‬في أشكال المعبد‪ ،‬في األصوات‪،‬‬ ‫في األلوان‪ ،‬في األضواء‪ ،‬في األطياب"‪ .164‬إن كل‬ ‫جد‬ ‫كائنات الكون المادي‪ ،‬بحسب الخبرة المسيحية‪ ،‬تَ ُ‬ ‫الحقيقي في الكلمة المتجسد‪ ،‬ألن ابن اهلل أخ َذ‬ ‫معناها‬ ‫ّ‬ ‫في َش ِ‬ ‫المادي‪ ،‬حيث أدخل بذور‬ ‫خص ِه ِجزءا من الكون‬ ‫ّ‬ ‫تحول نهائي‪ " :‬المسيحية ال تتن ّكر للمادة‪ ،‬للحالة‬ ‫ّ‬ ‫الجسدية‪ ،‬التي على العكس من ذلك تُسمى بها كليا في‬ ‫ي ُيبرز حميم‬ ‫العمل‬ ‫الليترجي‪ ،‬حيث الجسد البشر ّ‬ ‫ّ‬ ‫ويتوصل إلى االتحاد بالرب يسوع‬ ‫طبيعته كهيكل للروح‬ ‫ّ‬ ‫الذي هو أيضا صار جسدا ليخلّص العالم"‪.165‬‬ ‫سموها األعظم‪.‬‬ ‫‪ .236‬في اإلفخارستيا ُ‬ ‫تجد الطبيعةُ ّ‬ ‫ٍ‬ ‫فالنعمة‪ ،‬التي تميل إلى الظهور‬ ‫بشكل محسوس‪ ،‬تبلغُ‬ ‫ًّ‬ ‫استثنائيا حين اهلل نفسه‪ ،‬المتجسد‪ ،‬قد جعل من‬ ‫تعبير‬ ‫ا‬ ‫نفسه غذاء إلطعام خليقته‪ .‬لقد أراد ُّ‬ ‫قمة ّسر‬ ‫الرب‪ ،‬في ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫مادة‪ .‬ال‬ ‫أعماقنا من‬ ‫تجسده‪ ،‬الدخو َل إلى‬ ‫خالل ِكسرة َ‬ ‫من العال‪ ،‬بل من الداخل‪ ،‬حتى نتم ّكن من اللّقاء به في‬ ‫‪164‬‬ ‫يوحنا بولس الثاني‪ ،‬الرسالة الرسولية نـور الشرق ‪2( Orientale lumen‬‬ ‫‪165‬‬ ‫نفس المرجع‪.‬‬ ‫مايو‪/‬أيار ‪ :11 ،)1995‬أعمال الكرسي الرسولي ‪.757 ،)1995( 87‬‬ ‫‪214‬‬ ‫الملء باإلفخارستيا؛ إنه مركز الكون‬ ‫عالمنا‪ .‬وقد تحقّق‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫وبحياة ال تنضب‪.‬‬ ‫بالمحبة‬ ‫فائض‬ ‫ومصدر‬ ‫الحيوي‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫المتجسد‬ ‫الكون بأكمله الشكر هلل‪ ،‬متّحدا باالبن‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫يرفعُ‬ ‫والحاضر في اإلفخارستيا‪ .‬في الواقع‪ ،‬إن اإلفخارستيا‬ ‫كونية! ألنه‪ ،‬حتى‬ ‫كونية‪" :‬نعم‪ّ ،‬‬ ‫محب ٍة ّ‬ ‫بذاتها هي عم ُل ّ‬ ‫ولو أُحتفل بالقداس على مذبح صغير في كنيسة‬ ‫بالريف‪ ،‬فاإلفخارستيا ُيحتفل بها دائما‪ ،‬نوعا ما‪ ،‬فوق‬ ‫‪166‬‬ ‫األرض بالسماء‪،‬‬ ‫توحد‬ ‫مذبح العالم" ‪ .‬اإلفخارستيا ّ‬ ‫َ‬ ‫وتحتضن وتخترق ك ّل الخليقة‪ .‬فالكون الذي خرج من‬ ‫يدي اهلل‪ ،‬يعود إليه بعبادة كاملة وممتلئة بالغبطة‪.‬‬ ‫بين ّ‬ ‫األلوهية‪ ،‬نحو‬ ‫"تمتد الخليقةُ نحو‬ ‫في الخبز اإلفخارستي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫المقدس‪ ،‬نحو االتحاد بالخالق نفسه"‪ .167‬لهذا‪،‬‬ ‫العرس‬ ‫ّ‬ ‫مصدر ٍ‬ ‫نور وحافز لك ّل‬ ‫فإن اإلفخارستيا هي أيضا‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫توجهنا كي نكون ُحراسًّا‬ ‫مخاوِفنا التي‬ ‫تخص البيئة‪ ،‬و ّ‬ ‫ّ‬ ‫لكل الخليقة‪.‬‬ ‫‪Ecclesia de‬‬ ‫‪ 166‬نفس الكاتب‪ ،‬الرسالة العامة اإلفخارستيّا حياة الكنيسة‬ ‫‪ 17( Eucharistia‬أبريل‪/‬نيسان ‪ :8 ،)2003‬أعمال الكرسي الرسولي ‪95‬‬ ‫(‪.438 ،)2003‬‬ ‫‪167‬‬ ‫بندكتس السادس عشر‪ ،‬عظة قداس عيد جسد المسيح (‪ 15‬يونيو‪/‬حزيران‬ ‫‪ :)2006‬أعمال الكرسي الرسولي ‪.513 ،)2006( 98‬‬ ‫‪215‬‬ ‫‪ .237‬إن للمشاركة في اإلفخارستيا‪ ،‬يوم األحد‪ ،‬أهمية‬ ‫السبت عند اليهود‪ ،‬هو يوم‬ ‫خاصة‪ .‬هذا اليوم‪ ،‬كيوم ّ‬ ‫إصالح عالقات الكائن البشري مع اهلل‪ ،‬ومع ذاته‪ ،‬ومع‬ ‫اإليمان‬ ‫اآلخرين ومع العالم‪ .‬بهذه الطريقة‪ ،‬يستوعب‬ ‫ُ‬ ‫قيمةَ الراحة واالحتفال‪ .‬إن األحد هو يوم القيامة‪« ،‬اليوم‬ ‫الرب‬ ‫األول» للخلقية الجديدة‪ ،‬وباكورته هي إنسانية‬ ‫ّ‬ ‫القائمة‪ ،‬ضمان التجلّي األخير للواقع المخلوق بأكمله‪.‬‬ ‫األبدية‬ ‫يبشر بـ "الراحة‬ ‫ّ‬ ‫باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬إن هذا اليوم ُ‬ ‫لإلنسان في اهلل"‪ .168‬وبهذه الطريقة‪ ،‬تدمج الروحانية‬ ‫قيمة الراحة والعيد‪ .‬فالكائن البشري يمي ُل‬ ‫المسيحية بين ّ‬ ‫ِ‬ ‫التأملية داخل إطار ما هو ِ‬ ‫غير ُمنتِج‬ ‫إلى اختزال الراحة ّ‬ ‫وغير ِ‬ ‫ِ‬ ‫نافع‪ ،‬ناسيا أنه بهذا التفكير ُي َجِّرد العم َل الذي‬ ‫مدعوون إلى‬ ‫يقوم به من أهم شيء‪ :‬من معناه‪ .‬إننا‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫تصرفاتنا‪ ،‬والذي يختلف‬ ‫وم َّجاني في‬ ‫ّ‬ ‫إدخال ُبعد ُمنفَتح َ‬ ‫مجرد الخمول‪ .‬إنها مسألة طريقة تصرف أخرى‪،‬‬ ‫عن ّ‬ ‫هي جزء من وجودنا‪ .‬بهذه الطريقة ُيحفظ النشاط‬ ‫اإلنساني‪ ،‬ليس فقط من الفعّالية الفارغة‪ ،‬وانما أيضا‬ ‫يؤدي إلى‬ ‫من الجشع الجامح ومن انعزال الضمير الذي ّ‬ ‫الشخصية‪ .‬كانت تفرض‬ ‫السعي فقط وراء المنفعة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪168‬‬ ‫التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية‪ ،‬رقم ‪.2175‬‬ ‫‪216‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫يوم السبت‬ ‫شريعةُ الراحة األسبوعية الكف عن العمل َ‬ ‫"لِ َكي يستَريح ثَور َ ِ‬ ‫ك و َّ‬ ‫النزيل"‬ ‫َمتِ َ‬ ‫مار َ‬ ‫ك َو َ‬ ‫َ‬ ‫يتنفَّ َس ُ‬ ‫ك وح ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫آبن أ َ‬ ‫توسع للرؤية يسمح‬ ‫(خر ‪ .)12 ،23‬ألن الراحة هي ّ‬ ‫باالعتراف من جديد بحقوق اآلخرين‪ .‬هكذا فإن يوم‬ ‫الراحة‪ ،‬وقلبه اإلفخارستيا‪ ،‬يبسط نوره على األسبوع‬ ‫بأكمله ويشجعنا على تبني موقف العناية بالطبيعة‬ ‫وبالفقراء‪.‬‬ ‫‪ .VII‬الثالوث والعالقة بين الخالئق‬ ‫‪ .238‬اآلب هو المصدر األخير لكل شيء‪ ،‬أساس‬ ‫المحبة والتواصل لك ّل ما هو موجود‪ .‬واالبن‪ ،‬الذي‬ ‫يعكسه والذي بواسطته ُخلِق ك ّل شيء‪ ،‬قد اتّحد بهذه‬ ‫األرض حين تجسد في أحشاء مريم‪ .‬وال ّروح القدس‪،‬‬ ‫المحبة الالمتناهية‪ ،‬هو موجود بال حدود في قلب‬ ‫رباط‬ ‫ّ‬ ‫الكون‪ ،‬يحيي وي ِ‬ ‫ق العالم‬ ‫حفز على طرق جديدة‪ .‬لقد ُخلِ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫باألقانيم الثالثة كمبدأ إلهي واحد‪ ،‬غير أن كال منهم‬ ‫الشخصية‪ .‬لهذا‪،‬‬ ‫يحقّق هذا العمل العام بحسب هويته‬ ‫ّ‬ ‫‪217‬‬ ‫نتأمل الكون باندهاش في عظمته وجماله‪ ،‬يجب‬ ‫"حين ّ‬ ‫أن نسبح كل الثالوث"‪.169‬‬ ‫للمسيحيين‪ ،‬إن اإليمان بإله واحد هو‬ ‫‪ .239‬بالنسبة‬ ‫ّ‬ ‫يحث على التفكير بأن الواقع كله يحتوي‬ ‫َش ِركة ثالوث‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫في ذاته على بصمة هي‪ ،‬على وجه التحديد‪ ،‬ثالوثية‪.‬‬ ‫توص َل القديس بونافنتو ار إلى التأكيد بأن الكائن البشري‬ ‫َّ‬ ‫كان باستطاعته‪ ،‬قبل الخطيئة األولى‪ ،‬أن يكتشف كيف‬ ‫"تشهد ك ّل خليقة على أن اهلل ثالوث"‪ .‬كان من الممكن‬ ‫التعرف على انعكاس الثالوث في الطبيعة "عندما كان‬ ‫هذا الكتاب غير محجوب عن اإلنسان ولم يكن بصره‬ ‫قد ُش ِّو َش بعد"‪ .170‬يعلّمنا هذا القديس الفرنسيسكاني أن‬ ‫ك ّل خليقة لديها في ذاتها بنية ثالوثية على وجه‬ ‫ًّ‬ ‫عفويا لو لم‬ ‫التحديد‪ ،‬حقيقية لدرجة أنه يمكن التأمل بها‬ ‫يكن بصر الكائن البشري هكذا محدودا‪ ،‬ومظلما ًّ‬ ‫وهشا‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫إنه‪ ،‬بهذه الطريقة‪ ،‬يوضح لنا تحدي محاولة قر ِ‬ ‫اءة الواقع‬ ‫بمفتاح نظرة ثالوثية‪.‬‬ ‫‪169‬‬ ‫يوحنا بولس الثاني‪ ،‬المقابلة العامة (‪ 2‬أغسطس‪/‬آب ‪ :4 ،)2000‬تعاليم‬ ‫‪170‬‬ ‫‪Quaest. disp. de Myst.‬‬ ‫‪.112 ،(2000) 23/2‬‬ ‫أسئلة ومناقشات حول "سر الثالوث" ‪-‬‬ ‫‪ ،2 ،1 ،Trinitatis‬خاتمة‪.‬‬ ‫‪218‬‬ ‫‪ .240‬إن أقانيم الثالوث هي عالقات قائمة‪ ،‬والعالم‪،‬‬ ‫النموذج اإللهي‪ ،‬هو نسيج عالقات‪.‬‬ ‫المخلوق بحسب ّ‬ ‫الخالئق تتوق إلى اهلل‪ ،‬ومن خصائص ك ّل ٍ‬ ‫كائن حي‬ ‫أن يتوق بدوره نحو شيء آخر‪ ،‬بحيث أنه يمكن أن‬ ‫نجد في أحشاء الكون عددا ال يحصى من العالقات‬ ‫الثابتة والمتشابكة بطريقة سرية‪ .171‬إن هذا ال يدعونا‬ ‫المتعددة الموجودة بين‬ ‫الصالت‬ ‫فقط إلى‬ ‫التعجب من ِّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الخالئق‪ ،‬إنما يحملنا أيضا إلى اكتشاف مفتاح تحقيق‬ ‫الذات الخاصة‪ .‬في الواقع‪ ،‬الكائن البشري ينمو وينضج‬ ‫ويتقدس على قدر دخوله في عالقة‪ ،‬حين يخرج من‬ ‫ّ‬ ‫ذاته ليعيش بشركة مع اهلل‪ ،‬مع اآلخرين ومع جميع‬ ‫الخالئق‪ .‬هكذا يحصل‪ ،‬في وجوده الخاص‪ ،‬على هذه‬ ‫إن‬ ‫الدينامية الثالوثية التي نقشها اهلل فيه منذ أن خلقه‪ّ .‬‬ ‫روحانية‬ ‫ضج‬ ‫ّ‬ ‫ك ّل شيء متّصل‪ ،‬وهذا يدعونا إلى أن ُن ْن َ‬ ‫تضامن شاملة‪ ،‬تدفق من سر الثالوث‪.‬‬ ‫‪171‬‬ ‫را‪ .‬توما األكويني‪ ،‬الخالصة الالهوتية ‪ ،1 ،Summa Theologiae‬س‪.‬‬ ‫‪ ،11‬ق ‪ ،3‬س‪ ،21 .‬ق‪ ،1 .‬أ ‪3‬؛ س ‪ ،47‬ق ‪.3‬‬ ‫‪219‬‬ ‫‪ .VIII‬سلطانة الخلق بأسرها‬ ‫‪ .241‬مريم‪ ،‬األم التي اعتنت بيسوع‪ ،‬هي اآلن تعتني‬ ‫بهذا العالم المجروح‪ ،‬بعاطفة وبوجع األم‪ .‬وكما بكت‬ ‫بقلب مطعون موت يسوع‪ ،‬فإنها تتألم اآلن آلالم الفقراء‬ ‫دمرتها سلطة‬ ‫المصلوبين وخالئق هذا العالم التي ّ‬ ‫وتتغنى‬ ‫البشر‪ .‬إنها تعيش برفقة يسوع‪ ،‬وقد تجلّت كلّيا‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ك ّل الخالئق بجمالها‪ .‬إنها «المرأة» "الملتَ ِحفَةُ بِ َّ‬ ‫الش ْمس‬ ‫ُ‬ ‫حت قَ َدميها‪ ،‬وعلى ر ِ‬ ‫أسها إِ ْكلي ٌل ِم ِن اثَني َع َش َر‬ ‫َ‬ ‫والقَ َم ُر تَ َ َ‬ ‫َكوكبا" (رؤيا ‪ .)1 ،12‬وقد ارتفعت إلى السماء‪ ،‬وهي‬ ‫الممجد‪ ،‬مع‬ ‫والدة وسلطانة الخليقة جمعاء‪ .‬في جسدها‬ ‫ّ‬ ‫المسيح القائم من بين األموات‪ ،‬بلغ جزٌء من الخلق إلى‬ ‫كل ملء جماله خاص‪ .‬إنها ال "تَحفَظُ في َقلبِها" (لو ‪،2‬‬ ‫‪ )51 .19‬حياة يسوع بكاملها وحسب‪ ،‬وانما اآلن تدرك‬ ‫معنى ك ّل شيء‪ .‬لذا‪ ،‬يمكننا أن نطلب منها مساعدتنا‬ ‫على النظر إلى هذا العالم يعيون أكثر حكمة‪.‬‬ ‫المقدسة‪ ،‬يتجلَّى‬ ‫‪ .242‬إلى جانبها‪ ،‬في عائلة الناصرة‬ ‫ّ‬ ‫القديس يوسف‪ .‬فقد اعتنى بمريم وبيسوع ودافع‬ ‫وجه ّ‬ ‫وحررهما من عنف‬ ‫عنهما بعمله وبحضوره‬ ‫السخي‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫الظّالمين ذاهبا بِ ِهما إلى مصر‪ .‬إنه يظهر في اإلنجيل‪،‬‬ ‫وقوي‪ .‬ولكن‪ ،‬من وج ِه ِه ينبعث‬ ‫كرجل بار‪ ،‬وعامل‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫‪220‬‬ ‫عطف كبير‪ ،‬وهذا ليس بسمة الضعفاء‪ ،‬إنما ِس َمة‬ ‫أيضا‬ ‫ٌ‬ ‫من هم حقيقة أقوياء‪ ،‬ومتنِّبهون للواقع‪ ،‬ليحبوه ويخدموه‬ ‫بتواضع‪ .‬لهذا قد أُعلِ َن حارسا للكنيسة الجامعة‪ .‬هو‬ ‫أيضا بإمكانه أن يعلّمنا أن نعتني‪ ،‬وأن يحثنا على‬ ‫العمل بسخاء وبعطف لحماية هذا العالم الذي عهد اهلل‬ ‫به إلينا‪.‬‬ ‫‪ .IX‬أبعد من الشمس‬ ‫‪ .243‬في النهاية سوف نلتقي وجها لوجه بجمال اهلل‬ ‫ٍ ِ‬ ‫الالمتناهي (را‪ 1 .‬قور ‪ )12 ،13‬وسنق أر‬ ‫بإعجاب ملؤهُ‬ ‫سر الكون‪ ،‬الذي سوف يتشارك معنا بالملء‬ ‫الفرح‪َّ ،‬‬ ‫الالمحدود‪ .‬نعم‪ ،‬نحن نسير نحو سبت األبدية‪ ،‬نحو‬ ‫أورشليم الجديدة‪ ،‬نحو البيت السماوي المشترك‪ .‬يقول‬ ‫لنا يسوع‪" :‬هاء َنذا أَجع ُل ُك َّل َش ٍ‬ ‫يء َجديدا" (رؤ ‪،21‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫‪ .)5‬ستكون الحياة األبدية اندهاشا ُمشتركا‪ ،‬حيث ك ّل‬ ‫خليقة‪ ،‬متجلّية بطريقة منيرة‪ ،‬ستأخ ُذ مكانها وسيكون‬ ‫نهائيا‪.‬‬ ‫بإمكانها أن تقدم شيئا للفقراء وقد ُحِّرُروا ّ‬ ‫‪ .244‬وفي األثناء‪ ،‬نتَّ ِحد في تحمل مسؤولية هذا البيت‬ ‫ِ‬ ‫أن ك ّل ما يحتويه من خير‬ ‫دركين ّ‬ ‫الذي أُوكل إلينا‪ُ ،‬م َ‬ ‫ِ‬ ‫السماوي‪ .‬ومعا‪ ،‬مع ك ّل الخالئق‪،‬‬ ‫االحتفال‬ ‫سيشارك في‬ ‫ّ‬ ‫‪221‬‬ ‫نسير على ِ‬ ‫هذه األرض باحثين عن اهلل‪ ،‬ألنه‪" :‬إذا كان‬ ‫ق‪ ،‬فهو يبحث عن خالقه‪ ،‬يبحث عن‬ ‫للعالم بدء‪ ،‬وقد ُخلِ َ‬ ‫َم ْن أعطاه بداية‪ ،‬عن َمن هو خلقه"‪ .172‬لِ َن ِسر ونحن‬ ‫نرّنم! علينا أالَّ ندع صراعاتنا وانشغاالتنا على هذا‬ ‫الكوكب تنتزع منا فرح الرجاء‪.‬‬ ‫سخي وكامل‪،‬‬ ‫‪ .245‬إن اهلل الذي يدعونا إلى التزٍام‬ ‫ٍّ‬ ‫النور التي نحتاج‬ ‫القوة و ّ‬ ‫والى تقديم كل شيء يهبنا ّ‬ ‫ليستمر في قلب هذا العالم‬ ‫إليهما لنكمل مسيرتنا‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫يحبنا كثيرا‪ .‬فهو ال يتخلّى‬ ‫رب الحياة‪ ،‬الذي ّ‬ ‫حضور ّ‬ ‫ِ‬ ‫وحبه‬ ‫عنا‪ ،‬وال يتركنا بمفردنا‪ ،‬ألنه اتّحد نهائيًّا‬ ‫بأرضنا‪ّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫إيجاد طر ٍ‬ ‫ق جديدة‪ .‬ليكن مسبحا!‬ ‫يحملنا دائما إلى‬ ‫المأساوي في‬ ‫المطول‪ ،‬الفَ ِرح و‬ ‫التأمل‬ ‫‪ .246‬بعد هذا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫صالتَين؛ األولى‪ُ ،‬يمكن أن يتشارك بِها‬ ‫آن‪ ،‬أقترُح َ‬ ‫جميع الذين يؤمنون ٍ‬ ‫بإله خال ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫قدير؛ والثانية‪ ،‬كي‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫كيف نمارس التزاماتنا‪ ،‬التي‬ ‫المسيحيين‪،‬‬ ‫نحن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫نعرف‪ُ ،‬‬ ‫يوصيها علينا االنجيل‪ ،‬تجاه الخليقة‪.‬‬ ‫‪172‬‬ ‫بازيليوس الكبير‪ ،‬عظة حول "اليوم السادس" ‪،1 ،Hom. in Hexaemeron‬‬ ‫‪ :6 ،2‬مجموعة آباء الكنيسة اليونانية ‪.8 ،29‬‬ ‫‪222‬‬ ‫صالة من أجل األرض‬ ‫يا اهلل القدير‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫الكون كلِّ ِه‬ ‫حاضر في‬ ‫أنت‬ ‫يا َمن َ‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬ ‫أصغر خالئِقك‪،‬‬ ‫وفي‬ ‫أنت يا من تَغمر بِ ِ‬ ‫عطفك َّ‬ ‫كل ما هو موجود‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫قوةَ َّ‬ ‫محبتِك‬ ‫أُس ُكب فينا ّ‬ ‫ِ‬ ‫بالحياة وبالجمال‪.‬‬ ‫كي ُنعتني‬ ‫ِ‬ ‫نعيش كإخوة وأخوات‬ ‫َّالم‪َ ،‬كي‬ ‫َ‬ ‫أفض علينا الس َ‬ ‫ض ٍ‬ ‫دون أن َّ‬ ‫ألي كان‪.‬‬ ‫رر ٍّ‬ ‫ب بِ َ‬ ‫نتسب َ‬ ‫َ‬ ‫يا إله الفقراء‪،‬‬ ‫نسيين في ِ‬ ‫ساعدنا على َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫هذه‬ ‫الم‬ ‫الم ّ َ‬ ‫َ‬ ‫تروكين و َ‬ ‫إعانة َ‬ ‫األرض‬ ‫فقيمتهم عظيمة في عينيك‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫إشف حياتَنا‪،‬‬ ‫َكي نحمي العالم ال ننهبه‬ ‫الدمار‪.‬‬ ‫الجمال ال التَ ُّلو َ‬ ‫ث وال ّ‬ ‫َكي َنزر َ‬ ‫ع َ‬ ‫الذين يلهثون فقط وراء األرباح‬ ‫إلمس‬ ‫َ‬ ‫قلوب َ‬ ‫‪223‬‬ ‫حساب الفقر ِ‬ ‫ِ‬ ‫اء واألرض‪.‬‬ ‫على‬ ‫َعلِّمنا أن َنكتَ ِشف قيمةَ ك ّل شيء‬ ‫تأم َل بإعجاب‪،‬‬ ‫وأن َن َّ‬ ‫ِ‬ ‫الخالئِق‬ ‫دون اتِّحادا َعميقا بِك ّل َ‬ ‫وأن َنعتَ ِر َ‬ ‫ف ّ‬ ‫بأننا ُمتَّح َ‬ ‫ِ‬ ‫نحو ِ‬ ‫ك الالمتناهي‪.‬‬ ‫نور َ‬ ‫في َمسيرتنا َ‬ ‫ك َم َعنا ك ّل األيام‪.‬‬ ‫ألن َ‬ ‫َنش ُك ُر َ‬ ‫ك ّ‬ ‫أعض ْدنا‪َ ،‬نرجوك‪ ،‬في نضالنا‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الم َّ‬ ‫حب ِة والسَّالم‪.‬‬ ‫من أجل العدل و َ‬ ‫صالة مسيحية مع الخليقة‬ ‫جميع خالئِ ِقك‪،‬‬ ‫مع‬ ‫ِ‬ ‫ِّح َ‬ ‫ك‪ّ ،‬أيها ُ‬ ‫ُنسب ُ‬ ‫اآلب‪َ ،‬‬ ‫التي َخ َر َجت ِمن َيدك القديرة‪.‬‬ ‫ك لك‪،‬‬ ‫إنها ُمل ٌ‬ ‫ضورك و ِمن ع ِ‬ ‫وهي َم ْملوءة ِمن ُح ِ‬ ‫طفك‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ُك ْن ُمسبحا‪.‬‬ ‫ابن اهلل‪ ،‬يسوع‪ ،‬بِك ُخلِقت ك ّل األشياء‪.‬‬ ‫يا َ‬ ‫‪224‬‬ ‫ِ‬ ‫األم مريم‪،‬‬ ‫ت في‬ ‫قَد َّ‬ ‫أحشاء ِّ‬ ‫تكوْن َ‬ ‫رت ِجزءا ِمن ِ‬ ‫ِ‬ ‫هذه األرض‪،‬‬ ‫وص َ‬ ‫رت إلى هذا العالم بعيون بشرية‪.‬‬ ‫ون َ‬ ‫ظ َ‬ ‫َ‬ ‫حي في ك ّل َخليقَة‪،‬‬ ‫اآلن ٌّ‬ ‫َ‬ ‫أنت َ‬ ‫جدك‪ِ ،‬‬ ‫بِم ِ‬ ‫مجد ِ‬ ‫القائم ِمن ِ‬ ‫بين األموات‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ُك ْن ُمسبحا‪.‬‬ ‫الروح القُ ُدس‪،‬‬ ‫أيها ّ‬ ‫محب ِة ِ‬ ‫يا َمن تُوجِّهُ بِ ِ‬ ‫نحو َّ‬ ‫اآلب‬ ‫نورك هذا‬ ‫َ‬ ‫العالم َ‬ ‫الخليقَة‪،‬‬ ‫أنين َ‬ ‫وتُرِاف ُ‬ ‫ق َ‬ ‫أنت تَحيا أيضا في قلوبِنا‬ ‫َ‬ ‫َكي تَحثَّنا على الخير‪.‬‬ ‫ُك ْن ُمسبحا‪.‬‬ ‫وش ِركةُ رائعة‬ ‫احد وثالوث‪َ ،‬‬ ‫أنت و ٌ‬ ‫أيها الرب اإلله‪ ،‬يا َمن َ‬ ‫َّ‬ ‫لمحب ٍة المتناهية‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫تأملَك‪،‬‬ ‫َعل ْمنا أن َن ّ‬ ‫‪225‬‬ ‫ِ‬ ‫جمال ال َكون‪،‬‬ ‫في‬ ‫ٍ‬ ‫شيء ُي ِّ‬ ‫حدثنا عنك‪.‬‬ ‫َحيث ك ّل‬ ‫ِ‬ ‫كرنا‬ ‫أيق ْ‬ ‫سبيحنا ُ‬ ‫ظ تَ َ‬ ‫وش َ‬ ‫ِمن ِ‬ ‫أجل ك ّل ٍ‬ ‫كائن َخلَقتَه‪.‬‬ ‫عور باتّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِْ‬ ‫عمة ال ّش ِ‬ ‫حادنا العميق‬ ‫أسب ْغ َعلينا ن َ‬ ‫ِّ‬ ‫بكل ما هو موجود‪.‬‬ ‫الم َّ‬ ‫كاننا في هذا العالم‬ ‫حبة‪ ،‬أَرنِا َم َ‬ ‫يا إلهَ َ‬ ‫ٍ‬ ‫كأداة لِ َم َحَّبتِك‬ ‫ِ‬ ‫تِجاه ِّ‬ ‫كائنات هذه األرض‪،‬‬ ‫كل‬ ‫ك‪.‬‬ ‫احد م ٌّ‬ ‫نسي من قَبلِ َ‬ ‫ألن ليس بينها و ٌ‬ ‫أصحاب الس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُّلطة والمال‬ ‫أَنِر‬ ‫ِ‬ ‫خطيئة ِ‬ ‫عدم االكتراث‪،‬‬ ‫َكي ال يسقطوا في‬ ‫الخير العام‪ ،‬ويساندوا ُّ‬ ‫الض َعفاء‪،‬‬ ‫وي ِحُّبوا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ويعتَنوا بِهذا العالم الذي نقطنه‪.‬‬ ‫َ‬ ‫األرض يصيحون‪:‬‬ ‫اء و َ‬ ‫قر َ‬ ‫إن الفُ َ‬ ‫رب‪ :‬إكتنفنا بِقُ َّوتِك وبِ ِ‬ ‫نورك‪،‬‬ ‫يا ّ‬ ‫كي نحمي ك ّل حياة‪،‬‬ ‫‪226‬‬ ‫عد مستَ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َفضل‪،‬‬ ‫قبل أ َ‬ ‫ولُن َ ُ‬ ‫ليأتي َملكوتك‪،‬‬ ‫لكوت الع ِ‬ ‫المحب ِة والجمال‪.‬‬ ‫دل و ّ‬ ‫َم ُ َ‬ ‫ُك ْن ُمسبحا‪.‬‬ ‫آمين‪.‬‬ ‫أعطي في روما‪ ،‬قرب القديس بطرس‪ ،‬عيد العنصرة‪،‬‬ ‫في ‪ 24‬مايو‪/‬أيار سنة ‪ ،2015‬السنة الثالثة من‬ ‫حبريتي‪.‬‬ ‫‪227‬‬ ‫الفهرس‬ ‫ُك ْن ُم َسبَّحا‪ ،‬يا سيِّدي [‪]2-1‬‬ ‫ال شيء في هذا العالم يجعلنا غير مبالين [‪]6-3‬‬ ‫هم واحد [‪]9-7‬‬ ‫متّحدون في ٍّ‬ ‫القديس فرنسيس األسّيزي [‪]12-10‬‬ ‫ندائي [‪]16-13‬‬ ‫الفصل األول‬ ‫ما يحدث لبيتنا المشترك [‪]19-17‬‬ ‫‪ .I‬التلوث والتغييرات المناخية‬ ‫تلوث‪ ،‬نفايات وثقافة الهدر [‪]22-20‬‬ ‫المناخ ٍ‬ ‫كخير عام [‪]26-23‬‬ ‫‪ .II‬مسألة المياه [‪]31-27‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪13‬‬ ‫‪18‬‬ ‫‪19‬‬ ‫‪22‬‬ ‫‪27‬‬ ‫‪ .III‬فقدان التنوع البيولوجي [‪]42-32‬‬ ‫‪30‬‬ ‫‪ .II‬تدهور نوعية الحياة البشرية والتفكك االجتماعي ‪39‬‬ ‫[‪]47-43‬‬ ‫‪ .I‬تباين كوني [‪]52-48‬‬ ‫‪42‬‬ ‫‪َ .II‬وهن ردود الفعل [‪]59-53‬‬ ‫‪ .III‬اختالف اآلراء [‪]61-60‬‬ ‫‪49‬‬ ‫‪55‬‬ ‫الفصل الثاني‬ ‫إنجيل الخليقة [‪]62‬‬ ‫‪ .I‬النور الذي يقدمه اإليمان [‪]64-63‬‬ ‫‪57‬‬ ‫‪57‬‬ ‫‪ .II‬حكمة روايات الكتاب المقدس [‪]75-65‬‬ ‫‪59‬‬ ‫‪ .III‬سر الكون [‪]83-76‬‬ ‫‪70‬‬ ‫‪ .II‬رسالة كل خليقة داخل تناغم كل الخليقة [‪]88-84‬‬ ‫‪77‬‬ ‫‪228‬‬ ‫‪َ .I‬ش ِركة كونية [‪]92-89‬‬ ‫‪ .II‬الغاية المشتركة للخيرات [‪]95-93‬‬ ‫‪87‬‬ ‫‪ .III‬نظرة يسوع [‪]100-96‬‬ ‫‪90‬‬ ‫الفصل الثالث‬ ‫األصل البشري لألزمة اإليكولوجية [‪]101‬‬ ‫‪ .I‬التكنولوجيا‪ :‬إبداع وسلطة [‪]105-102‬‬ ‫‪ .II‬عولمة النموذج التكنوقراطي [‪]114-106‬‬ ‫‪83‬‬ ‫‪95‬‬ ‫‪95‬‬ ‫‪99‬‬ ‫‪ .III‬أزمة ونتائج المركزية األنثروبية الحديثة [‪109 -115‬‬ ‫‪]121‬‬ ‫النسبوية العملية [‪]123-122‬‬ ‫ضرورة حماية العمل [‪]129-124‬‬ ‫االبتكار البيولوجي انطالقا من البحوث [‪]136-130‬‬ ‫الفصل الرابع‬ ‫إيكولوجية متكاملة [‪]137‬‬ ‫‪ .I‬إيكولوجية بيئية واقتصادية واجتماعية [‪]142-138‬‬ ‫‪ .II‬إيكولوجية ثقافية [‪]146-143‬‬ ‫‪ .III‬إيكولوجية الحياة اليومية [‪]155-147‬‬ ‫‪ .VI‬مبدأ الخير العام [‪]158-156‬‬ ‫‪ .V‬العدالة بين األجيال [‪]162-159‬‬ ‫الفصل الخامس‬ ‫بعض اإلرشادات للتوجيه وللعمل [‪]163‬‬ ‫‪ .I‬الحوار حول البيئة في السياسة الدولية [‪]175-164‬‬ ‫‪114‬‬ ‫‪117‬‬ ‫‪123‬‬ ‫‪130‬‬ ‫‪130‬‬ ‫‪136‬‬ ‫‪139‬‬ ‫‪147‬‬ ‫‪148‬‬ ‫‪153‬‬ ‫‪153‬‬ ‫‪ .II‬الحوار من أجل سياسات وطنية ومحلّية جديدة ‪163‬‬ ‫[‪]181-176‬‬ ‫‪229‬‬ ‫‪ .III‬حوار وشفافية في اتخاذ الق اررات [‪]188-182‬‬ ‫‪169‬‬ ‫‪ .IV‬السياسة واالقتصاد في حوار من أجل الملء ‪174‬‬ ‫اإلنساني [‪]198-189‬‬ ‫‪ .V‬األديان في حوار مع العلوم [‪]201-199‬‬ ‫الفصل السادس‬ ‫تربية وروحانية إيكولوجية [‪]202‬‬ ‫‪ .I‬السعي إلى نمط آخر من الحياة [‪]208-203‬‬ ‫‪ .II‬تربيةٌ على العهد بين البشرية والبيئة [‪]215-209‬‬ ‫‪ .III‬التوبة اإليكولوجية [‪]221-216‬‬ ‫‪ .IV‬فرح وسالم [‪]227-222‬‬ ‫وسياسية [‪]232-228‬‬ ‫دنية‬ ‫ّ‬ ‫محبة َم ّ‬ ‫‪ّ .V‬‬ ‫‪ .VI‬العالمات األس اررية والراحة االحتفالية [‪]237-233‬‬ ‫‪ .VII‬الثالوث والعالقة بين الخالئق [‪]240-238‬‬ ‫‪ .VIII‬سلطانة الخلق بأسرها [‪]242-241‬‬ ‫‪ .IX‬أبعد من الشمس [‪]246-243‬‬ ‫صالة من أجل األرض‬ ‫صالة مسيحية مع الخليقة‬ ‫‪183‬‬ ‫‪187‬‬ ‫‪187‬‬ ‫‪192‬‬ ‫‪198‬‬ ‫‪203‬‬ ‫‪207‬‬ ‫‪211‬‬ ‫‪217‬‬ ‫‪220‬‬ ‫‪221‬‬ ‫‪223‬‬ ‫‪224‬‬ ‫‪228‬‬ ‫الفهرس‬ ‫ﻤﻼﺤظﺎت ﺨﺎﺼﺔ ﺒﺎﻟﺘرﺠﻤﺔ اﻟﻌرﺒﯿﺔ‬ ‫‪231‬‬ ‫© جميع الحقوق محفوظة – حاضرة الفاتيكان ‪2015‬‬ ‫‪230‬‬ ‫مالحظات خاصة بالترجمة العربية‬ ‫‪i‬‬ ‫المناطق الرطبة هي أي وسط تغمره المياه سواء ًّ‬ ‫كليا أو جز ًّئيا‪ ،‬أو به نسبة من الرطوبة‬ ‫طوال السنة أو لفترة مؤقتة‪ .‬وهي أوسط حيوية للغاية بالنسبة لبعض الكائنات الحية‬ ‫وتستقطب خاصة الطيور المائية المهاجرة التي تعبر القارات‪ .‬والمنطقة الرطبة قد تكون‬ ‫طبيعية أو اصطناعية‪.‬‬ ‫‪ii‬‬ ‫‪iii‬‬ ‫التراكم التسارعي‪ ،‬من "‪ ." rapidación‬عبارة قليلة االستعمال وغير موجودة في المعجم؛‬ ‫استُ ِ‬ ‫عملَت في بعض النصوص القانونية األرجنتينية‪ ،‬وتعني التراكم السريع جدا للتغييرات‪.‬‬ ‫التراكم الحيوي‪ :)Bioaccumulation( :‬يشير إلى تراكم مواد مثل المبيدات الحشرية أو‬ ‫مواد ومركبات عضوية أخرى في الكائنات الحية‪ .‬يحدث التراكم الحيوي عندما يمتص‬ ‫كائن حي مادة سامة بمعدل أعلى من تصريفه لهذه السموم‪.‬‬ ‫‪iv‬‬ ‫‪v‬‬ ‫كل ما يتعلق بظواهر البركان‪ :‬الثوران البركاني‪ ،‬الحمم‪ ،‬البخار‪ ،‬الصهارة‪.‬‬ ‫الوقود األحفوري (‪ :)combustibili fossili‬هو وقود يتم استعماله إلنتاج الطاقة‬ ‫األحفورية‪ :‬كالفحم الحجري‪ ،‬الفحم النفطي األسود‪ ،‬الغاز الطبيعي‪ ،‬ومن البترول‪،‬‬ ‫وتستخرج هذه المواد بدورها من باطن األرض وتحترق في الهواء مع األكسجين إلنتاج‬ ‫ح اررة تستخدم في كافة الميادين‪.‬‬ ‫‪vi‬‬ ‫الخلية الثانوية (‪ :)Secondary Cell‬هي خلية كيمياوية قادرة على اختزان الطاقة‬ ‫الكهربائية‪.‬‬ ‫‪vii‬‬ ‫الرهن في القانون وفي االقتصاد هو انتقال حق ملكية ما إلى صاحب القرض لضمان‬ ‫تسديد الدين‪.‬‬ ‫‪ viii‬الحمض النووي الرايبوزي (‪ )DNA‬منقوص األكسجين‬ ‫َن ِْ‬ ‫‪ ix‬مذهب فكري َي ْعتَبِر أ َّ‬ ‫اإل ْن َسان ُه َو َح ِقيقة الْ َك ْون ا ْل َم ْرَك ِزيَّة‪.‬‬ ‫‪ x‬بروموتي‪ :‬موقف الذي يسعى إلى إعطاء اإلنسان الوسيلة كي يرفع روحه ووضعه‪.‬‬ ‫‪xi‬‬ ‫نظرية مركزية الحياة ‪( Biocentrism‬بيوسنتريزم) هي نظرية اقترحها العالم األمريكي‬ ‫(روبرت النزا) في عام ‪ 2007‬وفي نظر (النزا)‪ :‬تجسد الحياة وعلومها (البيولوجيا) مرك از‬ ‫للكائن والحقيقة والكون‪ ،‬وتعتبر ال نظريات الحالية عن العالم الفيزيائي غير كافية لتفسير‬ ‫الكون ولن تنجح إال إذا أخذت في حسبانها قيمة الحياة والوعي‪.‬‬ ‫‪xii‬‬ ‫المحايثة في األصل الالتيني بمعنى يمكث في‪ ،‬وهو مفهوم من المفاهيم الرئيسية للفلسفة‬ ‫التأملية التقليدية والمدارس المثالية المعاصرة‪ ،‬والمصطلح بهذا المعنى يرجع إلى أرسطو‪،‬‬ ‫اما بمعناه الدقيق فقد استخدم أول مرة في الفلسفة المدرسية (السكوالئية) في العصور‬ ‫الوسطى والمعنى المعاصر للمصطلح هو الذي قدمه كانط‪.‬‬ ‫‪231‬‬ ‫‪xiii‬‬ ‫يمثل فورات الحجم أو اقتصادات الحجم أو اقتصاديات السعة ( ‪Economies of‬‬ ‫‪ )scale‬انخفاض متوسط التكلفة الكلية في األجل الطويل كلما ارتفع حجم إنتاج الشركة‪.‬‬ ‫وهو مصطلح مرتبط باقتصادات اإلنتاج الواسع النطاق‪ ،‬حيث تؤدي الزيادات المطردة في‬ ‫اإلنتاج إلى انخفاض متوسط (أو وحدة) التكاليف على المدى الطويل‪.‬‬ ‫‪xiv‬‬ ‫احتكار القلّة (بالالتينية‪ - oligopolium :‬مشتقة من الجذر اليوناني الذي يعني باعة‬ ‫قليلون) هو أحد اشكال احتكار السوق‪ ،‬وهو حالة يكون السوق محكوما من قبل عدد قليل‬ ‫من الموفرين للبضاعة‪.‬‬ ‫‪xv‬‬ ‫صيغ مبدأ االحتياط أو الحيطة للمرة األولى في عام ‪ 1992‬في المبدأ ‪ 15‬من إعالن‬ ‫ريو‪" :‬عندما تكون هناك تهديدات بوقوع أضرار جسيمة أو ال رجعة فيها‪ ،‬واالفتقار إلى‬ ‫اليقين العلمي الكامل ال يمكن أن يكون مبر ار لتأجيل اعتماد تدابير فعالة لمنع التدهور‬ ‫البيئي"‪ .‬ورغم عدم وجود تعريف محدد عالميًّا لهذا المبدأ‪ ،‬يمكن محاولة التعبير عنه عامة‬ ‫كما يلي‪ :‬ضرورة اتخاذ تدابير وقائية عندما يكون هناك سبب كاف لالعتقاد بأن أي نشاط‬ ‫أو منتج قد يسبب أض ار ار جسيمة‪ ،‬والتي ال رجعة فيها على الصحة أو البيئة‪ .‬قد تكون‬ ‫هذه التدابير لخفض أو وقف النشاط إذا كان نشاط ما‪ ،‬أو لمنع هذا المنتج إذا كان منتجا‪،‬‬ ‫من دون الحاجة إلى إنشاء دليل قاطع رسميا إلى وجود عالقة سببية بين هذا النشاط أو‬ ‫المنتج‪ ،‬والعواقب الوخيمة‪ .‬وضرورة اتخاذ تدابير عالجية كضمان عقاب المتسبب في‬ ‫الضرر‪ ،‬ومعالجة األضرار‪ ،‬والتعويض المتضررين‪ ،‬وخلق التزامات جديدة باإلعالم‬ ‫والتابعة والمالحقة‪ ،‬لحماية المجتمع وللتقليل من اآلثار التي قد تلحق باألجيال القادمة‪.‬‬ ‫‪xvi‬‬ ‫يقصد بالعقل األدتي في الفلسفة االجتماعية ذلك النمط من التفكير الذي يعرف مشكلة ما‬ ‫ويسعى لحلها مباشرة دون تساؤل عن مضمون هذه الحلول والغايات وما إذا كانت إنسانية‬ ‫أو معادية لإلنسان‪.‬‬ ‫‪232‬‬